من مصادر التشريع الاسلامي الكتاب والسنة والإجماع والقياس و...وما يهمنا في هذه الخلاصات هو موضوع الإجماع الذي يحتاج من المختصين أن يتناولوه من حيث التأصيل الزماني والمكاني في علاقته بالنصوص القطعية العامة والخاصة من الكتاب والسنة، وفي علاقته بالحاجة الملحة إليه عبر الأزمنة والأمكنة في عصور التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم الى يوم الدين من العلماء والفقهاء المسلمين وذوي الاختصاص، وأعلم في مختلف العلوم بخصوص تأسيس قضايا إجماعية أو تدقيق أخرى أو تفصيلها أو ملاءمتها دون التعارض مع الثوابت .. فبقراءتنا لخلاصات القاعدة بهذه المقالة أو بما يكتب حولها وما يطرحه الفقهاء والمذاهب والاصوليون، يمكن لنا أن نقف على جملة من المعطيات التي ليس هنا المجال لنبسطها جميعا ..بل فقط لنستحضرها ونستأنس بها حتى نعمل جميعا، كل من موقعه، على خدمة الاهداف النبيلة التي وضعها الدين الاسلامي وناضل وكافح من أجلها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، مستعملا الإقناع والتبسيط والحوار بالتي هي أحسن، والتدرج العقلاني في تغيير المناكر والظلم والضلال الذي كان يعم الجزيرة العربية والعديد من المناطق . إن الفهم الشرعي والعقلي لدلالات وأبعاد قاعدة الإجماع، سيفتح أمام أمتنا الاسلامية فضاء رحبا يقرب الناس أكثر لروح النصوص وحكمة الاسلام وثوريته . فالإجماع يرد في اللغة بثلاثة معان : 1- العزم على الشيء، والتصميم عليه: ومنه قولهم: (أجمع فلان على كذا): إذا عزم عليه. ومنه قوله تعالى: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ [يونس:71]، أي: اعزموا. وبقوله -عليه السلام-: »مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الفَجْرِ، فَلاَ صِيَامَ لَهُ«.. ويجمع، أي: يعزم. وبهذا بوّب الترمذي في [سننه].. 2- وبمعنى تجميع المتفرق: ومنه قوله تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ [التغابن:9]. 3- و بمعنى الاتفاق: ومنه قولهم: (أجمع القوم على كذا): إذا اتفقوا عليه، ويقال: (هذا أمر مجمع عليه)، أي: متفق عليه. وفي الحقيقة المعاني كلها تعود إلى معنى الاتفاق، وقد اختلف في دلالة الإجماع على العزم، والاتفاق، هل هو من باب الاشتراك اللفظي؟ أو أنه حقيقة في الاتفاق مجاز في العزم؟ أو حقيقة في العزم مجاز في الاتفاق؟.. ثلاثة أقوال. والإجماع، اصطلاحاً: اختلفت عبارات الأصوليين في تعريفه، والسبب في هذا يعود إلى أمور: الأول: الخلاف في تحديد المجمعين. فالبعض يرى: (أ) أنه خاص بأهل الحل والعقد من المجتهدين. (ب ) والبعض الآخر: يجعله عاماً؛ فيدخل فيه جميع الأمة من العوام، وغيرهم.. فمن يخصه بالمجتهدين يعبر بقوله: (اتفاق المجتهدين). ومن يدخل العوام يعبر بقوله: (اتفاق الأمة). ..ويخلص بعض الباحثين إلى تعريف الإجماع بأنه : «اتفاق أمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، بعد وفاته، على أمرٍ من الأمور الدينية».. *ومن هنا نجد مدلول كلمة الإجماع عند الامام مالك قد حدده في قوله: «وما كان فيه الأمر المجتمع عليه فهو ما اجتمع عليه أهل الفقه والعلم ولم يختلفوا فيه...» قال ابن القصار: «مذهب مالك رحمه الله وغيره من الفقهاء: أن إجماع الأعصار حجة» *والإجماع عند الشافعي هو اتفاق المجتهدين. وهذا الاتفاق يكشف الحكم ولا ينشئه. لأن الإجماع ليس كتابا ولا سنة، ولذا فلا يمكن له إنتاج شرع جديد، بل إنما ينكشف الصحيح للمجتهدين.. *كما روى أحمد بن حنبل في مسنده، قال: حدثنا أبو اليمان، حدثنا ابن عياش، عن البختري بن عبيد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي ذر، عن النبي -، أنّه قال: »إثنان خيرٌ من واحد، وثلاثة خير من اثنين، وأربعة خير من ثلاثة، فعليكم بالجماعة؛ فإنّ الله عزّ وجلّ لن يجمع أمتي إلاّ على هدى« وسئل ابن تيمية عن الاجماع فأجاب :» أَنْ تَجْتَمِعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ . وَإِذَا ثَبَتَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ إجْمَاعِهِمْ ؛ فَإِنَّ الْأُمَّةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ...» ...واختلف الأصوليون في تعريف الإجماع اصطلاحاً تبعاً لاختلافهم في كثير من مسائل الإجماع المتعلقة بأركانه وشروطه وأحكامه. والتعريف المختار أن الإجماع هو: اتفاق مجتهدي الأمة، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في عصر على أي أمر كان.. ...فالاتفاق معناه: الاشتراك في الرأي أو الاعتقاد، سواء دلّ عليه الجميع بأقوالهم جميعاً، أم بأفعالهم جميعاً، أم بقول بعضهم وفعل بعض، وهذا كله يسمى بالإجماع الصريح، أم بقول بعض أو فعله مع سكوت بعض آخر، وهذا يسمى بالإجماع السكوتي، وبهذا يكون التعريف شاملاً لقسمي الإجماع: الصريح والسكوتي. ...أما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فيخرج به اتفاقهم في حياته، فإنه لا عبرة به، قال الآمدي: وإجماع الموجودين في زمن الوحي ليس بحجة في زمن الوحي بالإجماع، وإنما يكون حجة بعد النبي صلى الله عليه وسلم. (الإحكام للآمدي)