أكد المشاركون في ندوة "السياحة الجبلية واقع وآفاق" التي احتضنتها مدينة خنيفرة، بعد زوال يوم الجمعة 21 فبراير 2014، على "ضرورة فتح مندوبية للسياحة فاعلة بخنيفرة بأطر محلية متخصصة ولها دراية بالمنتوج المحلي"، مع "إنشاء قطب سياحي محلي بمقاربة تشاركية مع مختلف المتدخلين في القطاع"، إضافة إلى "المطالبة بتشجيع الاستثمارات المحلية ودعم المعني منها بالخصوصيات المتميزة"، كما شدد المشاركون في توصياتهم على "حماية الإرث الثقافي والتاريخي والأثري ومحاربة التهريب والتسلط ونهج الريع السياحي"، ثم على "السعي نحو أرضية تشاركية واضحة المعالم لكل المتدخلين في قطاع السياحة الجبلية"، مقابل خلق أيام ثقافية ومهرجانات محلية من أجل النهوض بالسياحة الجبلية وتشجيع الاقتصاد الاجتماعي المحلي. وفي ذات توصيات الندوة ألح المشاركون على "وضع استراتيجية واضحة للاهتمام بالمنتوج السياحي الجبلي ودعم الساكنة المحلية في مشاريعها التنموية البيئية المدرة للدخل"، إلى جانب "خلق نواة مركز للمرشدين السياحيين الجبليين بغاية الحفاظ على الهوية والثقافة المحليين"، ثم "إحداث مخيمات وطنية وملاجئ جبلية رياضية، وإسناد تسييرها للطاقات المحلية الشابة"، بينما لم يفت المشاركين الإصرار على ضرورة "سن قانون الجبل وإخراج دراسات تتعلق بالسياحة الجبلية وضمان الحق في التنمية المحلية البيئية المستدامة"، مع "احترام المعايير والهندسة المعيارية المحلية للحفاظ على المنتوج المحلي المتميز"، بالموازاة مع التحسيس بتنوع هذا المنتوج وطرق تسويقه وطنيا ودوليا. الندوة التي نظمتها "جمعية سكان جبال العالم"، بتنسيق مع "مركز التوجيه والتكوين السياحي"، احتضنتها غرفة التجارة والصناعة والخدمات بخنيفرة، وحضرها عدد متميز من المكونات الجمعوية والسياسية والحقوقية والتربوية والبيئية، ومن الفاعلين والطلبة في الحقلين البيئي والسياحي، وقد شارك فيها الباحث يوسف آيت المقدم، رئيس مركز التوجيه والتكوين السياحي، بورقة حول "استراتيجية التنمية السياحية الجبلية"، والجمعوي اهرو أبو الشريف، عضو جمعية أدرار ونائب رئيس المكتب الوطني لجمعية سكان جبال العالم، بورقة في موضوع "السياحة والتنمية المحلية بالأطلس الكبير الشرقي"، ثم محمد أوعزى، رئيس المجلس الإقليمي للسياحة، بمداخلة حول رهانات وإكراهات السياحة الجبلية بالأطلس المتوسط"، حيث افتتحت أشغال هذه الندوة بكلمة للمنظمين. من خلال ورقته الافتتاحية، أوضح عيسى عقاوي، رئيس المكتب الإقليمي ل"جمعية سكان جبال العالم"، السياق الذي مهد لتنظيم هذه الندوة ومدى أهمية إشراك المجتمع المدني في مناقشة ودراسة السبل الناجعة لتشجيع السياحة الجبلية، والعمل على تطوير وتثمين المؤهلات الطبيعية والإيكولوجية باعتبارها منبعا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، مبرزا مظاهر النسيان والتهميش التي تعاني منها المناطق الجبلية وساكنتها بالأطلس المتوسط، وافتقارها للبنيات التحتية الضرورية للنهوض بهذه السياحة، ولم يفت عيسى عقاوي أيضا التوقف عند طموح الفاعلين في مجال السياحة الجبلية إلى إحداث "قانون للجبل"، مستحضرا تجربة تركية كمثال على السياسات الناجحة في تشجيع السياحة والاستثمار، كما أكد على الصلة الوثيقة بين السياحة الداخلية وتطوير منتوجات الصناعة التقليدية، بينما تناول ما تزخر به مناطق خنيفرة من الموارد الطبيعية والمائية والحيوانية، والمآثر والزوايا التاريخية، التي تؤهله إلى الوصول إلى مراتب متقدمة في هذا المجال، وشدد على أمله في خروج الندوة بتوصيات جريئة طالما أن لا مسؤولي الحكومة ولا المنتخبين يهتمون بهذه المناطق. الأستاذ الباحث في التراث الوطني والسياحي، يوسف آيت المقدم، استهل ورقته بقضية اللغة، باعتبارها ركيزة من ركائز التواصل مع السائح، طالما أننا في المغرب نعتمد أكثر على الثقافة الشفاهية، من حيث أن سكان المناطق الجبلية لهم لهجاتهم في التعبير عما تزخر به مناطقهم من مؤهلات وإمكانات وتنوعات جيولوجية وإيكولوجية محلية، ولم يفت المتدخل التعبير عن تأسفه على أن غالبية الأمة المغربية تجهل بيئتها ما