من طنجة.. تتويج رشيد البقالي بجائزة عبد الله كنون للفكر والأدب المغربيين    مكتب الصرف: تحويلات مغاربة العالم فاقت 117,7 مليار درهم سنة 2024    مع اقتراب شهر رمضان.. ارتفاع أسعار المواد الغذائية بالأسواق المغربية    مقتل مواطن مغربي بالرصاص في إيطاليا    تساقطات ثلجية وأمطار رعدية مرتقبة من الأحد إلى الثلاثاء في المغرب    وهبي: العدالة الانتقالية تجربة وطنية رائدة أفضت إلى تعزيز المصالحة بين المجتمع المغربي وتاريخه    الزوبير بوحوت يكتب: السياحة في المغرب بين الأرقام القياسية والتحديات الإستراتيجية    بن شرقي: "اللعب للأهلي كان حلمي وسأسعى لحصد الألقاب معه"    الرئيس السوري أحمد الشرع يصل إلى السعودية في أول زيارة رسمية    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين بتهمة قرصنة المكالمات الهاتفية    القيمة السوقية لدوري روشن السعودي تتخطى المليار يورو    باب برد: تفكيك عصابة إجرامية متورطة في سرقة وكالة لتحويل الأموال    القنيطرة... اختتام دوري أكاديميات كرة القدم    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    نادٍ نرويجي يتبرع بعائدات مباراته ضد فريق إسرائيلي لدعم غزة    التوقيع على مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون والشراكة بين مدينة طنجة ومدينة القدس الشريف    هذه توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    حكومة أخنوش تتعهد بضمان وفرة المواد الاستهلاكية خلال رمضان ومحاربة المضاربات    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب    هكذا يخطط المغرب لتعزيز أمن منطقة الساحل والصحراء    "هِمَمْ" ترفض التضييق والتشهير بمديرة جريدة "الحياة اليومية"    نزار بركة يترأس الدورة العادية الموسعة للمجلس الإقليمي لحزب الاستقلال في العيون    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    الإعلام في خدمة الأجندات السياسية والعسكرية    كريستينا.. إسبانية سافرت للمغرب لاستعادة هاتفها المسروق بمدريد والشرطة المغربية أعادته إليها في أقل من ساعة    روبرتاج بالصور.. جبل الشويحات بإقليم شفشاون وجهة سياحة غنية بالمؤهلات تنتظر عطف مسؤولين للتأهيل    السلطات الأسترالية تعلن وفاة شخص وتدعو الآلاف لإخلاء منازلهم بسبب الفيضانات    حريق مُهول يأتي على ورش للنجارة بمراكش    تجميد المساعدات الأميركية يهدد بتبعات خطيرة على الدول الفقيرة    المغرب يعزز موقعه الأممي بانتخاب هلال نائبا لرئيس لجنة تعزيز السلام    "رسوم ترامب" الجمركية تشعل حربًا تجارية .. الصين وكندا والمكسيك ترد بقوة    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الاتحاد الثقافي» يحاور الروائي العراقي فاتح عبد السلام حول مجموعته القصصية الجديدة «عين لندن»:القصة القصيرة هي الفن الأصعب، وعندما أكتبها أشعر وكأنني أحمل بندقية فيها طلقة واحدة
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 28 - 10 - 2011

«عَينُ لندنْ» هو عنوانُ مجموعةٍ قصصيةٍ للروائي العراقي فاتح عبد السلام صدرت قبل أيام ببيروت عن «الدار العربية للعلوم ناشرون» في كتابٍ يضمّ بين دفتيه سبع قصص قصيرة توزعتْ على 107 صفحات من القطع المتوسط، وجاءت تحت العناوين الآتية:
