هل كل الأفلام المستنبتة أو المقتبسة عن الروايات حافظت على جوهرها دون أن تزيغ بها بعيدا عن رؤية مؤلفها؟ .. كثيرة هي التجارب في السينما المغربية التي غامرت في هذا الاتجاه ، نذكر من بينها كأمثلة فيلم «بولنوار» الذي كتب له السيناريو المسرحي والسينمائي بلعيد بن صالح أكرديس عن رواية بنفس العنوان للدكتور أشقرا عثمان، وقام بإخراجه وإنتاجه المخرج حميد الزوغي ، وهو الفيلم المبرمج مساء اليوم بقاعة سينما «الريف « على هامش الدورة الخامسة عشرة للمهرجان الوطني . يتناول الفيلم حقبة مهمة من تاريخ المغرب الحديث منذ اكتشاف مناجم الفوسفاط عند بداية القرن 19 في هضاب أولاد عبدون بإقليم خريبكة و تجري الأحداث في قرية منجمية صغيرة توجد على مشارف مدينة خريبكة تدعى «بولنوار» هاجر إليها أقوام وأجناس من كل بقع الدنيا ، قبائل ، أفارقة ، أوربيون وغيرهم ، كما تناولت نشأة الخلايا النقابية الأولى على يد الشيوعيين الفرنسيين آنذاك و التحول من النظام البدوي الذي يعتمد على الرعي والحرث والزرع إلى تنظيمات نقابية بدأت في ترسيخ وعي عمالي يتحول من بعد إلى المطالبة باستقلال المغرب. في هذا السياق ، نستحضر ماقاله كل من الروائي عثمان أشقرا عن الفيلم المأخوذ عن روايته وكاتب السيناريو بلعيد بن صالح اكريديس: اعتبر الروائي عثمان أشقرا « سأكون مجاملا أكثر من اللازم ، إذا قلت أنني مقتنع بالفيلم ، لكني أحترم ما قام به حميد الزوغي ، وبالفعل قام بعمل مهم جدا بإنجازه للفيلم ، هو تكلم عن ملحمة، والملحمة تتطلب مجموعة من الشروط..وأتفهم الضغوط التي وقع فيها، لست مقتنعا بالفيلم، لكني أحترم المجهود الذي بُذل، لا من طرف المخرج ولا من طرف الممثلين الذين هم من أبناء المنطقة، وأهنئهم على المجهود الذي بذلوه، ولكن كسينفيلي، اطلعت على قمم سينمائية كبرى، لا أعتقد أن العمل كان، على الأقل بالنسبة لي، في المستوى الذي كنت أتمنى أن يكون عليه» .. أما فيما يخص التجربة التي كانت لي مع الصديق حميد الزوغي، فقد جاءت عن طريق الصدفة، إذ لم أكن أعرف الزوغي إلا من خلال اشتغاله في مجال المسرح ومجال السينما، إذ رأيت له «خربوشة» ، وبالصدفة وبواسطة صديق لنا مشترك اطلع على رواية «بولنوار» وأعجبته وبعد ذلك اعترف لي أنها تصب في الاتجاه الذي يفكر فيه ، فاتصل بي مقترحا تحويلها إلى سيناريو، وأنا كنت من حيث المبدء موافقا. ... و رواية «بولنوار» لمن قرأها ، يجد أن الخلفية السينمائية التي أتوفر عليها حاضرة بها، إذن لم تكن لدي أية معارضة مبدئية، لكن كان المشكل هو كيف سيتعامل مع الرواية، كونها معقدة، ليس فيها سارد واحد، بل مجموعة من الأصوات، إذ اعتمدت على تقنية «البوليفوموني» (تعدد الأصوات) ، و فيها مزج بين الخيال والواقع ، و فيها إحالة على فترة زمنية بكاملها ، ليس بهدف التأريخ لهذه الفترة ، فأنا سوسيولوجي واشتغلت على تاريخ الطبقة العاملة سوسيولوجيا ، وعندي بحوث منشورة ، ولكن وصلت في وقت ما ، وجدت نفسي وما زال شيء في القلب لم تستطع لا السوسيولوجيا ولا العلوم الإجتماعية أن تُعبر عنه ، ولا يمكن أن يُعبر عنه إلا البوح ، وخاصة أنني أتكلم عن قرية ازددت وكبرت فيها ، إذن هنا التجات للرواية وأعطيت نفسي فرصة كتابة نص إبداعي ، ولكن بخلفية سوسيولوجية وبخلفية فلسفية وبخلفية تاريخية».. كما أنني «سعيد جدا بعودة الاهتمام بموضوع السينما وعلاقتها بالادب، فيما أعلمه ، أن المركز السينمائي المغربي وقع اتفاقية مع اتحاد كتاب المغرب لتشجيع هذا التواصل ما بين الروائيين والمبدعين السينمائيين ، أتمنى لهذه الإتفاقية ألا تكون مجرد حبر على قلم ، وأن يتم تفعيلها ، وسيكون مكسبا للجميع، وسيساعد في خلق جو من التواصل والحوار بين السينمائيين والروائيين» .. من جهته، اعتبر الفنان بلعيد بن صالح اكريديس، أن كتابة سيناريو الفيلم أخذت منه «ما يزيد عن 18شهر بين بحث وقراءة وتمحيص للوثائق وتاريخ وأحداث تلك الفترة حتى نعطي للأمور مصداقيتها « ، ولم يخف بن صالح إعجابه بعالم الصورة والجمع مابين التمثيل والكتابة، خصوصا وأنه كان يتمنى كتابة شيئا عن هذه القرية المنسية، ويقول أنه «بالفعل وجدت شخصا آخر هو الدكتور أشقرا عثمان يشاركني نفس الرؤيا وهو ابن قريتي ترعرعنا ونشأنا وعايشنا سويا محنة هؤلاء العمال الذين يذهبون إلى المنجم وكثير منهم لا يعود ، فبعث إلي بالرواية قبل نشرها فاكتشفت فيها كل العناصر الدرامية واقترحتها على المخرج والممثل حميد الزوغي فرحب بالعمل وانطلقنا في الاشتغال» . ويضيف أنه «شخصيا أنا معجب بالرواية المغربية، وتعتبر بالنسبة إلي خزانا يمكن أن يستعين بها السينمائيون ، كما أتمنى وسط هذا الجدال القائم حول أي سينما نريد؟ أن يكون هذا الفيلم إضافة نوعية وذات قيمة للسينما المغربية « .