الحديث عن انتخابات رئاسية في الجزائر بالمفهوم العادي أمر غير عاد، فالكثير من المراقبين اعتقدوا عند مرض الرئيس بوتفليقة في أبريل العام 2013، أن أمر العهدة الرابعة قد انتهى، وبدأ البحث عن مرشح جديد يتوافق عليه داخل مراكز القرار خاصة الجيش وجهاز المخابرات، الذي يشكل دولة داخل الدولة وماسكا بتفاصيل اليومي والاستراتيجي في الجزائر. بيد أن الرئيس عاد من مشفاه الباريسي، وأصر محيطه على أن الرجل بخير ويستحق الترشح لولاية رابعة، وهو الرئيس الذي أدخل تعديلا على الدستور لفتح الولاية الرئيسية للخلود. بيد أن ما يجري في الجزائر الآن هو أن « انتخابات 17 أبريل»، ما قبلها وما بعدها، هي تمظهرات لأزمة عميقة داخل الدولة العميقة في الجزائر، من أهم ملامحها: - طفو تناقضات الدولة العميقة على السطح، تحول فيها المواطن الجزائري والعالم برمته إلى متفرج، تناقضات تعكس صراعا بين « جماعة الرئيس» التي يقودها شقيقه سعيد بوتفليقة، وجهاز المخابرات برئاسة الجنرال محمد لمين مديين، المعروف بتوفيق، و يقف جهاز المخابرات كمعارض فعلي وقوي لمواجهة العهدة الرابعة لبوتفليقة. - بروز العامل الجغرافي الجهوي الذي تحكم في تقاسم السلطة في أعلى الهرم منذ تأسيس الدولة الحديثة، لكن يبدو أن انتخابات أبريل 2014، شكلت منعطفا حاسما في مواجهة «أهل الشرق» مع « جماعة وجدة» فالمترشح بن فليس والرئيس السابق لمين زروال من باتنة والجنرال توفيق ينتمي لولاية سطيف، وربما هذا ما يفسر رد الفعل القوي لأهل الشرق عندما قام الوزير الأول السابق والقائم مقام بوتفليقة في الحملة الانتخابية الحالية عبد المالك سلال، بنعت أهل الشاوية بصفة محطة من شأنهم، فانتظموا في تظاهرات ضد سلال، وهو أمر أخرج زروال من صمته بنشر رسالة يبرز فيها معارضته للعهدة الرابعة. وتشكل منطقة الشرق قاطرة الاحتجاجات ضد ترشح الرئيس بوتفليقة. - غرائبية الحملة الانتخابية التي يغيب فيها الرئيس عن التجمعات ومخاطبة الشعب مباشرة أو عن طريق وسائل الإعلام، وتقدم هذه الأمور نموذجا في « الديمقراطية « لا يضاهيه سوى ما يجري في كوريا الشمالية، وقد صدم الجزائريون حين شاهدوا رئيسهم في مقر المجلس الدستوري وهو يقول كلاما هو أقرب إلى همس غير واضح ، واضطر في زيارة كيري إلى الاستعانة بمترجمة تقرب أذنها كثيرا من فم الرئيس لكي تستطيع ترجمة ما يقوله إلى الانجليزية، وفي ذلك تعتيم على صورة صحة الرئيس، فجون كيري يتكلم الفرنسية، وأما عجز الرئيس عن التقاط الكلمات، كان حديث كيري أشبه بصراخ، لم تستطع تقنيات من وضبوا صور اللقاء من تخفيض حجم صوت الضيف الأمريكي. رغم هذا وذاك يحاول القائمون على أمر بوتفليقة، تسويق صورة أن الرجل حاضر، فيختارون المناسبات لذلك، كرسالة أبوجا ورسالة التعزية بعد سقوط الطائرة في أم البواقي ورسالة يوم الشهيد، بل إن خرجات سلال تريد تحويل بوتفليقة إلى ملك. إنها حملة ستبقى مرجعا في لائحة المآسي التي يتعرض لها الشعب الجزائري منذ العام 1830، مرورا بتجربة الحزب الوحيد ( 1962- 1991) وعشرية الحرب الأهلية في التسعينات. يرى العديد من المحللين أن الأزمة تعود إلى العام 2009، عندما تحول جهاز الاستخبارات من منتصر للرئيس بوتفليقة إلى معارض، وتجلت الأزمة في القاعدتين التين ترتكز عليها الدولة العميقة ، وهما جبهة التحرير، الواجهة السياسية للنظام، وسونتراك، البقرة