«عين لندن»، «الشظية لا تزال في ساقي»، «ماراثون المسافات القصيرة»، «الناقوس لا يقرع الآحاد»، «لحظة الاستنساخ البشري»، «حديقة عبّاس في ساوث هول»، و»جِنّية الساعة الحادية عشرة». وعين لندن أو عجلة لندن London Eye لِمنْ لا يَعرفها، والتي اختارها المؤلف عنوانا لكتابه ولقصةٍ في الكتاب، هي عجلة سياحية ضخمة أنشئت في العاصمة البريطانية مطلع الألفية الثانية، حيث يمكن لركابها مشاهدة معالم مدينة لندن والتمتع بالمناظر الجميلة أثناء دورانها حول محورها. ويمكن لراكب عين لندن العملاقة أن يرى كثيرا من الأشياء حتى مسافة 40 كيلومترا، وأيضا رؤية بعض المعالم الشهيرة مثل كاتدرائية سانت بول وقصر وستمنستر وقلعة وندسور. ويوجد بهذه العجلة 32 كابينة صغيرة تمثل دوائر لندن الانتخابية ويمكنها أن تحمل 15 ألف زائر يومياً. افتتح هذا الدولاب ليلة رأس السنة الميلادية لعام2000 ولذلك يطلق عليها اسم Millennium Wheel أو عجلة الألفية. في قصص «عين لندن» سمة عامة تجمع بين القدرة على السرد السهل المتدفق والسخرية المضحكة حينا والمحزنة حينا آخر، كما أن أغلب قصص المجموعة تحمل قدرة على الحوار المرن الرشيق الذي يكشف عن جوانب من الأحداث والشخصيات وفيه الكثير من الفرضيات الفكرية والنفسية والفلسفية. أما الملمح السياسي في هذه المجموعة القصصية الجديدة، فيجده القارئ دفينا تحت ركام السرد وتشابك الشخصيات الأصلية والمقيمة والمهاجرة على الأرض البريطانية، حيث تجري الأحداث جميعها، لتشكل بمجملها موسوعة لحكايات العربي المضيع بين أهوال الحرب وأوهام السلام، وأهم عمل قصصي عربي يتناول انعكاسات أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 على حياة الإنسان العربي في المنفى الأوروبي والمهجر العالمي. التقيت د. فاتح عبد السلام في مكتبه في لندن حيث يعمل رئيسا لتحرير صحيفة (الزمان) الدولية، للحديث حول كتابه القصصي الجديد الصادر تواً، وأيضاً للاقتراب من حدود تجربته كمثقف عربي يؤكد حضوره الراسخ في فضاء ثقافة الغرب عبر ما تُرجمَ لهُ من كتبهِ ومقالاته إلى أكثر من لغة، كان آخرها ما صدر بالانكليزية مؤخراً، وحمل عنوان «نكسة القرن: أحداث 11 سبتمبر في مرآة حرب العراق» Setback of the Century- 11th September Cracks on the Mirrors of Iraq War عن دار ومنشورات «إكس ليبيريس» العالمية.
{ يضعنا ناشرُ كتابكَ الجديد «عين لندن» على الطريق إلى الأخذ بقراءة القصص المتضمنة فيه على وفق مُقتربٍ محددٍ بالعلاقة بين الثقافتين، الشرقية والغربية. فالغرب، حسب ناشركَ، حين يحاور الشرق على مستويات مختلفة، لا يحاورهُ انطلاقاً من وضعه هو، بلْ مِن مستوى التطور الذي بلغه الشرق وبالأخص على مستوى الوعي الذهني في سياق متواليات الحرب والسلام. وهو يعتبرُ قصصكَ حصيلةَ نوعٍ من النظر النقدي المستند إلى خلفية معرفية نظرية وممارسة تطبيقية في مقاربة النص الروائي، ولكن أيضا في مقاربة ذلك المنظور الحضاري الملتبس بالسياسة. فإلى أي حد يمكن اعتبار هذا التوصيف صحيحاً ؟
عُمْرُ هذه المجموعة هو تجربة مختمرة متراكمة تتجاوز عقداً من السنوات. فبعد الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 أصبحت ملامح الإنسان العربي أو المسلم في أوربا تهمةً بحدِّ ذاتها في بعض المواقف أو المدن أو الأحداث. كانت هنالك فترة متفاقمة لهذا الشعور إلا إنه ومع الزمن، خَفَّتْ حِدَّةُ هذه الحالة. ولكنّ عينَ القاصِّ المندمجة على نحوٍ مُتماهٍ غالباً في عين الراوي استمدتْ من ذلك الضغط النفسي شكلا قدمت من خلاله تلك الشخصية المستفزة بأثر الحروب والإرهاب والتهويل الغربي، وما يلحق بهما من تُهَمٍ كثيرة. وهذه المجموعة القصصية قد تكون القمة الظاهرة من الجبل الثلجي المختفي تحت سطح الماء. فهي جزءٌ من مشروعِ وصفِ تحولات الذات العربية في عالم هائجٍ وَيَمورُ بتيارات مختلفة، شَكَّلَتْها وطبعتها بِسِمات خاصةٍ حربانِ كبيرتان في أفغانستان والعراق، وضغوط ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 في أوروبا على وجه خاص الغرب والإسلام.
