ابتداء من يوم غد الثلاثاء 18 فبراير الجاري، يقوم جلالة الملك بزيارتين رسميتين لكل من جمهورية مالي وجمهورية غينيا كوناكري، وبزيارتي عمل وصداقة لكل من جمهورية الكوت ديفوار والجمهورية الغابونية. وتندرج هذه الزيارات في إطار السياسة التي ينهجها جلالة الملك والتي ترتكز على تجديد وتقوية علاقات المغرب مع القارة الإفريقية، الإنسانية، السياسية، الاقتصادية الاجتماعية والروحية، التزاما بتوجهات السياسة الخارجية للمملكة من أجل تقوية العلاقات جنوب جنوب، وهو ما مكن المغرب من أن يصبح فاعلا أساسيا في محور التعاون جنوب - جنوب، وأن يشكل نموذجا في هذا التوجه. وتأتي هذه الزيارة بعد أشهر قليلة من زيارته إلى السينغال، الكوت ديفوار والغابون، تكللت بتوقيع العديد من الاتفاقيات بين المغرب وهذه الدول ، وحظيت باهتمام إعلامي كبير في دول القارة. وكان المغرب قد أكد على التزامه بهذا التوجه من خلال المبادرة الملكية سنة 2000 التي تمثلت في إلغاء ديون البلدان الإفريقية الأقل نموا، وإعفاء سلعها ومنتوجاتها من حقوق الجمارك . وقد أدت هذه السياسة في ظرف سنوات قليلة الى الرفع من حجم المبادلات التجارية والاقتصادية مع إفريقيا، حيث سجلت زيادة قدرها 300 بالمائة مقارنة منذ سنة 2000، إذ تقدر المبادلات التجارية بين المغرب وبلدان إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء بحوالي 11.7 مليار درهم . كما أن الصادرات نحو هذه المنطقة سجلت نموا متزايدا، إذ انتقلت من 2.1 مليار درهم خلال عام 2000 إلى 7.2 مليار درهم. وشهدت الواردات المغربية من هذه المنطقة ارتفاعا هاما حيث انتقلت من 2.1 في عام 2000 إلى 4.5 مليار درهم. وعلى المستوى السياسي أكد المغرب انخراطه إلى جانب الدول الإفريقية جنوب الصحراء، بالدفاع عن السلم والأمن ومواجهة التطرف والإرهاب، حيث سجل مساهمات اعترفت الأممالمتحدة بأهميتها في عمليات تحقيق السلم والأمن التي قادتها المنظمة في العديد من الدول التي كانت تعاني في السابق من نزاعات وحروب أهلية كالصومال وكوت ديفوار، وحاليا جمهورية إفريقيا الوسطى حيث تواصل القبعات الزرق المغربية مهامها لفائدة السكان الذين يعانون من الحرب والجوع والأمراض . وحين انتخب المغرب عضوا غير دائم بمجلس الأمن بدعم قوي من البلدان الإفريقية، أضحى هو الناطق الرسمي باسم القارة السمراء داخل أروقة هذه الهيئة الدولية، وجعل من استقرار وتنمية إفريقيا إحدى أولويات سياسته الخارجية . وإلى جانب مجلس الأمن لم يدخر المغرب أي جهد في الدفاع عن مصالح إفريقيا وقضاياها العادلة، حيث جعلها ضمن أولوياته في علاقاته مع الاتحاد الأوروبي الذي يحظى فيه بالوضع المتقدم ، وكذا داخل مختلف الهيئات والمؤسسات الاقليمية والدولية وذلك بهدف إسماع صوت القارة الإفريقية والاهتمام بانشغالات وانتظارات السكان ، ومساعدتها على مواجهة العديد من الأزمات والآفات كالفقر والجوع والأمراض والحروب الأهلية وانتشار الأسلحة وغيرها . إلى جانب ذلك تعززت الروابط الروحية مع هذه الدول بفضل العديد من المبادرات الملكية، حيث أن الروابط الروحية تضرب بجذورها في عمق الماضي، منها العلاقات الدينية التي تمثلها الطريقة التيجانية التي يوجد ضريح مؤسسها سيدي أحمد التيجاني بمدينة فاس، وكذا تشبث سكان هذه البلدان بالإسلام المعتدل الذي يدعو إلى الوسطية والتسامح بعيدا عن الغلو والتطرف، إلى جانب تواجد جالية مغربية مهمة بدول إفريقيا مقابل تواجد مواطنين أفارقة بالمغرب يزداد عددهم يوما بعد يوم، فضلا عن المبادلات الاقتصادية والتجارية والثقافية التي عرفت خلال السنين الأخيرة تطورا كبيرا ، والتي تعززت مؤخرا من خلال تكوين 500 إمام مالي في المغرب مساهمة في إعادة بناء الحقل الديني بمالي، مما يعد نموذجا للتعاون بالنسبة لبلدان المنطقة لمحاربة التطرف ، بالإضافة إلى بناء وتجديد العديد من المساجد في ماليوغينيا والسنغال والبنين. ومنذ الإعلان عن الزيارة الملكية الجديدة لكل من ماليوغينيا كوناكري، والكوت ديفوار والغابون، اهتمت وسائل الإعلام والفعاليات الاقتصادية والمجتمعية الإفريقية بهذا الحدث. وفي هذا الإطار ذكرت المجلة الأسبوعية (جون أفريك) في عددها الأخير أن هناك سياسة حقيقية ينهجها المغرب بشأن منطقة الساحل، المتميزة بتعدد أبعادها، بخلاف تلك التي تنهجها الجزائر وتتسم بكونها أمنية قبل كل شيء. وأبرز مدير تحرير المجلة، فرانسوا سودان، في مقال يحمل عنوان «من العيون إلى تمبوكتو»، أن الانخراط المغربي بالساحل يتوزع إلى محاور عسكرية، روحية، اجتماعية وسياسية. فعلى المستوى العسكري، يوضح كاتب المقال، لم يقتصر الدعم الذي قدمته الرباطلمالي على الدبلوماسية، بل أيضا الجانب العملياتي، مسجلا أن المغرب «كثف برامجه التكوينية في المدارس العسكرية، لفائدة الأطر المنتمية إلى جيوش العديد من بلدان المنطقة». من جهتها أكدت صحيفة « لانتيليجان دابيدجان» يوم السبت، أن أوساط رجال الأعمال بكوت ديفوار والمغرب، تعلق آمالا عريضة على زيارة جلالة الملك محمد السادس لكوت ديفوار. وذكرت الصحيفة بالزيارة التي كان قد قام بها في مارس الماضي جلالة الملك لكوت ديفوار، والتي تم خلالها التوقيع على ست اتفاقيات للتعاون بين المغرب وكوت ديفوار في المجالات الدبلوماسية وتلك التي تتصل بتشجيع وحماية الاستثمارات، والصيد البحري وتربية الأحياء المائية والنقل الجوي والتكوين المهني والسياحة و الوقاية المدنية . كما أكد موسى ديارا، رئيس (جمعية الصداقة المغربية - المالية)، أن الزيارة الرسمية التي سيقوم بها جلالة لدولة مالي، هي في حد ذاتها إشارة قوية للالتزام الدائم للمملكة إزاء «بلد شقيق في ظرفية استثنائية من تاريخه». وقال ديارا، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن هذه الزيارة التي تأتي أشهرا قليلة بعد تلك التي قام بها جلالة الملك لباماكو بمناسبة تنصيب الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، «تنتظرها، بشغف كبير، الساكنة المالية لأنها تجسد بحق حرص المغرب على مساندة مالي والمساهمة في مسلسل المصالحة بها وفي استقرارها».