الحلوب والواجهة المالية للدولة الجزائرية، فتواترت الأزمات داخل الواجهتين، من خلال إزاحة بلخادم عن الأمانة العامة ثم نشوب صراع بين بلعياط وسعداني انتهى بتولي هذا الأخير الأمانة العامة ، لكن تحت ضغط مسطري وقضائي وسياسي من لدن جماعة بلعياط، ومن يقف ورائها. وتوالت الفضائح المالية داخل سونتراك فأصبح الحديث عن سونتراك 1 و2، ويبدو أن القضاء الإيطالي في طريق تهييئ ملف جديد قد يطلق عليه سونتراك 3. تعود بداية الاحتكاك إلى 2009 حين باشرت مصلحة الاستعلامات ( التابعة لجهاز المخابرات) بالتحقيق مع مقربين من دائرة الرئيس حول « البزنسة» في السكنات، ومن غرائب الصدف أن تقديم هؤلاء المتهمين تزامن وتصعيد الصراع وتبادل الضربات بين جماعة الرئيس وجهاز المخابرات. بيد أن منعطف الصراع توطن في الفاصل الزمني الممتدة من يونيو 2013 إلى شتنبر 2013: - في سياق الجو المتوتر بين «جماعة الرئيس» وجهاز المخابرات ، تم تحميل هذا الأخير المسؤولية الكاملة عن سلسلة الهزائم التي تلقتها الدولة الجزائرية في شمال مالي. كان الاعتقاد أن جهاز الاستعلامات والأمن يمسك بكل تفاصيل ما يجري في شمال مالي، وذلك بالاعتماد على « إخلاص» قيادات داخل الحركة الوطنية لتحرير الأزواد، إضافة إلى العدد الكبير « للدبلوماسيين» الجزائريين في مالي، لكن الأمور تطورت بسرعة ، نتيجة «دينامية الولاءات» في منطقة الساحل والصحراء، وبلعت « حركة أنصار الدين» بزعامة أياد أغ غالي الحركة الوطنية التي شكلت غطاء سياسيا وإثنيا لإعلان انفصال شمال مالي في بداية 2012. واستولت حركة التوحيد والجهاد على زمام الأمور، وكونت» إمارات إسلامية»، ثم تطورت الأمور باختطاف سبعة « دبلوماسيين» في غاو بشمال شرق مالي في أبريل 2012، أطلق سراح ثلاثة، وقتل الرابع وما زال ثلاثة منهم مختطفين، وصرح المطلق سراحهم أن أوامر صارمة طلبت منهم عدم مغادرة القنصلية، رغم انهيار قوات الحركة الوطنية لتحرير الأزواد. انقلب السحر على « مهندسي « السياسة الخارجية الجزائرية، فعوض حلم التمدد جنوبا وغربا وشرقا، أصبح الخطر في العام 2012 يهدد الصحراء الجزائرية، التي طالما عمل الاستعمار الفرنسي على فصلها عن الساحل الجزائري، وسكتت تونس والمغرب عن « حقوقهما الترابية» إبان مفاوضات الاستقلال مع فرنسا في الخمسينات، لكي لا تتجزأ الجزائر. وتطاولت حركة التوحيد والجهاد على عدد من المدن ومواقع الدرك والجيش في الصحراء الجزائرية، خاصة هجومي الوركلة وتامنراست. والمصائب لا تحل منفردة، ففي يناير 2013 هاجم المختار بلمختار، وهو عسكري جزائري سابق، المركب الغازي بعين أمناس، وتبين أن الحدود الجزائرية غير محروسة، وأن شظايا تدهور الأمن في المحيط الإقليمي بدأت تتساقط داخل التراب الجزائري. هذه الأمور كلها تحولت إلى مواد حروب إعلامية واتهامات بين ما أصبح اليوم يعرف ب» جماعة الرئيس» وجهاز المخابرات التي يرأسه الجنرال « توفيق» منذ العام 1990، إذ هاجم عمار سعداني الجنرال توفيق في فبراير 2014، وحمله كل الانتكاسات التي عرفتها الجزائر في « تمددها الخارجي»، وطالب بمحاكمة من تسبب في ذلك، اتهام ورد بعدما تحركت آلة مناهضة « العهدة الرابعة». - يونيو 2013: تقديم مجموعات متهمة بالفساد إلى المحاكمة، ومركزة الاتهام بالفساد حول شكيب خليل رئيس شركة سونتراك السابق، والمقرب جدا من