سؤال ارتسم على محيانا البريء ، ونحن اطفال نلعب في ازقة مدننا العتيقة بعد تناولنا لوجبة فطورنا اليومي خبز وزبدة وشاي بالنعناع، وأطفال الأغنياء يتناولون انواعا شتى من الاجبان نجهل اسماءها بالأحرى مذاقها. أين الثروة؟ سؤال قض مضاجعنا، ونحن طلبة علم نستقل الحافلة كعلب سردين لنذهب الى الجامعة، بل أحيانا نأخذها مشيا على الأقدام، في حين شباب الماكدونالدز والاودربي منهم من يأتي بسيارات خاصة او بسيارات فارهة يقودها سائقهم الخاص، وهناك من اتم دراسته بالجامعات والمعاهد الغربية. اين الثروة؟ سؤال كرهنا في الحياة ، عند حصولنا على شهادتنا الجامعية لنأخذ مكاننا في طابور المعطلين، املا في الحصول على وظيفة من اجل تأمين عيشة كريمة ليس الا، في ذات الوقت الذي عين فيه آخرون في أعلى المناصب، لا لكفاءتهم فقط لانهم ذوو ثروة وجاه. ويأتي الخطاب الملكي السامي يوم 30 يوليوز 2014 كالنبراس، والذي أعتبره خطابا تاريخيا لأنه تقاسم معنا من خلاله جلالة الملك سؤالنا, اين الثروة؟ فقد كان جلالة الملك شجاعا من خلال طرحه لهذا السؤال، وهذا ليس غريبا عن جلالته، فقد سبق أن ضرب مثلا في الشجاعة للحكام العرب حين عصف ما يسمى بالربيع العربي بمجموعة من الدول العربية من خلال خطابه السامي يوم 9 مارس 2011. وسؤال اين الثروة؟ لا يعني اننا لا نعرف اين هي ثروة بلدنا، وفي ايدي من تراكمت، ومن نهبها، فهم معروفون لدى المواطن المغربي، فنحن نعلم من استغل اراضي الدولة خارج اطار الصفقات القانونية، من اختلس اموال المؤسسات والعديد من القطاعات، كصندوق الضمان الاجتماعي، المكتب الشريف للفوسفاط، المكتب الوطني للنقل، كوماناف، الخطوط الملكية الجوية،...........واللائحة طويلة. نعرف من يستغل رخص الصيد في اعالي البحار، ومقالع الرمال، نحن لا نجهل من سرق ثروتنا، ومن اساء تدبيرها، كما اننا لا نجهل ماهية ثروة بلدنا، فمغربنا يتوفر على موارد باطنية مهمة، يتوفر على 3500 كلم من السواحل، مما يجعله يمتلك ثروة سمكية هائلة تتهافت عليها الدول الاوربية. فكل هده الثروات تحتاج تدبيرا بشكل جيد وعادل حتى يزول الفقر والبؤس الذي يعاني منه ثلث ساكنة المغرب الى الأبد. ومادام سؤال اين الثروة طرحه الشعب المغربي وطرحه جلالة الملك, فندائي الى من له مسؤولية تدبير الشأن العام، إلى حكومة السيد عبد الالاه بنكيران. ان لغة الأرقام والمؤشرات التي وردت في حصيلتكم المرحلية لا ابخسها ولكنها للأسف الشديد لم تلامس المجال الاجتماعي، لم تلمس المواطن البسيط والمواطن المقهور والمغلوب على امره، فإذا اردتم ان ترفعوا العجز عن الميزانية, فالحل ليس ان تأتوا على القدرة الشرائية للمواطن الفقير ، بالزيادة في الأسعارو الرفع من سن التقاعد، فإنكم بذلك تكونون كم يصب الزيت على النار، فقد ان الأوان وهده فرصة تاريخية لكم ، لان تتحلوا بالشجاعة وتقوموا بالمهمة التي من اجلها راهن عليكم كل من منحكم صوته ، فعليكم بمحاربة الفساد والمفسدين ، محاسبة ناهبي المال العام، لان الحل الوحيد والامثل لخلق التوازن في الميزانية هو استرجاع الاموال المنهوبة لا الزيادة في الاسعار وسن التقاعد وغير ذلك. الشعب المغربي لا يريد ان يعفو عمن نهب ثروته وافقره وجوعه، لأنه حين تراكمت الثروة في يد قلة قليلة ، تراكم الفقر والبؤس لدى ثلث ساكنة المغرب، لذا عليكم سحب مقولتكم الشهيرة عفا الله عما سلف ولتحاسبوا التماسيح والعفاريت كما يحلو لكم ان تسموهم. باحثة جامعية وفاعلة مدنية. محاولتي بسط موضوع يلامس انشغالات وهموم المواطنين، نابعة مما تم رصده من مشاكل اجتماعية، تهدد استقرار المجتمع وتزعزع تماسكه، بل وتوشك على العصف بمنظومة قيمه وثقافته، من حيث تنامي مظاهر الانحراف والعنف: "التشرميل"، تعنيف