»الخبطُ: الضّربُ. يقال: خبط البعيرُ الأرضَ إذا ضربها برجله. والعشى: سوء البصر باللّيل. عَشِيَ، يعشى، وعشى أيضاً عشى فهو أعشى وهي عشواء. والعشواءُ، في المَثلِ، الناقة الضّعيفة البصَر والتي لا تبصرُ أمامها. وهي تضربُ وتخبط بيديها كلّ شيء. ويقالُ: خبط فلانٌ هذا الأمرَ خبط عشواء، وذلك إذا دخل فيه بغير بصيرة، وهو ظاهر. الحسن اليوسي، زهر الأكم في الأمثال والحكم، ج: 2. ص 1986/185، دار الثقافة، البيضاء، 1981 يتعلق الأمرُ بشرح »خبط خبط عشواء، غير أنه من باب التدبّر والتأمل، يمكن أن يُوسَّعَ حتى لا يقفَ من يعنيه الأمرُ عند حافّة مُعْجَم ما يردُ، هنا أو هناك، من كلام عن جنس البهائم والحيوان لمقارنته بالإنسان من باب الرّمز، كما في »كليلة ودمنة«، أو »الأسد والغواص«، لحكمة ما أو عبرة وموعظة تقديراً واحتساباً لملكةِ العقلِ، وقد يفيد أيضاً، من باب غير الرمز المستفاد، في فهم من يحطّ من قيمة بني آدم، وهذا بيّن، جليّ واضح، في الشرح المنصوص عليه أعلاه. فالبعير والناقة »لا تبصرُ« وتضرب بيديها«، ثم إذن هذا »البني آدم« يخبط، مثل البعير والناقة، عندما يتصرّف بغير ما هو لائق إلى حد الخروج عن الموضوع أو التصرّف فيه بما يكشفُ عنه من عدم معرفة وقلةِ خبرةٍ أو حشدٍ ومصادرة وتغليط، وهذا ما تعنيه البصيرة، أي »العقلُ« و »الفِطنة«، كما هي التجربة أو الخبرة وكذلك، أحياناً، الكياسةُ، إن لم يكن »الصّدق«، عندما يتعلق الأمر بالفِراسة وتَمثّل هذا الموضوع أو ذاك من موضوعات الفكر والسياسة والادارة وإشاعة العِمارة والعُمران، أما »الدخول في«، فلن نجد أفضل مما يروج في اللغة والكلام الشعبيين عندما نعدّد عبارات »دخل/ يدخل فيه« بحسب سياقات التعبير في الإخبار والسبّ والشتائم، مع وجود تفاريق بين هذا وذاك بحسب المجاز والاستعارة. ما يهمّ، في كل هذا ومن خلاله، ليس المعاني ولا الدلالات المباشرة، بل ما يعنيه الخبط من ضراوة ولامبالاة في تقدير ما يعرض للنّاس ويتعرضون له من عصْف في شؤون دنياهم، وقد أمسوا يُسامون بالجهل والغباء وانتفاء الأهلية في فهم ما يجري وكأن الفهمَ مقصورٌ على من وجد الطريق معبّداً لفرض الرأي والقرار بلا تعاقد وجيهٍ يوضّح ما أصبح يُسمّيه الكلّ، غلاةٌ من هنا، مؤلفة قلوبهم من هناك، »خارطة طريق« تضمنُ عبوراً سالماً في الإمكان بأقلّ تكلفةٍ إلى شاطىء ما لنجاةٍ ما, من قاصمة ظهرٍ ما، وقد تحفظ ماء الوجه لمن يعتريهم طُراً خبل الفوز بالغنيمة في بورصة ما يلقى به من أوراق في صناديق كانت، إلى وقت قريب، محرّمة بدعوى أنها اصطناع من لا يوافقوننا في كل أمر ثم استمالوا، فجأة، قُدوة لنا في ما نملكه ولا نملكه. ألا يكون الاعترافُ بالفشل، والحالة، كما هي عليه، أهونُ الشرور؟ الفشل عَيْبٌ، لكنه ليس »خطيئة« ولنا في تاريخ من كانوا لا يوافقوننا، قبل خبل الفوز، أمثلة كثيرة، والأهم ألا يتحوّل الفشل إلى ما يشبه التهتك السياسي أو تهلكة غير منتظرة، لكنها مقتسمة، بينما القضية ليست قضية فلان أو علان رغم ما يجود به اللسان، بل قضية »ذوق« و »اختيار«، عندما يقترن الذوق بالسّماجة ويتحول الاختيار إلى شرط جازم يتهاوى صرحُ التعاقد، كما يفهم في أصوله مما اصطلح عليه من قبل الذين فكروا في مدينة الدولة والحكومة والمؤسسات والمرافق العمومية وأشكال الممارسات، مما يعني والعُهدة على الجميع في هذا المضمار، أن التعاقد ليس صَكّاً ولا شيكاً على بياض ولا مطرقة بيد القاضي ولا عصى أو شبكة أو ملزمة. التعاقد ممارسة مشتركة وفق خطة مدروسة بإحكام، برنامجها العامّ مرتهنٌ بالتجربة والمعرفة والخبرة والحنكة والدراسة والفعالية، أما البرنامج الخاص فمدادُه التخطيط المحصّن بالالتزام والإلزام. التعاقد كذلك »ثقافة« يغذيها الحوار ويحميها الدستور، بكل فصوله وأبوابه المتفرقة وما الأفراد والجماعات إلا أجناد لخدمة الصالح العام وإنجاز المشروع الداعي إلى النهوض والتطور والتقدم، إنما على قدرٍ من الوعي بالمسؤولية ونكران الذات والحسم واتساع الأفق والرؤية النافعة لجميع من تسدي عليه صفة المواطنة في حدود المطلوب من الغايات النبيلة لا الرغبات المكبوتة وحدها. الغايات مُلزمة، أما الرغبات فلا حدّ لها، وتختلف من فرد إلى فرد، ومن جماعة إلى جماعة، وغاياتنا، في مغرب اليوم ومغرب المستقبل، هي غاياتٌ موكولة إلى الوازع الوطني أولاً، في بسط وتكريس الديمقراطية وفي الدفاع عن الحداثة، وفي حماية الوطن من شرور التمزق والفوضى والجهل والظلم والفساد والتشدد والتطرف وإرهاب الرأي والفعل والقول، وفي النهوض، علمياً ومعرفياً وثقافياً، بما هو مطلوب في التعليم والتشغيل والرعاية الصحية والتكوين والإبداع. من ثم: لا يمكن لأي كان أن يزدري الآخر أو أن يجهر بهاته الرغبة أو تلك لمجرّد الرغبة المنفلتة من عقال الحكمة، في السلوك والممارسة، تحت غطاء الحرية من أجل الحرية وكفى، لأن الحرية أيضاً، كما هي الديمقراطية والحداثة والسياسة، تعاقدٌ، إن لم تكن التعاقد الأسمى تحت سقف المواطنة. كم يلزم من الوقت لإدراك هذا، كل هذا؟ ليس الوقت وحدهُ هو المعوّل عليه في هذا المسار والمآل، وإن كان الوعي بالزمن هو الأثافي كلها، وما يلزم هو كيفية »إدارة« الزمن، هو كيفية »اقتصاد« الوقت، كما يقتصدُ المالُ والماء، وهذا يحتاج إلى نبذ قناعة الفرقة والخلاف لأجل الخلاف في أمور لا تحتاج إلى إعلان سلطة خطاب الحمل والذئب طرف النّهر، فالزمن عدو الجميع وما يصبّ في النهر معرّض للجدب والجفاف، ما لم يكن في الحساب أمرُ العناية بأهم بوصلة للإبحار في أي مشروع أو مخطط، أي المعرفة وتنوير العقول وتحرير الأبدان من عقلية الجُرم والمراقبة والوِصاية. الوقت ابن الزمن بأيامه وشهوره وسنواته وعقوده. إنّه هندسة وفيزياء ورياضيات، وما سوى ذلك، فهو مجّرد تنكّر وإنكار لما هي عليه هوية الكائن في الزمن والمكان تترصّده الأخطاء بدون حساب، عندما يحول نفسه إلى رهينة غوايته وغُلوائه غير عابىء بما مضى وبما يحدث وما سيأتي، على الأرض، بين كماشة الزمن: أليس الزمن سيفاً إن...؟