الأدبُ يحافظ على اللغة وهي تقوم بأدوارها باعتبارها إرثاً جمْعياً، واللغة، من حيث حدها، تتجه إلى حيث تريد، لا مرسوم ينزّل من أعلى، ولا من السياسة ولا من أكاديمية، يمكن أن يوقفها ويجعلها تنحرف (عن مسارها) نحو أوضاع يُدّعى أنها أفضل (أو أمثل) مما هي عليه. أ. إيكو عن الأدب، تر: م. بوزاهيرع، غْراسِّي، باريس 2002 ص: 11. 1. مثل هذا الكلام الدقيق الوجيز والمحكم العميق، بالنسبة إلى الأدب عامة وإلى الأدب العربي بالتحديد، كان ينبغي أن يقال وأن يقرأه السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر في الحكومة الحالية، وكان ينبغي أن يقال ويطلع عليه، بالنسبة إلى اللغة العربية لذلك الكائن الخرافي الذي يصول ويجول على هواه، «يشرمل» بطريقته المتوحشة، مزهواً ب «خبرائه» (!!) على نهج الإيكْسمانْ في كل اتجاه، وفي كل مناسبة وفي كل محفل. من هو هذا الإيكْسمان الذي يسعى إلى هدْم الأهرامات اللغة العaربية هرم، وهي روح الأمة وعصب الأمة، ليس بالمعنى الهيجْلي ولا النّفجي الذي يكتفي أصحابه بالتّشدق والمخاتلة ولا بالمعنى السيكوريتاتي: الأمة بالمعنى الهيجلي الفلسفي الواسع، أو بالمعنى الذي بلوره الموسوعيون في فرنسا، مادام هذا الإيكسمان ينسب نفسه إلى بلد (ديدْرو)، أو يتصور أنه يملك بعض قبسه المتحدّر من قبل النهضة الفرنسية وما بعدها لمجرد أنه أقام في بلد الإفرنج لفترة عابرة مكنته، كما يعتقد، من بعض ما كان يطفو دون سبر أغوار خضمها، أو سبح قليلا ثم ارتُجّ عليه فاكتفى بفرانكفونية شكلية، تكاد تكون »مارقة« لا تتجاوز الشّطح والسطح معاً، لا تفقه من كيان اللغة الفرنسية سوى النزر اليسير الذي يقضي به أغراضه وأغراض عشيرته وحاشيته في البيع والشراء والمقاولة، حقيقة ومجازاً، في المشهد العام وفي الصالونات والمناسبات. هذا بعدٌ أول، الأبعاد الأخرى لن يدركها بالمرة، لأنه يحتاج هو وأضرابه، إلى أعمار أخرى مثل أعمار القط ليعلم ويدرك كنه اللغة العربية ويدرك مضانها التي لا طاقة له ولأمثاله عليها، فيلولوجيا وتركيبياً ونحوياً ونحتاً وإعراباً وصرفاً ودلالة، وأن يستفيد، ولو قليلاً، مما راكمه المستشرقون بصددها، ليس في حد ذاتها، بل لما تضمّه في عمقها من ذخائر لغوية وإبداعية وفكرية وفلسفية وعلمية. 2. السيدن. عيّوش ليس من هذا الكوكب، أو أنه لا في العير ولا في النّفير، أو أنه في »عير« وفي »نفير« بإخراج منمق من تلقاء ذاته مادام يحشر ذاته وأنفه لمجرد أنه يجنّد »خبراء« وكأن الأمر يتعلق ب »خرجة« تدريبية لقياس درجة الاستعداد على غرار فيلم »بازيك«، شأن هذا الإيكْسمان، في هذا، شأن نظيره، من موقع »الشأن العام« قبل »اتخاذ القرار« الذي يُحمّل الأدب العربي تهمة فشل التعليم الجامعي في كليات الآداب، وبما أن السيد الوزير المحترم لا يعرف الأدب، لا أقول »يجهل« الأدب، هناك فرق لأنه قرأ قدر المستطاع قبل أن يتحول