الشباب وصناعة القرار: لقاء رمضاني لحزب التجمع الوطني للأحرار بأكادير    شراكة استراتيجية تحول جهة طنجة تطوان الحسيمة إلى مركز استثماري أخضر عالمي    تحسن المخزون المائي بسدود حوض سبو بفضل التساقطات الأخيرة وارتفاع نسبة الملء إلى 44%    الشيخ أبو إسحاق الحويني يرحل إلى دار البقاء    الملك يهنئ الوزير الأول الكندي    المفتش العام للقوات المسلحة الملكية المغربية يزور مقر التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب    رئيس زامبيا يبعث رسالة إلى الملك    إسرائيل تهاجم أهدافا جنوب سوريا    برطال: أهدي الذهب للملك والمغاربة    "الأسود" يستعدون للنيجر وتنزانيا    الاستئناف تؤيد إدانة "ولد الشينوية"    توقف مؤقت لحركة الملاحة بين مينائي طنجة وطريفة    الترجمة و''عُقْدة'' الفرنسية    الكونغرس البيروفي يحث الحكومة على دعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي في صحرائه    مطارات المملكة تلغي التفتيش المزدوج وتكتفي ببوابات مراقبة أتوماتيكية    المغاربة يتصدرون الأجانب المساهمين في الضمان الاجتماعي بإسبانيا    عامل إقليم العرائش يترأس اجتماعا هاما لتتبع مشاريع تنموية حيوية بالإقليم    طرح تذاكر مباراة المغرب والنيجر للبيع عبر منصة إلكترونية    توقيع كتاب الشريف الطريبق " سينما مختلفة " بالعرائش    سعر الذهب يواصل ارتفاعه مع تزايد المخاوف الاقتصادية    مسرحية "مساح": رؤية فنية جديدة بدعم وزارة الشباب والثقافة والتواصل    موانئ الواجهة المتوسطية : ارتفاع بنسبة 9 بالمائة في كمية مفرغات الصيد البحري في فبراير الماضي    ترامب وبوتين يجريان محادثات حول وقف إطلاق النار في أوكرانيا    حقيقة إلغاء وزارة الصحة لصفقات الحراسة والنظافة بالمستشفيات العمومية    هام للتجار.. المديرية العامة للضرائب تدعو الملزمين إلى تقديم التصريح برسم سنة 2024 قبل هذا التاريخ    "الجمعية" تطالب بعقوبات قاسية ضد مغتصبي 14 طفلة في بلدة "كيكو" بإقليم بولمان    المتصرفون التربويون يواصلون نضالهم ضد الحيف والإقصاء والتدليس في لوائح الترقيات    بورصة البيضاء تنهي التداول بأداء إيجابي    بعد تراجع أسعار النفط عالميا.. نقابي يكشف السعر العادل للوقود في المغرب    الألكسو تكرم الشاعر محمد بنيس في اليوم العربي للشعر    تنسيق أمني يبحث مسار نفق قرب سبتة    "طنجة تتألق في ليلة روحانية: ملحمة الأذكار والأسرار في مديح المختار"    "دخلنا التاريخ معًا".. يسار يشكر جمهوره بعد نجاح "لمهيب"    ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمي بعد الهجوم الأمريكي على الحوثيين    الاتحاد السعودي يستهدف عبد الصمد الزلزولي    التوتر الأسري في رمضان: بين الضغوط المادية والإجهاد النفسي…أخصائية تقترح عبر "رسالة 24 "حلولا للتخفيف منه    الرياضة في كورنيش مرقالة خلال رمضان: بين النشاط البدني واللقاءات الاجتماعية    منخفض جوي جديد يرافقه أمطار ورياح قوية في عدة مناطق بالمغرب    الطائرات الصينية تعيد تشكيل ملامح صناعة الطيران: منافسة قوية تنتظر إيرباص وبوينغ    ليبيا.. "الكتب المدرسية" تتسبب في سجن وزير التربية والتعليم    الدبلوماسية الناعمة للفنون والحرف التقليدية المغربية.. بقلم // عبده حقي    البطولة الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة ال 25).. شباب المحمدية ينهزم أمام ضيفه حسنية أكادير (4-0)    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    إسرائيل