اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي        "إسرائيليون" حضروا مؤتمر الأممية الاشتراكية في الرباط.. هل حلت بالمغرب عائلات أسرى الحرب أيضا؟    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    الدار البيضاء.. اعتقال شخص مبحوث عنه وطنياً تسبب في دهس مجموعة من المواطنين بسيارته    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار        إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ناصيف نصار : من العقل إلى العقلانية
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 07 - 03 - 2014

دأبت شعبة الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك الدار البيضاء على تنظيم ندوات فكرية بطريقة خاصة. لا يتعلق الأمر بندوة فكرية حول موضوعة معينة، ولا حتّى لإشكالية محددة، بقدر ما تضمن هذا الشكل الجديد ما هو متعارف عليه في الندوات الفكرية، إن المشرفين على الشعبة خصصوا تقليدا جديدا مفاده وضع مفكر من المفكرين العرب موضوعا لها بل أكثر من ذلك وضعه أمام قرائه القدامى والجدد حتى تعطى له حياة أخرى داخل الكلية وخارجها. إن هذا التقليد الجديد مشحون بدلالات رمزية متعددة نذكر من بينها الإحاطة التامة بالمنجز الفكري لهذا المفكر أو ذاك، وطرق الإشكاليات الفكرية التي خاضها بعناء وصبر واجتهاد بالإضافة إلى ربطه بمفكرين آخرين وهكذا.. إلاّ أن كل هذه الدلالات وغيرها تروم فتح الأبواب على هذا المفكر بعينه أمام باحثين أساتذة وطلبة. صحيح أننا في ندوة أكاديمية تندفع نحو ترسيخ قيم الحداثة، قيم الحوار و التناظر والقراءة والاختلاف..وإذا كان الأمر كذلك فإن الشعبة اختارت مفكرين تركوا أثرهم في الراهن الفكري العربي من قبيل محمد عابد الجابري، وعبد الله العروي، ومحمد اركون، ومحمد سبيلا، وهشام جعيط، وعلي اومليل والآن تستضيف ناصيف نصار، ماذا تعني هذه الدعوة الفكرية؟ إنها وليمة فكرية بامتياز ليس لأنها تسلط الضوء على هذا المفكر أو ذاك بل لأنها احتفاء باذخ يشارك فيه الجميع، إنها ضيافة قرائية له يكون فيها المضيف ضيفا ويكون فيها التبادل الفكري حاضراً ويكون فيها هذا المفكر سؤالا راهنيا في عالمنا العربي، إن المسألة لا تخص مفكرا بعينه، ولا تروم اختيار هذا دون ذاك، وإنما في الأسئلة المتجددة المطروحة الآن وهنا في الفكر العربي.
هكذا تُدشِّن شعبة الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك الدار البيضاء هذا الحوار الفلسفي المقلق، إنها تتجاسر بعناد باستمرار هذا التقليد ضدا على الإكراهات المتعددة، وضدا على الرتابة المهنية وما إلى ذلك، إنها تفتح أفقاً جديداً بأسئلة ما انفكت تحضر في الدرس الأكاديمي وحواشيه، وهي مسألة بالغة الأهمية في زمن مُعوْلم، إن الندوة الجديدة التي نود إضاءتها للقراء- احتفت بمفكر لبناني حفل مساره الفكري بعدة كتب. لقد قرأنا لهذا المفكر في بداية الثمانينيات من القرن الماضي كتابه ‘'طريق الاستقلال الفلسفي'' وكان هذا الكتاب مفتاح من المفاتيح الأولى لطلاب الفلسفة في ذلك الزمن بل أكثر من ذلك، إن من لم يقرأ هذا الكتاب فكأنه لا ينتمي لشعبة الفلسفة. هكذا تدعو الشعبة هذا المفكر بالتحاور معه وتقريب منجزه للطلبة. إن هذه الندوة كانت بتعاون وتشارك مع مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت. وهي أول مرة - فيما اعتقد.