من »علمانية« الدراسة والتدريس إلى »سلفية« الممارسة السياسية، من تحت عباءة الدكتور الخطيب، والأكيد أنه أقدم على جريمة قراءة بعض الأدب الجاهلي والعباسي وما كتبه، مثلا، (ط حسين) أو (م. عباس العقاد)، وكذلك (م. السوسي)، كما اقترف قراءة (بلزاك) و (استاندال) و (زولا) و (فلوبير) و (كامو) أو حتى (ف. كافكا) أيام »الغفلة«، فإنه، أعني الوزير، المحترم دائماً، لكن يبزّز وفق ما تجري به لغة البرلمان الخشبية، خاصة عندما تنطق الأغلبية وتعْرجُ على معجم الصّفاقة، وهو يواصل خرجاته على غرار نماذج من رهطه في الحكومة الحالية، بلا حسيب ولا رقيب، فإنه يقلص مساحة نباهته فرضياً ويضع كل الأدب في سلة واحدة ناسياً أنها سلّة مثقوبة، بينما المشكل ليس الأدب، بل مناخ تدريس الأدب، المشكل ليس (الإلياذة) ولا (الأوديسا)، ليس الشعر الجاهلي ولا المعلقات، ليس (ألف ليلة وليلة) ولا (المقامات). 3. نحن لا نريد تبخيس (العبرات) و (النظرات) و (دمعة وابتسامة) ولا حتى شعر (أحمد شوقي) أو غيره، بل نتحدث عن (كليلة ودمنة) و (رسالة الغفران) و (الإمتاع والمؤانسة) و (كتاب الوهم) و (منطق الطير) مثلا، نتحدث عن كتاب (الأغاني) وعن (صبح الأعشى) و (العقد الفريد) و (أدب الكاتب) و (الأمالي) و(طوق الحمامة) و (ذَمّ الهوى)، نتحدث عن (ترجمان الأشواق) و (الطواسين)، نتحدث عن (رسالة الصحابة) وعن (صعيد النعم وصعيد النّقم) وكل نصوص (الآداب السلطانية) و (الرحلة): هل يسمح السيد الوزير للأساتذة الجامعيين الباحثين العلماء المفكرين بتدريس الأدب العربي القديم والحديث والمعاصر باستلهام المناهج النفسية والسوسيولوجية والسردية والسيميائية والأنتربولوجية والتفكيكية والهيرمينوتيكية في تحليل النصوص وتأويلها وِفق ما يتطلبه العقل وتستدعيه المعرفة ويزرع لدى الطلبة الوعي والتفكير النقدي بلا قيد ولا شرط ودون تدخل ورقابة ومراقبة من طرف السلطة الكهنوتية المتوارية وهي تشهر في وجه جميع الأساتذة الباحثين، في حقول الأدب، فيتو المقدس؟ كيف نفسر شعر (امرىء القيس) و (الأعشى) و (طرفة) و (أبي نواس) و (المعري) و (المتنبي)، وحتى (ن. قباني) أحيانا؟ كيف نقفز عن قسم من نصوصهم وشعرهم، كله أحياناً؟ كيف نقفز عن قسم من نصوصهم وشعرهم كله أحيانا؟كيف نفسر منظومات ومُتخيلات الحب والجسد والجنس والميتافزيقا في هذا الأدب ونحن نلغي حرية العقل ومسؤولية الوعي وضرورة البحث في المهمش والمسكوت عنه واللاّمفكر فيه؟ 4. هذا لا يوجد في ألمانياوفرنسا وانجلترا وإسبانيا وايطاليا وكندا والولايات المتحدة واليابان؟ إنه يوجد فقط عندنا وفي بقية البلدان العربية التي لم تعد تفكر ولا تدرس وتكتفي بالفتاوى والتكفير والاقتتال بين السنة والشيعة والسلفية الجهادية، ثم إن سلطة الوزير، وزير التعليم أو وزير كذا وكذا مما له ارتباط بالثقافة والإبداع والمجتمع والمرأة، بل حتى التاريخ، لا تخرج عن سلطة الفقيه الذي لا يريد أن يعرف (الفارابي) أو (ابن رشد) أو (ابن خلدون)، لا يهمه (حي بن يقظان) ولا (الأسد والغوّاص). العلمانية الانتهازية تتوقف ما إن يحصل الوزير، بعد أن كان إطاراً، ما إن يحصل على الشهادة في الاقتصاد أو الهندسة أو القانون أو علم الاجتماع أو علم النفس أو اللسانيات، ثم التخفّي، ثم يبدأ التواري، يبدأ بناء الفيلات واقتناء سيارات رباعيات الدفع خوفاً من (رباعيات الخيام) وشعر (ابن أبي ربيعة) و (الحلاج) و (النفري) و (ابن عربي)، ومن شعر (السياب) و (البياتي) أو (حجازي) و (درويش) و (المجاطي) و (الكنوني) و (راجع) و (بنطلحة) و (بلبداوي) و (الملياني) و (الأشعري). الفقيه، أو الوزير الذي يتحمل مسؤولية من مسؤوليات التعليم أو الثقافة أو الإعلام أو المجتمع لا يهمه (سقراط) ولا (أفلاطون) ولا (أبيقور)، لا يهمه فولتير) ولا (روسو) و (مونتيسكيو) ولا (سارتر)، ولا تستطيع، أيها الباحث الأستاذ أن تدرّس الشعر ولا المسرح ولا القصة ولا الرواية ولا الثقافة الشعبية، عليك أن تقفز عن أبيات من معلقات (امرىء القيس)، عليك أن تلغي (الأعشى) و (طرفة) و (بشار) و (أبي نواس)، ولا تقْرب (أولاد حارتنا) أو (الحرافيش)، لا تدرس بعض شعر (أبي ماضي) خاصة (الطلاسم)، لا تقرب (الزمن الموحش) أو (وليمة لأعشاب البحر)، كذلك نصوص (هاني الراهب) و (وليد إخلاصي) و (إلياس خوري) و (إدوار الخراط) و (أحمد ابراهيم الفقيه) و (إبراهيم الكوفي) و (الطاهر وطار) و (الحبيب السالمي) و (واسيني لعرج) و (محمد برادة) و (محمد زفزاف) و (عبد القادر الشاوي) و (أحمد الميلودي) و (الميلودي شغموم) و (محمد الأشعري)، في مجال الرواية هذه المرة، حاذر قصص (إدريس الخوري) و (محمد الهرادي) و (أحمد بوزفور)، ثم إياك وإياك من نصوص »النساء« (فاطمة المرنيسي)، (ربيعة ريحان)، (رجاء الطالبي)، (الزهرة رميج)، (عائشة البصري)، (ثريا ماجدولين)، (وفاء العمراني) مثلا، وزد عليها وعليهن (غادة السمان) و (ليلى بعلبكي) و (هدى بركات) و (حنان الشيخ) و (سلوى النعيمي) و (أحلام مستغانمي)، لا نذكر، في أبحاثك وندواتك ومداخلاتك وعروضك، بل وكتاباتك النقدية، (دوستويفسكي) أو (تشيكوف) أو (كافكا) أو (بيكيت) أو (بريخت) أو (يونيسكو)، ابتعد عن »البلاء« وسد عليك في بيتك فأنت تشوش على رغبتنا في جعلك سوياً، تولد وتحيا وتموت كما نريد لأننا أهل مكة وأهل مكة أدرى بشعابها، ثم إنك، وأنت تدرس وتبحث معتمداً على نفسك وجيبك إلى حد العَوز، تساهم في إنتاج البطالة: أليس كذلك سيادة الوزير الذي يريد محو الأدب لصالح التكوين العلمي كما تدعي على غرار أوربا والغرب؟ ألم تكن تتهم الغرب قبل الآن بحكم أنك »قضيتي الفرض« وتعلم جيداً أنك لا تستطيع مسايرته إذ كل ما تقوم به هو اقتراض الأموال وتكديس الديون والعودة بالمغرب إلى قبل ما هو عليه عندما كان يُصنّف في خانة العالم الثالث المتخلف؟ 