{ أنت ربما كنت تقصد التغييرات التي حصلت في الصورة النمطية المأخوذة عن الشرق في عيون الغربيين..
أفرزت أحداث 11 سبتمبر خرائطَ جديدة في العالم، ونتجَ عنها وعيٌ جديد إزاء «الآخر»، بعد أن أصبح الإنسان مُتهماً بسبب اسمهِ والبلدِ الذي ينتمي إليه، وأصبح متهما بسبب اسمه وهويته. وحتى الثقافة أصبحت متهمةً هي الأخرى بسببِ رموزها التي تشكلها أو المنطلقاتٍ التي تستندُ إليها. فأصبحت الثقافة العربية وكأنها في موقع دفاعيٍّ تريد أن تدرأ عن نفسها تهمة العلاقة بتشكيل (مساراتٍ إرهابية) ضمن المفهوم الغربي الذي لم يقترب من وجودنا الفكري ولا الثقافي ولا الاجتماعي بعد أزمة سبتمبر إلا عبر الدبابة والمدفع والطائرة والصاروخ وذلك على نحو عملي. وما قيل من كلام كان حول العلاقة التحاورية ما بين الغرب والإسلام كان يدور في فلك تصريحات سياسية ولم تكن له أية جسور تعبر تلك الفكرة القائلة بوجود ثقافتين أو تاريخين.
الخوف المستمر في ذواتنا
{ هل من الممكن أن توضح لنا كيف انعكس وتجلى ذلك في قصص «عين لندن» تحديداً ؟
نعم.. يمكنك أن تلاحظ إن أي «بطلٍ» أو أية «شخصية» قصصية في هذه المجموعة، سواء أكانت تمثل إنسانا غربيا أم عربيا، في أحداثٍ تشكلُ بنيةَ سَرْدٍ عامٍّ لقصةٍ مَا، إنما هي شخصيةٌ وليدةُ تناقضاتٍ وهواجسَ وانتظاراتِ خوفٍ مستمرٍ مصدرهُ موقعُ أو موقفُ العجز أمام «الآخر» الذي لمْ يُعطِ فرصةً للحوار بين ثقافتين نداً لندٍ، وإنما كان الحوار دائماً من موقع الأعلى، عبر القوة، إلى موقع الأدنى، عبر القوة بكل أشكالها، سواء أكانت عسكرية أو سلطوية، ومن خلال تشريعات مثل قوانين مكافحة الإرهاب التي يستشف منها إنها تستهدف أي إنسان يخضع لتلك المواصفات الواقعة تحت عين الاتهام في أمريكا والغرب. لقد كتبتُ عن الخوف المستمر في ذواتنا مثلما ضمت مجموعة «عين لندن» قصصاً يتجلى فيها الارتباط بالجذور المكونة للوعي المترحل من مدن بعيدة في الشرق، إلى مدن متألقة في الغرب.
{ يرى معظم النقاد إن الرواية هي الجنس الأدبي الأكثر قدرة على تمثّل ثنائية العلاقة الملتبسة بين الشرق والغرب، في الأدب العربي المعاصر. لقد حصل هذا عندنا منذ «عصفور من الشرق» لتوفيق الحكيم. وكنتَ أنت انشغلتَ في السنين الأخيرة على الدفع بعملك الروائي إلى الأمام، فقرأنا لك على سبيل المثال: عندما يسخن ظهر الحوت، اكتشاف زقورة، حي لذكريات الطيور. سؤالي هو: ما الذي ألجأكَ إلى ارتياد القصة القصيرة للتعبير وأنت انقطعت عنها لسنين؟
ربما انقطعتُ عن نشر أعمال تنتمي إلى جنس القصة القصيرة الأدبي، لعدة سنوات، لكنني كنت أزاول كتابة القصة القصيرة على نحوٍ حذرٍ في مسعى مُضنٍ مِني لتجاوز مرحلةٍ، وللبدء بمرحلة جديدة، ضمن اجتهادي الخاص إنها انعطافةٌ في تجربتي القصصية، لأنها تستمد هذه الانعطافة من أشياء متعددة، منها الجغرافيا الصانعة لها. غير إن القصة القصيرة هي الفن الأقرب إلى نفسي، وفيها تتجلى البصمة القوية لعنفوان الكتابة عن الحياة.
