ليلة السطو على الشركة كان الجو ماطرا و الساعة تشير إلى الخامسة من صباح يوم سادس مارس المنصرم، عندما حل بمقر الديمومة بمنطقة بني مكادة المسمى عبد العالي.س ، صاحب شركة للحراسة، لتقديم بلاغ بخصوص عملية سطو تعرضت لها شركة»ساتيا» للملابس من طرف عصابة مكونة من ثلاثة أفراد، لتنتقل على الفور دورية المداومة إلى مقر الشركة، وبعد المعاينات الأولية بحضور عناصر مسرح الجريمة، تبين أن حارسي الشركة (رشيد.م) و(محمد.أ) تم مباغثتهما من طرف الجناة وتم تكبيلهما واحتجازهما داخل أحد الغرف، كما تمت معاينة أبواب ثلاثة مكاتب مكسرة، كما أن الخزنة الحديدية الموجودة بمكتب مدير الشركة قد تعرضت بدورها للكسر، وتم الاستيلاء على 160 مليون سنتيم، ولإخفاء معالم الجريمة قام أفراد العصابة بإتلاف أجهزة الحاسوب المتصلة بكاميرات المراقبة عن طريق صب سائل عليها. التحريات الميدانية تصل إلى الباب المسدود عناصر مسرح الجريمة وبعد قيامهم بعمليات مسح شاملة وتحريات ميدانية داخل الشركة وبمحيطها لم تتوصل لأي خيوط قد تقود إلى التعرف إلى الجناة، وبعد الاستماع إلى الحارسين صرح الأول أنه بينما كان يمارس عمله الاعتيادي كحارس ليلي للشركة رفقة زميله، الذي كان يتواجد بالزاوية الخلفية، حتى فوجئ بمجموعة من الأشخاص، مدججين بالأسلحة البيضاء، تهاجمه وتمكنوا من شل حركته و اقتياده داخل غرفة الحراسة بالشركة بعد أن كبلوا يديه، ثم سرعان ما اقتادوا زميله بنفس الطريقة أيضا، حيث بقي عنصر من العصابة يحرسهما في حين تكلف العنصرين الآخرين من تنفيذ عملية السرقة. وبسؤال مدير الشركة (خليل.ك) حول دواعي ترك كل هاته الأموال داخل خزنة الشركة، أفاد للمحققين أن المبلغ كان مخصصا لأداء أجور العمال في اليوم السابق للسرقة، لكن اجتماعا طارئا لمسؤولي الشركة حال دون ذلك، وأدلى بما يفيد أنه تسلم ذات المبلغ من شركة «برينكس» لنقل الأموال. التحقيقات انصبت أيضا على مراجعة بعض الأشرطة التي سجلتها كاميرات المراقبة والتي لم يطلها التلف، حيث تبين من خلال مشاهدتها أن عدد الجناة هو ثلاثة، وأنهم كانوا ملثمين ومزودين بمعدات و يرتدون القفازات، وأنهم تمكنوا من السيطرة على الحارسين في وقت وجيز وتم تكليف أحد الفاعلين بحراستهما، بينما الآخران انسلا إلى مكاتب الشركة لتنفيذ المخطط. عند عرض هاته الأشرطة على مدير الشركة والحارسين وبعض العمال، انصبت شكوكهم على أحد الأشخاص يدعى (العربي.ز) الذي سبق له أن اشتغل حارسا بذات الشركة، مثلما اتهموا (محمد.أ) بالتخطيط للعملية اعتبارا لكونه كان يشغل مديرا للموارد البشرية وتم فصله عن العمل، وكان الدافع وراء هاته الاتهامات كونهما يعرفان خبايا الشركة وأدق تفاصيلها. فرح المحققون بما توصوا إليه من معلومات لاعتقادهم أنهم قد امسكوا بالخيط الذي سيقودهم لحل لغز هاته الجريمة، وبعد تحريات سريعة تم الاهتداء إلى وجودهما بمدينة القنيطرة، حيث حلت عناصر المصلحة الولائية للشرطة القضائية بطنجة إلى هناك، لكن بعد التحقيق مع الطرفين كل على حدة والاستماع إلى الشهود والتحري بشأن برنامجها ليلة وقوع الجريمة تأكد للمحققين أن المعنيين بالأمر لا علاقة لهما بالعملية. الاستنجاد بوسائل تقنية متطورة لفك طلاسيم الجريمة هاته التطورات أدخلت القضية إلى نفق مسدود، ليقرر المحققون اتباع مسارات أخرى في تحرياتهم من خلال إعادة تفحص الأشرطة المسجلة، حيث أثارهم أن أحد أفراد العصابة الذي تكلف بمراقبة الحارسين المحتجزين كان دائم الاتصال من خلال هاتفه طيلة المدة التي استغرقتها عملية السطو، وكان تخمين المحققين أنه كان على اتصال بشريكيه، يتابع معهم تطور الأوضاع، هاته الجزئية كانت الخيط الوحيد المتاح أمام المحققين، الأمر الذي استدعى تدخل فرقة مركزية مختصة حلت بعين المكان، وبفضل استعمال تقنيات معقدة ومتطورة، تم الاهتداء إلى رقم الهاتف الذي كان يستعمله أحد أفراد العصابة. وعند اتصال أحد المحققين، دون أن يفصح عن هويته، بذلك الرقم الهاتفي تبين أنه في ملكية سيدة من مدينة مكناس تدعى (فتيحة.