قال جمال الدين الناجي، مختص في الإعلام السمعي البصري ومنسق الحوار العمومي بين الإعلام والمجتمع، أن إصلاح الإعلام السمعي البصري في المغرب يعد أولوية رئيسية في التحولات الجارية في مغرب اليوم. وأضاف في اللقاء الذي نظمته مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد الاثنين 18 أبريل الجاري حول «دور المرفق العمومي السمعي البصري في مصاحبة التحولات السياسية، الاجتماعية، والثقافية التي يجب أن يعرفها المغرب بعد وضع الدستور» أن الإعلام العمومي الديمقراطي يجب أن تتوفر فيه الاستقلالية أمام السلطات، الحرية، الديمقراطية الداخلية، المساواة بين الجنسين، مقاربة النوع الاجتماعي. كما يجب أن يعكس هذا الإعلام التعددية، الجودة في المعلومة، الإبداع، الشفافية، احترام أخلاقيات المهنة وضمان تمثيلية الأقليات. وأوضح جمال الدين الذي هو بصدد وضع اللمسات الأخيرة على «الكتاب الأبيض» الذي سيعطي الخلاصات حول النقاش الذي دار بين الإعلاميين والمسؤولين عن الشأن الإعلامي وبين مختلف الهيئات السياسية والنقابية والجمعوية الممثلة للمجتمع، أوضح بأن التشخيص لا يصعب الاختلاف بشأنه اليوم، ذلك أن الإعلام السمعي البصري في المغرب تغيب فيه ثقافة المرفق العمومي ولا يعبر عما يطمح إليه المجتمع المغربي ويبقى متحكما فيه. فهو، حسب الخبير الإعلامي جمال الدين الناجي يعكس ثقافة المركز بدل الأغلبية، وثقافة «الرعية» بدل «المواطنة»، «النظام» بدل «المبادرة». وأبرز بأنه منذ عشر سنوات لم يستطع المغرب إصلاح حقله الإعلامي رغم النقاش الذي دار حول الإصلاح. وذكر الناجي أنه في شهر ماي من سنة 2000، تم تنظيم لقاء في الرباط نتج عنه «نداء الرباط». هذا الأخير أكد أن الإعلام السمعي البصري باعتباره مرفقا عموميا يجب أن لا يكون تجاريا ولا تابعا للدولة. كما نتج عن توصيات هذا اللقاء كون هذا الإعلام يتوجه للجميع، باعتبارهم مواطنين ليساهم في توسيع مدركاتهم وإخبارهم بما يدور في محيطهم القريب والبعيد. وقال كذلك بأن هذا الإعلام يجب أن يساهم في ترسيخ أهداف التنمية، الديمقراطية، الحكامة الجيدة، ونشر قيم الحرية وحقوق الإنسان. وفي رده على العرض المفصل الذي تقدم به الناجي، أفاد محمد الأشعري، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ووزير الثقافة سابقا أنه لا يمكن تحقيق الديمقراطية ما لم يتم إصلاح الإعلام العمومي ليتحول من آلية للدعاية إلى مرفق عمومي حقيقي. وأضاف في هذا اللقاء الذي تشرف عليه دائرة التحليل السياسي لمؤسسة عبد الرحيم بوعبيد أن «أكثر من 15 سنة ونحن نتحدث عن إصلاح الإعلام لكن دون نتيجة إيجابية تذكر». وأوضح وزير الاتصال والثقافة في حكومة التناوب أنه «تم طرح السؤال على العربي المساري عند تعيينه وزيرا للاتصال فقال ببساطة ونوع من المجازفة: سأفتح كتاب المناظرة الذي تمت كتابته بتوافق بين القوى الوطنية ووزارة الداخلية وأطبق توصياته». لكن، يضيف الأشعري أنه سنتين بعد ذلك لم يتقدم أي شيء في الحقل الإعلامي رغم بعض التطور النسبي في الدراسات الأولية لقانون الصحافة. وبعد ذلك يقول المناضل الاتحادي أنه تسلم حقيبة وزارة الاتصال والثقافة، حينها كان الهاجس هو إعادة بناء إطار مؤسستي عصري مستقل وإنشاء شركات عمومية مستقلة وقادرة على الإنتاج. كما كان مطروحا عليه حينها ضرورة التفكير في «استعجالية رفع الاحتكار على الإعلام السمعي البصري العمومي وبالتالي وضع هيأة عليا للاتصال». لكنه يلاحظ أن «الإذاعة والتلفزة بقيت تابعة للمخزن مما أدى إلى تناقض غريب». ويضيف الأشعري أنه كان هناك انفتاح وتدفق حريات التعبير لكن الإذاعة والتلفزة ظل متحكما فيها وبقيت في العالم القديم. ومن بين الأشياء الغريبة التي حدثت، يحكي الأشعري عن حادثة موضوعها أن عبد الرحمان اليوسفي، حينها وزيرا أول، كان قد شارك في مسيرة مليونية كبيرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني فلم تظهر