استضافت المكتبة الوطنية بالرباط،نهاية الأسبوع الماضي، لقاء أدبيا حواريا، في إطار فقرة «رؤى أدبية»، الروائي المغربي إدريس جعيدان، وعالم الاجتماع الفرنسي جان زاغانياريس»، الذي صدر له مؤخرا كتابا عن الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية «كوير ماروك»، وهو دراسة في قضايا الجنس والنوع وانتقال الهويات في الأدب المغربي ممثلا في متن روائي مثله الروائيون: إدريس الشرايبي، عبد الكبير الخطيبي، لمياء برادة، مامون الحبابي، عبد الله الطايع، محمد لفتاح، فاطمة المرنيسي، رجاء بنشمسي، غيثة الخياط، سهام بوهلال، سهام بنشقرون....وقد درس المؤلف موضوع الجنس باعتباره محرما في الثقافة الإسلامية من خلال الخطاب المكتوب والشفهي للكتاب المغاربة، بغرض إبراز المكانة المركزية التي يحتلها الجنس، والنوع والهوية المتحولة في هذا الأدب. وبذلك فهذا الأدب هو مرآة اجتماعية للتحولات الجديدة في المجتمع المغربي، وكذا في الكتابة الروائية المغربية باللغة الفرنسية. وكلمة: QUEER هي إنجليزية وتعني «غريب» و «غير الشائع»، وفي الغالب تستعمل في إطار الحديث عن الجنس والسُحاق والشذوذ. في بداية اللقاء تحدث إدريس جعيدان عن الموضوع باعتباره يشكل مشتركا بينه وبين زاغانياريس منذ زمن، كما أنه موضوع مشترك بين عدة أنشطة أدبية وفنية: الرسم، النحت، الرواية، القصة، وكذا عند المثقفين الملتزمين بقضايا المجتمع المباشرة لأن «الكوير» يرمز إلى الرغبة في كل حالاتها. وأشار جعيدان إلى أنه موضوع شديد الخصوصية والاهتمام في فرنسا. وفي الفترة الأخيرة، مع وصول قضية مقاربة النوع إلى المغرب، وصل «الكوير» لعيد النقاش من جديد حول ماهية النوع، وماهية الهوية الجنسية. واستشهد بميشيل فوكو الذي تحدث عن ما هو عليه الفرد لأن البنيات الاجتماعية تطبع أجسادنا وتحددها. وبذلك فهناك فرق بين الجنس البيولوجي والجنس الهوياتي والثقافي. وتساءل جعيدان: لماذا نعتبر أنه من الممكن اللعب بالهويات الجنسية وتأسيسها من جديد؟ ليجيب بأنه بكل بساطة أن ذلك ممكن عند مجموعة من الأفراد. فإذا كنت رجلا بيولوجيا فليس بالضرورة أنت رجل على المستوى النفسي. وهذا بالضبط ما يمكن تسجيله في شكل التعبير في الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية. وعن منهجيته أضاف جعيدان إنه اختار النظر في الأدب من زاوية جمالية، ففي العمق لا يرتبط بالضرورة بقضية والنوع أو سياسة النوع. الأمر بكل بساطة يكمن في كون الأدب تناول قضية أن المجتمع أعطاك هوية جنسية ولكن لك الحق في إعادة خلق هذه الهوية واختيار الانتماء لأي نوع آخر. وعندما يعود الدارس للبحث في الأدب، من منظور جمالي، يجد أن الخيال والخلق الأدبيين موجودان منذ زمن بعيد. وأعطى مثالا بالشاعر الفرنسي «بيير دي رونسار» في القرن السادس عشر، الذي كتب قصيدة عن «فونيس» و»أدونيس» الذين امتزجا وأعطيا نوعا جديدا. وهناك أيضا نصوص بقلم بورخيس تناولت نفس القضية. لذلك استخلص أن الهويات المتحولة تتخذ قوة أكثر جمالا في شكل الفن والأدب. وذلك يسميه فوكو «خلق الذات»، فيما يطلق عليها نيتشه «صنع من الذات تحفة فنية». وعندما جاء دور «زاغانياريس» للرد على ما جاء في تدخل إدريس جعيدان قال إنه ليس ناقدا ادبيا ولكنه عالم اجتماع مهتم بالأدب المغربي المكتوب الفرنسية، وبذلك تحول في هذا الكتاب من عالم اجتماع وباحث في المجتمع إلى باحث في الأدب من خلال نصوص للصفريوي والشرايبي، وهما كاتبان يصلحان للتناول النقدي بواسطة منهجية سوسيولوجية. كما تحدث عن محمد خير الدين الذي هو كاتب متعدد الأصوات يثير أسئلة كثيرة عند علماء الاجتماع. وانتقل للحديث عن رواية العايدي «ديوان مغربي» واعتبرها رواية قريبة جدا من عالم محمد خير الدين. خصوصا في مسألة الشفاهي. لكنها أيضا رواية قريبة من عالم فرانز كافكا. وتوجه بالكلام إلى جعيدان: أنت لا تكتب ما يقوله المجتمع والمهمشون في هذا المجتمع، بل تستنطق هذه الفئات الهشة». وطرح السوال الآتي على صاحب» ديوان مغربي»: ما هي مكانة كافكا في أدبك؟ ماذا يمثل لك كافكا؟ ليجيب جعيدان قائلا بأن الأدب المغربي بعد إدريس الشرايبي أصبح يتحدث عن الدعارة والشذوذ الجنسي والسيدا والسحاق...غير أن الكاتب ليس عالم اجتماع لكنه يستطيع مساعدة عالم الاجتماع من المكتوب الخلال إسماع أصوات المجتمع الناطقة في الروايات والقصص. وأضاف أن كافكا حاضر في الأدب المغربي، فكافكا «قريب منَّا» على مستويين، فهو تشيكي يكتب بالألمانية. والمستوى الثاني انه كان يهتم بقضايا مجتمعه التشيكي، ويعالج من خلال وظيفته ملفات أناس يتحدثون بالتشيكية ويكتب عنهم باللغة الألمانية. هنا كان كافكا واقعا أمام مشكلة اللغة، وهو نفس الوضع الذي يواجهه الكتاب المغاربة باللغة الفرنسية. وختم جعيدان قائلا: «فأنا أكتب بالفرنسية في بلد عربي». ووضعي شبيه بوضع كافكا.