الرئيس بوتفليقة، واعتبرت جماعة الرئيس أن استهداف شكيب هو رسائل مباشرة للرئيس بوتفليقة، وحدث ذلك قبل أن تصيبه الجلطة الدماغية في أبريل 2013. كما أشير بالبنان إلى سعيد بوتفليقة بتهم متعددة، وهو بالمناسبة مستشار الرئيس، وكان الحديث في فترة عن ترشحه للانتخابات الرئاسية. ولعل جهاز المخابرات تنبه لولادة نواة قوية مكونة من أطر مختلفة منتمية إلى الأحزاب ومؤسسات اقتصادية، إضافة إلى طبقة من رجال الأعمال لتعضيد قاعدة «جماعة الرئيس»، وهذا ما أصبح يهدد جهاز المخابرات المتحكم في كل شيء من اقتصاد ومال ومراقبة الجيش والأحزاب والنقابات إضافة إلى الأذرع الإعلامية المتعددة. ولذلك ترددت كثيرا قضية سونتراك والسهولة التي غادر بها « المتهم الأول» في القضية خليل شكيب، والمحسوب على «جماعة الرئيس» وكان مصطلح الفساد والأمن الداخلي الخط الناظم لكل ما كتب جهرا أو ضمنا عن الصراع الذي اندلع بين المكونين الأساسيين داخل الدولة العميقة في الجزائر. - يوليوز 2013 : بدأت حملة مضادة من لدن « جماعة الرئيس» ضد جهاز المخابرات ، وذلك بإقالة مقربين جدا من الجنرال « توفيق» ، والهدف من وراء ذلك هو فك النواة الصلبة داخل جهاز DRS من أجل إزاحة محتملة للرجل القوي في الجهاز. في هذا السياق تمت إقالة العقيد فوزي، وهو المسؤول عن مصلحة الاتصال والنشر، والماسك بورقة التوجيه والتمويل للصحف والمواقع وأشياء أخرى. هذا الحدث مرتبط بعلاقة العقيد فوزي مع هشام عبود، الضابط السابق في الجهاز، والذي تحول إلى مدير جريدتين، نشر فيهما خبر وجود بوتفليقة في حالة احتضار حين كان الصمت مطبقا على حالة الرئيس الذي نقل إلى المستشفى الباريسي، وتركز هجوم عبود على سعيد بوتفليقة، واتهمه بكل شيء. - غشت- شتنبر 2013 : الرئيس الجزائري يوسع صلاحيات أحمد قايد صالح ، رئيس الأركان، لتشمل جهاز الأمن الداخلي وقوات مكافحة الإرهاب، التي كان يرأسها الجنرال حسان، وهو موضوع متابعة قضائية، وورقة للضغط على الجنرال توفيق، استعملت بقوة قبيل سقوط الطائرة الجزائرية في أم البواقي. وتواصل مسلسل سحب المصالح من توفيق وصبها لصالح قايد صالح، وذلك بتحويل الشرطة العدلية بالقضاء العسكري. في نفس السياق تم إقصاء المعارضين للعهدة الرابعة سواء داخل التشكيلة الوزارية أو في قيادة جبهة التحرير، فبعد « انتخاب» سعداني على رأس الأمانة العامة لFLN في غشت 2013، وقع تعديل وزاري،شمل وزرات الدفاع والداخلية والعدل وتعيين احد عشر وزيرا جديدا مقابل إقالة ثلاثة عشر وزيرا. في هذا التعديل وقع إكرام من دافعوا عن العهدة الرابعة، وفي مقدمتهم مدلسي الذي وضع على رأس المجلس الدستوري إضافة إلى غول وبن يونس، وتنصيب لعمامرة على رأس وزارة الخارجية، وهو الرجل القادم من مجلس الأمن والسلم في الاتحاد الإفريقي، والمنسق للسياسة الجزائرية في إفريقيا، خاصة ما تعلق بنزاع الصحراء و جلب الاعتراف « للجمهورية الصحراوية «، وفي هذا السياق يفهم المخطط الذي افتتحته «رسالة « الرئيس بوتفليقة إلى جمعيات التقت « صدفة» في أبوجا بنيجريا دعما ل» حقوق الإنسان في الصحراء الغربية»، والتي أشاد المجتمعون بها ب»دور الرئيس الجزائري للدفاع عن حقوق الإنسان في المنطقة وفي العالم «. وفي تعيين لعمامرة هدف من لدن «جماعة الرئيس» للمزايدة و لتوظيف الورقة الرابحة داخل الدولة العميقة ، وهي ورقة