تجعل دخول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين "شبه مستحيل"    دراسة جديدة تربط بين الطقس الحار وأمراض القلب في أستراليا    إلغاء مباراة مونبلييه وسانت إيتيان في الدوري الفرنسي بسبب الأعمال النارية    شهر رمضان في أجواء البادية المغربية.. على إيقاع شروق الشمس وغروبها    نتانياهو يعتزم إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي    تقرير بريطاني: ثلث الهواتف المسروقة في المملكة المتحدة تُهرب إلى الجزائر    حادثة سير خطيرة قرب طنجة تسفر عن وفاة وإصابات خطيرة    فوز الحسنية و"الجديدي" في البطولة    واقع الأطفال في ألمانيا.. جيل الأزمات يعيش ضغوطات فوق التكيفات    مدرب الوداد موكوينا يتحدث عن إمكانية الرحيل بعد التعادل مع اتحاد طنجة    لا أيمان لمن لا أمانة له ...    الأدوية الأكثر طلبا خلال رمضان المضادة للحموضة و قرحة المعدة!    ارتباك النوم في رمضان يطلق تحذيرات أطباء مغاربة من "مخاطر جمّة"    أبرز المعارك الإسلامية.. غزوة "بني قينقاع" حين انتصر النبي لشرف سيدة مسلمة    ظاهرة فلكية نادرة مرتقبة فجر يوم غدٍ الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في «من بدائع الهدى هولدينغ» للقاص  أحمد طليمات:
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 11 - 11 - 2013

«أليس من العبث أن نسأل: من أين خرج الجاهلون إلى حياتنا؟ وكيف احتلوا عقول الشبان وخيالهم؟ وبأي وقاحة رفعوا المعول وهدموا تمثال طه حسين الذي كافح من أجل تعليم أبناء مصر؟
عبث أن أسأل، أو يسأل غيري، فنحن نعرف ما يكفي من أسباب هذا الاندحار الذي لا نهاية له، لأن بدايته ضاعت حكايتها وضاع الراوي حيث لم نعد ندري» (محمد بنيس) .
يواصل الكاتب المبدع أحمد طليمات إدمانه الجميل على فعل الكتابة بروح إلتزامية عالية مع ذاته من جهة، ومع القارئ من جهة ثانية، متحديا في ذلك إشكالية شح القراءة، وصعوبات النشر...
هكذا،وفي أقل من سنة يصدر المؤلف مجموعته القصصية الجديدة «الهدى هولدينغ» في مخطوطتين يطبعهما التكامل والانسجام في الرؤيا، والموقف، وتقنيات الحكي . في الخطاطة الأولى رأينا كيف لعب الكاتب الشوط الأول في مواجهة الكيان «الهولدنغي»، مقتحما مخابئه، فاضحا تسلطه وظلاميته, وكاشفا لسلوكياته الإقصائية الساعية إلى فرض الوصاية على الناس، والتحكم في رقابهم، وقولبة تفكيرهم، وتنميط حياتهم , وفي الخطاطة الثانية «من بدائع الهدى هولدينغ» يستمر المبدع بنفس أقوى، وبحفريات أعمق في الكشف عن بعض من بدائع وضلالات أولئك المتشدقين بامتلاك الحقيقة المطلقة، والقيم المثلى، والمتسلحين دوما وعلى مر التاريخ، ببطاقات التكفير والتبديع، والتحريم، والتجريم... لقد نجح أحمد طليمات في تعرية الأسس الثاوية وراء منطق أوصياء السماء، بعيدا عن التقريرية المباشرة، و وظف توليفة رائعة بين المتخيل والواقعي، مستفيدا في ذلك من خلفية فلسفية، سياسية رصينة واضحة في الأهداف، لا تخفي دفاعها المستميت عن قيم الحداثة، والديمقراطية، والتسامح، وحقوق الإنسان في الاختلاف، والإبداع، والاستقلال الذاتي.
تشمل المخطوطة الثانية خمسة وعشرون نصا قصصيا... وفي كل قصة كشف لبدعة، وفضح لضلالة... وتعرية لفكر التعصب، والتحجر، والانغلاق الساعي إلى إقبار القيم الجميلة في الحياة، في الأدب، والفن، والدين... في كل قصة إبحار في التخيل المبدع، وروح عالية من السخرية النقدية الهادفة، تتحدى المحرمات، وتكسر الطابوهات بكثير من القصدية والإصرار.