5. الديب الغرب في نظرك حْلالْ، الديب حرام«. هذا هو اختيارك من خلال خرجاتك وتصريحاتك، لكنك لم تقل لنا، متى تركنا الأدب والعلوم الإنسانية، ماذا ستفعل بصدد العلوم الدقيقة، في كليات العلوم؟ ماذا ستفعل في شأن الفيزياء والكيمياء والرياضيات والرياضيات العليا؟ ماذا ستفعل في معاهد التجارة والزراعة والهندسة وكليات الطب؟ هل سيدرس طلبة هذه الكليات »الطب النّبوي«؟ هل سترسل (تُصيفطُ) الجميع إلى الخارج؟ ألا تخشى الغرب والعلمانية و الحداثة؟ هل ستلغي الزمن المادي من الوجود وتكتفي بالزمن الديني وحده لقياس المسافة بين الدنيا والآخرة؟ 6 أما صاحبكم، الإيكسمان المذكور في البداية، فإنه لا يختلف عنكم كثيراً، لأنه بريء براءة الدم من العلم والمعرفة والثقافة، شأنه في هذا شأن من يُضرب به المثل العربي: »حيثما سقط لَقَط« (يُضربُ للمحتال، راجع مادة س. ق. ط) أو »لهطَ«، كما علّق أحد الأصدقاء ليلة الأحد تاسع رمضان 1435)، وكذلك مثل »رمتني بدائها وانسلّت«، ويعني حسب اجتهادنا الخاص وخارج سياقه الموروث وصاية الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان، إذ ما معنى أن تعمل، بفضل »خبراء« على إلغاء لغة وإحلال حفيدة لها لا تنكر لها وتلغيها من حسابك هكذا وبدون استشارة ولا استمزاج لمجرد أنك لا تحتملها في جوهر ما أنت سادرٌ فيه من الخلط والارتجال في تصور الحداثة أصلا؟ هل ألغى اليابانيون والصينيون والتايلانديون والهنود والماليزيون واليونانيون لغاتهم الوطنية وأحلّوا محلها لغاتهم العامية؟ إسرائيل نفسها: هل ألغت عبريتها؟ نوّرنا نورك الله ونور خبراءك؟ ألم تصل كتب ومصنفات العرب والمسلمين إلى أوربا باللغة العربية وأقبلوا على ترجمتها إلى كل لغاتهم الوطنية؟ أما الديمقراطية فأنصار العربية ليسوا أقلية في المغرب، لأن ما كتبوه ولو كانوا أمازيغيين وصل إلى خارج المغرب، وفي المغرب نبغ بالعربية علماء وفقهاء وكتاب ومبدعون ومؤرخون وفلاسفة ولسانيون وعلماء اجتماع وقانون واقتصاد، بل وصل بالعامية في الطرب والغناء والمسرح والسينما: الصديقي، العلج، الدكالي، بلخياط، سميح، رأفت، الغيوان، جيلالة، الملحون، الغرناطي، الشعبي. أنصار العربية ليسوا أقلية ويحز في قلبهم أنهم منبوذون، مهمّشون، لا ينظر إلى قضيتهم الجوهرية، بعد الصحراء والأقاليم الجنوبية، النظرة المطلوبة في الإصلاح التعليمي والتربوي والإعلامي والإبداعي والبحْثي. هذا حق من حقوق الإنسان التي يلحّ عليها الدستور المغربي ولا داعي في التفصيل لأن اللغة العربية هرم من الأهرامات، كما ذكرنا في البداية ولا نريد العبث بها والإخلال بروحها وكيانها أو الإجهاز على تراكماتها التي لا يعرفها السيد الإيكسْمان ويعرفها بعض خبرائه، لكن، لأمر ما في نفس يعقوب، يسعون إلى التشويش عليها تحت غطاء العلم والتكوين والتعليم والتدريس والتواصل وعلى السادة الوزراء الأوصياء على التعليم والثقافة والإبداع والإعلام أن يأخذوا هذا بعين الاعتبار والحرص والبتّ والفصل. هذا ما ننتظره منهم ومن أعضاء »المجلس الأعلى للتعليم«. 