لم يكن العنوان الرئيسي الذي تصدر صحيفة ال«هآرتس» ليوم الأحد الماضي، «إسرائيل والسلطة الفلسطينية: خلاف حول جدول أعمال محادثات السلام في شرم الشيخ»، أمرا مفاجئا حقا! فقد انقضت سبع عشرة سنة منذ أن وقع إسحاق رابين وشيمون بيريز وياسر عرفات اتفاق أوسلو في حديقة البيت الأبيض. فماذا حدث منذ ذلك الوقت؟ لقد قامت انتفاضتان واندلعت حربان وأطلقت موجات من «الإرهاب». وفي هذه الأثناء، قتل رابين، وتوفي عرفات ومازال بيريز يصافح الأيادي حتى اليوم. وقد يستمر هذا الأمر حتى يبلغ ال120 عاما. المجتمعون سيتصافحون اليوم (يقصد الثلاثاء) أيضا في شرم الشيخ، لكن الطريق نحو السلام لا يزال طويلا. وخلافا لبعض زملائي في صحيفة ال«هآرتس»، المقتنعين تماما بأن إسرائيل هي المسؤولة عن كل شيء، أعتقد أنه ومنذ اليوم الأول الذي أنشئت فيه إسرائيل، حاول الفلسطينيون، وبمساعدة الدول العربية، فعل كل ما في وسعهم لاقتلاعنا من هذا البلد. وأنا اليوم لن أعتذر إليهم لأنهم لم ينجحوا في ذلك. قبل التعامل مع طلب إسرائيل بأن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل كدولة يهودية، ينبغي أن نتذكر أن قرار الأممالمتحدة رقم 181 في 29 نونبر 1947، ويشير إلى تقسيم الأراضي إلى دولتين، واحدة يهودية وأخرى عربية، لم يأت حتى على ذكر الفلسطينيين. ومن ناحية أخرى، فإن الدولة المخصصة لنا سميت صراحة دولة يهودية. تلقينا في إسرائيل القرار بابتهاج ورقص، في حين أن جمال الحسيني من اللجنة العربية العليا أعلن أن كل ما قد كتب في الأممالمتحدة بالحبر، سوف يمحى في فلسطين بالدم. وبالفعل، في اليوم الموالي لقرار الأممالمتحدة بدأت موجات من «الإرهاب». وقد فشلت جميع المحاولات، منذ أيام جيمي كارتر، في التوصل إلى تسوية. عرفات قال في لحظة مصارحة إنه، وبوصفه زعيم حركة التحرير الفلسطينية، لا يمكنه أن يدخل التاريخ باعتباره أحد الذين تخلوا عن فلسطين. في المقابل، كان أرييل شارون، الذي لا يحب العرب، يعلن، قبل إخلاء قطاع غزة، أن الوقت قد حان كي تستيقظ إسرائيل من حلم أرض إسرائيل الكبرى. إن ضغط الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ورغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أن يتم الاعتراف له في ولايته الثانية بأنه صانع السلام، ساعدا في تمهيد الطريق نحو حل «دولتين لشعبين». ولكن ووفقا لنص قانون مرفي المتشائم -«إن كل ما يمكن أن يفشل، سيفشل حتما»- فقد طالب نتنياهو بأن تعترف السلطة الفلسطينية أولا بإسرائيل كدولة يهودية. ويبدو أن هذه الخطوة هي في الحقيقة مشكلة مصطنعة من قبل نتنياهو، بمعنى أنه يسعى إلى اختلاق هذه المشكلة، ليدعي بعد ذلك أنه توصل إلى حلها، وبالتالي يظهر بمظهر «حلال العقد». ليس من الواضح لماذا يتوجب الاعتراف بإسرائيل كدولة لليهود في حين أنه، ووفقا لقرار التقسيم الخاص بالأممالمتحدة، فإن «العرب» هم الذين يحتاجون إلى الاعتراف بهم كفلسطينيين وليس العكس. الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) قال إنه لن يعترف أبدا بإسرائيل كدولة يهودية لأن هناك 1.5 مليون عربي يعيشون فيها، وذلك يعني أن واحدا من بين خمسة في إسرائيل ليس يهوديا. تفسير آخر هو أن الاعتراف بالدولة اليهودية يتقاطع بشدة مع مطلب حق العودة للاجئين الفلسطينيين. ولكن الجميع يعرف أن قضيتي حق العودة والقدس سوف تتركان إلى نهاية المفاوضات. إن طلب نتنياهو الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية هو أمر غريب، فلا يوجد أي اتفاق أو دستور ينص على أن فرنسا، على سبيل المثال، هي دولة الشعب الفرنسي أو أن ألمانيا هي دولة الألمان، بل إن كل من يعتقد بهذا الشرط يدمر نهائيا خطاب نتنياهو حول دولتين لشعبين. فرغم كل شيء، من الواضح أننا اليوم نتحدث عن دولتين لشعبين. الانشغال بقضية تافهة مثل هذه يستحق تلك اللازمة الكوميدية في أحد المسلسلات والتي تقول: «ما هذا الهراء؟». على أية حال، هناك مشاكل أكثر أهمية للتوصل إلى اتفاق بصددها الآن. اليوم (يقصد الثلاثاء) سوف يناقشون بشكل رئيسي استمرار تجميد بناء المستوطنات. وهذا المطلب هو في الحقيقة مضيعة للوقت. ما الفرق الذي سيشكله بناء منازل قليلة، عندما يلوح في الأفق إخلاء هائل للمستوطنات في الأراضي المحتلة؟ وماذا فعل الفلسطينيون خلال فترة التجميد التي دامت «10 أشهر»؟ صحيح أن رئيس الوزراء سلام فياض حسَن من مستوى المعيشة في الضفة الغربية. غير أن هذا إنجازه الخاص، وليس لتجميد البناء فضل في ذلك. أوباما يرجع الفضل في تجميد المستوطنات إلى الحكومة الإسرائيلية «وقادتها»، ويقول إنه كان لهذه الخطوة أثر إيجابي على الفلسطينيين. وقال الرئيس في مؤتمر صحفي إنه أبلغ نتنياهو أنه من المنطقي تمديد التجميد. كلماته هذه تشير إلى أنه قد اعتمد فكرة دان مريدور بالسماح ببناء المستوطنات فقط في الكتل الاستيطانية التي ستبقى في يد إسرائيل. علينا أن نأخذ في الاعتبار أن أبو مازن يتعرض لضغوط من حماس لا تقل عن تلك التي يتعرض لها نتنياهو من اليمين المتطرف والمستوطنين. دعونا نأمل أن يتخلص نتنياهو من عقده المصطنعة، لكي لا نوصم بإفشال المفاوضات. ترجمة بشار الخطيب عن ال«هآرتس»