فاجأتني الحملة التي أطلقتها الحكومة من خلال الوزارة الوصية على قطاع الصيد البحري ببلادنا تحت شعار «الحوت للصحة مصلحة .. حوت بلادي من خير بلادي»، تدعو فيها الحكومة المغاربة وتحثهم على تناول الأسماك وتبين لهم من خلالها المزايا الغذائية للسمك .. فكأنني بالمغاربة يمتنعون طوعا عن استهلاك السمك أوالحوت بحسب الوصلة الاشهارية؛ وكأن المغاربة لايعرفون فوائد استهلاك السمك؛ أو أنهم يتحاشون زيارة أروقة بيع الأسماك في الأسواق ترفعا عن منتوج الواجهتين البحريتين للوطن. هنا أجدني أتساءل مرة أخرى مادام التساؤل ليس بجرم يعاقب عليه الفرد؛ حيث يحق لنا أن نستفسر عن سبب حرمان المواطنين من التلذذ بطعم السمك بأسعار معقولة. يحق لنا معرفة سبب غياب الأسماك، بمختلف أنواعها ، عن موائد شريحة كبيرة من المواطنين والذين لا يعرفون من السمك أو الحوت كما نسميه بالعامية المغربية، إلا السردين، الكابيلا، الشرن ، السمطة، ويسمعون عن سمك يسمى الصول، الميرلان والكروفيت وآخر يسمى لالوت، لاترويت، يرونه معروضا للبيع أمامهم لكنهم لايتجرؤون على الاقتراب منه خوفا من لهيب يحرق جيوبهم ويأتي على كل مصروف الأسبوع. ومَن مِن المغاربة يعرف أنواع الأسماك الممنوع عليهم تناولها لغلاء سعرها من أمثال: العنفوز، شماهي، عوم، نقرور، صبور، خباط، لسان ثور، الباراكودا، سمك موسى، جاندوفلي... وهي أسماك لاتجد طريقها إلى الأسواق المغربية بالمرة. هناك العديد من المنتوجات البحرية والتي تزخر بها شواطئنا من أسماك ورخويات وصدفيات والقشريات والأسماك الطائرة ، إلا أن جل المغاربة لا يعرفون إلا أقل من عشرة أصناف من السمك؛ و السبب الحقيقي لارتفاع أسعار السمك بأكثر من عشرة أضعاف السعر الأصلي عند البحارة يعود إلى تواطؤات جهات تغتني على حساب المواطنين والبحارة المهنيين على حد سواء. أليس من المفارقة أن نتوفر على شريط ساحلي يمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الأطلسي جنوبا ونعتبر تواجد السمك فوق موائدنا نوعا من رغد العيش؟ أليس من المؤسف أن تلتهب أسعار الحوت طوال السنة وبمستويات قياسية خلال شهر رمضان من كل سنة لتزايد الطلب عليه؟ إنهم أثرياء البحر الذين عاثوا فسادا في البحر ولم يتركوا للبحارة البسطاء إلا الفتات مما تخلفه شباكهم من أسماك، إنهم أباطرة المصايد الذين لم يتركوا للمواطنين فرصة للتلذذ بطعم أسماك تسبح في مياهنا الإقليمية وليس لنا الحق في التلذذ بطعمها، بل حتى تلك الأسماك التي تفضلوا ، جازاهم الله عنا خيرا ، وطرحوها في الأسواق بأسعار غير معقولة، فإنها أحيانا تكون فاسدة ولا أدل على ذلك الأخبار الواردة من هذه المدينة الساحلية أو تلك ؛ فجميعنا يتذكر عندما حجزت لجنة المراقبة التابعة لولاية أكادير أزيد من خمسة أطنان من السمك من مختلف الأنواع غير صالحة للاستهلاك؛ وقبلها حجزت السلطات المختصة بمدينة الدارالبيضاء أطنانا من السمك كانوا يستعدون لعرضها على المستهلك. ترى، كم من الأطنان من مثل هذه الأسماك الفاسدة وجدت طريقها إلى المستهلك ولم ترقبها عين الرقيب؟ الأكيد أن ماتم الإعلان عن حجزه لحد الآن ليس إلا النزر القليل مما يمكن أن يكون قد تسرب خلسة إلى مطابخ الأسر المغربية. والآن يطلقون لنا حملة إعلامية تحسيسية للمواطنين لأجل حثهم على استهلاك السمك؛ ألم يكن من الواجب إطلاق حملة لأجل توفير السمك بمختلف أنواعه للمواطنين بسعر معقول؟ أعتقد أن المغاربة بفطنتهم يدركون جيدا أن هذه الحملة تخفي من ورائها ماتخفيه من تفاصيل صفقة من يدري قد تفوح منها رائحة سمك فاسد لتبرير مصاريف أو لمحاباة شخص أو جهة ما ! من يدري، فقد تظهر عما قريب الأسباب الحقيقية لدعوة الحكومة المغاربة الى تناول السمك...