بالرغم مما تكرره قيادات المنظمات الإسلامية في أوروبا من حديث عن زيادة وتيرة الاندماج داخل المجتمعات الأوروبية ، تستمر سهام النقد في استهداف الأقليات المسلمة بتهمة عدم الاندماج الكافي وعدم التكيف مع القيم الأوروبية ، إضافة إلى اعتناق أفرادها لأفكار ومعتقدات تتعارض مع المثل الأوروبية العليا. فما المطلوب من مسلمي أوروبا : الاندماج أم الذوبان؟وهل يوجد تعريف واضح للاندماج ومعايير يرتكز عليها؟ وهل يختلف مقياس الاندماج من دولة إلى أخرى؟ وما المطلوب من المسلم المقيم في أوروبا ؟ أسئلة يحاول ثلاثة خبراء وأساتذة علم اجتماع في ثلاث دول أوروبية مختلفة. الإحاطة بها. يقول الأستاذ عمر المرابط، الباحث بمدرسة الدراسات الاجتماعية العليا في باريس ونائب عمدة مدينة "أتيس مونس" الفرنسية : "ليس هناك تعريف متفق عليه بين علماء الاجتماع على الاندماج وماهيته» . ففي فرنسا مثلا ، يطلب من العرب والمسلمين أن يذوبوا بحضارتهم ولغتهم وثقافتهم ودينهم في الثقافة الفرنسية ، ويجب على المسلم ألا يظهر أيا من مميزات شخصيته العربية أو الإسلامية على اعتبار أن ذلك من "المحرمات» . "إذا رفضت أن تأكل ما يأكله الفرنسيون والتزمت بنوعية معينة من الطعام تتماشى مع قيمك الدينية ، فقد ينظر إليك على أنك غير مندمج بالشكل الكافي " ، ويشير المرابط إلى مفهوم الاندماج لدى بعض التيارات الفرنسية . ويتساءل المرابط مستنكرا: "هل الاندماج يعني العيش ضمن إطار الدولة وفق قوانينها مع احترام ثقافتها وقيمها أم التخلي عن قيم الفرد الشخصية وثقافته ولغته والذوبان الكامل والتام؟» . ويتحدث نائب عمدة مدينة "أتيس مونس" عن تجربته الشخصية في عالم السياسة قائلا إن "عمدة المدينة تتلقى بشكل دوري رسائل تهديد وشتائم فقط لكوني أنا – ذو الأصول الإسلامية العربية – نائبا لها ويعتبرونني نقطة سوداء» . ويقول الدكتور رياض الصيداوي، مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية في جنيفبسويسرا، إن "تعريف الاندماج ومعاييره تختلف من دولة إلى أخرى، فعلى سبيل المثال ، في فرنسا الاندماج يعني أن تكون علمانيا تعيش مثل غالبية الفرنسيين وتلبس كالفرنسيين وتتحدث مثلهم.» ويضيف الصيداوي أن "الكيفية التي نشأت بها الجمهورية بعد الثورة الفرنسية وعداءها مع الكنيسة جعل علمانيتها تتعارض مع الدين ، وهذا ما يفسر القوانين المتتالية التي تحظر ارتداء الرموز الدينية ، كما يفسر نسبة الإلحاد المرتفعة في فرنسا.» ويزيد الصيداوي، أن هذا النوع من العلمانية "الفرنكوفونية" يختلف عن العلمانية "الانجلوسكسونية" في دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة ، والتي تنظر إلى الاندماج على أنه إضافة قيم جديدة للقيم المجتمعية الموجودة بالأساس مما يعد إثراء للقيم الكلية للمجتمع. ويرى مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية أن "الاندماج عمل مزدوج يحتاج جهدا من الفرد إضافة إلى جهد مؤسسات الدولة". ويضيف أنه على مؤسسات الدولة العمل على عدم إعاقة الاندماج عبر إتاحة فرص العمل ، ومنع قيام أحياء أو "كنتونات" تقتصر على أقلية دينية أو عرقية بعينها. ويقارن صيداوي بين سويسرا التي تحرص على أن تحوي كل بناية سكنية فيها على تنوع عرقي وديني ، وفرنسا التي سمحت بقيام ضواحي بأكملها على أسس وتقسيمات عرقية ودينية ، وهو الأمر الذي أدى إلى ازدياد الشعور بالتهميش لدى ساكني تلك الأحياء. وهنا نصل مع الدكتور أنس التكريتي، رئيس مؤسسة قرطبة لحوار الثقافات في بريطانيا ، الذي يرى أن "المجتمع المسلم في بريطانيا كغيره من المجتمعات المسلمة في كافة دول أوروبا ليس طيفا واحدا، فهو مجتمع متنوع ومتنام يحوي عدة مذاهب وأعراق ولغات وطبقات وتوجهات ثقافية مختلفة.» فهناك الفقير الذي يعيش على الإعانات وهناك الملياردير الذي يتبرع بمبالغ ضخمة ، وهناك ذو المستوى العلمي المحدود وهناك خريج أرقى الجامعات. ويرى التكريتي أنه "يجب التوقف عن تكرار كلمة الاندماج ، والتحدث عن فكرة المواطنة حيث الالتزام بالواجبات والمساواة في الحقوق ، إذ أن الاندماج وسيلة البعض لتهميش الآخر وطمس هويته" . ويعزز التكريتي طرحه بسؤال المنادين بالاندماج الكامل: "هل الاسكتلندي الذي يرغب في الانفصال عن بريطانيا غير مندمج؟ هل الكنيسة البريطانية التي لها موقف واضح من المثلية الجنسية غير مندمجة؟ هل بعض الطوائف اليهودية التي لها طقوس معينة مثل عدم استخدام المركبات أيام السبت غير مندمجة؟» ... . وينصح التكريتي الجميع بمن فيهم المسلم المقيم في أوروبا "باحترام القانون وتقاليد وثقافة الآخر وبأن يأتي كل بأفضل ما عنده من ثقافة وفكر وقيم لإثراء القيم الأوروبية " . ويضيف أن ما نعيشه الآن يختلف عن سبعينيات القرن الماضي ويجب على المسلم المقيم في أوروبا "تجاوز فكرة أن إقامته مؤقتة ويتصرف من منظور أنها قد تطول ، وبالتالي عليه اتقان اللغة وفهم الثقافة وحتى الفكاهة واتخاذ أصدقاء محليين والانخراط في الأنشطة الاجتماعية والسياسية والتصرف على أن الدولة الأوروبية التي يقيم بها هي بلده وموطنه ، التي يعيش فيها وقد يموت بها أيضا».