كان من الجميل جدا أن يبدأ السارد في تعداد بعض من بدائع الهداة. بذلك الحقد الذي فجره هؤلاء الأوصياء على رموز الثقافة، والفن، والأدب حين رفعوا معاولهم بهمجية فظيعة ، لهدم تمثالي طه حسين، وأبي العلاء المعري. ألم يكن كافيا ما تعرض له عميد الأدب العربي في حياته، وهو يخط الحروف الأولى لمشروع الحداثة، من تضييق واضطهاد، وتعرض لتهمة الكفر والإلحاد؟ لقد جمع السارد بين هرمين كبيرين، ومكنهما من مراسلة هاتفية يتداولان فيها السر وراء القطاف الذي طال رأسيهما ! وما كان على أحمد رامي أن يغرد خارج هذا السرب حين خفف من وطأة استغراب أسطورة الغناء العربي أم كلثوم :»لا تسألي عن المعقول يا حبيبتي... دازمانهم ومعقولهم ياست الكل ولو أنهم فطنوا لمكمن الفتنة فيك لحاولوا تنقيب الأثير» (ص 9 )
إن لغة التدنيس والتطهير، التكفير والتبديع، هي التي جعلت أيضا أجيالا من العرب يقرأون كتب الأديب العربي الكبير جبران خليل جبران مجردة من رسوماته بدعوى إخلالها بالحياء، وطرقها لباب الفتنة ! !
وإذا كانت عيون الهداة لا تنام، فإن السارد أيضا في حالة يقظة مستمرة، يلتقط كل شيء هنا وهناك مطلقا العنان لتخيلاته، موظفا عتاد حقيبته السحرية اللغوية. إن الأخبار القادمة من كثير من الأمصار عن الاعتداءات والهجومات الهمجية على الأضرحة، والمقامات والكنائس والآثار المشبعة بعبق التاريخ، تجد لها وقفة فنية مثيرة في أقصوصة «محضر خاص» حين اجتمع رجال الحضرة المراكشية السبعة استعدادا لمواجهة محتملة مع « الهداة «، وتحضيرا لمختلف سيناريوهات «غزواتهم» الهمجية! إن هداة الهدي في بدائعهم وضلالاتهم المبنية على روح الحقد والتعصب والانغلاق يتدخلون في كل شيء يخص حياة الأفراد. ولم يتردد السارد في أن يضع ذاته كنموذج لهذا الاهتمام الخاص جدا من أوصياء السماء وطريقة المشي لها أيضا أصولها وقواعدها «إيه ... يا أنت ... أرويجل... ألم يعيرك أحد قط بمشيتك؟ إنك لا تمشي، لكنك تلوز... إييه تلوز...» (ص 22 )
معاينة الهداة للنصف التحتاني، لم تكن كافية فعلى السارد أن ينتبه إلى نصف الفوقاني، فلابد من تهذيبه وتكييف شكله وفق ما يشتهيه منطق الهداة.
«اعلم يا هذا اللايسمى ...أنك تحت المعاينة والدرس من فوق الحزام إلى قنة الرأس... وإن لملاقوك بحول الله حتى يلتحق أعلاك بأدناك وفقا لما تمليه علائم الرجولة، يا عديم الهمة والفحوله...».
إن تدخلات وكلاء الحقيقة المال في الحياة الخاصة للسارد، تشمل أيضا ذوقه الأدبي والفني فها هي لوحته الكاليكرافية المزينة قماشتها بالبيت الشعري الشهير لأبي العلاء المعري:
اثنان أهل الأرض، ذو عقل بلا دين وآخر دين لا عقل له
تتعرض للنصب والتزوير، حيث خط على قماشتها بتحريف من الهداة: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير من أن يمتلئ شعرا.
