تقرير ‬حديث ‬لصندوق ‬النقد ‬الدولي ‬يقدم ‬صورة ‬واضحة ‬عن ‬الدين ‬العمومي ‬للمغرب    زيت الزيتون المغربية تغيب عن تصنيف أفضل 100 زيت في العالم    أسعار القهوة تسجل أعلى مستوياتها منذ أكثر من 40 عاماً    وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل.. حزب الله يعتبره "نصرا" وآلاف النازحين يعودون لمنازلهم في الجنوب    الذكاء الاصطناعي أصبح يزاحم الصحفيين    أكثر من 130 قتيلا في اشتباكات بسوريا    كليفلاند كلينك أبوظبي يحصد لقب أفضل مستشفى للأبحاث في دولة الإمارات للعام الثاني على التوالي    السيتي يستعد للجلسات الختامية من محاكمته    أسرار الطبيعة البرية في أستراليا .. رحلة عبر جبال وصحاري "لارابينتا"    الرئيس الفلسطيني يصدر إعلانا دستوريا لتحديد آلية انتقال السلطة في حال شغور منصبه    كييف تعلن عن "هجوم مُعادٍ ضخم"    زنيبر: ينبغي القيام بالمزيد لوضع حقوق الإنسان في صميم انشغالات الشركات    بعد الفيضانات.. الحكومة الإسبانية تدعم فالنسيا ب2.4 مليار دولار لإعادة الإعمار        أسعار اللحوم تفوق القدرة الشرائية للمواطن رغم دعمها من طرف الحكومة    كيوسك الخميس | الحكومة تتجه نحو إسناد التجار الصغار مهمة تحويل الأموال    وجدة: التهريب الدولي للذهب يسقط خمسة أشخاص في قبضة الأمن    أهمية التطعيم ضد الأنفلونزا أثناء الحمل    توقعات أحوال الطقس لليوم الخميس    ملخص الأيام الأولى للتراث والبيئة للجديدة    مبادرة تستحضر عطاءات محمد زنيبر في عوالم الأدب والتاريخ والسياسة    طنجة تستقبل المسيرة العالمية الثالثة للسلام خلال افتتاح المنتدى الإنساني الدولي السابع    الشرطة تنهي نشاط مهربين للذهب    نهضة بركان يستهل مشواره في كأس الكونفدرالية بالفوز على لوندا سول الأنغولي        الدار البيضاء تحتضن قمة عالمية للتصنيع والخدمات اللوجستية المتقدمة    في كلمة له خلال المنتدى العالمي العاشر لتحالف الحضارات ناصر بوريطة : تحت قيادة جلالة الملك، لم يقتصر المغرب على الإشادة بالحوار، بل جسده على أرض الواقع    الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني تؤكد تضامن الشعب المغربي مع فلسطين، وتندد بالعدوان الإسرائيلي المتواصل    ضبط أشخاص يبيعون حيوانات من فصيلة النمس وأفاعي في الناظور ومراكش        إسرائيل استأنفت قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف نتانياهو وغالانت    وزير الخارجية الهنغاري: مبادرة الحكم الذاتي هي الأساس لإيجاد حل لقضية الصحراء    إسرائيل تقيد حركة السكان جنوب لبنان    منتخب التايكوندو يشارك في بطولة العالم للبومسي    رودريغو أرياس: منح المغرب صفة شريك متقدم لدى منتدى "فوبريل" منعطف هام في علاقاتنا ومسار تعاوننا    بعد اعتقال نجله.. شكيب لعلج ينسحب من جولة ترويجية للاستثمار باليابان وكوريا الجنوبية    إحباط محاولة تهريب أزيد من 19 ألف قرص مخدر بميناء طنجة المتوسط    سكينة بويبلا: إبداع باللونين الأبيض والأسود يروي قصة الفن المغربي بلمسة مدهشة    محمد عدلي يُحيي حفلا غنائيا في الدار البيضاء    الفقيه بن صالح: ورشات احترافية مختلفة بمهرجان النون الدولي الخامس للمسرح    خواطر سدراوي.. "عندما يعجز التقليد عن مجاراة الإبداع: مقارنة بين السينما والحياة الواقعية"    الرجاء ينعي وفاة مشجعين للفريق في حادث سير بعد مباراة الجيش الملكي في دوري الأبطال    المغرب يدين دعم الحركات الانفصالية    250 مليون دولار من البنك الدولي للمغرب لإدارة النفايات الصلبة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    كريمة أولحوس وفريد مالكي: تعاون فني عابر للحدود يحيي التراث الفلسطيني        احتفال عالمي بالتراث في الناظور: 3 أيام من الأناقة والثقافة بمشاركة الجالية وإسبانيا    دوري أبطال أوروبا: إنتر يتصدر والأتلتيكو يكتسح والبايرن يعمق جراح سان جرمان    نقص حاد في دواء السل بمدينة طنجة يثير قلق المرضى والأطر الصحية    حوار مع جني : لقاء !    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة        لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكرى الأولى لرحيل الفقيدة آسية الوديع ..