7 الأدب، ولنعد إلى البداية وإلى ما بعدها قليلاً، لدى كهنوت الوزارة المعنية به ووزارات أخرى ربما، مجرد تزجية للوقت ويفسد الأجيال، بينما هذه الأجيال التي تسوّرها التعاليم الفوقية والضمنية والموازية الخرقاء أجيال يصل إليها الفساد، متى كانت طيعة، بطرق شتى لا شأن للأدب بها متى كان الكتاب المدرسي والمقررات والبرامج والنصوص والمناهج مُحكمة (بضم الميم وتسكين الحاء) إحكاماً علمياً دقيقاً بإسناده إلى ذوي الاختصاص بهدف التحديث والتجديد والمعرفة وتنمية الوعي والتفكير النقدي وبناء الشخصية واستثمار المدارك وإذكاء المساءلة والحوار والنقاش في القسم وخارج القسم و المدرجات، وهذا ما لا تريده وما تزدريه وتخشاه السلطة الكهنوتية في إصلاح التعليم كيفما كانت ضدا على التنوير والعقل الحر بالمعنى الحضاري الواجب واللازم. فساد التعليم من فساد المجتمع والثقافة و السياحة، قسم كبير من المغاربة يميلون الى المحافظة والتقليد والسكونية والنماذج المسكوكة الجاهزة والسطحية والقيم ينظر اليها نظرة أخلاقية مغلقة تغلفها أقنعة طهرانية مغرقة في الاسطرة، منمقة ومرتقة، لذلك تكون شخصية التلميذ مجرد ذات جامدة أو تتحول الى فريسة سهلة لاي ثقافة سرية تزيدها وسائل التواصل المنمقة امعانا في الشحن و غسل الدماغ في عالم الجنس والعنف الرمزي والمادي وتدمير الذات والاستعداد للاستقطاب في عوالم الافتراض، ومن ذلك الاستقطاب في حضيرة التطرف كيفما كان. 8 - ما المانع من قراءة النصوص الادبية التي تغذي في المدرسة الاعدادية والثانوية وفي الجامعة وفي سائر مناحي الحياة المدنية الراقية بالفعل طاقة التفكير الذاتي لدى التلميذ و الطالب والموظف؟ ما المانع من معرفة (الكوميديا الالهية و (دون كيخوت) و(ملحمة جلجامش) و(السيرة الهلالية) و (سيرة عنترة) و (سيف بن ذي يزن) و (سيرة ذات الهمة) و (الفرج بعد الشدة) و (نشوار المحاضرة)؟ من من الوزراء، كذلك نواب البرلمان بغرفتيه، وسائر مسؤولي الوزارات ورؤساء الاقسام، قرأ نصوص روايات (عبد الكريم غلاب) و (مبارك ربيع) و (خناثة بنونة) و (فاطمة الراوي) (واسماعيل البوعناني) و (احمد عبد السلام البقالي)؟ من من هؤلاء وغيرهم قرأ أبحاث ودراسات (لحسن اليوسي) و (محمد المختار السوسي) و (عبد الله كنون) و (عباس الجراري) و (محمد بنشريفة) و (محمد القبلي) وامحمد حجي و (ابراهيم حركات) والفقيه محمد المنوني و (ابراهيم بوطالب) و (محمد زنيبر) و (محمد مفتاح) و (محمد عابد الجابري) و (محمد عزيز الحبابي) و (محمد سبيلا (و (سالم يفوت) و (عبد الرحمان طه) و (عبد اللطيف كمال) و (عبد الفتاح كيليطو) واحمد اليبوري) و (احمد بوحسن) و (سعيد يقطين) و (حسن بحراوي) و (عبد الحميد عقار) و (ادريس بلمليح) و (عبد القادر الفاسي الفهري) و (احمد المتوكل) و(محمد بنيس) و (احمد العمري) و (احمد الطريسي) و (فاطمة طحطح) و (نجاة المريني) و (ثريا اللهي) والقائمة طويلة. من يعرف حسن المنيعي و (عبد الرحمن طنكول) و (رشيد بنحدو) و (حسن الغرفي) و (عبد النبي ذاكر) و (محمد الخطابي) و (رشيد يحياوي ) و (محمد الوالي) و (خالد امين) و (حسن مخافي) و (امحمد امنصور) و ( مصطفى يعلي)و (ليلى المسعودي) و (رشيد بوزيان) و (بوشعيب حليفي) و (عبد الفتاح الحجمري) و (عبد اللطيف محفوظ ) و (الطائع الحداوي) و (عبد الكبير الشرقاوي) و ( سعيد بنكراد) و (عبد المجيد النوسي) و (عبد الرحيم جيران) و (بنعيسى بوحمالة) و (حسن لموض) و خالد بلقاسم (وعلي ايت اوشان)، هل هذا ما يريد ان يجهز عليه معالي الوزير ويريد ان يطوعه الرجل الايكسمان؟ ما سمعنا بباطل مثل هذا، لا في الشرق ولا في الغرب، وفي الوقت الذي كان ينتظر الاهتمام بما تحتاج اليه كليات الاداب من دعم مادي ومعنوي في تأطير البحث والتكوين والندوات والمناظرات والايام الدراسية واللقاءات وطبع ونشر الاطروحات والبحوث وتنظيم الرحلات والاسفار العلمية يأتي من يعلق الفشل الدراسي في الجامعة على مشجب الادب والعلوم الانسانية بجرة لسان متهورة. الفشل فشل خاص بحكومة خاصة وبرغبة مبيتة في قتل أب اباء بفرويدية تنحدر من جبة اخرى قريبة من احراق مكتبة الاسكندرية لحظة الدخول الى مصر، عكس العبور الى الاندلس، ومن هجوم المغول على العراق وتدمير مكتبات بغداد: الا يشبه ما يعتزمه السيد الوزير جريمة لي عنق الفلسفة وزرع شعبة الدراسات الاسلامية رغم وجود القرويين و غيرها؟ هل يخالف السيد الوزير من الهيرمينوتيكا واللسانيات والتدوليات والسيميائيات والانثروبولوجيا الى هذا الحد بعد الخوف من التحليل النفسي والسوسيولوجي والمادية الجدلية؟ ومع ذلك، مع ذلك، نجد من يدير ماستر المقارنة بين الاديان والمقارنة بين المذاهب الدينية: أية أديان وأية مذاهب؟ ماهي المناهج والمقاربات والنصوص والمفاهيم و الاشكالات المتبعة بأية لغة: هل اللغة العربية وحدها؟ ماذا يفعل طلبة وباحثو ومتخرجو هذا الماستر وسواه مما يماثله؟ اين درس مؤطروه /مؤطروها؟ ماهي إنجازاتهم ومشاريعهم؟ أين هي أبحاثهم ودراساتهم ومؤلفاتهم؟ 9- أسئلة تفرض نفسها في حدود جدل العقل والخبرة والتوجيه العلمي على غرار الغرب الذي تشد اليه الرحال توهما، في عهد وزير التعليم العالي الحالي، الغرب الذي كان سبة وتهمة بالتغريب والاستلاب، ويعلم سعادة الوزير ومن معه، ان كل من ذكرت مواقعهم في الجامعة المغربية وإنجازاتهم في البحث والتأصيل والتأطير والتدريس أفنوا حياتهم وجيوبهم وقوت عيالهم وأسرهم في السفر والبحث واقتناء المصادر والمراجع وتصوير الوثائق في الجمع بين تراث الامة وتحصيله، كل في مجاله الخاص، وبين