{ تقول عن مزاولتك لفن القصة القصيرة، وعن مجموعتك هذه بالتحديد إنها انعطافة، ولكن بأي معنى؟
بمعنى «الزمكانية» أو الفضاء الخاص بها الذي احتواها ودفعها إلى الظهور. هذا أولاً. وثانياً بمعنى ترسيخ تجربة الحوار بنوعيه الخارجي والداخلي منها في القصص على نحو مقتصد بالجملة السردية، وهو مسعى ابتدأتهُ على نحوٍ واضحٍ في مجموعتي القصصية السابقة المعنونة «حليب الثيران» وانتهيت منه في «عين لندن» إلى ترسيخه وتدعيمه.
سَرْد حواريّ
{ هل يمكن القول إذن، إن البنية المهيمنة في خطابك القصصي في هذه المجموعة هي بنية حوارية أساسا، وليست بنية سردية؟
دعني أقول لك نعم، تقوم معظم العملية السردية في قصص «عين لندن» على بنية حوارية، ولكني أفضل تسميها بنية «ديناميكية الحوار». فالحوار هو مكانٌ وهو زمانٌ، وهو الراوي وهو الشخصية. وضمن تفاعلات هذه العلاقات مجتمعةً يولدُ ما أستطيع تسميته ب (سَرْدٍ حواريٍّ) يكون أحيانا من خلال تداعيات الذات عبر حوار داخلي، وغالبا هو حوار خارجي عبر شخصيات تصنع الحدث. فالشخصية حين تقول كلمة عابرة في لحظة زمانية إنما تسير بالسرد إلى أمام وقد لا يُنْجدها وصفٌ أو سردٌ خارجي، لكنها تسير فقط عبر ما تمتلكه من طاقة إخبارية وسردية كامنة في جملة الحوار.
{ وأين يظهر ذلك عندك؟
يظهر هذا فيما ركزت عليه في أكثر من قصة من قصص الكتاب، ولاسيما قصتا «عين لندن» و»الشظية لا تزال في ساقي» هذا فضلا عن استفادتي من عناصر نفسية كأحلام اليقظة والخوارق والغرائب والجانب الجواني للنفس البشرية كالأخيلة والهلاوس إضافة إلى الموروث الغرائبي المتصل بعالم الجن واستخدامها كتقنيات بنائية في النص كما حدث في قصة «جنية الساعة الحادية عشرة»، أو تحويل الواقع شديد الواقعية إلى عالم غرائبي كما في قصة «حديقة عباس في ساوثهول» وكذلك قصة «لحظة الاستنساخ البشري».
{ بحكم إقامتك الطويلة في ديار الغرب الأوروبي، واستمرارك كتابة إبداعك بلغتكَ الأمِّ، هل يمكن اعتباركَ كاتباً ضمن ما يُصطلحُ عليه بكُتّاب المنفى والمَهْجَر؟
في الحقيقة أنا لا أحب هذه التصنيفات. فأنا لا زلت كاتبا عراقيا وإن أقمت في المنفى سنوات طويلة. كل قصصي تولد أولا في العراق أو في أية بقعة فيها جذوري العراقية، بما فيها أرض المهجر والمنفى. وربما كنتُ في هذه القصص مهاجراً عكسياً إلى أرض الوطن، بمعنى الهجرة المستحيلة أحياناً.
