المجر تؤكد دعمها تعزيز الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي    "الأحرار" ينسحب من اجتماع لهيئة النزاهة بالبرلمان احتجاجا على "اتهام الجميع بالفساد"    الذهب يتراجع بضغط من الدولار وترقب لأسعار الفائدة الأمريكية    نقابة "البيجيدي": مخطط "المغرب الأخضر" فشل في تخفيف غلاء أسعار المواد الأساسية        أمريكا هي الطاعون    توقيف خمسة أشخاص للاشتباه في تورطهم في التهريب الدولي للذهب    قضية استغرقت 17 سنة.. محكمة النقض تحجز ملف "كازينو السعدي" للمداولة والنطق بالحكم في 18 دجنبر        اتحاد العمل النسائي يسجل تنامي العنف الرقمي اتجاه النساء    دراسة: تلوث الهواء الناجم عن الحرائق يتسبب بوفاة 1,5 مليون شخص في العالم سنويا    أكثر من 130 قتيلا في اشتباكات بسوريا    كليفلاند كلينك أبوظبي يحصد لقب أفضل مستشفى للأبحاث في دولة الإمارات للعام الثاني على التوالي    السيتي يستعد للجلسات الختامية من محاكمته    زيت الزيتون المغربية تغيب عن تصنيف أفضل 100 زيت في العالم    أسعار القهوة تسجل أعلى مستوياتها منذ أكثر من 40 عاماً    تقرير ‬حديث ‬لصندوق ‬النقد ‬الدولي ‬يقدم ‬صورة ‬واضحة ‬عن ‬الدين ‬العمومي ‬للمغرب    وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل.. حزب الله يعتبره "نصرا" وآلاف النازحين يعودون لمنازلهم في الجنوب    أسرار الطبيعة البرية في أستراليا .. رحلة عبر جبال وصحاري "لارابينتا"    الذكاء الاصطناعي أصبح يزاحم الصحفيين    بعد الفيضانات.. الحكومة الإسبانية تدعم فالنسيا ب2.4 مليار دولار لإعادة الإعمار    الرئيس الفلسطيني يصدر إعلانا دستوريا لتحديد آلية انتقال السلطة في حال شغور منصبه    كييف تعلن عن "هجوم مُعادٍ ضخم"    زنيبر: ينبغي القيام بالمزيد لوضع حقوق الإنسان في صميم انشغالات الشركات    أسعار اللحوم تفوق القدرة الشرائية للمواطن رغم دعمها من طرف الحكومة    كيوسك الخميس | الحكومة تتجه نحو إسناد التجار الصغار مهمة تحويل الأموال        أهمية التطعيم ضد الأنفلونزا أثناء الحمل    توقعات أحوال الطقس لليوم الخميس    ملخص الأيام الأولى للتراث والبيئة للجديدة    مبادرة تستحضر عطاءات محمد زنيبر في عوالم الأدب والتاريخ والسياسة    طنجة تستقبل المسيرة العالمية الثالثة للسلام خلال افتتاح المنتدى الإنساني الدولي السابع    الشرطة تنهي نشاط مهربين للذهب    نهضة بركان يستهل مشواره في كأس الكونفدرالية بالفوز على لوندا سول الأنغولي            إسرائيل استأنفت قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف نتانياهو وغالانت    وزير الخارجية الهنغاري: مبادرة الحكم الذاتي هي الأساس لإيجاد حل لقضية الصحراء    إسرائيل تقيد حركة السكان جنوب لبنان    منتخب التايكوندو يشارك في بطولة العالم للبومسي    رودريغو أرياس: منح المغرب صفة شريك متقدم لدى منتدى "فوبريل" منعطف هام في علاقاتنا ومسار تعاوننا    محمد عدلي يُحيي حفلا غنائيا في الدار البيضاء    الفقيه بن صالح: ورشات احترافية مختلفة بمهرجان النون الدولي الخامس للمسرح    خواطر سدراوي.. "عندما يعجز التقليد عن مجاراة الإبداع: مقارنة بين السينما والحياة الواقعية"    الرجاء ينعي وفاة مشجعين للفريق في حادث سير بعد مباراة الجيش الملكي في دوري الأبطال    سكينة بويبلا: إبداع باللونين الأبيض والأسود يروي قصة الفن المغربي بلمسة مدهشة        كريمة أولحوس وفريد مالكي: تعاون فني عابر للحدود يحيي التراث الفلسطيني    احتفال عالمي بالتراث في الناظور: 3 أيام من الأناقة والثقافة بمشاركة الجالية وإسبانيا    دوري أبطال أوروبا: إنتر يتصدر والأتلتيكو يكتسح والبايرن يعمق جراح سان جرمان    نقص حاد في دواء السل بمدينة طنجة يثير قلق المرضى والأطر الصحية    حوار مع جني : لقاء !    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكتاب وسحره في أنسنة السجون بالمغرب
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 19 - 03 - 2013

كانت تجربة مهنية وإبداعية وإنسانية، على مدى سنة ونصف السنة متواصلة، قد سمحت لي بالوقوف على مدى ما تعنيه الكتابة والقراءة والتعبير الأدبي والعلمي والفكري للسجين، من خلال تجربة غير مسبوقة (وللأسف بقيت يتيمة) في تاريخ الصحافة المغربية، لصفحة أسبوعية كنت أعدها كل سبت بيومية «الإتحاد الإشتراكي»، تحت عنوان «من وراء القضبان». وكانت تلك التجربة سببا من بين أسباب أخرى، إدارية أساسا (خاصة الدور الإيجابي لسيدة فاضلة مثل الراحلة آسية الوديع، والأستاذ المربي محمد بنعزرية بصفته مديرا لسجن عكاشة حينها)، كانت سببا لتعزيز عمل ورشات إبداعية في الشعر والقصة والمسرح والفنون التشكيلية ليس فقط في سجن عكاشة، بل في السجن المركزي بالقنيطرة والسجن المركزي بآسفي وسجن الزاكي بسلا وسجن عين قادوس بفاس.