المغرب. هذه الأحداث كلها تبرز أن قرار تقدم بوتفليقة للعهدة الرابعة اتخذ في شتنبر 2013. في عملية الصراع بين جهاز المخابرات و « جماعة الرئيس» ، استقوت هذه الأخيرة بالجيش ، الذي رغم التصريح بالحياد، فهو عمليا يساند « جماعة الرئيس» ، دون المس في السياق الحالي برئيس DRS، فالجيش يعرف قوة هذا الجهاز، الذي يمسك بأوراق يستعملها الآن عن طريق أذرعه التواصلية والصحفية. الجهاز يعرف أن التعيينات والإقالات والضرب تحت الحزام من لدن « جماعة الرئيس « خطوات تهدف إلى تحقيق مصالح في الخريطة السياسية لما بعد انتخابات 17 أبريل، وهي في العمق تهدف إلى الإمساك بالامتيازات في نظام سياسي منبني على الولاءات والريع. بيد أن عددا من الجنرالات المتقاعدة عارضت العهدة الرابعة كما الحال بالنسبة للجنرال عنتر مصطفى. لماذا إذن تغيرت موازين القوى داخل هرم الدولة الجزائرية على هذا النحو؟ الأمر مرتبط بشخصية ومسار عبد العزيز بوتفليقة داخل هرم الدولة، فهو الرجل الذي أدار الخارجية في زمن الدولة المركزية القوية في عهد الرئيس بومدين 1965- 1978، قبل أن يرمى به خارج السلطة في عهد ولاية الشاذلي بن جديد( 1979-1992) ، عاد إلى المغرب، مسقط رأسه، في بداية الثمانينات، ثم عمل لسنوات مستشارا لأحد أمراء دولة خليجية، وووو....، إلى أن تعقدت الأمور في الغرفة السوداء في نهاية عهدة زروال( 1994-1999)، الذي كان ينتمي إلى الجيش، فتجند الجنرال توفيق «لإقناع» بوتفليقة بالترشح، وذلك بناء على حسابات خاصة، ارتبطت بالتخلص من جنرالات الجيش، فأرسل أحدهم سفيرا في الرباط، وآخرون أحيلوا على التقاعد أو غيبهم الموت. عودة بوتفليقة دخلت من باب تصفية حساباته مع الدولة العميقة لمرحلة ما بعد 1978، وهي عودة تمت لتوافق مصالح الجنرال توفيق مع وزير خارجية بومدين، سياق كان مدخلا لخلق قوة رئاسية بمقاسات جديدة، هكذا بدأ بوتفليقة في إعادة بناء هذه الدولة على عدة مستويات: - خلق طبقة رجال أعمال يشكلون الامتداد المالي والاقتصادي لما سيعرف لدى الشعب الجزائري فيما بعد ب» جماعة الرئيس»، وهو أمر ترك ثغرات يستغلها الآن جهاز المخابرات لتوجيه الركلات إلى « الجماعة»، لكن الباطرونا أعلنت مساندة العهدة الرابعة، وفسر رئيسها بالواضح أن الأمر يتعلق بامتيازات وبالحفاظ عليها. - التحالف المصلحي مع الجنرال توفيق، واستمر إلى العام 2009، وقد لعب جهاز المخابرات دورا كبيرا لإجراء تعديل دستوري يحذف العهدتين، ويمدد الولايات الرئاسية، تحالف أملته أيضا المصلحة المشتركة بين الطرفين ضد علي بن فليس «مرشح العسكر» في العام 2004. - تحييد الجيش من الواجهة السياسية، وبدأ بوتفليقة في الحضور السياسي والإعلامي المكثف، وأصدر قرارت حاسمة في عدد من القضايا، كما استغل «انكشاف» صفقات أسلحة فاسدة مع روسيا إلى التنقيص من مكانة الجيش السياسية داخل الدولة. - تحويل إدارة الأمن إلى هيئة وازنة ، خاصة في عهدي زرهوني وولد قابلية وانتقل عدد الشرطة من 106 آلاف سنة 2006 إلى 200 ألف حاليا، وارتفع مستوى « تأطير» المواطنين بالبوليس بنسبة شرطي لكل 110 مواطن جزائري، وهي من أعلى المعدلات في العالم. وهذه السياسة نجحت، إلى جانب أسباب أخرى، في إجهاض كل الانتفاضات والمظاهرات التي انطلقت تزامنا مع انتفاضة تونس أواخر 2010 وبداية 2011، حيث يجد المتظاهرون أنفسهم محاطون