فيضانات إسبانيا.. سفيرة المغرب في مدريد: تضامن المغرب يعكس روح التعاون التي تميز العلاقات بين البلدين    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    أسطول "لارام" يتعزز بطائرة جديدة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    الزمامرة والسوالم يكتفيان بالتعادل    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    الهذيان العصابي لتبون وعقدة الملكية والمغرب لدى حاكم الجزائر    إعطاء انطلاقة خدمات 5 مراكز صحية بجهة الداخلة وادي الذهب    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    الدرهم "شبه مستقر" مقابل الأورو    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    موجة نزوح جديدة بعد أوامر إسرائيلية بإخلاء حي في غزة    الأمن الإقليمي بالعرائش يحبط محاولة هجرة غير شرعية لخمسة قاصرين مغاربة    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هواجس وآمال البحث التربوي بالمراكز الجهوية للتوثيق والتنشيط والإنتاج التربوي
نشر في الوجدية يوم 24 - 03 - 2011

شهدت المنظومة التربوية المغربية ميلاد بنية مؤسساتية يُنتَظر أن تضطلع بمهام تدبير البحث التربوي للارتقاء بمردوديتها، وذلك إعمالا لتوجهيات الميثاق، وتفعيلا لمشاريع البرنامج الاستعجالي.
وهي - وطنيا- بنية “الوحدة المركزية للبحث التربوي”، و-جهويا- بنية “وحدة البحث” و/أو “المختبر الجهوي للبحث التربوي” الذي يوجد ضمن بنية المركز الجهوي للتوثيق والتنشيط والإنتاج التربوي. ومساهمة في التداول بشأن بعض الآمال المعقودة على هذه البنية:
- نسجل أن وضعية البحث في مجال التربية بالمغرب وضعية ملتبسة محيرة رغم أن الآمال المعقودة عليه كبيرة؛
- نرى أن فرضية «المأسسة» قد تكون فرضية خصبة لفهمها ومعالجتها، إن أمكن التحقق منها عبر سيرورات إنجاز تستجيب لآمال وهواجس الملاءمة والنجاعة والإثمار؛
- نأمل أن تكون مأسسة البحث البيداغوجي مدخلا من مداخل الإصلاح المتبصر.
سمات الحال:
مفارقة
تبدو على وضعية البحث «التربوي» في بلدنا سمات تجعلها أقرب إلى المفارقة:
فمن جهة، هناك تعدد وتنوع في الإنتاج وغزارة في ترجمة الدراسات التربوية إلى اللغة العربية، بحيث يمكن الحديث عن «سوق تربوية» قد يكون من بين أظهر عوامل انتعاشها أفق الترقي عبر المباريات المهنية؛ كما يتوفر المغرب على كفاءات عالية تشهد لها مساهمات العديد من الباحثين في جامعات ومعاهد داخل المغرب وخارجه؛ هذا فضلا عن أن الساحة التربوية لا تخلو من مبادرات فريدة وخلاقة تبرز كلما سنحت فرصة عرض التجارب المبدعة أو المجددة، في مختلف الميادين المتصلة بالشأن التربوي.
وبالمقابل، تجري هذه الأبحاث على نحو فردي و/أو معزول، وغالبا ما تتم بعيدا عن واقع الممارسات المباشرة داخل الفصول الدراسية، بحيث إن رصيد التأليف المنشور، إنشاء أو ترجمة، غير متمفصل مع حاجيات المنظومة وانتظارات الممارسين، هذا فضلا عن أن المبادرات الفردية تظل محدودة المدى والوقع، وخاصة مشتتة.
فما تفسير وضع المفارقة هذا؟ وبالتبعية، كيف السبيل إلى تجاوز الإحراج النظري الذي تنطوي عليه والمأزق العملي الذي تؤدي إليه؟
المأسسة: إحدى التفسيرات
يُشار إلى أن الطابع غير المؤسساتي لأعمال البحث «التربوي» قد يكون أحد الأسباب المساعدة على تفسير هذه المفارقة وعلى تجاوز إحراجاتها في نفس الآن؛ كما تُعين على الخروج من المأزق الذي يعسر ترسيخه واستثماره في سيرورة إنجاز الإصلاح وتحقيق جودة التعليم والتكوين. أجل، يعاني واقع هذا النوع من البحث انفصالات على مختلف مستويات المنظومة، وقطائع بين مختلف الفاعلين فيها؛ انفصالات وقطائع من أبرز تجلياتها:
- فقدان لغة بحث مشتركة في الحد الأدنى الذي يجعل التواصل الخصب أمرا ممكنا؛
- فقدان حيز للتفاعل العلمي والعملي بما يتيح فهم الممارسة، ونقل وتناقل الخبرة ومراكمتها؛
- فقدان إطار من الضوابط والقواعد والقنوات يعرفها الفاعلون ويتعارفون على مقتضياتها؛
- انحسار النظر في نماذج التفكير والسلوك واتخاذ القرارات حول مشروع منسجم في غاياته وتوجهاته؛
- غياب أفق عملي يجعل أعمال المراجعة والنقد وإعادة النظر سبلا للتحسين، تعديلا و/أو تغييرا، في سياق دينامية مثمرة، يلمس الفاعلون فيها مدى ووزن فاعليتهم بغض النظر عن موقف كل واحد أو كل فئة من المنظومة في عمومها.
وعليه، فإن الانتباه إلى هذا الوضع يهب البعد المؤسساتي موقعا جوهريا في النظر إلى مسألة البحث في مجال البحث «التربوي»، ويضاعف من قيمته ودوره أنه إقرار مؤسساتي.
المأسسة : فرضية للمعالجة أيضا
لئن كان الطابع غير المؤسساتي لأعمال البحث في مجال التربية أحد الأسباب المساعدة على تفسير المفارقة، فقد تشكل «المأسسة» فرضية خصبة لمعالجتها: فمثلما يؤدي عدم الانتظام المؤسساتي إلى تعويم المجهودات التي يبذلها المهتمون ببحث سبل فهم حال العملية التعليمية وحل مشكلاتها، يُفترَض أن يكون هذا الانتظام نفسُه مدخلا من مداخل تيسير الفهم والحل.
من أبرز الأدلة التي قد تشهد لصالح خصوبة هذه الفرضية ذلك الذي ينطلق من مسلمة أن البحث في مجال التربية يخضع، بحكم كونه بحثا يريد لنفسه أن يكون علميا، لمقتضيات البحث العلمي عموما، ومن بينها ما يوصف ب»الضوابط التنظيمية»: فلا أحد ينكر اليوم أن الممارسة العلمية تتجسد في جملة المرافق التي تحتضن أشغال البحث وأفعال الباحثين، وأساليب عملهم، وطرائق كتابة ونشر بحوثهم، وآليات الإشهاد على كفاءاتهم، وظروف وشروط انتقائهم للمساهمة في مشاريع البحث، وأنماط اللقاء والتواصل بينهم، وأشكال الدعم الفكري والأخلاقي والمالي لإنجاز أعمالهم، والرهانات السياسية والاقتصادية لنتائج أبحاثهم.. هذا علاوة على كونها نتاجا للتفاعلات بين الممارسة العلمية والمجتمعية، بأبعادها الاقتصادية والسياسية والحضارية إن تأثيرا أو تأثرا، حيث يبدو العمل العلمي عملا مؤسسيا يسري عليه ما يسري على باقي المؤسسات الاجتماعية من أعراف وقواعد ومعايير وقوانين وإكراهات.
كذلك، يُفترض ألا يكون البحث في مجال التربية غريبا عن هذا الإطار ذي الطابع التنظيمي الجلي، بل ولا بد أن يتأثر، فضلا عما سبق، بخصوصية الجهاز الإداري، وتراتبية أسلاكه، وضروب التوتر بين الاختصاصات والصلاحيات التي قد تخترقه، وألوان الإكراهات التي تضغط على تدبيره، إلى غير ذلك من الأبعاد العملية، السياسية والاقتصادية، قبل أن تكون أبعادا علمية «صرفة»، بل تنضاف إلى هذه الأبعاد العلمية وتزيدها تعقيدا. كما لا بد لهذا البحث أن يتأثر بالمناخ التواصلي السائد بين الفاعلين في هذا المجال، وبنمط نقل وتناقل المعارف والتجارب، والتداول بشأنها، خاصة إذا استحضرنا أن الأمر هنا يهم «معارف عاملة»، ناتجة عن التفكير في الممارسة العملية وراجعة إليها.
نسجل إذاً أن الانتباه إلى مأسسة البحث في مجال التربية، بل والشروع العملي في إجراءات إنشاء أطره التنظيمية وأجهزته ومرافقه، يعد أمرا إيجابيا أكيدا من شأنه أن يكون مدخلا من المداخل السالكة لإنجاح عمل المنظومة.