كان موعد الندوة صبيحة يوم الخميس 20 فبراير 2014 في مدرج عبد الله العروي بالكلية، عادة ما تكون الجلسة الافتتاحية لمثل هذه الندوات الكبرى عتبة أولى في أخلاق الضيافة الأكاديمية. تحدث عميد الكلية باقتضاب حول مشروع شعبة الفلسفة في تنظيم هذه الولائم الفكرية برحاب الكلية مثلما اعتبر حضور المفكر اللبناني ناصيف نصار قيمة إضافية لهذه الكلية. وشكر مركز دراسات الوحدة العربية في شخص أمينها العام الأستاذ عبد الإله بلقزيز. تطرق فيما بعد هذا الأخير المنتسب لشعبة الفلسفة بنفس الكلية إلى مجموعة من النقط حول : قيمة هذا المفكر المحتفى به في إحدى الكليات المغربية، التي دأبت على تنظيم هذه اللقاءات الفكرية دعما منها للإنتاج الفكري، ولإسهاماته في الفكر والثقافة العربيين.
إن هذا الاحتفاء هو اعتراف بالمفكرين الذين طرحوا المشكلات الكبرى لواقعنا وما راكموه و طوَّرُوه في سبيل صناعة التاريخ. إن قيمة الاعتراف تكمن في كونه دلالة على ثقافة التقدم والتجدد ولا يعني هذا الاعتراف مدحا وتقريظا وإنما هو انفتاح على هذا المفكر بالمساءلة والحوار والنقد. وان هذا القول هو الاستراتيجية التي دأبت عليها شعبة الفلسفة في تنظيم هذه اللقاءات الفكرية، واختتم الأستاذ بلقزيز مداخلته الافتتاحية بتقديم الشكر إلى مركز دراسات الوحدة العربية وإلى عميد الكلية السيد عبد القادر كونكاي، وإلى كل الذين ساهموا في إنجاح هذه الندوة خاصة الأستاذ عبد اللطيف فتح الدين الذي واكب هذا العمل منذ بداية التفكير فيه.
الجلسة الأولى:
في هذه الجلسة التي ترأسها الأستاذ محمد نور الدين أفاية والتي افتتحها بتقديم لطيف حول علاقته بهذه الكلية، وحول تنظيم هذه اللقاءات الفكرية التي تشكل وثيقة فكرية، ومرجعاً رئيساً في الفكر العربي المعاصر ذلك أن جميع أشغال الندوات السابقة تم طبعها في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك أو بمنشورات مركز دراسات الوحدة العربية.
*انطون سيف: الفلسفة طريق الحداثة في العالم العربي.
كانت مداخلة الأستاذ انطون سيف (لبنان) حول ناصيف نصار عامة أي حاولت النظر إلى هذا المفكر من عمق الإشكاليات التي طرقها، ليس على المستوى النظري فحسب، وإنما في حواره وقراءته للواقع العربي. لذا حاول هذا المفكر النظر إلى الإخفاق النهضوي. وإن كان هذا المفهوم يظل ملتبسا بين حَدَّيْه، إن الحديث عن نهضة أولى وثانية أي فيما يتعلق بالحداثة العربية تفترض مساءلة الزمن التاريخي عبر تفكيك الآليات المتحكمة فيه.
إن ناصيف نصار - حسب المتدخل- يعتَبِر مُرورَنا إلى الحداثة تم بكثير من الاعتراضات والمعاناة داخلياً و خارجياً والفلسفة كسؤال ....لحظة أساسية في هذا المرور.
تناول المتدخل الأول - في هذه الندوة العلمية - المفكر ناصيف نصار من خلال البنية الكلية التي يتحرك داخلها. بنية تتأسس على مستويين: التاريخ والواقع، فالتاريخ هو ما سماه بالجدلية الواقعية أما الثاني فاعتبر أنه ليس نتاج الواقع وإنما كذلك نحن منتجون له.