الأصول، السرقة، الإدمان على المخدرات وتكاثر العصابات الإجرامية... مما أفرز جدالا عقيما حول الدواعي والمسببات، يتمظهر في تبادل التهم بين الأسرة والمدرسة من جهة، وبينهما والمجتمع من جهة أخرى، وبين من ينسب الأمر كله إلى تدهور الأوضاع الاجتماعية: من فقر، بطالة وأمية... فيما يرى السواد الأعظم أن الخلل يكمن في فشل نظامنا التعليمي، الذي أخفق في القيام بواجباته التربوية والأخلاقية، حين اكتفى بتعويد التلاميذ على استظهار الدروس، وحشو عقولهم بالمعارف غير المجدية، وما نجم عن ذلك من خواء فكري وهدر مدرسي... وإذا كان أبغض الحلال عند الله الطلاق، وأن المحكمة تحاشيا لما قد يترتب عن انفراط العقد بين الزوجين، من عواقب وخيمة وآثار نفسية عميقة خاصة على الأم وأطفالها، لا تلجأ إلى إصدار مثل هذه الأحكام إلا بعد قيامها بمحاولات إصلاح ذات البين، ويثبت لديها بالقطع استحالة دوام العشرة، فلا بد من أن يحظى عقد القران على غرار ذلك بنفس الأهمية، وأن يتخذ إلى جانب توفر كافة أركان الزواج وشروطه وفق مقتضيات مدونة الأسرة، ما يستوجب من إجراءات وقائية، لتفادي الوقوع في نفس الأخطاء المؤدية حتما إلى انحلال الأسرة وتصدعها، ولما من شأنه الانعكاس السلبي على المجتمع... ذلك أن الزواج فضلا عن كونه رباطا مقدسا، فهو بمثابة جسر يعبر بنا من عالم العزلة والطيش والمعاناة، صوب حياة جديدة في كنف أسرة مستقرة، يسودها جو من التوافق والتفاهم والتناغم، وحتى إن تضاربت الأفكار وتعددت الآراء في تحديد مفهوم الأسرة، وأجمع أهل الاختصاص على أنها كل مؤسسة اجتماعية ارتبط ركناها ب"ميثاق غليظ"، والتزم طرفاها الرئيسيان بالحقوق والواجبات، وما قد يأتيا به من ذرية وما لهما من أقارب، إنها النواة الأولى للمجتمع واللبنة الأساسية في بناء صرحه، وينبغي أن تتسم سائر مكوناتها بروح التآزر والتسامح، بما يساهم في تمتين لغة التواصل تحت سقف مسكن مستقل وآمن، وتعتبر أيضا مهدا للتنشئة الاجتماعية، في تربية الفرد على المواطنة الصادقة وقيم الديمقراطية، والحفاظ على الهوية اللغوية والانتماء الديني، تكسبه المعارف الإنسانية والمهارات الفنية، وبفضلها يتأسس وجدانه وتتكون مشاعره، ولعلها تستمد قوة إشعاعها التربوي من كونها أول من يستقبله عند الولادة، ويعاصره في جل مراحل نموه وتدرجه الاجتماعي، وبصلاحها ينصلح حال المجتمع ... إن ازدهار المجتمع، رهين بتكامل الأسرة وترابطها، وبمدى إيمانها بمنظومة القيم، واحترام حرية أفرادها في إبداء الرأي والتعبير عن اختياراتهم بكل جرأة، لتغذية المجتمع بأجود عناصر التنمية: العنصر البشري، سيما حين تسهر على حسن رعايته وتلقينه تعاليم التسامح والانفتاح على ثقافة الآخر، لأنه كلما زادت قدراته الفكرية وترسخت معرفته بمختلف النواحي الصحية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية... انعكس ذلك إيجابا على الوطن وتطوره وبناء حضارته، فهي مجتمع مصغر يشب فيه الطفل وتتكون مقومات شخصيته من حيث ثقافته، سلوكه وتصرفاته، إذ باتحادها وتوحدها، بوعيها واستعدادها الأمثل لتنشئة سليمة، تكون على درجة عالية من التأهيل لخلق مواطن صالح، ينخرط بفعالية في صناعة النماء والرخاء، ويستطيع إحداث الطفرة النوعية والمجدية. فالعلاقة بين كل من الأسرة والفرد والمجتمع ينبغي أن تتأسس على الود والتفاهم، التآلف والتعاطف، التجانس والتكامل... وإذا كانت الأسرة مدعوة إلى رعاية شؤون الفرد، فالمجتمع مطالب باعتماد تنمية عادلة ورفع قيود التهميش عليه، بتمهيد السبل أمامه وتحضير الفرص الضرورية، لمساعدته في تطوير قدراته وتعزيز مكتسباته، بشكل يسمح له بأداء واجباته بكل همة وحيوية، ويجعل منه عنصرا فاعلا ومتفاعلا... بيد أن المتأمل