«بوعبيد: رجل الدولة المعارض»، عنوان الحلقة الثالثة من برنامج «الرواد» الذي بثته القناة الأولى أول يوم أمس (الاثنين). الفيلم الوثائقي الذي أشرف على إعداده الزميل الصحافي سامي المودني، تناول محطات هامة من تاريخ الزعيم الاتحادي الراحل وسلط الضوء على معطيات تاريخية غير معروفة ذات بعد سياسي وآخر إنساني، ونقلها على لسان فاعلين سياسيين وقياديين اتحاديين. هنا نعرض لأهم الفقرات الواردة في الشريط الوثائقي. الراضي: الحسن الثاني كان حريصا على قراءة افتتاحيات بوعبيد في جريدة «الاستقلال» التحق بوعبيد مبكرا بصفوف الحزب الوطني، وسرعان ما أثار انتباه القادة الوطنيين أمثال محمد اليزيدي، الذي قام بضمه إلى تنظيم داخلي شبه سري يدعى «الطائفة» سنة 1943، وفق ما رواه القيادي الاتحادي، محمد اليازغي. المكانة القيادية التي أصبح يحتلها بوعبيد، رغم حداثة سنه حينها، في صفوف الحركة الوطنية»، جعلت منه أصغر موقع على وثيقة المطالبة بالاستقلال، التي تم تقديمها يوم 11 يناير 1944 إلى سلطات الإقامة العامة وعمره بالكاد لم يكن يتجاوز 22 سنة. وبعد أن استكمل بوعبيد دراسته في القانون بباريس عاد إلى المغرب سنة 1949، فالتحق بهيئة المحامين بالرباط وكلفته قيادة حزب الاستقلال وعمره بالكاد لم يكن يتجاوز 27 سنة بإدارة تحرير جريدة «الاستقلال» الأسبوعية التي أصبح يكتب افتتاحياتها، وهي الافتتاحيات التي كان يحرص ولي العهد حينها مولاي الحسن على الاطلاع عليها فور صدورها، إذ يقول عبد الواحد الراضي، القيادي الكاتب الأول السابق للحزب في هذا الإطار: «افتتاحياته في جريدة الاستقلال كانت من النوع الجيد وكان الجميع ينتظر لحظة صدورها بما في ذلك جلالة الملك الحسن الثاني الذي أخبرني أنه لما كان وليا للعهد كان ينتظر بفارغ الصبر خروج الجريدة يوم الجمعة من أجل قراءة افتتاحية عبد الرحيم بوعبيد». سلطات الاستعمار الفرنسي كادت تصدر حكما بإعدام عبد الرحيم بوعبيد بعد اغتيال قوات الاستعمار الفرنسي لفرحات حشاد، الزعيم النقابي التونسي يوم 8 ديسمبر سنة 1952، اندلعت احتجاجات كبيرة في المدن المغربية، ودعا بوعبيد الطبقة العاملة التي أشرف على رص صفوفها الجماهيرية بعد عودته من فرنسا، (دعا) إلى تنظيم إضراب عام، احتجاجا على حادث الاغتيال هذا، فكان نصيبه الاعتقال، لتتم إحالته على المحكمة العسكرية وأصبح مهددا بأن يصدر في حقه حكم بالإعدام. وسرد عبد الهادي خيرات تفاصيل اللحظات العصيبة التي عاشها الزعيم الاتحادي خلال مقامه بالسجن، الذي التقى فيه، أحد المقاومين المغاربة البارزين والذين كانوا ينتظرون لحظة إعدامهم، وهي لحظات مؤثرة يقول بشأنها أحد أبرز المقربين من بوعبيد: «حكى لنا بعض الذكريات المرة، لأنه في زنزانته بالدارالبيضاء كان صحبة الشهيد الحنصالي الملقب حينها بأسد تادلة لأنه اغتال عددا من الفرنسيين، وحكى لنا عن الصبيحة التي جاء فيها الفرنسيون من أجل اقتياد