ذكرتني اليوم، بهذه التجربة، المبادرة المواطنة التي أقدمت عليها عمادة كلية الآداب بالرباط، بالتنسيق مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمندوبية العامة لإدارة السجون، المتمثلة في تزويد مكتبات السجون المغربية بآلاف من الكتب والمصنفات العلمية والأدبية والقانونية، التي أصدرتها هذه الكلية الرائدة بالمغرب، والتي بلغ عددها 5117 كتابا. وهي أول الغيث فقط في اتفاقية تعاون وقعت بين هذه المؤسسات المغربية الثلاث، مما يترجم روحا للمؤسسة المواطنة. بل إن ما عبر عنه عميد كلية الآداب بالرباط، الدكتور عبد الرحيم بنحادة، يترجم روحية المبادرة في عمقها التنموي والإنساني والتربوي، حين أكد أن المبادرة تنبني على أسس ثلاث يتعلق الجانب القيمي الأول منها في أن ما أقدمت عليه الكلية يندرج في باب القول المأثور «زكاة العلم إنفاقه». فيما يتعلق الجانب الثاني بعمق الدور المواطن للكلية كواجهة معرفية علمية لتعميم نماذج سلوكية تربوية بناء في المجتمع، وأنها ليست فضاء منغلقا على ذاته. فيما يتحدد البعد الثالث في الشق البيداغوجي المحض، المرتبط بمبدأ العطاء على قدر الأخد، الذي يعني في ما يعنيه، توسيع مكرمة الإشراك بين كل شرائح المجتمع مغربيا للإنتصار لمكرمة التربية على المسؤولية في بعدها البناء، وفي بعدها التربوي الوطني.
الحقيقة، إن تجربة السجن والكتابة والقراءة، تعتبر من أغنى التجارب الإنسانية عالميا، منذ كتب المفكر الفرنسي الراحل ميشيل فوكو أطروحته الغنية والعميقة عن «المراقبة والعقاب»، ونزوله إلى الشارع بباريس للتظاهر من أجل أنسنة المؤسسات السجنية بأروبا في أواسط الستينات من القرن 20. لقد أعادت تلك الأطروحة السؤال حول دور المؤسسة السجنية، هل هو دور زجري انتقامي أم دور إصلاحي تربوي. وكانت النقاشات حامية بين الرؤية الفرنسية والرؤية الأمريكية والرؤية السوفياتية (زمن الحرب الباردة)، وهي جميعها تتفق على مركزية التعبير الحر للسجين من خلال الكتابة والمسرح والسينما والرسم، بالشكل الذي يفتح له آفاقا أخرى للرؤية للذات وللحياة. ولعل المقولة الشهيرة لأحد السجناء في هذا الباب دالة حين قال: «لو قرأت هذا الكتاب من قبل ما كنت ارتكبت قط الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها». وكانت نتيجة تلك النقاشات الحقوقية والعلمية والبيداغوجية، هي التي أفضت إلى بلورة أسلوب تدبيري جديد في المؤسسات السجنية بأروبا وأمريكا، اعتبرت أن التقويم ليس بالعنف المادي، بل هو عبر آلية إنهاض العمق الإنساني في ذاتية السجين، ومصالحته مع ذاته ومع مجتمعه. وأكدت العديد من البحوث الميدانية، أن السجون الأهدأ عالميا هي السجون اليابانية والسجون الإسكندنافية والسجون البريطانية، بسبب اتساع تقليد القراءة فيها، وأن السجون التي تكون الغلبة فيها لمشاهدة التلفاز فقط، هي أكثر السجون عنفا. فيما تجربة السجون التي تحققت فيها تقنيات التواصل الحديثة، عبر إذاعات داخلية خاصة (النموذج الكندي) قد جعلت المجتمع السجني ينضج أطروحاته الخاصة في مجال الإصلاح، وسمحت ببلورة أسلوب تربوي إقناعي من داخل ذاتية السجناء مما جعل القناعات أرسخ في مسارب التحول والإصلاح.
من هنا، أهمية مبادرة منح المؤسسات السجنية المغربية ذلك الكم الكبير من الكتب الأكاديمية العلمية، من قبل مؤسسة جامعية مغربية وبرعاية من مؤسسة حقوقية من قيمة المجلس الوطني لحقوق الإنسان. لأن المجتمع السجني المثخن بأرقامه الكبيرة مغربيا (جزء كبير منها فقط معتقلون احتياطيون وهذا واحد من أكثر الملفات المقلقة تدبيريا على المستوى القضائي)، يشكل فيه المنخرطون في أسلاك الدراسة حوالي العشر (17 ألف سجين من مجموع 700 ألف سجين)، وأن 86 بالمئة منهم شباب بين 25 و 45 سنة. وإذا ما قورن بمؤسسات سجنية أروبية، خاصة الإنجليزية والفرنسية، فإن نسبة المتعاملين مع الكتاب والدراسة فيها يتجاوز الثلثين، وأنه كلما اتسعت مجالات القراءة والتعبير والإبداع، تقلصت نسب التطرف والمخدرات والعنف في تلك المؤسسات السجنية. بالتالي، هي خطوة اليوم هذه المبادرة المواطنة بين خطوات، يتمنى المرء جديا، أن تقلب معادلة الواقع السجني المغربي في أفق منظور، كي يصبح عدد من يقرأ هناك يتجاوز عدد مستهلكي المخدرات أو ممارسي العنف ضد الذات وضد المؤسسة السجنية. وهنا عمق معنى الإصلاح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.