لكن المأسسة والانتظام في إطارٍ من المعايير والقواعد والضوابط والأعراف، ينبغي ألا يحكم على هذا الضرب من البحث بالتنميط والتطابق وتغييب الاختلافات والتباينات في مجال هو في جوهره مجال التغير والتعقيد والاختلاف والتنازع (J. Ardoino, 2000, 64-69). خاصة مع الصعوبات التي تواجهها المأسسة تحت عناوين متعددة لعل أعمها عنوان الحكامة. ومن ثم، يجدر النظر إلى هذه المأسسة انطلاقا من القدرة على استيعاب الاختلافات والتباينات، وإتاحة إمكانات بروز دينامية التفاعل في الاجتهاد، وتيسير تداوله والتداول بشأنه، والاستفادة من ثماره.
2. آفاق المآل: وجوب الملاءمة وموجبات النجاعة
1. دلالة ومقصد البحث البيداغوجي: تجويد التحصيل
عموما، يقتطع البحث «التربوي»، ككل بحث علمي، مجالا من الظواهر التربوية القابلة للدراسة على نحو يمكن معه إنشاء خطاب عقلي تُمتحَن مصداقيته عبر آليات الاستدلال والتحقق العلميين. أما على وجه الخصوص، فإنه يرتكز على بؤرة تشكل خاصيته الفارقة التي تميزه عن غيره، وتتمثل في أنه نظر في ظواهر العملية التعليمية التعلمية كما تجري في الفصول الدراسية، من أجل وصف و/أو تفسير سيروراتها، والوقوف على ما قد يعتبر قواعد تنتظمها، بغية تقديم الحلول الناجعة للمشكلات التي تعتريها. إنه بحث «بيداغوجي»، اعتبارا لكون البداغوجيا هي، بالتعريف، بحث في سبل تيسير عملية التعليم والتعلم وإنجاحها.
يستمد البحث العلمي البيداغوجي دلالته الفعلية، إذاً، من صلته المباشرة بدواعي الممارسة العملية، بناء على ما يعاينه المدرسون خصوصا ويعانونه في تجربة التدريس. وذلك قصد التدخل من أجل قراءة أفقَه لمظاهر التعثر والإخفاق، وتفسير و/أو فهم أعمق لأسباب الفشل، وبناء أنجع لقواعد النجاح. في حين أن البحث العام في مجال التربية قد يتم (بنجاح!؟) دون أن يكلف الباحث نفسه عناء استحضار ما يفعله المعلمون والمعلمات داخل حجرات القسم، ودون أن يعد عدم اكتراث بحثه بتلك الجوانب العملية نقيصة تُعاب عليه، بل قد يعُده إنتاجا فكريا «عاليا».
ليس غريبا، من ثم، أن يقترن البحث البيداغوجي ب»الرهان البراغماتي» للبحوث المنصبة على قضايا التربية والتكوين. سواء كان بحثا تقويميا بهدف التحسين أو التكييف، أو بحث-عمل (بحث-تدخل) وظيفي بهدف التصحيح والتصويب، أو بحث بناء وتطوير موضوع أو أداة عدة..واختبار صلاحيتها للاستعمال المنتظم.
وبهذا المعنى نفهم عبارات المرجعيات الرسمية التي تشير إلى ضرورة ملاءمة التجديد والبحث مع حاجيات المنظومة، بما ينعكس على تجويد تحصيل المتعلمين والمتعلمات. (البرنامج الاستعجالي، وخصوصا مشروع «القطب البيداغوجي» [(E1.P8]).
غرض البحث: المعرفة من أجل التدخل والتطوير
يُنتظَر من إنجاز البحث البيداغوجي ضمن أطر مؤسسية أن يقيم الصلات الضرورية بين الفاعلين المباشرين في العملية التعليمية، ويوثقها ضمن نسيج يفضي إلى:
- توافر دراسات علمية أساسية تساهم في تدقيق المفاهيم البيداغوجية المتداولة بين الفاعلين المباشرين، وخاصة تلك المستخدَمة في بلورة وإنجاز العمليات التعليمية التعلُّمية (تخطيطا وبناء وتدبيرا وتقويما)؛ أو تعيد بناءها، أو تبرز ضوابطها وحدودها ومداها تبعا لسياقات استعمالها؛ كما تكشف براديغمات البحث النظري البيداغوجي وثيماته، وتسائل اتساق المقاربات ونجاعتها... أي توافر دراسات إبستمولوجية تنظر في أسس ومبادئ وقواعد وقيمة ومصداقية وصلاحية النظريات البيداغوجية، لا على نحو صرف خالص، وإنما كجملة من الأفكار والقيم والقواعد الموجهة للتفكير في العمل التعليمي، قد تؤدي مراجعتها على ضوء تطبيقاتها العملية إلى مراجعة أكثر مسلماتها إغراقا في التنظير وبعدا عن الممارسة.
- استنبات دراسات ميدانية حول موضوعات بحث تنصب على موضوعات العمل الفعلي داخل الفصول الدراسية، بما شأنه أن يعين الممارسين الفعليين على تجاوز الصعوبات والمشاكل التي تعترض إنجاح سيرورات التعليم والتعلم. وهي دراسات تستند إلى النظريات الإبستمولوجية الأساسية، ولكنها لا تطلبها لذاتها وإنما تستدعيها من أجل صياغة نظريات تكون بمثابة أجوبة على مشكلات الممارسة العملية المباشرة.
- تنسيق سبل استثمار نتائج البحوث النظرية الأساسية والبحوث الميدانية على السواء، وذلك في إطار خلق «مناخ فكري وعملي» يكون الفاعلُ فيه متقبلا أصلا للجديد، منفتحا على ارتياد مغامرات الإبداع، والاستفادة منه على الأقل. وذلك عبر النظر في الأنماط المثلى لتنظيم تداول رصيد البحث العلمي-العملي في مجال التربية والتعليم، وخاصة أنماط الاستفادة من التجارب العملية الناجحة وتوسيع مداها كي يطال أكبر قسم ممكن من الممارسين، بل وبحث شروط إمكان نقل وتناقل المعارف العاملة والتجارب الناجحة.
ولا تخرج هذه الأصناف من البحث عموما ضمن ما يُدعى البحث التدخلي-التطويري. وذلك بالنظر إلى أن طلب حصيلة كمية إيجابية عن المنظومة التربوية أمر حيوي، خاصة لاعتبارات داخلية لا ينكر أهميتها أحد في ما يتصل بإنجاح الإصلاح. فضلا عن الاعتبارات الخارجية التي تُفرَض بفعل جو التنافسية الدولية الذي يضطر الدول إلى الدخول في سباق نحو احتلال مراكز الريادة في سلم ترتيب الأمم على صعيد كفاءة نظم التربية والتكوين فيها، مع ما لذلك من آثار أكيدة ليس على سمعة كل دولة فحسب، وإنما على كفاءتها في رفع التحديات الداخلية من جهة، وعلى أوجه العلاقات الاقتصادية والثقافية التي يمكن أن تنسجها الدول فيما بينها من جهة ثانية.
بناء على هذا، وإلى جانب المهام التنظيمية والإدارية، وبناء على خريطة معطيات حول الحاجات والإمكانات والفرص، يُنتظَر أن تنكب «المختبرات الجهوية للبحث التربوي» على صياغة وتوطين برنامج بحث جهوي، انطلاقا من موجهات قيادة من بينها :
- التحديد المفصل للأهداف المتوخاة من البحث البيداغوجي على صعيد الجهة، وصوغها صياغة واضحة ما أمكن تُيسِّر نقلها كمعلومة بين مختلف المعنيين؛
- تحديد المعايير التي يُحكَم انطلاقا منها على صلاحية مشاريع البحث، وأعمُّها معيار التعلق بالسيرورة الفعلية للتحصيل الدراسي؛
- تعيين مؤشراتٍ للنتائج التي تُعلِم ببلوغ الأهداف المرسومة، تجنبا للقيام بإجراءات وعمليات يُكتشَف لاحقا عدم جدواها، أو سوء تقدير أهميتها أو اختلال ترتيبها بين باقي العمليات والإجراءات؛
- إقرار العمليات اللازمة لنيل النتائج المرجوة، من خلال حوار وتفاوض بين الفاعلين المعنيين، ضمانا للانخراط الفاعل والخلاق في إنجاز مشاريع البحث؛
- تدبُّر الأمور التي قد تسير على غير المتوقَّع، من أجل استباق المعوقات والتفكير في إعداد البدائل الممكنة، أو على الأقل التأهب لمواجهتها؛
- إرساء القنوات السالكة للتواصل بين الفرق الجهوية للبحث، لتقاسم سير أعمالها، وتداول المعارف والخبرات المتراكمة، والتداول بشأنها؛
- رصد آثار البحث وتقويم نجاعة نتائجه، وبحث سبل دعم وتوسيع الاستفادة من ثماره الإيجابية؛
لقد حُدِّدت المحاور العامة للبحث ضمن المناهج، والتقويم، وتقنيات الإعلام والتواصل، والحياة المدرسية، والتكوين)، فالمنتظر أن يتم تدقيق ثيمات البحث بما يسدد وجهتها لتخدم غرضه الجوهري: تحسين جودة التعلمات.
