ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب، في دورته العشرين، تمّ اختيار بلدان غرب إفريقيا ضيفا على المغرب. وعلى الرغم من كوْن المسؤولين في وزارة الثقافة المغربيّة يبررون هذا الاختيار بالارتباط أكثر برهان تجْديد علاقات الصّداقة والمصير المشترك الذي يربط المغرب بعمقه الأفريقي، فإنّ المناسبة تقتضي اليوم أنْ نطرح سؤال الإنتاج الثقافي في هذه البلدان، وبالأخصّ سؤال التعبيرات الأدبيّة. وعلاقة هذا الإنتاج المُفترضة بالأدب العربي الإفريقيّ. إن إفريقيا اليوم لمْ تعدْ هي إفريقيا الزنجيّة، البدائية والمتوحّشة، كما رسم صورتها «المُستفْرقون» الاستعماريون في السابق. ذلك أنّ البلدان الإفريقية قدْ عرفت تحوّلات تاريخية وثقافية ولسانيّة عميقة. والمغرب إذ يستقبل منطقة جغرافية بعيْنها، هي غرب إفريقيا، إنما يطرح علينا مسألة التحديد والتعريف والتشخيص. فعلاقة المغرب بإفريقيا هي، في العمْق، علاقة الجَسَد بعَنَاصره. كما أنّ ما يحْكم هذه العَلاقة هو ذلك البُعد التاريخيّ والحضاريّ والثقافيّ الذي يستند إليه الجسد الواحد، ويستمدّ منه روحه الكبيرة والعالقة والمتجذّرة في ترْبة المشترك الواحد الذي يستثمر ويكبر في المستقبل. وحينما اختار معرض الكتاب والنشر، ممثلا في وزارة الثقافة، دول الغرب الإفريقي ضيف شرف لهذه الدورة، فإن رهانه كان منصبا، بالأساس، نحو تجديد عرى الأخوة والصداقة والمصير المشترك الذي يربط المملكة المغربية بامتدادها وعمقها الإفريقيين. كما كان طموحا يستحضر كل ما يساهم في تثمين وتمتين هذه العلائق التي شكلت في الماضي، وما تزال تشكل في الحاضر كما في المستقبل، مدخلا نحو خلق مزيد من سبل التعاون والتكامل والارتقاء بشعوب القارة السمراء. واليوم، إذ يستضيف المغرب إخوانه وأشقائه الأفارقة في هذا المحفل الثقافي الهام، فلكي يجدد تأكيده، إذا كان الأمر بحاجة إلى تأكيد فعلي، على أن قوة القارة الإفريقية ومستقبلها رهين بتقوية وتكامل جبهاتها الثقافية، باعتبارها مدخلا هاما لمجابهة إشكالات التنمية. والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، المعروفة اختصارا باسْم (CEDEAO) هي منظمة اقتصادية دولية تهتم بتطوير الاقتصاد في منطقة الغرب الإفريقي. وقدْ تمّ تأسيس المنظمة في 25 ماي سنة 1975 ورئيسها هو عمر يارادوا. يقع مقر المنظمة في أبوجا، بنيجيريا. أمّا اللغات الرسمية للمنظمة فهي الإنجليزية والفرنسية والبرتغالية. كانتْ موريطانيا من الدول الأعضاء ولكنها انسحبتْ في دجنبر من سنة 2000، وفي عام 2008 تم فصل غينيا. والمجموعة تتكوّن اليوم من خمسة عشر عضواً وهم: بنينْ، بوركينا فاسو، الرأس الأخضر، ساحل العاج، غامبيا، غانا، غينيا بيساو، ليبيريا، مالي، النيجر، نيجيريا، السنغال، سيراليون، الطوغو. أدب إفريقيّ أمْ أدب زنجيّ؟ «الأدب الإفريقي» مصطلح حديث الظهور، إذ إنه ظهر مع بروز حركات التحرر الإفريقية، وحصول بعض بلدان القارة لاستقلالها، منذ ستينات القرن الماضي. لكن، لا ينبغي أن يلتبس هذا المصطلح مع « الاستفراق « Africanisation الذي ظهر في القرن الثامن عشر، متزامنا مع مصطلح « الاستشراق « Orientalisation. ولئن كان على المستفرقين Africanistes من الأوروبيين الاهتمام بالثقافة الأفريقية في جميع تمظهراتها الشفوية والمكتوبة، إلا أن عدم تخصيص الإمكانات اللازمة حال دون ذلك، وبالتالي اقتصرت النشاطات الاسْتفراقية على البحوث التاريخية والجغرافية. أما مصطلح الأدب الإفريقي، فقد تم إطلاقه في النصف الثاني من القرن العشرين ليعني أدب الأقاليم الواقعة جنوب الصحراء عامة و الأدب الإفريقي الأسود خاصة. ولا يخفى أن هذا التقسيم ليس فنيّا أدبيّا، بلْ هو بالأحرى جغرافي ذو أبعاد استعمارية تجزيئية. فالصحراء الإفريقية لمْ تكن في يوم من الأيام عامل تجزئة أو تشتيت؛ فعلى مرّ العصور تم التعايش سلميا وعلى كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين شطري القارة. وسِلْمِية هذا التعايش ليست مجازية بلْ حقيقية؛ يكفي أن نعرف أنّ الإسْلام انتشر في القارة الإفريقية بصفة بالغة السلمية، عبر تواصل السكان المحليين مع التجار والرحالة والقوافل الإسلامية، وفي جو خال من الإرغام والإكراه . وبعيدا عن الوصف الجغرافيّ الذي يعتبر «الأدب الأفريقي»مصطلحا يعني أدب المناطق التالية جنوبا للصحراء الكبرى حتى التقاء القارة بالمحيط في أقصى- الجنوب، أو الوصف العرقيّ العنصري «الأدب الزّنجي»، فإنّ التطور الذي عرفه هذا الأدب، شكْلا ومضمونا، وكذا مختلف التداخلات اللغوية والأسلوبية والإثْنيّة، بات يفرض اليوم الحديث عن أدب إفريقيّ مفتوح ومنفتح. صحيح أنّ الأدب الأفريقي خارج مجال العربية عاش قرونا عديدة على الاتصال الشفهي كما نعرف، ولم يدون منه، حتى اليوم، إلا الأقل القليل. وبسبب صعوبات الجمع والتدوين وكثرة اللغات المحلية غير المكتوبة ويسر الكتابة والنشر بلغات أوربا، انصرفت عناية الأفريقي إلى الأدب المكتوب عموما، وعلى رأسه ما كتب بلغات أوربا. ومع أن ثمّة محاولات أفريقية للكتابة باللغات اللاتينية والهولندية والألمانية والإسبانية على التوالي. ومعنى هذا أنّ الأدب الأفريقي المكتوب خارج مجال العربية حديث النشأة، محدود الكم، وإن كان متزايد الظهور. ومع تزايد ظهوره ستزداد نسبته إلى الأقطار المنتجة له، لا إلى الرقعة الشاسعة التي تضم هذه الأقطار. ومع أنه لا يمكن الادعاء بوجود وحدة ثقافية أصيلة بين الشعوب الكثيرة التي تعيش في هذه القارة، إلا أنه لا يمكن أيضاً إنكار الملامح الحضارية المشتركة التي تعم شعوبها، وقد بدأت هذه الملامح تظهر بعد الحرب العالمية الثانية خاصة، إذ أخذت تبرز حالة من الوعي السياسي الذي يدل على الانتماء الحضاري للأفارقة، وذلك من خلال بعض الحركات أو التنظيمات الإفريقية مثل حركة عموم إفريقية. ولعل من الضروري التنبيه على أهمية معالجة المظاهر الحضارية في القارة الإفريقية بعيداً عن الحضارة العربية في شمالي القارة حيث تسود الثقافة العربية الإسلامية، وهي حضارة ذات ملامح خاصة ومنفصلة