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 01 - 11 - 2013

تحل اليوم, الجمعة فاتح نونبر, الذكرى الأولى لرحيل الفقيدة آسية الوديع .. الوجه الحقوقي و الإنساني الذي افتقدته السجون المغربية.. امرأة استثنائية بمسار استثنائي استطاعت بعنادها الجميل و طموحها الأكبر أن تضع بصمات قوية من أجل تهذيب الجنوح و أنسنة العقاب .. ماما آسية هو الإسم الجميل الذي يحمله نزلاء المؤسسات السجنية عبر ربوع البلاد ، بما يحمله من معاني العطف و الحنو .. قديسة اختارت أن تكون بجانب المستضعفين و الفئات الهشة.. امرأة كانت لا تَكِلُّ و لا تَمَلْ. كرست كل حياتها القصيرة من أجل كرامة الإنسان و احترام آدميته .. ضمن هذه الصفحة شهادات لمن عاشروها عن قرب و تقاسموا معها جزءا من محنة, عفوا متعة الحياة..
آسية الوديع.. لا تتكلم، تفعل
خمس سنوات قبل أن تتحمل مسؤولية رسمية في إدارة السجون (أساسا مشرفة على إصلاحية عكاشة)، استدعتني الراحلة آسية الوديع إلى بيتها بحي المشور قرب القصر الملكي بالدارالبيضاء، وبادرتني والدمع يملأ مآقيها، قائلة: «أنظر معي إلى هذه الفظاعات». كانت مائدة الأكل في وسط البيت مفروشة بعشرات الصور الفوتوغرافية للمعتقلين الأحداث بسجن عكاشة وكلهم مصابون بأمراض جلدية مختلفة، نصف عراة، في وضعيات صحية جد مقلقة ومهينة. كانت الصور صادمة بكل المقاييس، وظلت تردد بصوت مرتفع: «هذا يحدث في بلد أحمل جنسيته وتحمل جنسيته وهؤلاء إخوة لنا في الجنسية المغربية وفي تاإنسانيت». جلست صامتا، وحاولت بجهد أن أهدأ من انفعالها الكبير، وكانت شابة تساعدها في البيت واقفة تتأمل ذلك المشهد في صمت.
