في إطار البحث عن سكن يحمي كرامة الإنسان وينقذه من متاعب دور الصفيح ، تلتجئ شريحة كبيرة من الطبقات ذات الدخل المحدود، إلى «الإنخراط» في مشاريع سكنية تحت إغراءات إشهارية مثيرة لا تمت إلى الواقع بصلة، من ضمنها انعدام المرافق الضرورية ، ومن هنا تطرح أسئلة كثيرة من قبل عدد غفير من السكان الوافدين إلى مقرات مساكنهم الجديدة، الذين لم يجدوا ما كانوا يوعدون به ! ومن أكبر النقائص أن فلذات الأكباد لا يجدون مرافق دراسية مناسبة تسمح لهم بمتابعة مسارهم التمدرسي في ظروف ملائمة ، فالمدارس المحدثة بين البنايات الإقتصادية الجديدة غالبا ما تكون ضعيفة البنيان أوفي حاجة إلى أطر تعليمية ، الأمر الذي جعل أولياء وأمهات وآباء التلاميذ بمشروع «الرحمة» بتراب دار بوعزة كنموذج يشتكون من هذا الوضع ، منهم من حمل المسؤولية لأصحاب المشاريع السكنية الذين لم يفوا بوعودهم ، ومنهم من آخذ وزارة التربية الوطنية على تقصيرها ، وعدم تعاطي مصالحها ، على الصعيد المحلي ، مع هذه المستجدات بالجدية اللازمة ، «حيث يتم اللجوء لحلول ترقيعية كإعادة انتشار أطر تعليمية أغلبها مشرف على التقاعد من نيابات مختلفة بعيدة عوض تشغيل أطر شابة قادرة على تحمل المشاق والمسافات الطويلة، يقول بعض الآباء ، علما بأن التلاميذ كثيرا ما يعودون أدراجهم لعدم وجود من يدرسهم »! في سياق المرافق الضرورية المفتقدة ، دائما ، عبرت مجموعة من الساكنة عن استيائها من حرمانها من أبسط الحقوق ، المتمثلة في تجهيزات أساسية يدفعون من أجلها أقساطا بنكية تقتطع من رواتبهم الهزيلة مما زاد من همومهم ومشاكلهم. مريم أم لتلميذتين، تبدو الحسرة والتعب على محياها ، تجتمع حولها نساء يتقاسمن نفس الآهات ونظرات يشوبها التذمر و الأسى، اقتربت منهن بعد إلقاء التحية التففن حولي بعدما عرفن سر تواجدي قربهن، فكان سؤالي لمريم «ماسر غضبك سيدتي رفقة هؤلاء النساء المرافقات لأطفالهن أمام مقر المؤسسة؟» . أجابت بصوت يعبر عن الإحباط والاستياء : «كنت أقطن بحي شعبي تتواجد فيه كل ضروريات المعيش اليومية ، أرهقني ثمن البيت الذي كنت أكتريه لا طالما حلمت ببيت يكون ملكا لي كباقي الأسر، زوجي يعمل في أحد معامل البلاستيك ، أخذنا سلفا بنكيا على أساس تغيير حالنا إلى الأحسن . فكان الواقع مخالفا لما روجت له الحملات الإشهارية والدعائية، فلا مؤسسات تعليمية قريبة ولا أطر تعليمية كافية ولا مستوصفات لعلاج أبنائنا » ، مضيفة « لقد ازدادت ميزانية مصاريفنا لتنقلنا طيلة النهار من أجل إيصال أبنائنا إلى مؤسساتهم التعليمية ثم إرجاعهم خوفا من قُطاع الطرق ، كما أننا نضطر لقطع مسافات طويلة لشراء أغراضنا البيتية . أصبحنا في محنة كبيرة ونناشد السلطات المسؤولة لتبادر من أجل حل مشاكلنا، مع العمل على اتخاذ إجراءات صارمة ضد لوبيات العقار، التي لا يهم أصحابها سوى الاغتناء السريع على حساب آلاف المواطنين الذين لايبحثون سوى عن الستر و العيش الكريم » . أما فاطمة ، التي كانت تمسك بيد صغيرها الذي يدرس بالمستوى الثاني وتحمل على ظهرها رضيعة تبكي من شدة الحرارة بسبب ألم اللوزتين ، فقالت « الحمد لله أننا جيران نتآزر فيما بيننا ، أخذت مسكن الألم من إحدى الجارات و أعطيته لابنتي في ظل انعدام الصيدليات ، والمستوصفات بالقرب منا ، أنتظرالآن حتى يدخل ابني فصله الدراسي وأبحت عمن يساعدني في الوصول لمستوصف بحي الألفة ، ومن ثم شراء الدواء. إننا نعاني الكثير في ظل اقتطاعات بنكية لسكن يكاد يشبه العلب والصناديق، إضافة إلى عدم الجودة في البناء و الصيانة» . توقفت للحظة ثم تابعت حديثها : «أحلامنا ضاعت في زمن لا حق فيه للضعيف سوى الصمت و الحنين إلى ماض كان يظن أنه سينتقل منه إلى ما هو أفضل، فإذا به يستفيق على حقيقة مُرة لا خروج له منها حتى يجد سنوات عمره قد سرقت منه في مجتمع الفوارق الإجتماعية »! من جهتها اشتكت سيدة أخرى في الثلاثين من عمرها بالقرب من حي الرحمة ، كانت تغالب دموعها لعدم توفر أبسط المرافق الضرورية وتحسرها على الوعود الكاذبة، فهي أم لثلاثة أبناء أرملة منذ سنوات ، تقول «ماذا عساي أن أفعل وإلى أين أذهب ، السيدات اللواتي سردن معاناتهن لسن سوى أقلية من عشرات الأسرالتي عانت و مازالت تعاني من غياب المرافق الضرورية، التي تشكل أقل ما تقدمه الدولة كواجب لمواطن يعيش حياة بحقوق وواجبات ». شهادات عديدة قوامها التذمر والغضب جراء التواجد داخل تجمعات أسمنتية تحتضن شُققا بأمتار محدودة لا تتوفر فيها شروط السكن اللائق لكرامة الإنسان، حيث تتفشى جميع أنواع الفوضى ، الأمر الذي يستوجب الحسم والصرامة في التعاطي مع الأطراف المساهمة ، من قريب أو بعيد، في ذلك، فإذا كانت الدولة تراهن على القضاء على السكن العشوائي رافعة شعار «مدن بدون صفيح » ، فماهي خطتها لتحقيق ذلك مع توفير كل المستلزمات الضرورية للعيش الكريم ، وذلك تفاديا لأية تداعيات سلبية ، جراء التزايد الديمغرافي السريع بالتجمعات السكنية المستحدثة بضواحي «المدينة الغول»!