في طبيعة المآسي المعيقة لنهضتنا، سيدرك دون كبير عناء، أن الأسرة المغربية باتت تشكل أحد أهم عوامل التراجع، بعدما أعلنت إفلاسها وأصبحت تسير بلا بوصلة، انقطعت جسور التقارب بين أفرادها، وتحولت البيوت إلى جحيم لا يطاق من قبل أحد طرفي "المعادلة" أو منهما معا، إذ بدل تيسير حياتهما المشتركة يعملان على تعقيدها. فقد يستمر الزوج منصرفا عن البيت وهو بداخله أو منقسما بين العمل والشارع، يمضي أوقات فراغه إما متسكعا في الطرقات أو مع أصدقاء في مقهى، يغازل "قنينة" في حانة أو يطارد خيط دخان في محلات القمار، أو.. أو... ولا يتفقد أبناءه وينتبه إلى مشاكلهم إلا لماما، وقد تقضي الزوجة بدورها نهارها في العمل أو عند الأهل والجيران إن كانت ربة بيت... فيما الأبناء يصرفون فترات لقاءاتهم في التنافر والتشاجر، ثم ينتشرون في الأرض نحو وجهات غير معلومة أو إلى عوالم افتراضية، يتلقون "تعاليمها" وينهلون من ينابيع "قيمها"، بعيدين عن عيون الأبوين، اللذين إذا حدث أن جلسا إلى بعضهما، فليس لمناقشة مشاكل البيت ومحاولة معالجتها، وإنما لتبادل التهم واللوم، ومن تم تشتد حرارة حمى الخلافات، تارة حول المصروف اليومي، وأخرى حول تربية الأبناء والفشل الدراسي، و.. و.. وما شابه ذلك، ولا أحد منهما يجرؤ على الاعتراف بتقصيره وأخطائه، فأي شيء أفظع من العنف الزوجي سيما أمام الأبناء، وتحول البيت إلى ساحة "تحرش" متبادل؟ والأدهى من ذلك أن مثل هذا الصراع وغيره كثير، لم يعد مقتصرا على الأسر التي تشكو الهشاشة والتهميش، ولا على التي يعاني "قادتها" من ضعف المستوى الثقافي والدخل المحدود، فهو حاضر بقوة في مختلف الأسر، إذ نجده أيضا في الأوساط المثقفة وبعض الأسر الثرية، فمعظم مشاكل البيوت يمكن إجمالها تحت عنوان بارز: "إهمال الأسرة "، مما يؤدي إلى التفكك الأسري ويعرقل عجلة التنمية، حيث يولد الإحباط في النفوس ويرسخ قيم التمرد والانتقام، وإعادة إنتاج العنف لدى الأبناء بتمثلهم للتسلط والقهر الممارسين في البيت خاصة على الأمهات، وهذا ما يؤدي غالبا إلى الهدر المدرسي والانحراف، وبدل أن يكون الفرد منتجا في المجتمع، يتحول إلى إنسان فاشل ويائس، وفي حاجة ماسة إلى المساعدة الطبية، لتجاوز عقده النفسية واضطراباته العصبية العصية... أوضاعنا للأسف الشديد في تدهور متزايد، وتدعو إلى معالجة الاختلالات العميقة والمعيقة للتنمية، بأن يعيد الزوجان النظر في فلسفتهما، إذ لا يجوز للرجل اختزال زوجته في وعاء للجنس والإنجاب أو يجعل منها "ثريا" لتزيين البيت وإنارته، والتغاضي عن حقوقها وإنسانيتها لما لها من دور طلائعي في بناء المجتمع، وألا تحصر بدورها زوجها في سعة "جيوبه"... فالأمر أعمق من ذلك، حيث يتعين التحلي بالاحترام المتبادل ونبذ العنف بمختلف أشكاله، إدراك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهما، السهر على تتبع السير الدراسي للأبناء وضمان استقرارهم، إشباع فضولهم بمبادئ الصدق والوفاء، واستثمار مؤهلاتهم في الإعداد الجيد لخوض معركة الحياة وخدمة المجتمع... وعلى الجمعيات ذات الصلة بالأسرة، الاضطلاع بأدوارها التأطيرية والتوعوية قصد تفعيل عمل المجتمع المدني، كما على الدولة وهو الأهم، أن تسعى جاهدة إلى رعاية حقوق الفتاة وعدم الزج بها في جحيم المسؤولية منذ حداثة سنها، الاعتناء بشؤون الأسرة وحمايتها ودعم كافة مكوناتها، حتى تساهم بفعالية في حسن إدارة دواليب التنمية البشرية الشاملة والمستدامة، ولن يتأتى ذلك إلا بمبادرات حقيقية عبر مقاربات تشاركية ذات أبعاد إنسانية، وتوفير العيش الكريم والبنيات التحتية الضرورية: مدارس منتجة، مستوصفات، ملاعب رياضية، دور الشباب، مكتبات عمومية، أندية سينمائية، مراكز الاستماع ....