الحنصالي نحو مقصلة الإعدام وكان بوعبيد تعلق به خلال مقامهما بالسجن وبقي مشدودا له، وفي المقابل حاول أن يرفع له معنوياته بإخباره أنه سيكون شهيدا دافع عن وطنه». بوعبيد اقترح تعديلات أساسية على بنود اتفاقية «لاسيل سان كلود» التي أنهت عهد الحماية نجا بوعبيد من حكم الإعدام وتوجه مباشرة بعد إطلاق سراحه إلى باريس من أجل حشد الدعم لاستقلال البلاد عن الاستعمار الفرنسي، وأصبح له دور بارز في المفاوضات بين المغاربة والفرنسيين حول استقلال البلاد، بل كان هو الناطق الرسمي باسم وفد حزب الاستقلال المشارك في مشاورات «إيكس ليبان»، وبرز اسمه بشكل كبير في صفوف النخبة السياسية الفرنسية، وهكذا كانت له لقاءات عدة مع كانت له لقاءات عدة مع إدغار فور، الذي حل محل بيير مانديس فرانس على رأس الحكومة الفرنسية، حول رجوع السلطان محمد الخامس إلى العرش وإعلان استقلال البلاد، وهي اللقاءات التي كانت من خلالها السلطات الفرنسية تمهد لتوقيع اتفاقية تعلن بموجبها إنهاء الحماية وعودة محمد الخامس من المنفى. هذه الاتفاقية لم تكن سوى تصريح «لاسيل سان كلود» وهي الاتفاقية التي لعب بوعبيد دورا كبيرا في تغيير بنودها قبيل الإعلان عنها، وهو الأمر الذي يؤكد وقائعه محمد اليازغي بقوله: «لما اطلع الملك محمد الخامس على البلاغ الذي أعده كريستيان بينو، وزير الخارجية الفرنسي حينها، بعث إلى السي عبد الرحيم بوعبيد من أجل الحضور إلى لاسيل سان كلود، وهنا وجد بوعبيد أن البلاغ لا يتضمن أي إشارة لإنهاء عهد الحماية وفرنسا واقترح تعديلات أساسية جعلت من البلاغ يفتح الباب لإنهاء عهد الحماية والمفاوضات التي ستجري فيما بعد بين الحكومة المغربية وفرنسا لاستقلال المغرب، وهذا ما سيحصل يوم 2 مارس 1956». هكذا واجه بوعبيد بقايا الاستعمار الفرنسي المتآمرة على حكومة عبد لله إبراهيم في ظل حكومة عبد الله إبراهيم التي شغل فيها عبد الرحيم بوعبيد منصب وزير الاقتصاد والمالية، اتخذ قرارات أرست لأسس الاقتصاد الوطني، وشغله لهذا المنصب كان فرصة لتطبيق برنامج سياسي ذو حمولة يسارية بتركيزه بشكل كبير على شقين: الأول محاربة الفقر ودعم الفلاحين والعمال والشرائح الاجتماعية المتضررة أما الشق الثاني فكان من خلال التركيز على إقرار سياسة صناعية. ويقول فتح الله ولعلو، القيادي الاتحادي ووزير المالية والاقتصاد الأسبق بهذا الصدد: «بوعبيد عمل على إقرار أدوات السيادة الاقتصادية بخلق منظومة جمركية مستقلة وتجاوز اتفاقية الجزيرة الخضراء سنة 1906 وإحداث الدرهم المغربي وتكوين البنك المركزي وتوحيد العملة». لقاء بوعبيد والحسن الثاني الذي مهد للإفراج عن المعتقلين الاتحاديين المتهمين في أحداث 1963 كان لاعتقال عدد من قادة الحزب سنة 1963 والحكم على بعضهم بالإعدام بتهمة التهييء لانقلاب على نظام الحكم بالغ الأثر على عبد الرحيم بوعبيد وعلاقته بالملك الراحل الحسن الثاني، لكن اندلاع أحداث مظاهرات