إن هذا الزوج المفهومي الذي يشكل البنية العامة لهذا المفكر يترتب عنه مجموعة من القضايا الفكرية منهجيا. إنه أي (ناصيف نصار) يعتبر أن التاريخ والفلسفة والايديولوجيا مفاهيم رئيسة وجب التوقف عندها من جهة أي في حدود العلائق التي تربطها. لذا سيعتبر أن فهم هذه العلائق هو ما يجب التفكير فيه لحل مشاكل العالم العربي. يعتبر ناصيف نصار أن حاجة العرب إلى الفلسفة ضرورة. ولأنها كذلك فتتطلب إصلاحا، ولأن هذا الأخير لا يستقيم إلاّ بالتربية. لكن يفترض هذا المفكر أن الإصلاح بالتربية يقتضي الإصلاح في التربية.
يحلل الأستاذ انطون سيف هذه المفاهيم الثلاثة بشكل نقدي. فمن جهة الفلسفة يعتبر ناصيف نصار أنها توقفت مع ابن رشد ؛ والقرون التي تلته عاشت انحطاطاً كبيراً إلاّ أن استفاقتها كانت منكسرة أولا لأنها وضعت التاريخ الديني موضعها. حتى اختلط الدين بالعلم. من هذا الانكسار اعتبر ناصيف نصار أن هناك توجُّهين في هذه الفلسفة وهما الاستغراق في الماضي وبالتالي غياب التفكير في الحاضر ومن جهة ثانية خطر الايديولوجيا على الفكر الفلسفي. ويستخلص المتدخل حدود العلاقة بين التاريخ والفلسفة والايديولوجيا من خلال الأطروحة التي يقدمها ناصيف نصار ليس فقط من العيب الذي يأخذه عليه فيما يخص المنهج الاستقرائي الذي ينهجه وإنما في العلاقة التي تربطه بالمفكر المغربي عبد الله العروي وبالضبط في كتاب هذا الأخير: الايديولوجيا العربية المعاصرة الذي أضاءه في حواره المثمر معه، كما يعتبر أن كتابه طريق الاستقلال الفلسفي هدية للمفكر المرحوم عابد الجابري لاعتبار بسيط هو أن ناصيف نصار اعتبر أن قراءة التراث بعيون نقدية هو طريق النهضة العربية. إن مداخلة الأستاذ انطون سيف مهمة لكونه أحاط بالمنجز الفكري لناصيف نصار ليس في توضيح استراتيجيته الفكرية وإنما في تفكيك الايواليات التي تتحكم فيها. إنه جال في مساره الفكري ككل بقراءة ذكية تبغي استشراف المستقبل وتجديد الأسئلة الكبرى التي مازال الفكر العربي يراوح حدودها.
*محمد سبيلا : التفكير في الايديولوجي:
في تقديم محمد سبيلا لمداخلته التي اعتبرها نوعا من الإذعان العلمي لطلب المشرف على الندوة وبالضبط حول مفهوم الايديولوجيا الذي اشتغل عليه هذا المفكر المغربي بكثير من التأمل والنقد والمساءلة منذ أكثر من ثلاثة عقود ستشكل مداخلة الأستاذ محمد سبيلا قراءة الايديولوجيا في فكر ناصيف نصار من خلال مسارين يتعلق الأول بالاديولوجيا كظاهرة كلية بينما يتعلق الثاني ب'' آليات العقل الإيديولوجي''.
إن طرح هذه الموضوعة ينطلق من فرضيتين أولاها أن الايديولوجيا لحظة أساسية في كتابات ناصيف نصار بمعنى أنه لا يمكننا قراءة هذا المفكر اللبناني دون النظر إلى الايديولوجيا التي تسكنه. أما الفرضية الثانية فتروم التفكير في الواقع السياسي اللبناني والعربي.
