لكل بلدا من العالم أعرافه وتقاليده... ولا يمكننا رؤية تلك العادات غالبا إلا من خلال طقوس الزواج فيه. ... فالمجتمع المغربي يعرف بالتنوع والاختلاف الثقافي... فهو متعدد الروافد... حيث نلمس ذالك كل ما غيرنا الاتجاه... حيث لكل منطقة تقاليدها الأصيلة التي تؤثث جمالية كل مورث... والمجتمع الحساني المتمثل في إحدى هذه الروافد... طرأت على تقاليده العديد من العادات الاستهلاكية... خاصة المتعلقة بالزواج.... فالاحتفال بالزفاف في الصحراء أضحى مبعثا للتباهي والتفاخر... والمنافسة بين العائلات... ما جعل ارتفاع تكاليف الأعراس في تزايد مستمرا.... و اختراع عادات أخرى لم تكن موروثة ....وإنما سترثها الأجيال القادمة... و لا دور لها سوى الزيادة في التكاليف... في وقت يشتكي الجميع من ذالك. بمجرد إنهاء الخطبة، مجبر العريس الصحراوي البسيط وعائلته على تحضير أشياء الزفاف من جهاز العروس الذي سيدفع لها في «الدفوع» المتمثل في (2 جمل +كبش للعقد+ 20 صندوق سكر+12 صندوق شاي+4زرابي متنوعة+آلة مسجلة ذات جودة عالية+ علبة مكياج كبيرة من النوع الرفيع+ حقائب: 1حقيبة اليد تتوفر على 10عطور ذات جودة عالية+ 3 ساعات يدوية جودة رفيعة+ مجوهرات حسب النوع...+حقيبة ملابس و العروس ويمكنها ان تصرف عليها أزيد من 30 ألف درهم إضافة إلى حقيبة أخرى تتوفر على 10 صنادل مع 10حقائب متناسقة ) هذا ابسط جهاز في وسط متواضع.... إضافة إلى مصاريف احتفال عائلة العريس باليوم الموالي، بعد احتفال عائلة العروسة ،والذي يتطلب من أهلها إعداد وليمة الحفل والتي لها مصاريف باهظة بحيث لا تعلم حجم ضيوفها، إلا حين وصول موكبهم، كما هي ملزمة بإعداد هدايا أكثر من تلك التي أتى بها العريس لعروسه، لتقدمها عائلة العروس لعائلة العريس وتسمى ب»الفسخة» وهي الأخرى تتطلب مصاريف طائلة ،أكثر من «الدفوع» و أضيفت إلى هذه التقاليد ،عادة جديدة «الصباحية» ....وهو عبارة عن حفل «كوكتيل» ينظم في بيت أهل العروسة ثاني أيام العرس.... تقدم فيه الحلويات والمملحات و العصائر وهناك من يقدم فيه المشاوي.... يبرز فيه العرسان بحضور أصدقاء العروسين وعائلتهما، في حفل موسيقي بهيج بنفس طقوس السهرة الليلية ... كما العريس ملزم بملأ جيوبه بالمال... ليلة «المروح» السهرة حيث سوف يفك ساعة عروسه أو إحدى مجوهراتها ،التي خطفتها إحدى المغنيات، وهي تقوم بعملية حساب جهاز العروس أمام المدعوين وتسمى «حوصة لعروس» حيث سيقدم لها مبلغ لا يقل عن 10الاف درهم، فدية لاسترجاع ما بحوزتها تعبيرا منه رمزيا عن تعلقه بعروسه وبأشيائها. ..إضافة إلى «لعلاكة» آي الغرامة فعليه وعائلته وكل الحاضرين ب توزيع المال الكثير على المغنين كلما تفضلوا بغناء أشعار يشكر من خلالها العروسين وذويهم .... فهذه التكاليف لا تقل عن عشرين مليون سنتيم على الأقل بالنسبة للعريس، أما عائلة العروس فهي تنفق مبالغ أكثر لأنها مكلفة أيضا بتجهيز عروسها بأثاث بيتها كاملا ويسمى «الرحيل» زيادة على ماسبق.... هنا يبدو الأمر قد انتهى لكن أين هو المشكل؟ المشكل يبدأ غالبا مباشرة بعد الزواج أو شهر العسل أحيانا لو استطع العروسان السبيل إليه حيث غالبا ما تبدأ الحقيقة المرة في مواجهة الموجود، فقليل من الشباب الذين يوفرون البيت قبل الزواج، حيث الأغلبية الساحقة لا تعول سوى على الاستئجار...