هل تصنع الكتابة بهاء الأشياء؟ هذا السؤال يُحيل إلى آخر وصورته: هل يمكن للفعل الكتابي أن يهب الأشياء نضارتها؟ وهما سؤالان تكفّلت بالإجابة عنهما مجموعة علي بنساعود القصصية القصيرة جدا «ظلال ذابلة» الصادرة مؤخرا عن دار «الأمان» بالرباط. ولأنّ هذه المجموعة تأتي في بيئة ثقافية نعدّها من البيئات العربية الأولى الحاضنة لجنس القصة القصيرة جدا، سواء على مستوى النشر أو على مستوى المتابعة النقدية، فقد أولاها صاحبها كلّ يقظته الإبداعية حتى يحتاز لها مساحة قرائية في فضاء مكتنز بالقصة القصيرة جدا، بل هو فضاء تشبّع بهذه الكتابة السرديّة حتى صار يصعب على الكتّاب المغامرة فيه. وعليه، اعتمد علي بنساعودتقنيات فنية جعلت قصصه منفتحة على أكثر من معنى، بل هي تناور القارئ بمعانيها ولا تهبها له إلاّ بعد عناء. ولعلّنا واجدون في عنوان المجموعة ما ينبئ بهذا التمنّع الدّلالي، والذي يمثّل من شعرية القصة جوهرَها، حيث لا نُلفي فيها الأشياء معيّنة بتفاصيل أحوالها، وإنما هي تحضر بظلالها الذابلة. وأغلب قصص هذه المجموعة لا تخالف في بنائها الشكلي ومتنها السرديّ صورة الحكاية التي تومئ إلى الشيء ولا تعيّنه، أو هي تدلّ عليه ولا تشير إلى السبيل التي نسلكها إليه، فهي إذن كتابة تجتذب إليها قارئها لا لتغني ذهنه بمحكيات خبريّة تامّة المفاصل السردية وإنما هي تجذبه بظلال أحداثها لتورّطه في إعادة صوغها صياغات جديدة نظنّه لن يُشفى من تجريبها، وهو أمر يحتاج إليه سردنا العربيّ الراهن حتى يخرج من خانة الممل والمألوف. وما يشدّ في تقنية علي بنساعودالسرديّة هو عدم ولع كتابته بالأشياء الكبيرة الصالحة للسرد، وإنما نلفيه فيها منتبها لتفاصيل صغيرة من معيشنا اليومي، سيرة ذاتية كانت أو لونا من ألوان الرؤية، ويعضد كلّ ذلك بروافد التراث المغربي كالأمثال الشعبية والخرافة والأسطورة.