روائح كريهة، مستنقعات من المياه العادمة، أكوام الأزبال والقاذورات متراكمة وسط الأزقة المتربة.. أحياء ذات أزقة جد ضيقة ومحفرة، سحب من الغبار تتناثر هنا وهناك، منازل يعلوها الآجر الأحمر غير مكتملة البناء ومشوهة المعالم، وأخرى بنيت على حافات عميقة القعر، ومياه الوادي الحار تخترق بعضا من الدروب التي يصعب فيها المرور، عيون النساء اللواتي تسترق النظر من نوافذ غير مكتملة لمنازل عالية الارتفاع تترصد بفضول كل من يمرون من الزقاق، خاصة الغرباء. أطفال يشكلون جماعات ويلعبون بكل ما جادت به مزابل أحيائهم التي نمت بسرعة البرق في هوامش المدن، حيث تغيب كل مظاهر الحياة الكريمة.. تجمعات سكنية عشوائية عبارة عن غابات من الإسمنت المسلح، بدون مساحات خضراء أو فضاءات للعب الأطفال.. انعدام شبه تام للمرافق العمومية أو الفضاءات الشبابية التي يمكنها أن تكون متنفسا لأبنائها.. هذه المشاهد كلها عبارة عن قواسم مشتركة بين كل الكاريانات التي قامت «أخبار اليوم» بزيارتها قصد إنجاز هذا الملف. يصل عدد المغاربة الذين يقطنون مساكن شيدت في إطار السكن «العشوائي» أزيد من 4 ملايين نسمة، ضمن 450 ألف أسرة تقطن ب1250 حيا صفيحيا تمتد على مساحة 11000 هكتار. ويصل عدد المساكن المهددة بالانهيار، أو الآيلة للسقوط، إلى أكثر من 90 ألفا، وتطلب توفير غلاف مالي يبلغ 25 مليار درهم، تساهم فيه الدولة ب10 ملايير. وبالرغم من مجهودات الدولة للقضاء على هذه الأحياء الهامشية، التي صارت تشوه المدن وتؤدي إلى ترييفها وتأخير تقدمها، فإن دور الصفيح لاتزال في تكاثر مستمر بفعل تزايد الهجرة القروية نحو المدن. ولا تجني المدن من وراء أحزمة الفقر التي تلتصق بها سوى ظواهر سلبية، مثل الإجرام وتفشي المخدرات ومختلف مظاهر الانحراف، إلى درجة صار معه الانتماء إلى الكاريان مرادفا للفساد والانحراف والإجرام والإرهاب... لكن، في المقابل، يعيش سكان الكاريانات حياة شبه بدائية، حيث يحرمون من الاستفادة من أبسط المتطلبات الضرورية للحياة، كالتطبيب والتعليم والأمن، وبالإضافة إلى ذلك فإنهم يكونون ضحايا لكل الأخطار المحدقة بهم من فيضانات وحرائق على مدار الفصول الأربعة. فإذا كان موسم الشتاء يمر عليهم كأنه ضيف ثقيل بما يحمله لهم من شقاء وبرد الأمطار التي تكبدهم خسائر فادحة، فإن فصل الصيف يجعلهم في انتظار مقلق لحريق سيندلع بسرعة الريح، ويلتهم ما تبقى من رحلة الشتاء ويجبرهم على قضاء اليوم خارج مساكنهم. ولا تتهدد حياة سكان الكاريانات المشاكل الصحية والكوارث الطبيعية فقط، وإنما يواجهون عدة أخطار من قبيل الحشرات السامة والأفاعي والعقارب، حيث تجد في مثل هذه الفضاءات مرتعا خصبا للنمو والتكاثر. لكن ومع كل هذا فإن مدن الصفيح، التي يعتبرها الكثيرون بمثابة براميل بارود تحيط بالمدن الكبرى، تعتبر خزانا طبيعيا للأصوات الانتخابية، ويصبح قاطنوها، مع اقتراب موعد الاقتراع، محط عناية فائقة من قبل المرشحين. وهكذا تتحول «الكاريانات» إلى قبلة لأشخاص غرباء عنها، يباشرون الاتصال بالسكان، ويدّعون أنهم بصدد إحصائهم في أفق توزيع مساكن جديدة عليهم، مقدمين لهم الكثير من الوعود التي سرعان ما تتلاشى بعد مرور الانتخابات. الكاريانات عالم واسع يمتد عبر أحزمة الفقر المحيطة بالمدن.. عالم له علاقاته ولغته ونمطه الحياتي والقيمي، لكنه يبقى غير معزول عن مجمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ببلادنا. تتوفر الدارالبيضاء على تصميم وظيفي لتهيئة وتنظيم الفضاء الميتروبولي، ومن المرتقب المصادقة النهائية على المخطط المديري للتهيئة والتنمية الحضرية، المنجز تحت إشراف الوكالة الحضرية للدار البيضاء، الذي يغطي الفترة الممتدة إلى 2030. وأنجزت دراسات ل33 تصميما للتهيئة الجماعية، وذلك للمصادقة عليها في أفق متم شهر يونيو الجاري. وحسب مصدر من مندوبية وزارة الإسكان والتنمية المجالية، فإن الدولة عازمة على إعادة إسكان كل العائلات القاطنة بدور الصفيح، والتي يقدر عددها بحوالي 98.000 أسرة (30% من قاطني دور الصفيح بالمغرب)، والقضاء نهائيا على هذه الظاهرة، حيث إن 70000 أسرة تعيش في مساكن متلاشية أو آيلة للسقوط. وتسجل جهة الدارالبيضاء الكبرى حركة كثيفة في إعادة انتشار الساكنة في المجالات الضاحوية، التي استقبلت أكثر من 300.000 نسمة إضافية، بالنواصر، بوسكورة، ومديونة، بتزايد نسبته 10 % في السنة، وهو مؤشر هام على التحولات المجالية والديمغرافية التي أصبحت تتميز بها الدارالبيضاء وجهتها، انسجاما مع توجهات التصميم المديري للتهيئة الحضرية، الذي فتح ما يناهز 25 ألف هكتار للتعمير. وتواصل الوكالة الحضرية للدار البيضاء التابعة لوزارة الداخلية، إنجاز وثائق التعمير، وتتبع المشاريع في ميدان التأهيل الحضري وفتح مناطق جديدة للتعمير. وانطلقت الدراسات الخاصة بإعداد تصاميم التهيئة الجماعية بالجهة منذ سنتي 2007 و2008. وقد تمت دراسة تصميم التهيئة المتعلق بالحي الحسني من طرف اللجنة التقنية المحلية، تليه أربعة تصاميم أخرى تتعلق بابن امسيك وسيدي عثمان وسباتة ومولاي رشيد. وستقدم الوكالة الحضرية للدار البيضاء تصاميم التهيئة المتعلقة بعين السبع والحي المحمدي ثم سيدي البرنوصي وسيدي مومن، بعد برمجة فتح ما يقرب من 3800 هكتار للتعمير في الفترة الممتدة ما بين 2007 و2008. وهكذا، انطلقت الأشغال ببعض الأقطاب الحضرية الجديدة، كمشروع القطب الحضري لسيدي مومن، ومشروع مدينة الرحمة، كما أطلقت أشغال المدينة المندمجة للهراويين، ومشروع القطب الحضري بالنواصر، إضافة إلى مشروع تهيئة مدينة زناتة الجديدة.