يجعل من وسائل استقطاب السائح ضعيفة وصعبة، وكيف أن لهذه الأمة حمولة ثقافية مهمة ولا تعرف تصريفها أو تمريرها للآخر، في حين نقرأ أحيانا لكتاب أجانب عن مؤهلات وتقاليد بلادنا، مذكرا في هذا الصدد بمؤلف يحمل عنوان "إزلي" كان قد كتبه باحث فرنسي يدرس بجامعة الأخوين. ومن خلال شاشة ضوئية، استعرض يوسف آيت المقدم صورا هامة لآثار حجرية، وزرابي وأزياء وأدوات تاريخية انقرضت أو في طريقها للانقراض، مؤكدا، ضمن شروحاته، على أن كل ذلك كان من الممكن أن نجعل منها تراثاً مشجعا للسياحة الجبلية، واستثمارها في العديد من مجالات التنمية الوطنية، ومشددا على أننا في المغرب العميق لا نعطي الثقة لأنفسنا بالشكل الصحيح، إذ أننا لا زلنا نعاني من النقص والخوف من الآخر أو كلما تعلق الأمر بالمقارنة بيننا وبين الثقافات الأوروبية. أما الجمعوي اهرو أبو الشريف، فاختار افتتاح مداخلته بالتذكير بالشعراء والفنانين الأمازيغيين، ودورهم في تنمية السياحة الجبلية، بينما ألقى باللوم على وسائل الإعلام الرسمية لتقصيرها في التحسيس والتعريف الجدي والحقيقي بالسياحة الجبلية، شأنها شأن المكتب المغربي للسياحة الذي يتعامل مع هذه السياحة بأشكال عابرة أو محتشمة، ومن خلال ذلك توجه أبو الشريف للمجتمع المدني بدعوته إلى القيام بدوره في النهوض بالمجال السياحي وتنميته، والاستفادة من الأبحاث العلمية لمعرفة التنوع الجيولوجي والإيكولوجي للسياحة المحلية، والعمل على الاهتمام بضرورة توفير البنيات التحتية للنهوض بها، لا سيما على مستوى البنيات التحتية والمآوي السياحية. وبينما تأسف على مرور ذكرى الفنان الكبير محمد رويشة في صمت، تناول أبو الشريف بشكل مستفيض معيقات التنمية السياحية، قبل عرضه لصور بالشاشة الضوئية، هذه التي استعرض من خلالها لقطات من جبال وبحيرات ومناطق الأطلس الكبير الشرقي، وما يزخر به هذا الأطلس من مؤهلات فنية وجبلية، وثروة حيوانية ومنتزهات وأصناف من الطيور النادرة، قبل تناوله لنموذج "بحيرة تسليت" التي نجحت في استقطاب العديد من السياح بالنظر لقيمتها الأسطورية والطبيعية، بقوله إن ثمة طلب كبير على مثل هذه الفضاءات من السياحية في المغرب سواء للسياح الأجانب والمحليين. بدوره، توقف محمد أوعزى عند التغييب الممنهج الذي تعاني منه مناطق الأطلس المتوسط، مناطق خنيفرة خصوصا، هذه التي تزخر بالكثير من المؤهلات الطبيعية والمائية والطاقات البشرية والثروات الغابوية والبحيرات والمواقع السياحية الهامة، متسائلا عن معنى شعار "رؤية 2020 " وبماذا ساهمت هذه الرؤية لفائدة هذه المناطق؟ ولم يفته تحميل المسؤولية للجميع، بمن فيهم المجتمع المدني، قبل أن يضع الوضع تحت مجهر نظرتين، نظرة مؤسساتية التي تعتمد على التواكل غير المنتج، والتي تنتظر تأسيس لجن تترأسها السلطات الإقليمية لوضع خريطة طريق نحو النهوض بالسياحة الجبلية، وهناك نظرة الخواص التي تنتظر ما سوف تقوم به الحكومة في هذا المجال، وتعتمد على "مول الشكارة" لتحريك عجلة الاستثمار، ولم يفت محمد أوعزى دعوة مختلف الجهات المسؤولة إلى ضرورة تبسيط المساطر في ما يتعلق بالاستثمار السياحي. تدخلات الحاضرين حملت لأشغال الندوة العديد من المقترحات والتصورات، كما طرحت إشكالات من قبيل غياب الثقافة السياحية، وواقع السياحة الجبلية من الوجهتين الاقتصادية والبنيوية، واللغة الضرورية في تطوير المنتوج السياحي، ووضعية ساكنة المناطق الجبلية، وافتقار المواقع السياحية بالإقليم لبنيات وطرق ومرافق مشجعة للسياحة، كما تم التذكير بقضايا إقليمية مثل موضوع المدينة المكتشفة بطريق أروكو (فازاز) التي لم تنل ما تستحقه من العناية والاهتمام رغم تاريخها الأثري المعماري المتمثل في حصونها وقلاعها القديمة، ثم قصبة موحى وحمو الزياني التي تلاشت بسبب المضاربات العقارية والعمرانية، والزاوية الدلائية المسكوت عن موضوعها لأسباب تاريخية، إلى جانب الثروة الغابوية التي تتعرض لشتى مظاهر الاستنزاف والتخريب والتهريب، بينما ركزت مجمل التدخلات على ضرورة إحداث مندوبية للسياحة بالإقليم، واستحداث إطار لإعداد وتنمية المناطق الجبلية.