دفء العمق هو ما سيستشعره القارئ وهو يستغرق في «الخيول لا تموت تحت السقف»: الكتاب/ الحوار الذي أنجزه الشاعر الموسوعي عبد القادر وساط مع شيخ القصة القصيرة بالمغرب أحمد بوزفور. الكتاب مرافقة ذكية فسحت المجال أمام القاص أحمد بوزفور لملء بعض التثغيرات التي خلفتها كتاباته وحواراته السابقة. إنه أشبه بوضع القاص أمام مرآة سحرية تنعكس عليها كتاباته وقراءاته وحياته وخيالاته، وما لم يكنه أيضا. ويحسب لعبد القادر وساط أنه استطاع، ولأول مرة، أن يجعل أحمد بوزفور يتحدث عن مرحلة اعتقاله بالتفصيل. حيث يقول: « لا أحب الحديث عادة عن هذه التجربة. لماذا؟ أتساءل الآن وقد حشرتني في الزاوية (...).. يبدو لي أنني كنت أهرب من شبهة استغلال اعتقال قصير وقديم، لكي أنخرط في سلك المعتقلين السياسيين وضحايا سنوات الرصاص، هؤلاء الذين أحبهم وأحترمهم وأعتبرهم، الشهداء منهم خاصة، نجوما أهتدي بها في قناعاتي ومواقفي. ومع ذلك، وبغض النظر عن الجانب السياسي للتجربة، يمكنني أن أستكشف الجانب النفسي منها. لكن علي أن أحكيها أولا». كما يحسب له أنه استطاع أن يجعل القاص يقرأ قصصه (منذ النظر في الوجه العزيز إلى نافذة على الداخل)، ويعيد فيها النظر، ويكشف علاقاته بعلاماتها ورموزها وظروف تشكلها. «الخيول لا تموت تحت السقف» كتاب يستدرجنا باقتدار كبير نحو الينابيع الأولى التي شرب منها أحمد بوزفور. ذلك الضوء الساطع الباهر المنعكس على صينية النحاس الذي يتلمسه الرضيع ليأكله. الأم التي يتقطر الحنان من عينيها. الشعر. الحصان الأدهم. خزانة القرويين. الخال سي عبد العزيز وهابي. العم «ملك الحكايات». الجارات العجائز. الحبيبة (زبيدة).. «أتذكر الآن بصعوبة شكل البنت التي أحببتها أول مرة في حياتي. كنت أتابع دراستي في فاس (في السنة الأولى أو الثانية مما نسميه اليوم: الإعدادي). وكنت أسكن مع ثلاثة طلبة آخرين في حانوت اكتريناه بقرب الثانوية. جارنا، صاحب الحانوت، والبقال الذي نأخذ منه بالديْن حاجاتنا الضرورية.. هو أبو البنت التي أحببتها. كانت بنتا صغيرة وجميلة جدا وخجولة جدا.» السينما. الدارالبيضاء. الأستاذ تأبط شرا. «الخيول لا تموت تحت السقف» كتاب ممتع. كتاب بوح وكشف للمرجعيات والقراءات، صدر في طبعة أنيقة عن «منشورات عكاظ».