بناء المستقبل الأفريقي عبر تاريخه افتتحت يوم الجمعة الماضي فعاليات الدورة الثالثة للمهرجان الدولي للفنون الزنجية بدكار بحضور وزير الثقافة، بنسالم حميش، وكذا عدد من رؤساء الدول الإفريقية، تقدمهم الرئيس السينغالي عبد الله واد. واستهلت هذه الدورة بعرض فني بألوان زاهية، حول مغامرات الزنوج عبر العصور، أحياه المطربان السينغاليان بابا مال ويوسو اندور، والفنانة البينينية أنجليك كيدجو والنجمة الأمريكية من أصل سينغالي، آكون، قبل تقديم سمفونية للملحن البريطاني من أصل جمايكي، بول غلادسون رايد رفقة العازف دودو اندياي روس. وقال الرئيس السينغالي عبد الله واد، إن الأمر لا يتعلق ب «إلقاء نظرة على الماضي المضيء» عبر تنظيم هذا المهرجان، بل «ببناء مستقبلنا» من خلال «معرفة تاريخنا، وماضينا الذي ينبغي أن نكون فخورين به». وأضاف الرئيس واد، خلال هذا الحفل الذي حضره حوالي 60 ألف شخص بملعب ليوبولد سيدار سانغور أن «أفريقيا ليست فقيرة، بل تم تفقيرها، لنكافح لبناء القارة، لأنه بمقدورنا تحقيق ذلك». وأعد المنظمون برنامجا متنوعا وغنيا، يشمل الموسيقى والفن التشكيلي والأدب والسينما ومعارض فنية، ومعرضا للأزياء والمسرح، بالإضافة إلى فن الطبخ، بمناسبة هذه التظاهرة التي تعتبر أكبر حدث ثقافي في القارة. وإلى جانب ذلك، ستنعقد على هامش المهرجان منتديات وجلسات حوار ثقافي وفكري، تتمحور حول إسهام العالم الزنجي في بناء الحضارة العالمية، وتتوزع على عدد من المواضيع، تهم على الخصوص، «إسهام الشعوب الزنجية في مجالي العلوم والتكنولوجيا» و»مواطن الشتات الإفريقي جغرافيا، وسكانيا، وتاريخيا، وسياسيا»، و»مشاركة الشعوب السوداء في الحروب التي أدت إلى إرساء دعائم العالم الحر»، و»النهضة الإفريقية ومكانتها في إطار عملية إدارة شؤون العالم» و»مناهضة الشعوب الزنجية للهيمنة والاستعباد». ومن المنتظر أن يشارك في هذه التظاهرة مثقفون مرموقون، لفتح النقاش حول «النهضة الأفريقية ومساهمة الزنوج في الحضارات العالمية». وسيكون المغرب ممثلا في هذه التظاهرة العالمية بثلة من الفنانين والحرفيين الذين سيقدمون مختلف أوجه جوانب التراث الفني والثقافي المغربي: الموسيقى، الفن التشكيلي، فن الخط والثقافة العمرانية، ومعروضات الصناعة التقليدية. تجدر الإشارة إلى أن البرازيل هي ضيف شرف هذه التظاهرة التي كلف تنظيمها غلافا ماليا بقيمة 35 مليار فرنك أفريقي، (حوالي 53 مليون أورو) . وكما هو الشأن بالنسبة للبرازيل، فإن المغرب ظل على الدوام مرتبطا بالقارة الإفريقية، ليس فقط من خلال المعطى الجغرافي، وإنما أيضا من خلال المعطى التاريخي الضارب في القدم. وأفاد بلاغ لوزارة الثقافة بأنه «في هذا السياق، فإن العلاقات المغربية السنغالية المتجذرة عبر الزمن، والتي تحاول المشاركة المغربية التأكيد عليها، هي ما يفسر حضور المملكة في جميع الأحداث الكبرى التي تحتضنها دولة السنغال الشقيقة». وأكد وزير الثقافة بن سالم حميش، الذي شارك في حفل افتتاح المهرجان الذي تميز بتنظيم منتدى حول «مساهمة الشعوب الزنجية في العلوم والتكنولوجيا»، وبحفل افتتاح كبير بملعب ليوبلد سيدار سنغور، أن الفنانين المغاربة المشاركين في هذه التظاهرة الكبيرة التي تجمع الجالية الإفريقية من كافة أرجاء العالم، سوف يعملون على إبراز الأوجه المختلفة لثقافة وتراث المملكة وتسليط الضوء على جذورها الإفريقية. وسيظهر المبدع المغربي من خلال الموسيقى والفنون التشكيلية وفن الخط والثقافة الحضرية (الرقص الحضري) ومعارض الصناعات التقليدية والخياطة التقليدية مدى إبداعيته في هذا الموعد العالمي للفنون الزنجية. وأوضح حميش، أنه حسب المؤرخين الموضوعيين، فإن تأثير الثقافة الإفريقية حاضر بقوة بمختلف الحضارات الأكثر قدما مثل الفرعونية وإلى غاية هذه الحقبة، مستشهدا بالموسيقى ذات الجذور الإفريقية مثل الجاز والبلوز والتانغو وموسيقى كناوة بالنسبة للمغرب. وشكلت الدورة الثالثة للمهرجان العالمي للفنون الزنجية التي تنظم تحت شعار «النهضة الإفريقية» مناسبة للرئيس السينغالي عبدو اللاي واد للدفاع عن فكرة تأسيس «الولاياتالمتحدة الإفريقية»، مؤكدا أن تحقيق مستقبل مشرق للقارة السمراء لن يتحقق سوى بالاتحاد عن طريق خلق فضاءات سوسيو-اقتصادية مزدهرة تبنى فيها الثقافة باعتبارها مكونا ناقلا ومرسلا لقيم الأخوة والسلام والتضامن. وتميز حفل الافتتاح الذي جرى بحضور عدد من رؤساء الدول والوفود الرسمية للعديد من البلدان، برقصة نفذها أزيد من 600 راقص محترف و400 ممثل. وتناوب عدد من المغنين الأفارقة على خشبة الملعب، لكي يغنوا لمجد القارة الإفريقية ولآمال قارة متحررة ومتعاضدة، تعمل من أجل الازدهار والتنمية. للتذكير، فإنه في سنة 1966، شكلت الدورة الأولى للمهرجان العالمي للفنون الزنجية، التي نظمت بمبادرة من مجلة «بريزونس أفريكان» والجمعية الإفريقية للثقافة لليوبولد سيدار سنغور، حدثا غير مسبوق في التاريخ الثقافي للقارة الإفريقية. وقد عرفت هذه الدورة التي نظمت بدكار ما بين فاتح و24 أبريل، نجاحا باهرا وكانت تروم الاحتفاء بالاستقلال الذي حققته البلدان الإفريقية آنذاك، مشاركة رموز أدبية وفنية خلال ذاك العهد من قبيل أندري مالو، وإيمي سيزار، وجين برايس مارس، ودوك الينتون، وجوزيفين باكر، ولنغستون هيوغس وآخرين . كما عرفت حضور كافة الفنون بما فيها الموسيقى والفنون التشكيلية والأدب والرقص والسينما، انضاف إليها الفولكلور الإفريقي بمختلف تلاوينه. سنوات بعد ذلك، تم تنظيم الدورة الثانية للمهرجان، الذي تجاوز النطاق الوطني ليشمل مجموع القارة الإفريقية بلاغوس (نيجيريا) سنة 1977.