إضافة أيضا أن اغلبهم تزوج عن طريق قرض من البنك... مما يجعل الفوارق بين مراسيم الزواج و مستوى العيش بما تبقى من الأجر تبدو شاسعة جدا... الشئ الذي يؤدي بالعرسان إلى أزمة مالية وهما في بداية الطريق ... إذ لم يكن هناك نضج احد الطرفين أو هما معا، لمحاولة التفكير في وجود صيغة للخروج من تلك الأزمة، إما عن طريق تنمية الموارد عبر تجارة أو عمل أخر تكميلي ، أو محاولة التعايش مع سقف المالية بقبول التقشف إلا حين تسديد واجبات البنك .... فإن مؤسسة الزواج التي بنوها بكل تلك الموارد الممزوجة بفرح الجميع... تبقى مهددة ،إذ لم يكن هناك حرص على ذالك... لأنه غالبا ما لا تتحمل العروس ذالك الضغط... فهي لها التزامات مادية أيضا بعد الزواج... هل ستتنازل عنها؟ ما يجعل هذا الزواج ينتهي في بداياته... فاغلب حالات الطلاق في المجتمع الصحراوي ... التي لم يتمم فيها العروسان سنة بعد موعد الزواج تعود لهذه الأسباب بشكل منتشر.... وبخصوص هذه الطقوس ارتأينا مشاركة بعض الفاعلين والمهتمين والمثقفين من الشباب هل هم راضين عن طقوس الزواج في مجتمعهم؟ خاصة في شكلها الحالي الذي أخذ أبعادا أخرى.. إسماعيل هموني أستاذ باحث وكاتب، مهتم بالتراث من مدينة كلميم متزوج يرى أن الطقوس الحالية للزواج تدخل ضمن العادات القاتلة والمتهالكة، وشيوعها في الصحراء يطرح أسئلة على طبيعة عقلية هذا المجتمع... كما ضرورة إعادة النظر في طريقة تفكيره. علي بوصولة مدير شركة إنتاج من العيون متزوج. طقوس الزواج بهذا الشكل تعد إحدى أنواع التخلف ،بدل من استثمار رأس مال غير بسيط في مشروع تجاري مربح سيساهم في سعادة العرسان أو سكن يغنيهم عن كراء بيوت الغير، ينشغلون بإعداد عرس مهرجاني كأنه مونديال مصغر في حين عبرت ليلى المنجي من العيون ربة بيت، عن عدم ارتياحها لمنحى هذه الاحتفالات خاصة وأنها أخذت سبل أخرى بحيث أصبح البعض يلجأ لطرق غير مشروعة لتوفير أموالا، يتبهى بشتاتها على الفنانين وكأننا في عصور الجاهلية في الوقت الذي تتواجد فيه حالات من الفقر والعوز وشدة المرض تحتاج فعلا إلى أن يقدم لها المال و ذالك أكثر أجرة ومنفعة، أين هي شيم التضامن التي يعرف بها أهل الصحراء؟ اليوم تغيرت كل المفاهيم...و ما لا يعجبني هو أن الجميع يضطر إلى أن يعيش فوق مستواه باعتبار أن حفلات الزفاف أضحت وسيلة للاستعراض والتباهي ما يجعل العديد يكلفون أنفسهم أكثر من طاقاتها... ويقر سيدي عثمان أعزب من مدينة العيون. انه غير معجب بطقوس الزواج ويعتبرها من أهم الأسباب القاهرة إضافة إلى البطالة لعزوف الشباب عن الزواج بالمناطق الصحراوية وذالك ما شجع انتشار الفساد والدعارة في صفوف الشباب ، ويعتبر أن اغلب الطقوس هي اختيار من الأم أو الخالة أو العمة بحيث يرغبون في منافسة الآخرون في زواج أبنائهم فهم يطمحون إلى عرس أكثر فخامة... بدل ما يحتفلون بعرس أبنائهم حسب إمكانياتهم مع الاحتفاظ أيضا بالتقاليد التي هي بريئة من هذا التبذير. في حين عبرت غلانة الطالبي طالبة جامعية ، وإعلامية عن رغبتها في استمرارية العادات بطقوسها كاملة على أساس أنها أهم ما يميز المجتمع الحساني بقولها» العادات نبغوها تم ألا في بلدها... بها هي لي ميزتنا عن الشعوب الأخرى وهي لي شاعرتنا..» محمد عالي الحيسن أستاذ باحث مهتم بشؤون الصحراء بطنطان متزوج من رأيي، الزواج لابد أن يراعي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لكن طقوس الزواج في المجتمع الصحراوي تتحكم فيه نزوات النساء ورغباتهن بعيدا عن أي موضوعية، حيث كل امرأة تريد أن تجعل من زفافها آو زفاف ابنتها آو أختها بدون مثيل... في حين عبرت جملية الشرقاوي عازبة وعاطلة عن العمل من مدينة السمارة. عن استيائها الشديد من هذه الطقوس التي لا يستفيد منها العروسين حتى الأشياء التي تقدم للعروس والتي صرفت عليها أموالا طائلة تقدم هدايا لبعض أفراد العائلة فهي لا تحتفظ إلى بالمجوهرات غالبا... إضافة إلى عادة» الفسخة «التي تكلف أهل العروس ماديا