عن الحضارة الإفريقية في مناطق أخرى. كانت المشافهة وسيلة الاتصال الرئيسة في الحضارة الإفريقية القديمة، وكانت الأخبار والأساطير والأشعار تنتقل من قبيلة إلى أخرى، ومن جيل إلى جيل عن طريق الرّواية الشفوية، وكان الراوية شخصاً متميزاً بمكانة مرموقة في قبيلته، لامتلاكه قدرة بلاغية خاصة، وتمتعه بقوة الذاكرة، وتبادل الأمثال والأشعار والحكايات بين روادها. ويمكن القول إن مجمل ما وصل إلينا من هذه الآداب الشفوية يدور حول الخرافات والأساطير التي تشوبها المبالغة، ويختلط فيها الواقع بالخيال المجنح، إضافة إلى بعض الأشعار المروية بلغة البوهل والفوتا جالون والمالينيكية والسوندياتية وأشعار مملكة رواندة المقدسة وأشعار اليوروبا والتراكاراس، كما أسهمت الفنون الاحتفالية (المسرحية) بدور مميز في هذه الآداب، وتضمنت نقداً اجتماعياً. وقد تراجعت هذه الآداب مع بداية التوسع المدني، ومارافقه من تحولات أدت إلى ظهور الآداب المكتوبة. يضاف إلى ذلك تنوع هذا الأدب غير العربي ، وذلك تبعا للغات واللهجات الأفريقية الكثيرة ، والتي منها المكتوب وغير المكتوب ، يكفي أن نعرف أنه قد أحصيت « أكثر من 600 لغة يتحدثها سكان القارة ، فضلا عن آلاف اللهجات التي لا يتكلمها أحيانا إلا مجموعات قليلة تحسب بالمئات . ولنشر على سبيل المثال إلى 350 لغة في زائير ، بينها 4 لغات فقط يتحدثها عدد كبير من سكان البلد هي : السواحلية ? لينغالا ? الكيكونغو ? تشيليبا . وفي غانا تم إحصاء ما بين 47 و 62 لغة وأكثر من 800 لهجة . وهناك 150 لغة صغير في نيجيريا ، و 72 لغة في ساحل العاج ، و 62 لغة في الكاميرون « . إنّ كل تلك اللغات وما تحتضنه من ثقافات وأساطير ورموز وروايات وأشعار وحكايات شعبية و أمثال وحكم ... تؤلف مجتمعة نسيج هذا الأدب الإفريقي غير العربي ووحدته الكلية الكبرى ؛ وهذا ما أحسن التعبير عنه الروائي النيجيري ( نشينوا إتشيبي ) في قوله « ... لا يمكن أن تحشر الأدب الإفريقي في تعريف صغير محكم ... فأنا لا أرى الأدب الإفريقي كوحدة واحدة وإنما أراه كمجموعة من الوحدات المرتبطة تعني في الحقيقة المجموع الكلي للآداب «القومية» و»العرقية» في إفريقيا»، (انظر كتاب علي شلش، الأدب الإفريقي) . وعلى العموم فإن مجمل النتاج الأدبي الإفريقي يُظهر أن جل الكتاب الأفارقة المعاصرين واقعون تحت تأثير تيارين قويين، يتمثل أولهما في محاولة تعميق الارتباط بجذورهم، والثاني في خلق لغة خاصة تتصف بالشمولية والعالمية في آن واحد كما يتبدى في أعمال جان بليا وفيليكس كوشورو وفرانسي بيبي ورونيه فيلومبي، وقد أشار الكاتب الكونغولي دونغالا إلى هذه الخصائص فذكر أن الأدب الإفريقي في إبان الاستعمار اتصف بالشمولية في مستوى القارة، ثم بدأت تتضح بعد الاستقلال الصفات النوعية المميزة لكل بلد أو مجموعة عرقية، بيد أن القاسم المشترك بين مختلف أدباء القارة إنما يتجلى في انشغال الأدباء الأفارقة بالتصدي للمشكلات الكثيرة التي تواجه هذه الدول الفتية، وتطبع آدابها بطابعها.