مرت سنوات ، وذات صباح باكر (على عادتها معي في الإتصال دوما) اتصلت بي هاتفيا وقالت لي: «خوي راسك ابتداء من الساعة كذا، ضروري أن تأتي إلى إصلاحية عكاشة». كنت حينها، بتعاون مع رجل إصلاح آخر محترم، صموت ونزيه، هو الإطار الوطني بالإدارة العامة للسجون، محمد بنعزرية، مدير المركب السجني عكاشة آنذاك، قد شرعت في مغامرة إعلامية غير مسبوقة في تاريخ الصحافة المغربية (وبقيت تجربة يتيمة إلى اليوم) بيومية «الإتحاد الإشتراكي»، هي صفحة «من وراء القضبان» مخصصة لإبداعات وكتابات السجناء من معتقلي الحق العام، تصدر كل سبت، نجحت في أن تكتشف عددا كبيرا من الطاقات الإبداعية في مختلف سجون المغرب، في الشعر والرواية والنقد والمسرح والتشكيل والكاريكاتور (ضمنهم حتى سجناء مغاربيين وعرب). بل أكثر من ذلك، كانت سببا في تأسيس أنوية جمعيات أدبية وفنية داخل السجون وورشات عمل مخصصة للإبداع داخلها. وجعلت لأول مرة، السجناء يغادرون الزنازن لتقديم مسرحيات وإلقاء قصائد في مسارح عمومية بالدارالبيضاء والرباط، ثم يعودون في المساء إلى زنازنهم. كانت مغامرة جميلة حققت نتائج تربوية وإنسانية رائعة، وخلفت صدى دوليا عبر عدد من القنوات الفضائية العربية والأروبية.
حين حضرت إلى إصلاحية عكاشة، كانت هي في الإستقبال، وإلى جانبها كريستين ديور السرفاتي (زوجة الراحل أبراهام السرفاتي)، وبدون كلمات بل فقط بإشارة عين، أفهمتني أنه علي تأمل التغيير الكبير الحاصل، وأنها انتصرت أخيرا من أجل الرفع من دور المؤسسة السجنية كمؤسسة إصلاحية. وحين كانت الأبواب الثقيلة تفتح أمامي بيسر، فهمت أن كلمتها كانت سابقة على زيارتي، فاكتشفت جيلا من الفتية المعتقلين (ضحايا وقت صعب في نهاية المطاف)، مكانهم في المدارس أو معاهد التكوين، ينيخون لعبورها بينهم، وتلين فيهم الكلمات، وتفرح الأعين، ولسان حالهم واحد: «ماما آسيا»، الذي لم يكن نداء للتزلف، بل تستشعره تعبيرا عن امتنان وعرفان وتوصيف حال. صارت الحيطان أنظف، والفضاء أكثر ضوءا، ومجالات التكوين أكثر تجهيزا (المكتبة، ورشة المسرح، ورشات التكوين المهني الحديثة)، ثم الوحدة الصحية النظيفة جدا، المجهزة. واضح أن آسية الوديع، بدلا من أن تخطب في التجمعات أو تسكن في بلاطوهات التلفزيون، اختارت أن تنجز خطوة في الفعل الميداني، ونحجت. وعلى الآخرين أن يكملوا المسار.
ذات مساء، عند نقطة تقاطع طرق في أحد الأحياء الشعبية، بالدارالبيضاء، كنت واقفا بسيارتي عند علامة الضوء الأحمر ساهيا، حين دق زجاج السيارة، فالتفت، لأجد بجانبي شابا راكبا سيارة نقل للمواد التجارية، حين أنزلت زجاج السيارة، في لحظة عابرة قبل عودة الإشارة الخضراء للعبور، قال لي جملة واحدة، باسما: «الله يرحم ماما آسية». ابتسمت في وجهه، هو الذي كان أحد معتقلي إصلاحية عكاشة منذ سنوات، وأمضى عقوبته وغادر السجن واندمج في المجتمع عبر مشروع تجاري عرف كيف ينميه بصبر وذكاء. كنت قد تتبعت من بعيد مراحل مقاومته لإنجاح ذلك المشروع الصغير وأنه ظل يلتقيها رحمها الله في مؤسسة إعادة الإدماج شهورا بعد إطلاق سراحه مثل العشرات من السجناء بسجن عكاشة أو بإصلاحيتها (قاومت عاليا من أجل البعض منهم ليصدر عفو في حقهم وأغلبهم اندمجوا مجتمعيا اليوم وأسسوا أسرا). هاتفتها أسبوعا قبل وفاتها رحمها الله، وأجابت (رغم أنه تم تنبيهي أنها جد متعبة ولا ترد على هاتفها المحمول)، ضحكنا معا، ومرة أخرى رددت جملتها الأثيرة لديها بتعب واضح في الصوت: «درتها، ياك».. (بتسكين التاء)..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.