شدد محمد الأشعري وزير الثقافة والاتصال السابق في حكومة التناوب التي قادها عبد الرحمان اليوسفي على أن بداية التناوب كانت بداية للتفاوض على عدد من الأشياء، وفي مقدمة ذلك تفاوض على بناء العمل الحكومي، وتفاوض على الإعلام الذي كان لابد من إصلاحه، لكن لم يكن لحكومة اليوسفي يوما ما هدف السيطرة على قنوات الإعلام العمومي في إشارة لما يقع مع حكومة عبد الاله بنكيران، وحدة الصراع ما بين الحكومة الحالية من جهة والإعلام العمومي. وأبرز الأشعري في مداخلة له تقدم بها في حلقة نقاش فكري نظمها «ملتقى الحوار الديمقراطي» تحث عنوان «أي إعلام لتطوير المسار الديمقراطي؟»، مساء أمس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس أكدال الرباط، أن حكومة التناوب كانت مؤمنة بضرورة القيام بالإصلاح وليس خوض الصراع من أجل التحكم في التلفزيون، مع العلم أن الإعلام العمومي في تلك الفترة كان مجالا لتدخل عدد من الجهات إلا الحكومة. شارك في هذه الندوة محمد الأشعري، سميرة سيطايل ورشيد البلغيثي، فيما اعتذر محمد العربي المساري عن الحضور لأسباب صحية. وقد تميزت الندوة، إضافة إلى قيمة المداخلات والعروض، بحضور متميز ضم إعلاميين وأساتذة وفنانين ومثقفين ومناضلين سياسيين. وقد قدمت الندوة وسيرت أشغالها ثريا ماجدولين، التي أكدت في كلمة ألقتها في افتتاح الندوة أن العلاقة بين الإعلام والديمقراطية هي علاقة عضوية تجعلهما متكاملين، كل واحد منهما يشكل مؤشرا ومعيارا لوجود الآخر، لذلك من غير الممكن تصور وجود إصلاح ديمقراطي شامل في المجتمع دون وجود حرية للرأي والتعبير، يكون عمادها الإعلام المستقل المتحرر من سيطرة الدولة. وأضافت ماجدولين أن دور وسائل الإعلام أساسي لممارسة حرية التعبير، وبدونها يستحيل نمو ثقافة الديمقراطية، كما يستحيل على المجتمع أن يطور العادات والممارسات المكتسبة. إضافة إلى أن قوة السؤال حول العلاقة الجدلية بين إعلام متطور ومجتمع متقدم، أصبحت أكثر إلحاحا بعد دستور سنة 2011 الذي أكد على أن حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. وأن للمواطن حق الحصول على المعلومة الموجودة لدى الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. وتزداد قضية احترام حرية الصحافة إلحاحا وتأكيدا في ظل تعددية لغوية وثقافية وسياسية والتي يتوفر عليها المغربي. وقد جاء في كلمة المنتدى أن وسائل الإعلام هي دعم حقيقي وأداة للتغيير فعّالة. فالإعلام المنتج هو الذي يؤثر في محيطه، وهو أيضا الإعلام الذي يساهم في التنمية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، بل يساهم بشكل أكبر في التنمية السياسية، من خلال التواصل الحي مع الجمهور ومراقبة القوى السياسية والقوى الاقتصادية والسلطات التنفيذية في ممارسة أدوارها ضمن مسيرة البناء الديمقراطي. وفي المقابل لابد للديمقراطية أن تعتمد على وسائل الإعلام السليمة والمتعددة والمستقلة بحيث تصبح منبرا حقيقيا للنقاش الديمقراطي. واعتمادا على التجربة الإعلامية والمجتمعية المغربية، عبر المنتدى عن استحالة الحديث عن مفاهيم حيوية مثل الديمقراطية والشفافية والتعددية دون الحديث عن حرية الإعلام. وفي نفس السياق توجهت مسيرة الندوة إلى محمد الأشعري لتطرح عليه عدة أسئلة لتكون منطلقا لتدخله: هل يمكن اعتبار الإعلام في بلادنا خدمة عامة؟ بمعنى مجموعة مؤسسات إعلامية تراقب الحكومة والسلطة بشكل عام لحساب الجمهور، استنادا إلى الاعتقاد بأن مراقبة الحكومة هي الوظيفة أو الدور الأساسي للإعلام؟ وهل يقوم المغرب بدوره في تحقيق الديمقراطية؟ وما هي أسباب الشرخ بين المواطن المغربي وإعلامه؟ هل يمكن بناء نظام إعلامي محصّن من تدخل الدولة؟ عن مجموع هذه الأسئلة دار تدخل الأشعري، معبرا عن نفس القلق الموجود في الحقلين الإعلامي والسياسي، خصوصا في هذه المرحلة الدقيقة التي يجتازها المغرب. وأكد أنه لا يمكن إنشاء إعلامي حقيقي إلا في كنف مجتمع ديمقراطي، والعكس صحيح. وهذا التلازم هو طبيعي حسب الأشعري. إلا أن المغرب يعيش عدة مفارقات، فكثيرا ما يقول المتتبع إن الصحافة المكتوبة تعيش نوعا من الاستثناء، إذ أنه يمشي في اتجاه تحقيق المهنية. ولكن داخليا كلنا نحس بنوع من الضغط ومن الهشاشة، ونستشعر مخاطر عدّة تهدد هذه الحرية الواضحة. كما أن قضايا الصحافة في المحاكم وحرية الرأي تجسد هذا الضغط الذي تعيشه الصحافة في المغرب. وتطرق الأشعري لعدم تطور التشريعات المتعلقة بقانون الصحافة، ففي مطلع الألفية الثالثة ظهرت بعض المحاولات في هذا الإطار التشريعي. ففي سنة 2002 تم تغيير مقتضيات الصحافة، انسجاما مع الطبيعة الحيوية للوضع السياسي آنذاك، ومع طبيعة الأغلبية، العامل الذي ساعد على الإصلاح الجزئي الذي لم يكتمل. لكن رغم ذلك تكون نوع من التوافق حول ذلك الإصلاح، سواء في مجلس المستشارين أو في مجلس النواب. ولكن مباشرة بعد ذلك، يضيف الأشعري، تمت العودة بقانون الصحافة إلى الماضي، أي العودة إلى العقوبات الحبسية. إذن، يستمر الأشعري في القول، هناك ضغط مادي ومعنوي ظاهر، مما يهدد بالرجوع إلى الوراء، وذلك تحديدا ما يكبّل طاقة الصحافة في المغرب، ولم يشجع الكثيرين على الاستثمار في هذا القطاع. ورغم ذلك كانت هناك محاولات عدة لمراجعة قانون الصحافة. ومن الهزل، يقول الأشعري، أن الأمور عندما تهدأ يتم الحديث عن قرب وصول المشروع إلى مجلس النواب. إذن، حسب وزير الإعلام السابق في حكومة التناوب، من غير المعقول أن يبقى الإصلاح منذ سنة 2003. أما الإعلام السمعي البصري فقصته مختلفة. فإلى فترة قريبة كنا نتحدث عن التوجيه المباشر للدولة. هناك في المغرب، حسب الأشعري، وجود لجرح إخضاع الإعلام لوزارة الداخلية، فهذه عقدة مازالت تتحكم في الإعلام وفي المجال السياسي. وعاد الأشعري ليذكر بالنقط الثلاث المهمة التي فُكّر فيها في كنف حكومة التناوب، أما المهمة الأولى فتجلت في رفع الاحتكار، فتحرير قطاع الإعلام يبدأ من هنا، كما أنها مسألة تنافسية. والنقطة الثانية همّت إيجاد هيئة ضابطة، والثالثة هي حكامة أجهزة الإذاعة والتلفزيون بتحويلها من إدارة عمومية إلى شركة تتمتع بنوع من المرونة. لكن السؤال يبقى، حسب الأشعري، هو إلى أي حد رُفع الاحتكار فعليا في المجال السمعي البصري؟ ليجيب إن هذا الاحتكار من الناحية الشكلية رُفع في الإذاعة لكنه مازال موجودا في التلفزيون. كما أن رفع الاحتكار، من الناحية المنهجية والسياسية، لم ينجح إلى اليوم داخل الحقل الإعلامي. إذ مازال هناك نوع من الاحتكار بصيغة التعدد، لأنّ السُّلط المتحكمة في الاحتكار مازالت تخضع لمنطق الإخضاع وليس لمنطق التنافسية. أما عن ظروف عمل الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، فقال الأشعري إنها ظروف لا تتناسب مع التنافس، لذلك فالمجالات المتاحة لها هي منحصرة في المجال السياسي فقط. وأضاف صاحب رواية «القوس والفراشة» إن تحويل الإذاعة إلى شركات سمح بمقاربات تدبيرية متحررة من ضغط الإدارة، لكنه لم يستطع تحريك المجال الإنتاجي باستثمار قوي يُخرج القطاع من وضعية التخلّف. كما أن الجميع يلاحظ أن المجال السمعي البصري يستمر بكونه إطارا متنازعا عليه من الناحية السياسية، إذ مازال هناك شعور بأنه قطاع سيادي، مما يجعله دائم الخضوع للسلطة السياسية دون مراقبة أو ضبط. ومن جهتها اعتبرت سميرة سيطايل مديرة الأخبار بالقناة الثانية، أن موضوع هذه الندوة له راهنيته ولايزال يحتفظ بها منذ سنوات، مؤكدة في نفس الآن أن النقاش العمومي في هذا الموضوع جيد وأساسي، ويجب تعميقه لما يخدم تطوير المسار الديمقراطي إلا أن الملاحظ مع الأسف تقول سيطايل «دخلنا في نقاش ليس في