مارس 1965 التي خلفت العديد من الضحايا فضلا عن إعلان حالة الاستثناء، دفعت الطرفان إلى البحث عن طريقة لتلطيف الأجواء السياسية، لهذا التقى بوعبيد بإيفران، وهذا الاجتماع أعقبه إعلان العفو عن أعضاء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المحكومين بعقوبات حبسية مختلفة. تفاصيل هذا اللقاء سردها الطيب منشد، الذي أكد أن «في هذا اللقاء لم يتحدث ولم يطالب عبد الرحيم بإطلاق سراح المعتقلين الاتحاديين، وبعد ذلك رجع عنده نفس المبعوث الخاص وهو السلاوي وأخبره أنه سيتم إطلاق سراح المعتقلين وطلب منه أن يكون إلى جانب مبعوث الملك لحظة الإفراج عنهم فسأله عبد الرحيم عن من هو مبعوث الملك فقيل الجنرال أوفقير، حينها أخبره بوعبيد أنه لن يستقبل المعتقلين وسوف يبعث مبعوثا من الحزب لاستقبالهم» في الواقع فهذا اللقاء بين عبد الرحيم بوعبيد والحسن الثاني لم يكن الغرض منه فقط طرح قضية الاتحاديين المعتقلين، بل كان الهدف منه أيضا الإعلان عن حكومة تشارك فيها أحزاب الحركة الوطنية، ووفق رواية محمد اليازغي للأحداث فإن «عبد الرحيم آنذاك بطبيعة الحال كان يعتبر الانفتاح أمر إيجابي يمكن أن يجعل الأوضاع سليمة في البلاد بالنسبة للحريات وحقوق الإنسان، لكن لم يكن مقتنعا أن حكومة يشارك فيها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لأنها حسبه لن تكون ذات جدوى ولن تؤدي إلى نتائج». اليازغي: بوعبيد بكى لما بلغ إلى علمه خبر اغتيال عمر بنجلون نحن هنا في يوم 10 يناير 1975 بالدارالبيضاء، بوعبيد يفتتح أشغال المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي. مؤتمر كان تاريخيا لأنه انتصر لأطروحات بوعبيد السياسية داخل الحزب، وحدد المؤتمر بوضوح خيارات الحزب الذي أعلن عن انخراطه في النضال الديمقراطي من داخل المؤسسات. وانتصر الطرح الذي دافع عنه بوعبيد لكن الأقدار كانت تخبئ له أصعب اللحظات في مساره السياسي وحتى الإنساني، حدث اغتيال الزعيم الاتحادي عمر بنجلون الذي كان مكلفا بإعداد التقرير الإيديولوجي للحزب خلف أثرا عميقا لدى بوعبيد. الزعيم الاتحادي فور توصله بخبر تعرض بنجلون إلى اعتداء استقل سيارته وتوجه مباشرة من الرباط إلى الدارالبيضاء ليفاجأ بأن الأمر يتعلق بعملية اغتيال لأحد أبرز منظري الحزب، خبر كان كفيلا بأن يسبب للزعيم الاتحادي حالة انهيار، وفق ما صرح به القيادي الاتحادي محمد اليازغي: « تفاصيل أول لقاء بين الملك الراحل وبوعبيد بعد مغادراته سجن ميسور صدر عفو ملكي عن كل من عبد الرحيم بوعبيد ومحمد الحبابي ومحمد اليازغي، لكن الاعتقال خلف حرجا كبيرا في نفس الزعيم الاتحادي. جرح لم يندمل إلا بلقاء بين الملك الراحل الحسن الثاني وعبد الرحيم بوعبيد وهو اللقاء الذي لعب فيه عبد الواحد الراضي دورا بارزا في عقده بين الملك الراحل والزعيم الاتحادي بمراكش بعد لقاء الراضي بالملك الراحل الحسن الثاني خلال حفل استقبال