يحلل الأستاذ سبيلا هذه الموضوعة انطلاقا من تفكيكها إلى خمسة عناصر رئيسة، والتي تشكل الإطار العام لايديولوجيا ناصيف نصار ويمكن إيجازها في النقط التالية:
تعريفها: الايديولوجيا منظومة أفكار اجتماعية مرتبطة بوجود جماعة تاريخية هدفها الدفاع عن تلك الجماعة وعن مصالحها وموضوعة لضبط أساليب فعاليتها في تاريخ معين. إنها منظومة، بنية مترابطة ومنظمة ومنسقة، إنها ضد العشوائية والتلقائية، إنها تعبير عن هوية وجماعة ومصالح، كما يميز نصار بين التفكير الديني والفلسفي والأسطوري والطوباوي والأدبي وهي متقاربة لكن متمايزة.
إن الفروق بين أنماط الفكر هي فروقات منهجية أي بين الفلسفي والايديولوجي. ذلك أن الأول يتميز يعنى بالإنسان عامة مهما اختلف في حين أن الثاني يعنى بالإنسان المخصوص. وهذا ما تمثله الماركسية التي تتضمن في بعدها الاعتقادي الإيمان بالرسالة الخلاصية للإنسانية كما تمثله حضارة العرق الجرماني و القومية البعثية والصهيونية وبالمحصلة يصادر نصار على خلود الايديولوجيا. كما أنها تؤسس لتاريخ العالم بمعنى أن تاريخ العالم هو تاريخ الايديولوجيا ، ثمة نهاية ايديولوجيات وبداية أخرى.
إن الايديولوجيا بهذا المعنى - حسب ناصيف نصار- متجذرة ومترسخة في الوعي واللاوعي ولأن الأمر كذلك فإنه مرتبط بالحدس الاعتقادي، وهو بهذا يشكل نسقاً تتمايز فيه جملة أخرى من الأنساق الصغرى. كما حاول الأستاذ محمد سبيلا من خلال تفكيكه لهذا المفهوم النظر إلى آليات الفعل الايديولوجي أو العقل الايديولوجي بلغة ناصيف نصار انطلاقاً من الخلط بين الوظائف الوصفية والتعتيمية وبين المعرفي والوجداني والتعبير والرمز.
إن ملامسة هذا الفعل -عند مفكرنا - متناثرة في كتاباته ما يجمعها هو العقل الايديولوجي وهو عقل منحاز، اعتقادي، يخدم الجماعة، ويقوم بممارسات عقلية، ولاعقلية (فينزلق بسرعة إلى صناعة الأوهام وتغذيتها، وإذكاء النزاع والتعصب والتزمت من خلال الاختزالية والإسقاط والاصطفاء والخلط بين المقولات والتبرير. كما يميز ناصيف نصار بين الايديولوجيات حسب موقعها ففي السلطة يتعلق الأمر بقمع وكَبْت واضطهاد وفي خارجها بالمظلومية والمحكومة.
يعتبر الأستاذ محمد سبيلا أن الناظم الإشكالي الذي يشكله ناصيف نصار هو نظرية الواقعية الاجتماعية، إن هذه النظرية تتحدد في مستويين أولهما أساسية الواقع وثانيهما ثانوية العقل كما تعتبر هذه الأطروحة أن تملك الواقع هو مشروع في حالة تجدد دائم والعقائدي ليس وهما، بل هو منظور يتداخل فيه الحقيقي والوهمي، الواقع والمثال، المرحلي والأبدي، العقلي واللاعقلي.
ويستنتج المتدخل في كون مساهمة نصار مساهمة متميزة في العالم العربي وهي تندرج في سياق كبار الفلاسفة العرب، والغربيين الذين شرحوا الظاهرة الايديولوجيا إسوة بماركس والعروي والتوسير...
*محمد المصباحي: حضور وضاعة الذات عند ناصيف نصار.