مشاركة الأستاذ: مكسب لا مطلب:
إن الانخراط في سيرورة المعرفة الموجَّهة نحو العمل لا يكون مثمرا إلا إذا انطلق من الأولويات التي يعول عليها لتجاوز المشكلات العملية. ولا يُتصَور تحديد الأولويات، ووصف الاختلالات، واقتراح فرضيات المعالجة والحل، وتجريب الحلول دون الحضور الفاعل للممارسين المباشرين، وهم، على الأقل: المعلمون خصوصا، والمفتشون ومديرو المؤسسات التعليمية. أما خصوصية حضور «المعلم»، فلأن «قوة الانخراط الشخصي للمعلم في مهنته يحدد ويصبغ ممارسته وتعلمات المتمدرسين»، وبالتالي، فبين يديه يأخذ الإصلاح صورته ويتجسد كماله الأخير.
وإن لم يكن الانخراط قابلا للتحقيق بناء على قرار يُملى أيا كانت قوة مرجعه، فقد يُشكل برنامج البحث في البيداغوجيا واحدة من المناسبات العملية لنقل مسألة «المشاركة» من كونها مطلبا يُمنَح إلى اعتبارها مكسبا يُنال ويُنمى ويطور: فطالما أن البحث البيداغوجي يهم العمل الخاص الذي به تتحدد الهوية المهنية للمعلم، فإن مشاركته، أيا كان موقعه فيها ودوره وسهمه وموقفه، تغدو أحد أبرز الفرص لبناء هذه الهوية وتنميتها وتطويرها. وذلك في سياق منطق «مهننة حرفة التدريس» الذي يشكل اليوم مشروعا من مشاريع منظومة التربية والتكوين، ومشروع-بحث قائم الذات في نفس الوقت. (J, Méard et F, Bruno, 2009) ومن هنا الضرورة القصوى لرسم مدى الكفاءة البيداغوجية، خاصة مع التحولات العميقة والجذرية التي يعرفها ملاك المدرسين من جهة (العمر، الجنس، التكوين الجامعي، مسارات التوظيف..)، والعرض التربوي من جهة ثانية. ومثلما أنه لا يُعقَل أن نُحمِّل الجانب البيداغوجي كل المسئولية، لا يمكن أيضا أن ننكر مساهمته في تفاقمها أو معالجتها، ضمن مساحته (الضيقة!!؟) التي يتحرك ضمنها.
لا أحد ينكر أن نقص المردودية العامة لمنظومتنا التربوية يعمق لدى البعض شعور الإحباط واليأس من التغيير، ويدفع آخرين إلى إهمال الاجتهادات الجزئية التي تتم في صمت غالبا، كما يُعَسر على آخرين تجاوز أشكال الاختزال والتبسيط وتراشق المسئوليات وتقاذف الحلول الأحادية الجانب والوصفات السحرية للحل.. وبين هؤلاء وأولئك، يسلك الأفراد كل ما يتيسر لهم من مسالك تمكنهم وتمكن أبناءهم من «اغتنام فرص» النجاح المدرسي والارتقاء الاجتماعي، وهي للأسف غالبا ما تكون لصالح المحظوظين أصلا، أو غير معنية بالهواجس التعليمية المباشرة. فتتعمق الفوارق، وتبدو الأزمة مستعصية على الحل. وإن من ينظر كيف تقوم أنظمة التربية والتكوين أداءها، يجد أن الأزمة عنوان مشترَك بين أغلبها، ولكن شتان بين أنماط المعالجة. ولئن كان من السهل ادعاء صناعة النجاح حين يكون واقعا موجودا، فإن صعوبة تحمل الوعي بسهم المسئولية في الإخفاق، والعزم على المساهمة في بناء النجاح هو الشرف الجدير بأن يتنافس فيه المتنافسون. وإن كانت المشاكل معقدة ولا مجال فيها للحلول البسيطة أو النهائية، فالرجاء أن تكون مأسسة البحث البداغوجي وتفعيله مدخلا من مداخل صناعة النجاح المأمول.
بعض المراجع:
- الميثاق الوطني للتربية والتكوين التقرير التحليلي لتقرير المجلس الأعلى للتعليم حول حالة منظومة التربية والتكوين 2008، المحور الثالث «تحسين جودة التربية والتكوين: ضرورة الإصلاح».
- البرنامج الاستعجالي، البطاقة التقنية للمشروع 6-4: «تعزيز وتنمية البحث والتجديد التربوي.»
- Ardoino, Jacques, (2000) Les avatars de l'éducation, Paris, PUF.
- Méard, Jacques, et Bruno, (2009) Françoise, Les règles du métier dans la formation des enseignants débutants, Paris, Octares.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.