{ لا أدري لماذا تلحُّ عليَّ فكرة العودة إلى سؤالكَ عن مغزى احتواء قصص «عين لندن» السبعة على خليط من أبطالٍ عربٍ وأوروبيين وحتى آسيويين، واحتكام خلفية أحداث القصص على تداعيات أحداث 11 سبتمبر، خاصة وإننا شهدنا قبل أيام مجزرة النرويج الإرهابية التي راح ضحيتها أكثر من تسعين شخصا، ولكن ولأول مرة لم تُلصق التهمة بالعرب ولا بالمسلمين؟
أريد أن أنبه بادئ ذي بدء إلى أنني لا أكتب أبدا من منطلق رَدِّ الفعلِ على أحداث أو حروب. ولو كنت كذلك لكتبت مئات القصص وليس سبعة قصص خلال عشرة أعوام. لكنني في نفس الوقت أرصد اللحظة المتفردة من زمن طويل ملئ بالضغوط الناتجة عن تعرض هوية الإنسان العربي لتشخيص خاطئ يصل إلى حد الخطيئة من قبل «الآخر» وعيا وثقافة وميديا، منفصلا عن دول وسياسات وحكومات واقتصاد، لذلك أرى إن فرحة العرب والمسلمين في النرويج وخارجها، عندما سمعوا إن منفذ العمليتين الإرهابيتين في يوم 22 تموز ( يوليو) الماضي هو مواطن نرويجي وربما كان ينتمي إلى اليمين المسيحي المتطرف، إنما هي فرحة مؤقتة ما يلبث خبر صغير عن جريمة أو عمل خارج القانون أو بيان لمنظمة متطرفة على صلة بالعرب والمسلمين أن يحول تلك الفرحة إلى كابوس، ويُدخل الجاليات العربية والإسلامية، وتعدادها بالملايين، في نفق من الخوف والتوجس ومحاولة إنكار الذات أحيانا درءا للتهمة، الأمر الذي لم تمارسه البشرية منذ سقوط هتلر عندما بدأ الألمان في صبيحة يوم سقوط الرايخ الثالث بتعريف أنفسهم إلى العالم الأوروبي بأنهم ليسوا هتلريين ولا نازيين قبل أن يقولوا إنهم ألمان وذلك لأن انتماءهم للجنسية الألمانية لم يكن كافيا للدفاع عن أنفسهم. وربما كان سبيلاً سهلاً للتهمة والشك ولكن ذلك كان عمره قصيرا بفعل الانتقال السريع إلى مجتمع ما بعد الحرب العالمية الثانية بشقيه الاشتراكي في برلين، والرأسمالي في ميونيخ.
أنتَ قاصٌّ إذن أنت قناصٌ
{ مرة أخرى دعني أسألك عن خلفية هذا الاختيار الفني الجمالي باعتماد القصة القصيرة تعبيراً عن هذا الطيف الواسع من الاهتمامات والانشغالات. هل لديك قناعات نقدية في ذلك؟
تحدثتُ مرةً إلى مجموعةٍ من الأصدقاء الأدباء حول إعادة الاعتبار إلى فن كتابة القصة القصيرة، وسألوني إن كان هذا الاعتبار قد ثُلِمَ، فأجبتُ بنعم، ذلك أن هذا الفنّ الصعب قد جرى التجاوز عليه كثيرا. فمرةً باسم الحداثة والتجريب، ومرةً باسم الشعرية، ومرةً تحت دوافع المباشرة والتعبئة السياسية. وفي رأيي فإن القصة القصيرة هي الفن الأصعب، وعندما أكتبها أشعر وكأنني أحمل بندقية فيها إطلاقة واحدة، وفي المقابل ثمة المئات من الأهداف المتحركة أمامي وأنا في يقيني إن هناك هدف واحد يجب أن تصيبه هذه الإطلاقة. فأنتَ قاصٌّ إذن أنت قناصٌ صاحب إطلاقة واحدة، وإن أخطأتَ الهدفَ فلا خيارَ ثانٍ لك، وستخرج من السباق، لأن فرصة تعديل وضعك في السباق غير متاحة عبر هذا النص القصير المكتنز الذي أرى أنه يجب أن يتوافر على حكاية، لأن «الحكاية» هي روح القصة، وقد جرى (الدوس) عليها حتى خرجت عن فنها وهذا لا أرى فيه حداثةً ولا تجديداً ولا تجريباً.
{ لماذا برأيك؟
لأن عناصر التجديد يجب أن تكون في ذاتية البناء الداخلي للحكاية المصنوعة في السرْد والحوار و(الزمكان). فالقصة القصيرة، نحتاج جميعا، نحن القصاصين العرب، أن نعيد إليها الاعتبار بحيث نجعلها مقروءة لدى المتلقي. فالمأساة إن آلاف القصص قد كُتبتْ وهي لا تُقرأ ولا هي محفورة في ذاكرة أحد وليستْ نشيداً روحياً لقارئ أراد أن ينتشي بنصٍ أدبي، وصولا إلى عالم افتراضي في عقلهِ أو ضمن وعاء الحاجة إلى تفسيره.