وأصبحت تقدم فيها هدايا مبالغ فيها ما جعل هذا المجتمع يقف عند المتناقضات فهو أصبح يعطي للزوج أكثر قيمة... لان الهدايا التي تقدمها عائلة العروس والتجهيزات المنزلية التي تصاحبها عند الذهاب إلى بيت زوجها أكثر قيمة بكثير مما قدمه الزوج لها. احمد لحويمد فاعل جمعوي موظف بالداخلة عرف الزواج بالمجتمع الصحراوي تغييرا كبيرا على مستوى المظاهر،فبينما كانت كبرى العائلات في الماضي تزوج بناتها بأقل المهور، اقتداء بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام،أصبحت تكلفة الزواج اليوم تعرف ظاهرة غريبة المتمثلة في البدخ وغلاء المهور والتي تسببت بشكل مباشر في العزوف عن الزواج... والتكاليف تقهر العائلتين معا وهناك بعض الشباب الذي تكلف بمصاريف زواج أخواته الإناث، ووجد صعوبة في تحضير نفسه للزواج . فالمسالة تتطلب قروض بنكية غالبا ،هذا بالنسبة لمصاريف الحفل فقط... أما بالنسبة لجهاز العروس فتلك مصاريف أخرى اذ يعتبر العرس في الصحراء من اغلي المصاريف من حيث الكلفة المالية فابسط الأعراس لا تقل عن 200الف درهم أي عشرين مليون سنتيم، وقد ظهرت أصوات تطالب بالحد من هذه المصاريف التي لا يستفيد منها العروسان لكن دون جدوى... خاصة وان هذه المصاريف تثقل كاهل الجميع مما وجب علينا أن نحاول نحن الشباب في التفكير بشكل ايجابي لان الأمر يعنينا وعلينا تحمل مسؤوليتنا من اجل مستقبل أفضل... البشير أبا طالب باحث من بوجدور إن طقوس الزواج لابد أن يتحكم فيها الأطراف المعنية بحضور المنطق أولا بعيدا عن التفكير في إرضاء الناس بمعنى انه الإنسان غير ملزم بأداء فاتورة اكبر من مستواه المادي لان الله لا يكلف نفسا إلى وسعها... كما عبرت سعدى الدليمي من الداخلة عن إحساسها بالغبن حين تلاحظ بعض العائلات البسيطة التي تضطر أحيانا لبيع ممتلكاتها للإحياء حفل الزفاف متنافسين مع عائلات بورجوازية تستفيد من اقتصاد الريع حتى ولو نظمت مهرجانا فهي لن تتعب في تسديد فواتيره عكس هؤلاء البسطاء الذين يتذوقون مرارة الأزمة بعد أيام النشاط وهذا ماكرس لدى سكان الشمال ان الصحراويين كلهم بورجوازيين لان حفلات الزفاف متشابهة ولا يعلمون كيف كلفت تلك التظاهرات ولا اسمها إعراسا بعض العائلات . في حين قرر الشاب عبدو ربه طالب من طرفاية، المشاركة بطلعة او أبيات من الشعر الحساني أبدعها كنصيحة يحث من خلالها الشباب على عدم لجوؤه إلى القروض البنكية حتى لا يعيش التعاسة بدل السعادة الزوجية... بالشباب أرعاك من الدين...... في أمور العرس وذاك عليك التكدار وسخط الوالدين.........ذاك أنت وسيتو بايديك يالشباب أرعاك من الدين. فأمور العرس خيمة...........لتغتاب أعلى تخميمة منكد الفقر ؤ عزيمة..........شور الفخر ؤ ملي ألعينك تعكب تورث لك هزيمة....من ذاك ؤ كايل موصيك يالشباب أرعاك من الدين. ولا تبخل شي من جهدك فيه......وكبض ذاك ألي كديت عليه والي ماهو جهدك خاليه......عنك وانت شفت أبعينيك ذاك ألفخر ؤ ل وسيه........صايب عنو يلي يهديك يالشباب أرعاك من الدين. خلاصة القول أن المرأة في المجتمع الحساني هي الوحيد القادرة على تغير بعض المفاهيم في طقوس الزواج ،خاصة وأن دعاة التغيير لا يسعون إلى طمس الهوية أو الأعراف والتقاليد ،بل على العكس تماما فهم يرفضون استقبال عادات أخرى مكلفة وهي ليست مورثا في الثقافة الحسانية وإنما في إطار التباهي والتفاخر يجعل أهل العرس في منافسة لإبداع الجديد وهذه أخطاء تعترف بها الأغلبية وتنتقدها الأغلبية وتمارسها الأغلبية فالكل ينتقد «الفيش» أي الفخر الذي يصاحب طقوس الزواج لكن تجده عند ما تتاح له الفرصة ليقيم حفل زفاف يكرر تلك التي أسماها أخطاء.