اشتغل محمد المصباحي على فكر المحتفى به، من خلال كتاب «الذات والحضور» لما يشكله هذا الأخير من نضج فلسفي وفكري، ولضخامته (أكثر من 600 صفحة). الكتاب إذن هو موضوع الحوار العلمي بين صاحبه والباحث الأستاذ محمد المصباحي. إن هذا الكتاب يتشكل من ثلاثة مفاهيم رئيسة. وهي: الذات والحضور والانوجاد والعلاقة القائمة بينها، إنه كتاب فلسفي بامتياز، لذا يعتبر صاحبه أن فشل النهضة العربية راجع إلى عدم الإيمان بالفلسفة، فغاية الفلسفة تتجلى في خدمة المدنية، السياسة والعدالة. لقد أعطى ناصيف نصار للفلسفة لغتها العربية. ليس في إبداع المفاهيم والاشتغال بها وعليها بتمثل عميق، ولكن في متانة لغته وتدفقها المثمر. بمعنى لقد وضع فلسفته أقرب إلى القارئ العربي. أما على المستوى المنهجي، فقد طبق مناهج كثيرة أبرزها المنهج الجدلي الذي مكنه من الجمع بين المتناقضات وعدم الانحياز، ومن التركيب، وإضفاء طابع الكلية والشمولية، ومن توليد أفكار جديدة، وكذا المنهج الفينومنولوجي لاقتناص الظواهر بوصفها بحثا عن الماهية.
يتكون الكتاب ( الذات والحضور) من سبعة أبواب وثمانية وعشرين فصلا تصلح لتكون كتبا، لأن موضوعاتها مستقلة. لكن ربطها بمشروع عام هو الحضور، حضور الذات أمام ذاتها لتصنع هويتها ووعيها، ويتمحور موضوعه حول صناعة الذات وفعلها، وإخراج إمكاناتها من القوة إلى الفعل، إنه كتاب في فلسفة الفعل وصناعة الذات وبحث في الوجود بالفعل، وهو تكملة لمشروع بدأ بكتابين هما»منطق السلطة» و «باب الحرية» و «الذات والحضور» تتويج لهما.
إن الموضوعة الرئيسة في هذا الكتاب هي الإنسان، وقد حاول الأستاذ محمد المصباحي التركيز عليها وبيان حدودها وربطها بالمرجع الأرسطي، ويستنتج أن الذات هي الحضور والعكس صحيح تماماً، لذا يعتبر أن عنوان الكتاب فيه تكرار. وسيقوم المتدخل بتحليل مفهوم الحضور باعتباره الوجود والفعل على أساس أن الإنسان يعي نفسه بنفسه فيتجلى في الواقع ويخرج إلى الفعل.
أما مفهوم الانوجاد عند ناصيف نصار فله دور خاص حيث يوفق بين طبيعتيْن: الطبيعة الطابعة والمطبوعة، بين الماهية والوجود.
وفي ذكر الهوية، ركز الأستاذ المصباحي على هذا المفهوم بمساءلة: هل هناك هوية واحدة أم هويات متعددة؟ ومن هذا السؤال سيتشكل صاحب الذات والحضور والهوية ويخلص إلى أن الفرد يمتلك هويات عدة، لأن له انتماءات عدة. لكنه يدخل في سياق هوية واحدة فالآخر جزء من الهوية، والفرد هنا يرى أن هذه الهويات الأخرى هي له.
في الجلسة الثانية التي ترأسها الأستاذ بلقزيز بحضور الأستاذ محمد نور الدين أفاية ومحمد الشيخ وعبد المجيد جهاد ونبيل فايزو.
* محمد نور الدين أفاية :النزوع الفلسفي لناصف نصار
قدم الأستاذ أفاية مداخلته بذكر محاسن المحتفى به. فكتاباته لا تسير في نفس الطريق التي تسير فيها الكتابات الأخرى. إن الكتابة عنده تشي بدلالات متعددة أهمها ترويض المفهوم الفلسفي عربيا أو بالأحرى ملاءمة هذا المفهوم للثقافة واللغة العربيتَيْن. إنه فيلسوف بامتياز بخلقه خطاباً فلسفياً واضحاً يكون فيه الراهن العربي منطلقا له، ولخلق فكر فلسفي نابض بالحياة بدل الموقف الموفق المتمظهر بمظهر التجديد.