{ هل في كلامك هذا أيُّ انتقاصٍ من الرواية كفنٍّ قادرٍ على التواصل مع الناس ؟
كلا، أبداً، ليس في كلامي هذا أيّ انتقاصٍ من فن الرواية الذي أمارسهُ أنا شخصيا بشكل متوازٍ مع كتابتي للقصة القصيرة، وإنما فُرَصُ النهوض من الكبوة أو فُرَصُ الحياة في النص تكون متعددة. فالفصل الذي لا يستطيع على نحو قوي أن يطفر بالسرد إلى أمام ربما تكاتف معه فصل آخر وآخر في استجلاء الشخصية والفضاء وإنقاذ الحكاية. ولكن ذلك أيضا ليس متاحا لأيٍّ كان كما أنه ليس أمرا سائبا، وإنما يتصل برحابة عناصر بناء الرواية فقط.
{ بالعودة إلى المنفى والاغتراب، إن سمحتَ لي لأسألك: هل لوجودك في لندن تحديداً، أيّ أثرٍ يُذكرُ على تجربتك الأدبية عامةً، والقصصية خاصةً؟
بصراحة، أعتقد إن تجربة العيش في لندن، إن لم تظهر في أعمالي القصصية، فإن ذلك سيشكل نقصاً في تجربتي الأدبية. أما عن تجربة الكتابة عامة فقد وجدت إن الأعمال التي تترجم إلى لغات أخرى سواء أكانت دراسات أم إبداعات إنما تأخذ آفاقا جديدة وتحفزني للإضافات وتشعرني إن القارئ ليس هو القارئ المحدد ببلدي الذي أنتمي إليه، وإنما القارئ هو بمثابة هاجس عالمي قد أصادفه في باريس أو لندن أو روما، ولاسيما أن بعض هذه اللغات قد أخذت أعمالي طريقها إلى الترجمة إليها كما حصل مع روايتي المعنونة (عندما يسخن ظهر الحوت) إذ تمت ترجمتها إلى اللغات الايطالية والاسبانية والانكليزية. وكذلك سوف تظهر قصص كتابي الجديد «عين لندن» باللغة الانكليزية خلال الأيام القليلة القادمة. ولا يفوتني هنا أن أذكر في هذا المجال إن آخر ما ترجم لي إلى اللغة الانكليزية قد صدر قبل أسابيع في كتاب تحت عنوان «نكسة القرن» ويمكن للقارئ أن يجدهُ على عنوان ناشره كالتالي: http://setback-century.com/.
فاتح عبد السلام في سطور:
روائي وقاص عراقي يقيم في لندن. سبق له وأن عمل في العراق أستاذاً مشاركاً ويحمل شهادة الدكتوراه في الأدب العربي. متفرّغ للعمل الصحافي حيث يعمل رئيساً لتحرير صحيفة (الزمان) اليوميّة.
من أعماله الروائية:
1- حي لذكريات الطيور ، بغداد 1986.
2- عندما يسخن ظهر الحوت، بغداد 1993 - بيروت 1998 مترجمة إلى الانكليزية 2003 ، دار هات أوف، الولايات المتحدة. ومترجمة إلى الاسبانية 2005 دار دون كيشوت، مدريد.
3- اكتشاف زقورة، بيروت 2000.
من أعماله القصصية:
1- آخر الليل أول النهار، 1982، العراق.
2- الشيخ نيوتن وأبناء عمومته 1986، العراق. 3
3- فحل التوت 1993 ، الأردن.
4- حليب الثيران 1999، لبنان.
5- عين لندن2011، لبنان.
من كتبه الفكرية والنقدية:
1- ترييف السرد- نقد، بيروت 2001.
2- الحوار القصصي وعلاقاته السردية- نقد، بيروت 2001.
3- الفكر مهنة، بيروت 2004.
4- العقل المختل، بيروت 2010
5- نكسة القرن (بالانكليزية)، الولايات المتحدة 2011.
رسائل جامعية:
دُرست أعماله الروائية في عدد من الجامعات العراقية وهناك رسالة دكتوراه بالانكليزية تناولت تحليل الفعل والزمن في أعماله ل: محسن الذهبي كلية الآداب (الموصل) 199. ورسالتان للماجستير: الأولى (الشخصية في رواية عندما يسخن ظهر الحوت) كلية التربية بجامعة الموصل بالعراق، أيار 2010. والثانية (المكان في روايات فاتح عبد السلام) كلية الآداب جامعة الموصل بالعراق، كانون الثاني (يناير) 2011.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.