صالح المهنيين بصفة خاصة والحقل الإعلامي بصفة عامة». وأوضحت مديرة الأخبار بقناة عين السبع، أنها قضت ما يقارب 27 سنة في العمل المهني كمتخصصة في التلفزيون، سنة ونصف بالاذاعة والتلفزة المغربية سابقا، الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة حاليا، ثم 25 سنة بالقناة الثانية، ما يجعلها جيدا تعي ما هي الاستقلالية في الإعلام العمومي بفضل هذه التجربة الميدانية والخبرة الكبيرة في التلفزيون. وعاتبت سيطايل عددا من الانتقادات الموجهة للقناة الثانية، قائلة «أحيانا نعطي آراء وتحليلات لكننا لا نعرف عما نتكلم؟»، مسجلة في هذا السياق أن القناة الثانية القناة الأقوى في الجهة بنسبة مشاهدة تصل إلى 26 في المائة، في الوقت الذي تسجل فيه القنوات التلفزية القطرية نسبة 10 في المائة والجزائر ب 9 في المائة ثم الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة ب 13 في المائة ثم مصر ب 13 في المائة. والنموذج البريطاني المتمثل في «ب ب س BBC» المرجع في المهنية، يصل لنسبة مشاهدة 30 في المائة ونفس النسبة للتلفزيون الفرنسي. وذكرت مديرة الأخبار التي كانت تتحدث في مداخلة لها أمام عدد من الفاعلين الإعلاميين والسياسيين والمهنيين، أن هناك منافسة شرسة في القطاع الإعلامي للقنوات العمومية، خاصة مع تسارع التطورات التكنولوجية والرقمية، حيث هناك 1200 قناة منافسة مع العلم أن 93 في المائة من المغاربة أصبحوا يتوفرون على اللاقط الهوائي «البارابول»، ثم هناك سبعة ملايين من المغاربة من مستعملي شبكة التواصل الاجتماعي العالمية، و 16 مليونا من المغاربة يستعملون الأنترنيت. وفندت مديرة أخبار القناة الثانية كل الذين يتحدثون عن أن القناة تمول من طرف الدولة، موضحة أن 95 في المائة من مداخيل القناة تأتي من المستشهرين، بينما 5 في المائة المتبقية فهي عبارة عن الدعم العمومي من الدولة والتي تصل إلى 35 مليون درهم، في حين الميزانية العامة للقناة تقدر ب 700 مليون درهم، مسجلة كذلك أن سوق الإشهار في المغرب لا يتعدى مبلغ مليار درهم. ولتوضح كثيرا ذكرت أن 2m تخوض معارك من التحدي المهني يوميا من أجل الاستمرار، إذ أكدت سيطايل أن القناة تقاتل من أجل أداء أجور المشتغلين بها، مع العلم أن القناة لم تخلق مناصب شغل جديدة منذ ست سنوات ولم تساهم في إنتاج برامج جديدة، وفي المقابل هناك مجهود لتجديد بعض الكاميرات. وهاجمت سيطايل الحكومة التي أقرت دفتر التحملات المتعلق بالإعلام العمومي، متهمة إياها بأنها لا تحترم التزاماتها المتمثلة في 250 مليون درهم، من أجل تطبيق ما جاء في دفتر التحملات، وتقر أن القناة هي الأخرى كذلك لا تتوفر على الاعتمادات المالية الكافية لتنفيذ ذلك. ومن جانبه وفي نفس اللقاء، شدد الصحفي رشيد البلغيتي على أن المطلوب من إعداد مدونة الصحافة اليوم التي تعدها وزارة الاتصال، بتشاور شبه صوري مع الفدرالية الوطنية لناشري الصحف والنقابة الوطنية للصحافة المهنية وفي تغييب تام للمهنيين، أن تنتصر إلى لحرية الإعلام وقيم حقوق الإنسان. وتساءل البلغيتي عن مضمون هذه المدونة التي لا يعرف عنها المهنيون أي شيء، خاصة قانون الصحافة والنشر الذي لا يتوفر بعد أي احد على مشروعه، ما يجعل الحديث عن المسار التشاوري في إعداد مدونة للصحافة عصرية وحديثة، مجرد تصريحات بالرغم من أن النقابة والفدرالية قد توصلتا بمشروع قانون المجلس الأعلى للصحافة لكن التفاوض بشأنه لايزال لم يتم بعد. وأشار البلغيتي في ذات السياق الى أن الحديث عن حرية الإعلام وقانون الصحافة والنشر غير الموجود، والذي لم يتم التشاور حوله، يجر الى الحديث عن قانون حق الوصول الى المعلومة، وساق مثالا صارخا في هذا الباب «إنه لا حق لنا في الوصول إلى المعلومة في ما يفعلونه ويحضرونه في هذا المشروع المتعلق بالصحافة والنشر».