خصصه لأعضاء الأممية الاشتراكية الذين عقدوا آنذاك اجتماعا بالرباط. وصرح الراضي: «سألني الملك الراحل عن أخبار السي عبد الرحيم وعن صحته وحالته بعد مغادرته ميسور، فأجبته أنه بخير الحمد لله، فطلب مني أن أخبره برغبته في لقاء بوعبيد وأن يتصل أحدنا بمولاي عبد الحفيظ العلوي من أجل تحديد موعد، ومباشرة بعد مغادرتي القصر الملكي توجهت للقاء عبد الرحيم بوعبيد لإخباره ووقع الاتصال بمولاي عبد الحفيظ العلوي وبالفعل تم تحديد موعد لقاء السي عبد الرحيم بالملك الحسن الثاني بعد خروج الأول من السجن». وأضاف الراضي الذي كان شاهدا على هذا اللقاء الذي كان لدرجة حرارته «عبارة عن لقاء بين صديقين مدة طويلة لم يلتقيا»، يشير الكاتب الأول السابق لحزب الاتحاد الاشتراكي. من جهته أماط القيادي الاتحادي، عبد الهادي خيرات اللثام عن جزء ثاني من تفاصيل هذا اللقاء، بقوله: «استقبل الملك الراحل بوعبيد بالأحضان، قبل أن يخاطبه قائلا: «سوف تستغرب أسي عبد الرحيم لماذا استقبلتك هنا؟ قدوتي في الملوك العلويين هو جدي مولاي الحسن وهذا البيت الذي استقبلتك فيه هو بيته، إذ قمت باستقدام أثاثه إلى مراكش، وهناك سيدة مكلفة بالحفاظ على هذا الأثاث، عندما أكون في أشد لحظات فرحي أقصد هذا البت وعندما أكون في أشد لحظات حزني أقصده أيضا، لذلك لم أجد مكانا أستقبله فيه اليوم إلا هذا المكان». اليازغي: بوعبيد تألم كثيرا في السجن لحدث عودة النواب الاتحاديين إلى البرلمان بعد قرارهم بالاستقالة صادف وجود بوعبيد في السجن خطاب الملك الراحل الحسن الثاني، الذي انتقد فيه بحدة النواب الاتحاديين على خلفية رفضهم لقرار تمديد مدة انتداب البرلمان المغربي وقرروا الاستقالة من مجلس النواب، واضطر النواب الاتحاديون أمام قوة هذا الخطاب إلى العودة لمجلس النواب وهو الأمر الذي خلف استياء لدى بوعبيد لأن قنوات الاتصال كانت مقطوعة بينه وبين النواب الاتحاديين. وهذا ما أكدته شهادة اليازغي في البرنامج الذي صرح: «لم نعلم بما جرى إلا بعد زارتنا أيام بعد ذلك عائلتنا التي أخبرتنا بما حصل، حيث انسلخ نائب عن الحزب عن مدينة العرائش وهو المرحوم العمري والتحق بالحركة الشعبية، في حين صمد نائب واحد أمام هذه الزوبعة هو المرحوم محمد منصور، اما النواب الآخرين فقد اجتمعوا في منزل رئيس الفريق عبد الواحد الراضي وحاصرتهم السلطات ورجال الأمن ووقع عليعم ضغط كبير ولم يستطع عبد الرحمان اليوسفي التأثير عليهم في غيابنا لكي يصمدوا أمام هذا الوضع، وحقيقة هذا ألمنا وألم عبد الرحيم بوعبيد كثيرا في تلك المرحلة». في المقابل قال فتح الله ولعلو: «كان الفريق النيابي في وضع صعب جدا، فمن جهة لم يكن له إمكانية الاتصال بعبد الرحيم بوعبيد الذي كان يقبع في سجن ميسور ومنع الفريق النيابي وفي الوقت نفسه كان هاجس عدم المواجهة مع جلالة الملك حاضرا، وفي هذا الإطار رجع الإخوان في الفريق بشكل شخصي إلى مجلس النواب».