إن المتأمل في الكتابة القصصية لأحمد طليمات في نسقيتها الشمولية، يلاحظ تمركزها الشديد على أسلوب السخرية كمحدد جوهري لمنظومته الإبداعية، سخرية لا توظف كغاية في ذاتها، بل كوسيلة لتبليغ رسالة والتعبير عن موقف نقدي عن كثير من الظواهر السلبية في المجتمع، والفكر والسياسة. سخرية يغذيها عمق نظري وتجربة سياسية وثقافية، وإحساس مرير وحاد بمعضلات التأخر التاريخي. أسلوب السخرية هذا لا يشمل «هداة الهدى» فقط بل طال الجميع، هداة وانتهازيين، ووصوليين وأشباه مثقفين وقعدة المقاهي وسياسويين ونفطويين وماسخين لقيم الإنسان وجمالية العمران... هذا الأسلوب في السخرية، يوظف فيه الكاتب بسبق إصرار وترصد لغة يفترض في التمثلات العامة بأنها مخلة بالحياء، ومكسرة لحاجز النقاوة والصفاء !
لقد سبق للكاتب في تصديره لمجموعته القصصية الأولى «السيد لينين، السيد فرويد والسيد تحفة»، أن كشف لنا كيف عانى في الزمن السبعيني من القرن الماضي، تجربة مقص الرقابة وهو يشتغل على مبدأ «كل ما من شأنه» أن يخدش الحياء العام ... أو يقترب من الخطوط الحمراء في السياسة والدين والجنس...
من هنا نفهم ذلك الحضور المثير لمجموعة من المصطلحات والعبارات المباشرة المحيلة إلى الجسد ومناطقه المثيرة المرتبطة بحمولات جنسية، وثقافة عامة سائدة حول العلاقة بين الرجل والمرأة. فالكاتب يصر على التحدي ويختبر مدى صمود الرقيب في وصايته على لغة «الحياء والعفة» المفترضة... ويمعن في الكشف جهرا. ما ينزوي ويختبئ سرا !! في المجموعة القصصية «الهدى هولدينغ» بخطاطتيها، نجح الكاتب في فضح وتعرية ممارسات الهداة المتجبرة واعتداءاتهم السافرة على حقوق الإنسان في صنع ذاته بذاته وإرادته. ولقد انتقى في ذلك بكثير من الذكاء وبتوليفة دقيقة بين المتخيل والواقعي، نماذج متعددة من عيون أوصياء الحقيقة وهي تراقب الصغيرة والكبيرة في حياة الأشخاص، وتلهث بروح جهادية عالية للتنغيص على اختياراتهم الحرة في اللباس والمشية والذوق والمعاشرة والصداقة والفن والأدب والسياسة. عيون لا تنام وهي «تجاهد» من أجل المزيد من برقعة النساء وجلببة الشباب وأفغنته وتحريم التلفاز ورسومات الفن والإبداع، وقتل المرأة روحا وجسدا وكرامة عيون لا تنام تراقب الناس حتى في الأحلام: «لم يعد الناس بقادرين على الحلم بحومة الهداة لم يعودوا يتحاكون مناماتهم أو يهرعون إلى من يؤولها لهم... بل لقد صاروا خائفين من تعزير أم حد إن هم ضبطوا متلبسين بأحلامهم...»1.
إن مجموعة «الهدى هولدينغ» بجزأيها تحركها وتنسج خيوطها خلفية فلسفية حقوقية أخلاقية، تنفتح على قيم التسامح واحترام الغير. واستقلالية الأشخاص، والعلاقة الإيجابية بين الأشباه والأغيار، وتجاوز كل أشكال التعصب العرقي والديني والقبلي، كما توجهها خلفية سياسية، تستثمر الحاضر وتستشرف المستقبل، فاضحة سماسرة وتجار الموت، ومحترفي القتل والعنف والإرهاب... في زمن عربي رديئ... أخلف ربيعه الحقيقي.
رسالة فلسفية أخلاقية سياسية بلغة فنية ممتعة، وبتخيل مبدع، يستحضر الواقع ويبتعد عنه في آن واحد ! إن لغة التطرف والإقصاء والاعتداء على حريات الأفراد وخصوصياتهم، قد نجد لها تجلياتها العملية الواضحة في الكثير من الممارسات الطالبانية، و «البوكوحرامية»، وكل التوجهات الأصولية، والحركات التكفيرية المتشددة... غير أن هذا الكيان الهولدينغي، يسع أيضا هداة من نوع خاص جدا، هداة خبراء في توظيف التكنولوجيا للتصنت على الناس، والتجسس على مكالمات الأصدقاء والأعداء... هم هداة العم سام اللذين يرجع لهم الكثير من «الفضل» في نشأة، وتطور وتفريخ الكثير من «هداة الهدى» !!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.