بآلاف أفراد الشرطة، وما زالت الحركات الاحتجاجية إلى يومنا هذا تعاني من الإنزال القوي للشرطة. - التخفيف من القيود في العمل الحزبي وإلغاء حالة الطوارئ وتعزيز الحضور النسائي في المؤسسات التشريعية، إضافة إلى تجزيء الحركة الإسلامية في الجزائر بالولادات المستمرة والضعيفة، بيد أن أهم عمل لبوتفبيقة تجلى في تبني مقاربة الوئام والمصالحة لإنهاء الحرب الأهلية، وهي مهمة نجح فيها بوتفليقة، رغم الملفات المفتوحة كملف المفقودين. وهو أمر يحسبه الجزائريون لبوتفليقة، واستغلت حملة الرئيس المترشح هذه الورقة للتذكير دائما بالاستقرار، بل إن إحدى الفضائيات التي يملكها مقرب من « جماعة الرئيس» تقدم باستمرار وتكرار وثائق حول الإرهاب، خاصة فلم وثائقي عن « جماعة أنصار الشريعة» بتونس وليبيا ، إنها حملة تروم تخويف الجزائريين. وما يجري في غرداية، وأسلوب التصعيد بين الطائفتين المذهبيتين، قد يوظف في هذا الشعار «إما بوتفليقة أو سيناريو غرداية وبريان». - تصادف وصول بوتفليقة إلى الحكم مع ارتفاع أسعار المحروقات، وهذا ما مكن من عائدات وصلت بين 2000 و2012 إلى 600 مليار دولار، وتضاعفت ميزانية التسيير ثلاث مرات بين 2007 و2012، وتم تقنين وتوزيع الريع البترولي لشراء السلم الاجتماعي العام وامتصاص غضب الشارع، إذ أن غياب بنى اقتصادية ومالية لخلق مناصب الشغل، يعتمد فقط على التوظيف في مؤسسات الدولة، كما عمدت إلى توزيع السكن فيما عرف بعملية « عدل» وقد وظف سلال، حين كان وزيرا أولا، في جولاته عبر الولايات ورقة السكن، اعتبرها بعض المحللين الجزائريين، حملة انتخابية قبل الأوان. كما عمدت الدولة إلى الرفع من الأجور ودعمت مواد الاستهلاك ، وأنشأت صندوقا لإقراض الشباب، إضافة إلى تعميم توريد السيارات. هذه العوامل أدت إلى إبراز قوة الرئاسة ، وتحولت الأمور إلى اصطدام بين « الجماعة» و»الجهاز»، والجيش يقف في الوسط مع ميل غير معلن إلى بوتفليقة، وهذه الأمور كلها تفسر لماذا تتمسك « الجماعة» ببوتفليقة رغم حالته الصحية المتدهورة، والتي خصص لها الدستور الجزائري بندا خاصا، إنها ليست انتخابات بالمعنى المتعارف عليه ، بل إن حملة 2014 تمظهر لصراع داخل الدولة العميقة، يصعب التكهن بمساراته، وتنبه مسؤولون سابقون في هرم الدولة الجزائرية إلى هذه المعادلة الجديدة في صراع هرم الدولة، فأوصوا بتفاهم بين ثلاث شخصيات : بوتفليقة والجنرال توفيق ورئيس الأركان أحمد قايد صالح. حاليا تجري هدنة منبنية على تجميد قرارت تغيير مناصب 30 ضابطا في جهاز المخابرات إضافة إلى 7 أحيلوا على التقاعد، وتجميد متابعة الجنرال حسان المسؤول السابق عن جهاز مكافحة الإرهاب، في حين أن جهاز المخابرات يكتفي حاليا بحملة خفيفة على العهد الرابعة من خلال منظومته الإعلامية، والتلويح بمنطقة الشرق وجاهزيتها لخوض انتفاضات ضد « جماعة وجدة» إضافة إلى انخراط زروال الرئيس السابق للجزائر وعدد من الجنرالات في رفض العهدة الرابعة. إن الأزمة الحالية في الجزائر هيكلية في سياق إقليمي مضطرب خاصة ما تعلق بالحدود الجنوبية والشرقية ، والتي تقارب 4000 كلم ، أزمة أمنية ستمتد، وفق دراسات حول الجماعات الجهادية في ليبيا، على الأقل خمس سنوات ، أي زمن الولاية الرابعة لبوتفليقة. الرهانات الحالية مرتبطة بمصير الدولة الجزائرية، والسؤال الكبير: الجزائر إلى مسار تتجه؟