لا يكاد يختلف اثنان حول طبيعة المرحلة التي يمر منها الشأن التربوي التعليمي، فقد وقع الإجماع على ضرورة تبني خطة للإصلاح، وصياغة مشروع تشاركي ينطلق من القناعة بأهمية إضفاء الطابع المجتمعي، في إطار الدينامية، ومن خلال تفاعل أطراف الحسم : فاعل، متدخل، وشريك، حيث بات كل الأطراف معنيين بغية اتخاذ القرار الأنسب . تقتضي المسألة خطوات : تبدأ باعتماد منهج ذو طابع علمي، من خلال تشخيص العملية بناء على أسئلة الإشكاليات المطروحة، والبحث عن العلة، ثم العلاج الذي يعتمد على الانتقائية في الحلول، قصد إيجاد الصائب، شريطة أن يتصف هذا الأخير بالنجاعة، لذا فمن المفروض اعتماد الآليات الكفيلة بحسن تصويب وتعديل الوضع للخروج من وضعية الأزمة. قد يضعنا الأمر أمام إشكالات أخرى تتفرع عن الأزمة الفعلية : الاعتماد النسبي على التنظير القابل للتنفيذ والتطبيق الميداني، والبعيد عن الطرح الذي يبقى حبيس الطوباوية، ومن تمة طرائق تنزيل النظري وتحويله إلى ممارسة نوعية، ثم ما سيعقب الأفكار من قرار، من الأجدر أن يكون حاسما، فكثيرا ما يتم الأخذ بنظريات لا تتلاءم مع طبيعة البيئة والمحيط، فتفرض طرائق، برامج ومناهج سرعان ما يلفظها الواقع البيداغوجي بحكم عدم الملاءمة، وناذرا ما يكتب لنا التوفيق، فيتم وضع اليد على مواطن الخلل، بتحديد المسؤوليات بدقة، واكتساب شجاعة النقد الذاتي، فيسهل تجاوز الاختلالات و النقائص . يقطع القرار أشواطا، فهو يمر من التنظير نحو الممارسة، ومن تفاعل عصارة الأفكار إلى حسن تنزيلها، فقد تكون الأزمة الفعلية أزمة تنظير، حيث نجد أنفسنا أحيانا أمام كم من الأفكار التي قد تبدو نافعة، لكن سرعان ما تصطدم بالجانب العملي، الذي يعتبر المحك الرئيسي للتحقق، فعند الشروع في عملية التطبيق تكون النتيجة عكسية، مما يصعب معه العودة من جديد إلى نقطة البداية، ولن تكون الفرصة سانحة لتكرار الأمر في كل الأحوال . فالشرط المطلوب لتتحقق الموضوعية والنجاعة، هو أن يتصف النظري بالدقة والانسجام مع الواقع، بناء على الاهتمام بتقديم الحلول، إذ أن مرحلة التشخيص، والغوص في المشكلات المطروحة قد انتهت، فقد بتنا أمام مرحلة الحسم، تفريغ الآراء واستخلاص العملي منها في اتجاه اتخاذ القرار الذي ينسجم و حجم الانتظارات . فالعلاقة تكاملية بين عالم الأفكار والواقع، بين النظري و الميداني، و الحديث هنا يجرنا بالأساس إلى اعتماد خطة حاسمة ومشروع ناجح، فكل الأفكار التي تروم إصلاح الوضع التربوي التعليمي علينا استحسانها، على الأقل في مراحلها الأولى، بل قد يكون الحكم عليها في الوقت الراهن بمثابة اغتيال لنية الإصلاح ومقاصده، وإصدار الأحكام الاستباقية لا تمثل سوى استثناءات شاذة قد تجرنا إلى نقد كل جديد، وكل نقد لا يقوم على أسس موضوعية بحثة، فهو من قبيل الهرطقات، ويظل التنظير سليما مادام محك الواقع لم يحكم بعدم صلاحيته، بشرط الاحتكام إلى المنهاج التنظيري الأقرب إلى التطبيق . إن المجال التعليمي التربوي في حاجة إلى مشروع ناجح، ولن يكون النجاح سوى إذا توفر عنصران أساسيان : التنظير الواقعي العلمي، والذي يعتمد على تراكم الخبرات والتجارب الميدانية، واتخاذ القرار الصائب المتناسق مع البيئة، ويبقى إشراك نساء ورجال الممارسة الميدانية في صياغة المشروع التربوي أبرز ركن ضمن معادلة الإصلاح، فمن دونه يظل المشروع الإصلاحي ناقصا وغير مكتمل الأبعاد .