«من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا . ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما» )سورة الاحزاب ) وطننا قدم الشهداء تلو الشهداء منذ الاحتلال الغاشم للبلاد ..فسقت الدماء كل الربوع جبالها وسهولها وهضابها وصحاريها وأنهارها وبحارها وأجوائها ...وإن أردنا عدهم لوجدناهم بالآلاف فكانوا رموزا للنضال والمقاومة والجهاد ..عرفهم الناس أو جهلوهم.. تذكرتهم الدولة وكل القوى أو لم يتذكروهم ...فهم عندما هبوا للجهاد لم يطلبوا إذنا، أو بحثوا عن جاه بل قدموا أرواحهم قربانا من أجل رضى الله وحرية الشعب واستقلاله وكرامته، فما الذي تقوم به الدولة بكل مؤسساتها وخاصة المكلفة بالتعليم والثقافة والتراث والذاكرة الوطنية من أجل الوفاء لهم، وماهي الجهود التي بذلت لجعل أطفالنا وشبابنا تلاميذ وطلاب وأطر المستقبل يتذكرون أمجاد الوطن والبطولات والتضحيات المقدمة من أجل جعل حسهم الوطني ومحبة الوطن قويين.. بالمعرفة العميقة لتاريخنا بحماسة وعزة وغيرة تحمي الوحدة وتعزز البطولات في وفاء تام لكل هؤلاء الابطال والبطلات الذين لا يمكن تجاهلهم أو التنكر لهم تحت أي إكراه وأي مبرر .... إن بطولات الشعب لم تتوقف بعد طرد المستعمر الغاشم، بل امتدت بعد الاستقلال لتشرع في مواجهة بقايا السياسات والممارسات الاستعمارية من ظلم وإقطاع واستغلال جشع وظلم وتضييق على الحريات، ... فكانت رغبة القوات الحية بزعامة المجاهدين والمقاومين والابطال الذين أطال الله أعمار العديد منهم الى أن حققوا الاستقلال، المزيد من العمل من أجل بناء دولة الحق والقانون وإقرار دستور عصري يحدد مسؤوليات كل المؤسسات في إطار بناء ديموقراطي ...فكانت قوى رفض التغيير بالمرصاد للمناضلين الشرفاء .. وكانت الأحداث تلو الاحداث همت أغلب سنوات الستينات والسبعينات ومحطات في غيرهما من السنوات ..فاعتقل الآلاف وحوكم المئات واستشهد العديد والعديد ... إن الرجال العاملين والنساء العاملات من أجل الحرية والديموقراطية، ومن أجل نصرة الفقراء والعمال والكادحين ونصرة المظلومين هم من أحب الناس الى الله سبحانه وتعالى وفيهم يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «أحبّ الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحبّ الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم ، أو تكشف عنه كربةً، أو تقضي عنه دَيناً ، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كفَّ غضبه سَتَرَ الله عورته، ومن كَظَمَ غيظاً ولو شاء أن يُمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة، ومَن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له ، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزلُّ الأقدام ، وإن سوء الخُلُق ليُفْسد العمل كما يُفْسد الخلُّ العَسَل» [ رواه ابن أبي الدنيا وحسَّنه الألباني ] . ومنهم الشهيد المهدي بنبركة الذي واجه الاستعمار وهو في بداية شبابه، وانحاز الى الشعب وارتبط به واستمر وفيا لذلك التعاقد رغم التآمر عليه في كل المحطات واللحظات - الى أن لقي ربه وهو شهيد سنة 1965 - والتي أشارت إليها العديد من التقارير بالتلميح والتحديد من بلدنا هذا ومن فرنسا وإسرائيل وآخرين ..ومازال ملف عريس الشهداء يتجول من يد الى أخرى بمحاكم فرنسا وبين العقول التي تعرف ما تعرف من خبايا، لا أحد يعلم لماذا لم تكشف ويعلن عنها لطي تلك الصفحة بإقرار قول العدالة فيها ... ومنهم الشهيد عمر بنجلون الذي اغتيل يوم 18 دجنبر 1975، وتم اعتقال منفذي الجريمة النكراء وصرحوا بكل ما يعرفون..؟؟ وهرب من هرب -كما قال الاعلام أنذاك بعد أن أعلن عن اعتقالهم - الى الخارج ومازال الملف مفتوحا لم تقل فيه العدالة بعد كلمتها الشاملة لتعم كل المنفذين والمخططين والمصدرين للقرار، والمتسترين على بعض الفاعلين أو حتى الذين عبروا عن دعمهم للفعل الارهابي وتأييدهم له بشكل علني ببلادنا وخارجها ... إننا أحيينا بالمغرب ذكرى استشهاد القائد الشهم عمر بنجلون يوم الاربعاء 18 دجنبر 2013 ، ويحق لنا أن نتساءل: كيف يتجرأ البعض على تمرير فكرة أن التقادم شمل هذا الملف وبالتالي ليس على المتابعين والذين يوجدون في حالة فرار أي حرج في أن يعودوا وكأنهم لم يفعلوا أي شيء ؟؟ .. وكأن الشهيد ليس له أولياء أو عائلة فكرية ونضالية تطالب بالقصاص من المجرمين، إقرارا للقانون وشرع الله.. فالشهيد هو أب وأخ لكل الاتحاديين والاتحاديات ورفيق في النضال للكل وليس فقط لأسرته الصغيرة .. والشهيد لم يغتل لأن اسمه عمر بنجلون بل لأنه زعيم سياسي لحزب وحركة وطنية تقدمية سبق أن قدم لها من عمره وحياته تضحيات سابقة، بما فيها الحكم عليه بإعدام لم ينفذ والاعتقال ومحاولات الاغتيال، منها القنبلة التي وصلته في طرد ملغوم تعرف عليه بذكائه ويقظته فنجاه الله .. ثم بعدها بشهور تحدث مؤامرة الاغتيال المقيتة ... إن الاتحاديين عندما قرروا جعل يوم 29 اكتوبر من كل سنة يوما للوفاء فذلك يعني... الوفاء لكل الشهداء ببلادنا منذ الأزل الى اليوم...