كاميرا التلفزة المغربية اليوسفي، فلما طرح الأشعري هذه المسألة على العرايشي، ابتكر هذا الأخير أن الأمر يتعلق بخطأ مهني. «بالنسبة لنا فنعتقد أنه كانت تعليمات ذات طبيعة سياسية وليس خطأ مهنيا» يؤكد الأشعري. أما بخصوص مشروع الإصلاح، فأبرز محمد الأشعري أنه تم تحضير قانون إنشاء الهاكا والشركة الوطنية لوكالة الأنباء والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية في 2004 ليفاجأ الجميع بقرار الاحتفاظ برفع الاحتكار والهيأة العليا فقط. ويضيف بأنه قد تلي على الحكومة قرار القانون الذي صدر بعيدا عن القنوات الديمقراطية. وأفاد نفس المتدخل بأن قطاع الإعلام العمومي اليوم هو وسيلة لتلجيم الحياة الديمقراطية «كما أن هناك إرادة لإبقاء رداءة ومستوى إعلام عمومي متخلف وسلطوي، «فالأمر لا يتعلق بعجز مهني ولكن هناك غياب إرادة سياسية لتحرير الإعلام». وفي قراءته لحقل الإعلام السمعي البصري في ضوء تجربة التناوب، قال أنه داخل حكومة التناوب «كنا نسير في إطار التوافق». وأبرز أن «الإعلام كان مثله مثل العسكر والأمن جهاز أيديولوجي وقمعي، إنها كانت مؤسسة مضادة للتاريخ». رغم ذلك فقد أظهر بأن «الهدف كان هو بناء الانتقال بالتنازلات والتوافقات». وهو الأمر الذي أخضعه الأشعري إلى النقد حيث أنه «تم تشويه مفهوم التوافق مما أدخل الإعلام كغيره من القطاعات في مأزق حقيقي» يضيف. وفي الأخير يؤكد الأشعري أنه «للأسف لا يتم ربط إصلاح الإعلام السمعي البصري بالتحول الديمقراطي بالقوة التي يجب اليوم» ويضيف أنه إذا ما لم تتبلور قناعة كون الديمقراطية تستدعي إصلاح شامل للإعلام ،فلا يمكن أن تتم هذه الإصلاحات. وقال بأن النص الدستوري سيكون فارغ المحتوى إذا لم يساهم الإعلام في تثقيف المجتمع وفرز نخبه لأن «الجودة هوية» كما يقول. وفي مداخلته، قال يونس مجاهد، الكاتب العام لنقابة الصحافة الوطنية أن مشكل الإعلام السمعي البصري في المغرب هو مشكل سياسي، حيث «لا يمكن تصور تحرير الإعلام بدون ديمقراطية». وتأسف مجاهد على كون «الطبقة السياسية لم تواكب النقاش والصراع حول الإصلاح الإعلامي مع النقابة». ذلك أنه عند نشأة الهاكا يقول النقابي مجاهد أنه رافع رفقة مجموعة من المناضلين من داخل النقابة لتعديل القانون وتقدموا باقتراحات ملموسة أمام البرلمانيين، لكن وحده فريق الكونفدرالية الديمقراطية للشغل هو الذي ساعد وفرض إضافة أشياء إيجابية على القانون. وقال يونس مجاهد أننا اليوم أمام وضع جديد. ف»الهيئات التي يجب أن تقنن عليها أن تكون مستقلة. ولتحقيق ذلك يعتقد أنه يجب على المجتمع المغربي والسياسي أن يأخذ هذا الملف بين يديه. كما يضيف أنه «يجب أن تكون ثورة في كل شيء على المستوى الإعلامي: المستوى السياسي والفلسفي والإطار القانوني». وقال بأن أجهزة البوليس التي تتجسس يجب أن تبتعد عن الشعب وأن تنصرف إلى حال شأنها. لقد استرعى لقاء دائرة التحليل السياسي لمؤسسة عبد الرحيم بوعبيد المتعلق بالإعلام السمعي البصري اهتمام مجموعة من المثقفين الذين لبوا دعوة المؤسسة. وأكد هؤلاء المثقفين على ضرورة التفكير وفتح النقاش، إلى جانب الإطار القانوني، حول المضامين التي ينبغي أن تتوفر على مستوى البرامج التلفزية والإذاعية العمومية. حيث أبرز الباحث السوسيولوجي حسن رشيق أن البرامج يجب عليها أن تعكس مفهوم المرفق العمومي عبر إرساء تعددية ثقافية حقيقية بعيدا عن كل دعاية أو انغلاق هوياتي. وأوضحت الباحثة السوسيولوجية رحمة بورقية أن الإعلام العمومي الجديد عليه أن يلعب وظائف تربوية وتحسيسية كبيرة للمساهمة في الرقي بالمجتمع. في حين تساءلت أستاذة العلوم السياسية أمينة المسعودي عن تصورات الأحزاب السياسية بخصوص مضامين الإعلام العمومي ومنظورها للمرفق العام. هذا وعرف اللقاء مداخلات قيمة لكل من علي بوعبيد المندوب العام للمؤسسة، رشيد الفيلالي المكناسي، رئيس جمعية ترانسبرنسي المغرب والصحفية منية بلعافية.