إن ناصيف نصار لا يندرج ضمن كوكبة التابعين للفلسفة الوسيطة أو للفكر الغربي لأن هذه التبعية تفيد الاقتباس والتكرار بينما يروم موقفه نحو طريق الاستقلال الفلسفي والخلق والتجديد لبلورة وعي الإنسان بوجوده، وبالسر الأعظم الذي هو خلق الذات بالذات.
ويفضل أفاية الحديث عن مسار فلسفي عند نصار بدل مشروع فلسفي وفي حديثه في باب الحرية يقدم نصار كفيلسوف وكمثقف يريد بناء الوجود العربي ويرى أن الذات والحضور هو نقلة نوعية في الفلسفة لأنه يريد تجاور الكتابيْن السابقيْن من حيث الرؤية الأساسية للوجود والفعل، ويعتبر نصار أن السؤال: ماذا يعني أن الإنسان يصنع نفسه هو مركز الفلسفة والتفكير والاستعيار، فالكائن عنده هو الذي يقوم بفعل الحضور، إنه موجود في علاقة وجود مع غيره، شاهد، أو مشهود، والحضور يتم عبر توسط الوعي والذات الواعية والواقع المتعين، والحضور إلى الذات والواقع ليس هو نفسه الحضور إلى الآخر، فالنزوع نحو الآخر إنما هو شرط وجود لأنه يسائل الاختلاف.
يركز الأستاذ أفاية على مفهوم الأنا والآخر في شطها الوجودي كما يقيس العلاقة بينهما في المسافات التي تربطهما، ذلك أن الإنسان يعيش المسافات وهو في حالة دائمة من التهام المسافات.
* محمد الشيخ: في البحث عن التسامح عند ناصيف نصار
بطريقته الذكية وبمستملحاته المحبوبة، انطلق الأستاذ محمد الشيخ في ذكر خصامه النبيل مع هذا المفكر. هكذا بدأ كي يضعنا في تقابل مع مفهوم التسامح الذي اشتغل به المحتفى به. إن ذكر الواقعة كما حصلت ذات سنة في لبنان مَعْبَر لإعادة المتتبعين إلى أشغال الندوة خصوصا إذا اعتبرنا أنه المتدخل ما قبل الأخير في صبحية يوم الخميس 20 فبراير، كأنه يذيب تعب بعضنا ويوقظ بعض التائهين منا.
ولقد اعتبر محمد الشيخ أن موقف نصار من مفهوم التسامح يتميز بثلاث سمات: فهو من جهة، ليس موقفا تَأصيلياَ ولا تَبيينياَ ولا تعريفياَ ،بل هو موقف نقدي. ومن جهة ثانية، هو ليس نقدا داخل حقل التداول العربي القديم والحديث بل في العالم الغربي كذلك، وأخيرا فإنه مفهوم حدِّي. وخلص إلى أنه مفهوم ظلي وشعبي، يحضر لكي يغيب.
لقد بين الأستاذ المتدخل اهتمامه بمفهوم التسامح عند ناصيف نصار من خلال رجوعه إلى إحدى مقالاته في مجلة فرنسية سنة 1988 وربطه هذا المقال بأحد فصول كتابه « باب الحرية» ،أي أنه كتب في البداية عن التعصب. وفي المرة الثانية عن التسامح .والفاصل الزمني بينهما هو 25 سنة، كما انتقد جمال الدين الأفغاني الذي انتقد التعصب، لكنه تبنى تعصب الجماعة وهو محمود. والتعصب الهجومي والاستقرائي وهو مذموم. وبالمقابل، طرح الشيخ سؤالا حول الصمت الذي يلف مفهوم التسامح ليجد الجواب في الفصل 10 من «باب الحرية» ومفاده أن «مبدأ الحرية يختلف عن التسامح ويتقدم عليه « إذ أن قيمة الحرية أعلى من قيمة التسامح.