ما راج / يروج في الغرب، دون الوقوع في جاذبية الغرب المطلق(ة) لا أقول انهم »وقفوا« (بفتح الواو وتشديد الفاء) او لفقوا او ""تقول" انما اجتهدوا وقارنوا بالفعل واستخصبوا المناهج والمفاهيم والاشكالات: انهم علماء مفكرون وباحثون أساتذة مربون ووطنيون بحس حضاري: هل سيتهمون بدورهم بالعلمانية وتوجه اليهم سهام وسيوف التكفير ونسمح للجهلة والاميين، بالتغول السلفي الرجعي المتخبط في ميتافزيقا الوجود بالقوة لا بالفعل كأنساق فكرية معرفية معقولة؟ ما أحوجنا الى من ينير الطريق في العلوم الدينية والمذاهب العقدية بصدد الحياة والمجتمع والتاريخ والسياسة والاقتصاد والصناعة والاختراع وتطوير اساليب الزراعة والجراحة والتشريح. هذا ما يعجز عنه المتقولون من النقلة والحفاظ والمستظهرين، بل حتى الغلاة والغوغاء؟ من سيحمي علماء المغرب ومفكريه ومثقفيه وباحثين والمتنورين من هؤلاء المتنطعين الى اقبار العلم والمعرفة والعقلانية؟ لنا الحق، كل الحق، في الاحتجاج، ليس فقط من باب المزايدة والجدل السفسطائي الطائش بل من باب المصداقية والمسؤولية والوضوح وسنوات التضحية ونكران الذات والاخلاص والكد والاجتهاد والتطوير والوحشة والعزلة والانهاك والتعب وسهد الليالي واتلاف الصحة، وتلف العيون والهرم والمرض والموت، في كل كليات الجامعة المغربية، ومعاهدها العليا، في الطب كما في العلوم والحقوق والشريعة وأصول الدين والاداب و العلوم الانسانية، في الهندسة والتجارة والزراعة والصيدلة والبيطرة التي انجبت، على مدى قرابة ستة عقود، علماء جهابذة، وباحثين اكفاء متميزين على الصعيد الوطني والعربي والقاري والدولي، قسم منهم توفاه الله الرحمن الرحيم، وقسم تقاعد ومنهم من لا يملك مسكنا وجاءت الحكومة، في عهده العدالة والتنمية ونهبت منه عشر اجرته الزهيدة دون اعتبار مسؤولياته تجاه اسرته وعائلته وفلذات اكباده الذين يدرسون في الداخل والخارج فيوزع عليهم الباقي ليبقى معلقا يقاوم العوز والحاجة والشيخوخة والمرض، وقسم هاجر الي غير رجعة نتيجة الحيف والاستهانة والاهانة من قبل »الحلفاء « في الحرب على الجامعيين وعلى عموم الشعب عامة، حيث في الحياة المهنية (الترقية، السلالم، الزيادة في الاجور) وحيف في تغطية مصاريف البحث والاسفار العلمية واغناء المكتبة، ناهيك عن الثياب والعلاج والاستجمام (لم لا؟) ماذا يمكن ان تقول عن رؤساء الاقسام والكتاب العلميين والمستشارين او عن نواب البرلمان بغرفتيه، اميين في الغالب ولا يحركون ساكنا، بعض منهم إقطاعيون ويكشفون عن بطونهم العارية، كل هؤلاء وغيرهم يتقاضون أفضل من الاستاذ الباحث العالم المفكر، بل أفضل من قضاة وأطباء عموميين ومهندسين، وحسنا فعل الذين بقوا من هؤلاء حيث درسوا معززين مكرمين، يدرسون ويبحثون في حرية وشفافية دون رقابة ولا مراقبة؟! هذا هو أساس تطوير الجامعة وتطوير التدريس الجامعي وتطوير