أ)، وأنها لم سبق لها أن زارت مدينة طنجة، ومن خلال استدراجها في الكلام صرحت أن شخصا يسمى (حميد.ب) يقطن هو الآخر بمدينة مكناس، سبق له أن استولى على شريحة هاتفها النقال وسافر إلى مدينة طنجة قبل أن تسترجع شريحة هاتفها بعد ذلك. هاته المعلومات كانت كافية لأن تدفع عناصر الشرطة القضائية إلى المسارعة بالانتقال لمدينة مكناس، وكانت الخطوة الأولى عقد لقاء، بتنسيق مع عناصر المصلحة الولائية للشرطة القضائية لمكناس، بالمسماة (فتيحة.أ)، التي أفادت المحققين بكون المعني بالأمر، الذي تبين أنه كان على علاقة غرامية بها، مباشرة بعد عودته من طنجة ظهرت عليه علامات الثراء وهو الذي كان يعيش أوضاعا مادية صعبة. حينها تأكد للمحققين أنهم اقتربوا كثيرا من وضع يدهم على صيد ثمين، فأقنعوها بضرورة ربط الاتصال به واستدراجه للقدوم إليها، وبعد أخذ جميع الاحتياطات للحيلولة دون إفلات المعني، حضر(حميد.ب)، بعد ساعتين من الانتظار، أتى إلى المكان الذي اعتادا أن يلتقيا فيه ممتطيا سيارة من «سانغ يونغ» ذات الدفع الرباعي ليتم توقيفه في الحال. تفاصيل عملية السطو على مقر الشركة عند إخضاعه للبحث الأولي أنكر المنسوب إليه، لكن بعد مواجهته بالمعطيات التقنية والعلمية لم يستطع الصمود، ولم يجد بدا من الإقرار بحقيقة الأمر والاعتراف بكونه أحد أفراد العصابة المنفذة لعملية السطو. وبسؤال الموقوف عن ملابسات العملية، أقر أنه من مواليد 1979 بعين تاوجطات، عاطل عن العمل، وسبق له أن أدين سابقا في عملية سرقة، وأنه يعرف المسمى (نوفل) بحكم انحداره من نفس المنطقة، وبعد أن توطدت علاقتهما معا، وبحكم أن الأخير يشتغل بمدينة طنجة، أخبره بكونه يستطيع أن يتدبر له عملا بذات المدينة، وفعلا اتصل به في أوائل شهر مارس طالبا منه القدوم إلى طنجة مخبرا إياه أنه عثر له على شغل هناك، فسارع (حميد.ب) إلى السفر على متن حافلة للنقل العمومي، حيث وجد زميله في انتظاره بالمحطة الطرقية لطنجة برفقة شخص ثالث قدمه له بكونه يدعى(يوسف)، حيث انتقل الجميع إلى منزل (نوفل) بأحد الأحياء الشعبية، وفي صبيحة اليوم الموالي أخبره هذا الأخير بأنهم قرروا السطو على شركة للملابس سبق له أن اشتغل بها حارسا، وأنه يعرف جميع أركانها، بل أكثر من ذلك فإنه يتوفر على نسخة ثانية من مفاتيح الشركة، سبق له أن حصل عليها من مدير الشركة في غفلة من الجميع، وبالتالي فجميع الاحتياطات قد تم اتخاذها وأن العملية مضمونة النجاح... وبالفعل قاموا في ذات اليوم بجولة تفقدية لمحيط الشركة، ليتم الاتفاق على تنفيذ العملية بعد منتصف الليل، وعند وصولهم قاموا بمباغتة الحارسين الواحد تلو الآخر ليتم تكبيلهما، حيث تكلف (يوسف) بمراقبة الحارسين، في حين تكلف (حميد.ب) ونوفل بتنفيذ عملية السرقة، حيث دلفا إلى مقر إدارة الشركة وبعد اقتحامهما لثلاث مكاتب تم العثور على الصندوق الحديدي للشركة، وشرعا في عملية تفكيك أقفاله، لكن استعصى عليهما ذلك، ليقررا في النهاية كسر أقفاله بالقوة باستعمال المعدات التي أحضراها لهاته الغاية، حيث تطلبت عملية الكسر حوالي ساعتين، كللت بالنجاح وتم فتح الصندوق الذي وجدوا به مبلغا ضخما من المال، قاموا بتعبئته في كيسين، لينصرفوا جميعا بكل هدوء، وغادروا مقر الشركة راجلين، وبعد تجاوزهم للعديد من الأزقة والشوارع، عثروا على سيارة أجرة طلبوا من سائقها أن يقلهم إلى محطة القطار، حيث كان ذلك مجرد تمويه منهم، لكن ما إن دخلوا المحطة حتى غادروها من الباب الخلفي، وهناك استقلوا سيارة أجرة ثانية نحو منزل (نوفل) الذي عمل على توزيع الغنيمة بينهم، ليسافر (حميد.