يفكك الأستاذ الشيخ العلاقة الرابطة بين المفهومين عند ناصيف نصار عبر إحالتها بالمرجع العربي محمد عبده نموذجا وإلى رولز وهانكيليفيتش متوقفا عند هذا الأخير الذي يستشكل التسامح ويعتبر أنه كلما أمعن النظر في التسامح ظهرت صغارته، فمحبة الآخر أعمق من مفهوم التسامح الذي يحضر الاستحقار بينما نصار يرى أن الحرية أعمق من التسامح .
* عبد المجيد جهاد: تلقي ابن خلدون في الفكر العربي.
لا أحد من المفكرين العرب يستطيع القفز على ابن خلدون، فكثير منهم خط لهذا الرجل كتابا أو تناوله في مقالة وناصيف نصار من هؤلاء. إذ أن أطروحته الجامعية في فرنسا سنه 1967 حول ابن خلدون، شكلت رؤية استشرافية له، لذلك تعتبر من أهم الدراسات الحديثة حوله. سواء على مستوى تماسك المنهج أو وضوح الرؤية. إن زمنية الأطروحة الجامعية لناصيف نصار هيمنت عليها مقاربتان: مقاربة أصالة ابن خلدون ومقاربة تقليديته بمعنى التأصيل والتقليد. بعدان راودا جل قراء ابن خلدون.
صحيح أن ابن خلدون يقطع مع الموروث لكنه كذلك بقي أسيره وفي حدوده. لذا يستشكل ناصيف نصار موضوعه انطلاقا من سؤال العودة لابن خلدون لماذا وكيف ؟ ليخلص إلى أن هذه العودة ليست طقوسية لإيجاد حلول الحاضر بل للبحث عن كيفية مساهمة ابن خلدون في الدفع بالفكر التاريخي والسوسيولوجي العربي إلى الأمام.
وبالمحصلة، فإن أهميته لا تكمن في كونه وضع نظرية في الاجتماع بل في كونه حدد النطاق المعرفي الذي لن نفهم واقعنا العربي المعاصر دونه.
وهذه المقاربة تفترض نقاشا عميقا ليس لكون ابن خلدون أضحى جسراً للعبور في اتصال متواتر، عبر نسخ مجموعة من العلوم الإنسانية التي أنتجت في زمان محدد بأوروبا، وليس لأنه يجيبنا على راهننا العربي، بقدر ما نتوخى جدل الوصل والفصل معه.
* نبيل فايزيو: العلاقة الجدلية بين العدل وفكرة السلطة.
لقد اتخذ المتدخل الأخير في هذه الجلسة كتاب «منطق السلطة» موضوعا لمداخلته مبينا مقام السلطة عند ناصيف نصار بربطها بمفهوم النهضة العربية .إنه كتاب مؤسس في مشروع نصار في النهضة العربية الثانية، فما سيوقف النهضة في العالم العربي هو مشكل السلطة،فهناك تأصيل فلسفي لهذا المفهوم.
يقارب نصار مفهوم السلطة بمفهوم العدل وهو ضروري للسلطة ومحايث لها ومتعال فوقها، فالعدل مقرون بمشروعية السلطة، والسلطة كالعدل هي فعل يدخلنا إلى المسؤولية، لذلك يستعمل نصار العدل بدل العدالة. فالعدل قيمة متجسدة بالفعل من أجل الكشف عن الطابع الإنساني للعدل، وهو حسبه ترتيب اجتماعي تاريخي، يعترف لكل واحد باستحقاقه وشروط حيازة حقه، إنه نتاج فعل إنساني وليس هبة طبيعية. كما أشار الباحث إلى العلاقة الموجودة بين العدل والحق عند ناصيف نصار متخذا مقاربات الفلسفة السياسية المعاصرة مرجعا لقراءته .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.