« الرجل العظيم يترك للآخرين مسؤولية فهمه وتفسيره» هيجل وأنا سعيد لأنكم أتحتم لي الفرصة لأقول كلمات بسيطة في حق هذا الرجل العميق بصمته وبحفرياته في الفكر العربي والمغربي, إذ كان ينظر إلى حاجة هذا الفكر, إلى الفلسفة لأنها تنبع من الأصالة الحية للروح، وبعبارة هيجل إنها المحراب الأكثر براءة للروح الإنسانية، بيد أن الانتقال من الحاجة إلى الفلسفة إلى أداة التفلسف أعني بناء عقلانية تنويرية، كان هو غاية الأستاذ مصطفى القباج الذي تخرج من مدرسة محمد عزيز الحبابي. إذا كان كل واحد منا هو ابن عصره وربيب زمانه، فإن إدراك هذا العصر لا يمكن أن يتم إلا بالفكر، والإبداع والفن، لأن الفن مقاومة للموت، والفكر بناء لمحراب الروح، فبأي معنى يمكن أن أختصر حياة رجل عظيم في كلمات؟، وما الذي يجعل هذه الكلمات تتيه عن الحقيقة؟ وإلى أي حد يكون هذا الشغف بالحقيقة هو ترياق الروح أمام الزمان المدمر لها؟. ومهما يكن هدير الزمان قويا، فإن التأملات الفلسفية وشاعرية الحياة في مأوى الفن قد جعلا هذا الرجل يتمتع كمربي للأجيال، في كلية علوم التربية، والمعهد الملكي، وأكاديمية المغرب أنا واثق بأنكم قد استدعيتم أحد الشهود على بناء حقيقة المغرب الجديد، ولا أحد يشهد من أجل الشهادة. ولذلك أعرب لكم عن شكري الخالص لمنحي هذه المناسبة لأقتسم معكم نشوة الاحتفال برجل عظيم، يعتبر الصداقة خيرا، لأن الصديق إذا صار خيرا صار الخير صديقا كما قال أرسطو، وصداقة الأخيار لا تنضب. ومع ذلك أتساءل ما هي الفلسفة التي دافع عنها القباج، إنها اليقظة والاستيقاظ، لأن أجمل الأحلام تتعرض للفساد والأذى وللضرر وللجرح من طرف الوعي المستيقظ الذي يخبرنا بأنها مجرد مظاهر بالمقارنة مع الواقع الفعلي. والفلسفة هي أيضا مذكرات عشق بلغة نيتشه أو بالأحرى تأملات موسومة بالألم وموقعه بالجرح. إنها الفكر الذي يمنحنا إمكانية المستحيل بلغة ادرنو. وعليكم أن تعلموا أن هذا الرجل الذي تكرمونه اليوم، وفي هذا المساء كان يحلم بمستقبل أفضل للفلسفة مدافعا عنها بالمسرح، الذي هو المرآة الطاهرة للروح، إنه الحنين إلى نعومة الطفولة كما قال شكسبير، إذ ليس هناك انعم وسادة من حضن الأم. وقبل التعجيل بالخاتمة أريد أن أقول لكم: إن بعض الفلاسفة لا يجدون قراء إلا بعد مرور الزمن، والبعض الآخر بفقد ما عنده من قراء بعد زمن قصير. سئل الفيلسوف أرسطو: من يشيخ بسرعة؟ فأجاب: عرفان الجميل... وأنتم بعرفانكم هذا تضعون المغرب أمام سؤال الاعتراف بالفيلسوف المبدع، محمد مصطفى القباج.. وشكرا على دعوتكم وتحملكم سماع هذه التأملات المشاغبة. قدمت هذه الشهادة بمناسبة اليوم الوطني للمسرح وتم تكريم الأستاذ محمد مصطفى القباج: