هل هو حظ الفلسطينيين، أم أن هناك قوى خفية تؤدي دورها، وتلعب لعبها في منع أي مسؤول إسرائيلي من استكمال ما بدأ به نحو الاستجابة لبعض حقوق الشعب العربي الفلسطيني وتلبية جزء من مطالبه، هذا ما حصل مع إسحق رابين، ومع شارون، ومع يهود أولمرت. ثلاثتهم كانوا قادة شرسين ضد عدوهم الفلسطيني فنكلوا به، وحاولوا تصفية قياداته، وتدمير حياته، وإضعافه والإمعان في مصادرة حقوقه وكرامته وأرضه، وإنهاء وجوده فيها ومنها وعليها، ولكنهم فشلوا ووصلوا إلى الجدار، والحائط المسدود، وبقي الشعب العربي الفلسطيني، مرتبطاً بأرضه، وصموده عليها، وتمسكه بها، بل ونضاله من أجل استعادة الكاملة غير المنقوصة من حقوقه، وفي طليعتها حقه في العودة وفق القرار 194، وحقه في الاستقلال وفق القرار 181. إسحق رابين، اتهم بأنه تخلى عن كامل أرض إسرائيل، بعد أن اعترف بالشعب الفلسطيني وبمنظمة التحرير وبحقوق الشعب الفلسطيني عبر اتفاق أوسلو، وخان إسرائيل، فتم اغتياله من قبل الإسرائيليين، وخسر الفلسطينيون عدواً شجاعاً سبق أن حاربوه وحاربهم، ومن ثم وصلوا إلى أن حقائق الحياة أكبر من الطرفين، فجلسوا على الطاولة سراً وتفاوضوا ووقعوا على وثيقة الاعتراف المتبادل، وعلى الاتفاق التدريجي المتعدد المراحل، عام 1993، ودفع الثمن باغتياله من قبل متطرف يهودي. وكان شارون أكثر بشاعة وقوة وعداء للفلسطينيين من رابين، فأعاد العام 2002 احتلال المدن الفلسطينية التي سبق وانحسر عنها الاحتلال بفعل اتفاق أوسلو، ودمر مظاهر السلطة الفلسطينية ومقراتها، واغتال ياسر عرفات بالسم، ولكن وعلى الرغم من كافة أفعاله الشرسة وصل إلى الطريق المسدود منفرداً، وتعامل مع الحقائق البشرية المزروعة في الأرض والمرتبطة بها وعليها، والمتمثلة بوجود شعب آخر هو الشعب الفلسطيني، ونضاله الباسل، وانتفاضته المسلحة عام 2000، وأن لا مجال لتكرار ما صنعوا به في تجربتي النكبة عام 1948 والنكسة عام 1967، وسلّم شارون بقوة وشجاعة، باستحالة إنهاء الشعب الفلسطيني عن أرضه سواء في مناطق 48 أو مناطق 67 والإقرار بفشل تشريده مرة ثالثة، فتخلى عن حُلم كامل أرض إسرائيل العام 2005، وأزال المستوطنات، وفكك قواعد جيش الاحتلال ورحل عن قطاع غزة، ووقع بالمرض فقال بعض حاخامات إسرائيل إن ذلك عقاب على إزالته للمستوطنات، وتخليه عن كامل أرض إسرائيل. أما يهود أولمرت، أبو الاستيطان في مدينة القدس العربية الفلسطينية، الإسلامية المسيحية، والذي عمل على تهويدها وأسرألتها، واجتاح قطاع غزة في عملية الرصاص المصبوب نهاية عام 2008 بداية عام 2009، ودمر وقتل وارتكب جرائم حرب واستعمل الأسلحة الكيماوية والفسفور الأبيض ضد أهل القطاع وشعبه ومؤسساته، ولكنه أيضاً مثل سابقيه رابين وشارون وصل إلى الطريق المسدود، وإلى القناعة بضرورة التوصل إلى تسوية وإلى اتفاق مع منظمة التحرير، وقطع شوطاً كبيراً في المفاوضات مع الرئيس الفلسطيني، ولكنه سقط بالفساد والرشوة من قبل الأجهزة الأمنية، لأنها لم تكن راضية عن مساره التفاوضي مع الفلسطينيين، ولأنه توغل إلى مفاصل جوهرية في القضايا العويصة المحرمة مثل القدس واللاجئين، وجاء نتنياهو الذي رفض بقوة ما تم التوصل إليه معه، ورفض التفاوض من النقطة أو النقاط التي انتهت إليها المفاوضات، وهكذا رحل يهود أولمرت محكوماً بالعار وسوء الأمانة، وانتهى إلى السجن، وهكذا أيضاً فقد الفلسطينيون شخصية سياسية عدوة، تجاوبت مع الواقع، وتفهمت حقائق الحياة، وأن لا مفر من التوصل إلى حالة من التقاسم والتعايش والجيرة مع الشعب العربي الفلسطيني، حتى ولو كانوا كارهين.