العلم والمعرفة وتطوير المجتمع والدولة والحكومة والبرلمان والدستور والديمقراطية. هذا هو أساس الحداثة التي تخيف بلا سبب بينما الحداثة واجبة وواردة وسارية المفعول ، بلا ضجة ولا طنين ولا هرولة ولا انتهازية، انها حداثة العلم والبحث والمعرفة والرأي والاختلاف والبناء والهدم والنقد الثقافي والكشف عن بؤر التخلف في تصور الحقيقية والعالم و الواقع والوعي وتزوير صيرورة التاريخ وتناقض الانساق. هذه هي الجامعة وكما ينبغي ان تكون، لا الحفظ والتلقين والاستعراض والحشد والنقل والاستنساخ، الجامعة هي النماذج التصورية، اما النيل من الادب والعلوم الانسانية وأهل الادب واحتقار اللغة أي لغة ينص عليه الدستور الجديد، فهذا نيل مجرد ومزايدة وهرطقة وغباء ورعونة و تواكل وقرصنة واستعداد وعدوانية، وحطب ليل، ويظل الطلقاء طلقاء، ادخلوا في العلم والسياسة كرها، كما في الاقتصاد والاعلام والدعوة والفتوى، وكذلك شأن البغماء والرقباء والخرماء والخنفاء (البغم: من معانيه عدم الافصاح، الخرم: منه الخرمان، الكذب، الخنف: من معانيه ميل رأس البعير وهو يعدو، وكذلك التكبر برفع الانف). هل نسي "الطين" هل نسى أن البحر في احشائه الدر كامن؟ هل نقبر (الخطيبي) و(اللعبي) و (خير الدين) و (ف. العروي) هل نتخلص من (المتنبي) و (الشابي) و (الطبال) هل نحرق (المقابسات) و »رسائل اخوان الصفا،« هل نتجاهل »السنة والاصلاح« و »من ديوان السياسة«؟ هل نتغافل عن مأساة (الحلاج) ومحنة (ابن رشد) وسجن (ابن خلدون)؟ هل نصادر كتب (ستروس) و (لاكان) و (فوكو) و (دولوز) و (بارت) و (ديريدا) و (هابرماس) و (سير) و (لوكوف) و (فاين)؟ على السيد الوزير ان يعيد (تروفو) الى الحياة لينجز فيلما على مقاس (فهرمانيت) 451 او فيلم »الفافيل« ليطمئن قليلا، اما نحن فلن نحيد عن طريق اسلافنا في العلم والمعرفة وعن تراكمات العلماء والفلاسفة في العالم اجمع، كما لن نحيد عن وطنيتنا في بناء صروح الوطن بحداثتنا الهادئة، في الجامعة وخارجها، وعلى الحكومة ان تجد الحلول الناجعة لاستقلال الجامعة وحرية التفكير العلمي والبحث والتأطير والتمويل، عليها ان تحترم التخصصات والاساتذة والطلبة والباحثين لا سيما كليات الاداب، القلوب النابضة بالهوية، والانتماء لحضارة المتوسط وحضارات كل العالم، ثقافة ودراسة وتدريسا وانجازات، على الحكومة ان تعيد النظر ايجابيا في اجور الاساتذة الباحثين والموظفين ومنح الطلبة، عليها حماية البحث وضمان حرية التفكير العقلاني ولا تغض الطرف عما يحدث من تجاوزات، وذبح لتراكمات الجامعة المغربية معرفيا ضداعلى أي مشروع تنويري للنهوض بالعقل العربي وبشخصية الطلبة المغاربة، عليها أن تعي قيمة العلوم الدقيقة والعلوم التجريبية، بل تعيد النظر حتى في تدريس الثقافة الاسلامية ومتبوعاتها والا اختلط الحابل بالنابل وكثر السقط واللقط واللهط والشطط. الرباط: 2014/7/28