1 نحن، أقصد المغاربةَ، من الذين صَنَعُوا الجزائرَ إنْ لم نكن من أبرز من صَنَعُوها قبل الاستقلال وبَعْدهُ إلى أن قامتْ »الجمهورية الاشتراكية الديمقراطية الشعبية« التي لم تعدْ لا اشتراكية ولا ديمقراطية ولا شعبية في شيء يذكر أبداً بالنسبة إلى ما هي عليه من واقع ينفي عنها هذه الصفات النبيلة، كما يُفترض جُملةً وتفصيلاً، بل لم تعد هذه الجزائر الغارقة في كلّ مستنقعاتِ القهر والتسلّط والاستبداد، لم تعدْ حتى جمهورية بالمعنى السياسي الحضاري الشفافة الجزائر، كما هي الآن، مجرّد تجمّع مافيوزي تقليدي عنيد يُسَخّرُ، على مستوى الدولة والحكم والسلطة والسياسة الداخلية والخارجية، أوليغارشية متضامنة ضد اختيارات وخيارات الشعب الجزائر يكوّنها الجيش وعائلات منها عائلة الرئيس المقعد الفاسدة. 2 »صنعنا« الجزائر الحديثة، اللّهم لا فخر ولا تبجّح ولا ادعاء، مادياً ومعنوياً، ومنحنا الجزائر، خلال مراحل حرب التحرير، المال والذّخيرة والعتاد والطعام وآوينا المجاهدين، كما قدمنا الدعم السياسي والإعلامي والحزبي والاجتماعي، والأكيد أن غير قليل من المغاربة استشهدوا في هذه الحروب، كما يعلم ذلك الأحرار من الجزائريين ممن يعرفون شهامة ونبل وإيثار المغاربة، ولعلّ هذا مما يشكّل عقدة طغمة الحكم الشمولي في الجزائر المعاصرة التي تعتصر دم الجزائريين تحت رحمة الطاغوت الحالي بأشكال مختلفةٍ من القمع والتجويع ومصادرة الحريات وحقوق الإنسان وتهميش المفكرين والباحثين والمثقفين والمبدعين والأطر النزيهة والكفاءات الوطنية الصادقة ومحاصرة الإعلاميين وتكريس بطالة الشباب وإقصاء النساء ونهب خيرات البلاد. 3 الوضع في جزائر اليوم وضعٌ مترهل مشلول، الدّولة منعدمة بالمعنى البنيوي الوظيفي لصالح الإنسان والمجتمع، الحكومات المتسلسلة، خاصة في عهد الرئيس الحالي، عبارة عن رسوم متحركة بالأبيض والأسود أو شخوص في فيلم رُعب أو من طينة (أقطار)، حكومات شكلية ينخرها الفساد الاداري، ولم يعد للجزائر، في ظل حكمها وحكوماتها، منذ عقود، موقعٌ ما في السياسة العربية والافريقية والدولية. الجزائر فقدت وَهَجَها المنتَحل الذي كانت عليه في معسكرات آلت إلى زوال في دول عدم الانحياز، في جامعة الدول العربية، في منظمة الوحدة الافريقية. 4 الجزائر الآن خارج التاريخ، تعيش في عصر حجري لا حدّ له. الجزائر الآن لاشيء، غْيان دُوغْيان، ولم يبق لها سوى توْأمُها السياسي في غيتو تندوف، توأم وُلد ميتاً ويتحلّل على مدار الزّمن، وعلى العالم الحرّ أن يدرك هذا ويعمل على تقويمه لما أصبحت الجزائر تشكّله من خطر، في ظلّ حكمها، على نفسها وعلى شعبها بدليل أن ما تطبقه في علاقتها الفرويدية مع توأمها السياسي السيامي هو ما تفرضه أيضاً على الجزائريين في الداخل، فقد تحولت الجزائر على مدى ولايات رئيسها المقعد إلى غيتُو كبير أكبر من غيتو تندوف، حيث تعزل وتعتقل، مع توأمها السيامي مغاربة على مرأى ومسمع من الرأي العام الدّولي، أما نحن المغاربة، كافة المغاربة، فنحنُ ماضون في مسيراتنا المختلفة في أقاليمنا المسترجعة وفي سائر أرجاء المغرب الحر والديمقراطي، لكن: من سيحرّر الجزائر من ربقة طغمة العسكر والأوليغارشية والشمولية؟ الجزائر ستحررها نخبها المتنورة. الجزائر سيحرّرها وطنيوها الأحرار، الأبرار، المخلصون. الجزائر سيحررها شبابُها من النساء والرجال. الجزائر سيحرّرها مفكروها ومبدعوها وإعلاميوها. الجزائر ستحررها أحزابها الوطنية الديمقراطية لإيقاف النزيف وتزييف الحقائق على حساب خرائط وهمية بعقلية (نيرون) وحقد (هولاكو) ووحشية (أتيلا) وبمنطق متربص بالمغرب وبمشاريعه التنموية وتراكماته الحضارية التي يصونها ويدافع عنها المغاربة وقد تمكنوا، بفعل تضحياتهم ووطنيتهم، من تحويل مناطقنا المسْترجعة إلى جنّة، ولن يتم النصر الهادىء إلاّ بتحرير وعودة أسرانا ومحتجزينا في (تندوف) الذين تتاجر بهم الجزائر وتوأمها السيامي. حكام الجزائر لا رؤية لهم ولا موطىء قدم في العالم الذي تنسحب منه على الدوام بفعل البدائية والفطرية اللتين تطبعان سلوكهم، والخاسر في كل هذا هو الشعب الجزائري الشقيق الذي يكتوي بنيران البغي والطغيان والاستبداد عوض معركة النماء والتنمية والمعرفة وبناء الدولة على أسس ديمقراطية حداثية، وهذا ما يخشاه النظام السياسي الجزائري المترهل الذي أصبح رهينة جنرالاته. تاريخ الجزائر تاريخ مشرق في معجم نضاله الوطني للتحرر والتحرير من ربقة الاستعمار، أما بعد ذلك، فهو تاريخ مشوب وموشوم بالتراجيديا والدسائس بفعل تنمّر العسكر: رئيس أول سجنوه، رئيس آخر حاصرته موجات الارتباك، رئيس ثالث ألقي به في أتون المكر والهيجان ثم طلب على أسوار الفراغ السياسي، رئيس رابع استقدموه ثم قتلوه غليلةً، وها هو رئيس مُقعد يستغفل الجميع وكأنه في سيرك يقوم فيه بكل دور واستعراض وتهريج ورقص على الحبال ليظل رئيساً إلى الأبد. 7 نحن المغاربة ساهمنا في صُنع الجزائر الحديثة، أما الجزائر المعاصرة فهي شأن الجزائريين، لأننا لا نتدخل إلا بالخير، وخيرنا أسبق كما يقال، لكننا، عندما يتعلق بالمغرب وطننا، فذلك مما يجعلنا نذكر بقولة الشاعر »وظلم ذوي القربى..«. المغرب بلد حيّ، يبني، يخطط بتؤدة وإصرار، المغرب متشبث بوحدته الترابية وبمقدساته وبقسم وروح المسيرة الخضراء، المغرب هو المغرب، ولن تنال منه المؤامرات والصفقات ومناورات التوأمين السياميين.