ب) في اليوم الموالي إلى الدارالبيضاء ثم مكناس، فرحا بغنيمته، التي أسعفته في شراء سيارته ذات الدفع الرباعي ب 23 مليون سنتيم، واقتناء بعض التجهيزات الإلكترونية، فيما صرف الباقي على الأكل والشراب والسمر للتعويض عن حالة الحرمان التي عاشها لسنوات. بعد الإيقاع بهذا الصيد الثمين، كان على المحققين مواصلة تحرياتهم لإيقاف شريكيه استناد إلى تصريحات الموقوف، وبالاعتماد أيضا على تحليل المكالمات الصادرة من هاتفه والواردة عليه. المعلومة التي صرح بها (حميد.ب) عن (نوفل) بكونه سبق له أن اشتغل حارسا بالشركة التي تم السطو عليها، كانت الخيط الذي أوصل المحققين إلى هويته في ظرف قياسي بعد مراجعة العديد من شركات الحراسة وبالاعتماد على الأوصاف التي زودهم بها(حميد.ب)، ليتأكد لهم أن المطلوب يسمى (نوفل.ص)، ينحدر أيضا من مدينة تاوجطات، كما تم الوصول إلى عنوانه بطنجة، وعلى الرغم من عدة محاولات للترصد بالمبحوث عنه بكل من تاوجطات، مكناسوطنجة، فإنه تعذر الوصول إليه، ليتقرر تحرير برقية بحث في حقه على الصعيد الوطني، حيث لازال في حالة فرار... الأخت التي أقنعت شقيقها بتسليم نفسه بالموازاة مع ذلك واصل المحققون تحرياتهم في محاولة للوصول إلى الشريك الثالث في عملية السطو، حيث تم وضع خطة عمل تحت إشراف النيابة العامة، تم فيها الاستناد أساسا إلى القسم المختص بمديرية الشرطة القضائية، الذي قام بحصر جميع المكالمات الواردة على هواتف الجناة قبل وأثناء عملية السطو. وبعد عمليات تحقيق مع أصحاب الهواتف التي اتصلت بأفراد العصابة، تم الاهتداء للعنصر الثالث المسمى (يوسف.م) والتعرف على هويته، فهو من مواليد 1968، عازب، بدون مهنة وله عدة سوابق جنائية في مجال السرقات الموصوفة. كما تم الوصول إلى عنوان منزل أسرته بمكناس، لكن وعلى الرغم من ضرب حراسة مشددة على كل الأماكن التي اعتاد المبحوث عنه ارتيادها، فإنها لم تفض إلى توقيفه، وبعد تفتيش شقة أخته وجدته بمكناس تم حجز سترة جلدية وقبعة رياضية تبين من خلال أشرطة الفيديو الموثقة لعملية السطو، أن المبحوث عنه كان يرتديهما بمسرح الجريمة، وأثناء تكثيف عمليات البحث والتحري وتضييق الخناق عليه، توصلت شقيقته (فاطمة.م) بمكالمة منه، وبعد أن أخبرته بأن رجال الشرطة يعرفون كافة تفاصيل العملية وأن لا فائدة من الفرار أقنعته بتسليم نفسه، وهو ما قام به في النهاية حيث حضر إلى مقر ولاية أمن مكناس، وهناك تسلمته مصالح الشرطة القضائية بطنجة من أجل استكمال التحقيق معه، حيث جاءت تصريحاته التلقائية والعفوية مطابقة تماما لما يتوفر عليه المحققون من معطيات من خلال الأبحاث التي تمت مباشرتها في النازلة، ومطابقة أيضا لما تمت مشاهدته على شريط الفيديو الموثق للجريمة. وبذلك تنفس المحققون الصعداء بعد ثلاثة أشهر مضنية من البحث والتحري، واستعمال تقنيات متطورة في تفكيك لغز هاته الجريمة والإيقاع بمرتكبيها، ليتقرر إحالة الموقوفين على الوكيل العام للملك باستئنافية طنجة من أجل تعميق التحقيق معهما فيما نسب إليهما من جرائم تكوين عصابة إجرامية، السرقة الموصوفة بجناية تعدد الجناة والتسلق والكسر وحيازة واستعمال السلاح الأبيض، واستعمال مفاتيح مزورة مع حالة العود، والاحتجاز والضرب والجرح العمديين بواسطة السلاح الأبيض، فيما لازال العنصر الثالث مطاردا من طرف العدالة.