، والوفاء لكل الابطال الذين تعرضوا للاعتقالات والمنافي والتشريد والترهيب ... والوفاء لكل من جند فكره وعلمه لفائدة حرية الشعب وكرا مته ... وذلك لا يعني اختزال الوفاء في يوم واحد، وإسقاط كل الذكريات والمحطات النضالية من الذاكرة الوطنية والاتحادية -كما يفسر ذلك تعسفا بعض الناس الذين لا يروقهم أن يتقوى ويتنظم حزب شهداء القوات الشعبية.. - لأن نفس الاتحاديين قرروا إحياء الذاكرة الاتحادية النضالية وتوثيقها، ومواجهة كل مؤامرات التشويه ومحاولات الإقبار التي تهدف فصلنا كشعب عن كل ما هو متنور ونضالي بوطننا لفائدة الفكر الانتهازي والرجعي والاستلاب بكل أنواعه ... ولقد أحسن المكتب السياسي لحزب الشهيد عمر عندما ضمن بيانه بالفقرة التالية «اعتبر أن هذا الزعيم الاتحادي والرمز النضالي الكبير، في تاريخ الحركة الاشتراكية والعمالية، سيظل حيا في ذاكرة الحزب والمناضلين الشرفاء في المغرب والعالم». وأكد المكتب السياسي في هذا الصدد أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لن يتنازل أبداً عن مطلب الكشف عن الحقيقة الكاملة لهاته القضية. وعليه، فإنه يعلن أنه إذا كانت العدالة قد أدانت المنفذين المباشرين، لهذه الجريمة السياسية، فإنه من الضروري أن يظل الملف مفتوحا من أجل المساءلة والمحاسبة السياسية والجنائية، وضمان استقلال المساطر القضائية عن كل توجيه أو تدخل يهدف الخلط والتضليل»، والتي ترفع كل لبس أو غموض أو محاولات تحريف قرار اللجنة الادارية وتصريحات الكاتب الأول. إن المطلوب منا قبل أي وقت مضى أن نشحذ ذاكرتنا وأن نستحضر ما يحرك الهمم ويطرد الفكر الانهزامي والنفعي، وألا نتنكر لمن علمونا أبجديات النضال والوطنية والتضحية، والذين لولاهم لما كان الاتحاد الاشتراكي ولا كل المحطات النضالية التي أسست للتحولات التي عرفتها بلادنا طوال العقود الماضية. ... إن تجاهل ذلك التاريخ وتلك الذكريات لا يمكن أن يكون في صالح المبادئ التي ضحى من أجلها كل هؤلاء، بل سيكون في خدمة من كانوا بالأمس القريب والبعيد يخططون للقضاء على حزب القوات الشعبية ففشلوا بصمود هؤلاء الابطال ... قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم «لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل « ان لكل هؤلاء الابطال والشهداء فضل علينا وعلى أمتنا وعلى واقعنا ومن الوفاء بالعهد الذي بيننا وبينهم ، عدم التنكر لهم أو تناسي ذكرهم للأجيال المتعاقبة والدعاء لهم والسير على نهجهم بما يخدم الصالح العام وأهدافهم النبيلة. وفي مثل هذا يقول تعالى « وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون () ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون» إن دماء الشهداء أمانة في رقبة الاتحاديين والاتحاديات وكل القوى الوطنية والديموقراطية والتقدمية. ... فلماذا العديد من الامم والدول تحتفل بافتخار وحس وطني عال برموزها وقاداتها وثوارها وعلمائها، ونحن نجد بوطننا من يسعى للقطيعة ليس فقط مع تاريخه بل يسعى للانسلاخ من حاضره وواقعه لأجل غد لا يمكن أن يقوم دون ذاكرة. فالذين يحرفون الذاكرة أو يسعون لمحوها، لاشك أنهم ضلوا السبيل ولا مصلحة عامة عندهم تعلو على مصالحهم الخاصة . إننا كأسرة اتحادية وطنية تأسست خدمة للوطن والشعب والصالح العام وبناء دولة المؤسسات، لا يمكن لنا، قيادة وقواعد ومتعاطفين وأنصارا، أن نطوي صفحاتنا المجيدة لنترك الاخرين يفتحون صفحاتهم التي لا كفاح فيها ولا نضال ولا تضحية ..إن صفحاتنا النضالية هي امتداد لكل حركات النضال والاصلاح بالمغرب منذ مئات السنين .. وهي امتداد للفكر الثوري للخلفاء الراشدين وقادة حركة التحرر الانساني وهي في ملك البشرية جمعاء ... إن من الوفاء لهم كذلك أن ننصر المظلومين والفقراء وقضايا الشعب .. ومنه أن نحافظ على أحسن صفة يجب أن يتحلى بها الانسان وخاصة المسلم والتي هي البقاء على العهد ..وقال تعالى:» واوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا « الإسراء/34 وقال تعالى: « والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين الباس أولئك هم المتقون « (البقرة، آية: 177). فتحية لكل الشهداء ونخص بالذكر الشهيد عمر بنجلون و...عم مساء عمر فالشهداء يموتون كي يفرغوا للسهر،... والشهداء في الفردوس الاعلى مع النبيئين والشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا.