الروح «رْخِيصة» قديما ولغاية اليوم، كانت هناك مقولة تتداول عبر الألسن مفادها أن «الروح عزيزة عند الله»، وهي مقولة تبين وبجلاء كيف ينظر «الجميع» لقدسية الحق في الحياة، خاصة عندما تزهق أرواح أبرياء من طرف بعض المجرمين الذين يعملون كل ما بوسعهم لإبعاد الشبهات عنهم ، لكن في آخر المطاف يكتشف أمرهم فيقدمون للعدالة لتقول كلمتها فيهم حتى يعاقبوا على جرمهم الشنيع. مقولة يبدو على أنها ومع انصرام الأيام، ستستبدل بأخرى للدلالة على واقع مأساوي مؤلم ينعدم فيه الشعور بالإنسانية والرحمة وبنبل قيمة الحياة، ألا وهو «الروح رخيصة»، كيف لا وهي التي أضحت تزهق بالجملة ولأتفه الأسباب، فتجد الزوج يقتل زوجته، والابن يقتل والدته أو والده، والخليل خليله، حتى أضحى مشهد الجثث يؤثث يوميات المغاربة، ويجد الجميع نفسه مجبرا على التعايش مع عناوين الإجرام المتعددة، التي تٌرتكب بعضها لأسباب تافهة، والتي تؤكد على أن الروح أضحت بالفعل رخيصة عند مرتكبي هذه الجرائم الوحشية! جرائم من هنا وهناك، فهذا زوج يقتل زوجته التي تبلغ من العمر 29 سنة بطنجة ليلة عيد الأضحى على إثر خلاف بسيط، تطورت تفاصيله بعد أن استل الزوج عصا ووجه بواسطتها ضربات إلى رأس وبطن الزوجة/الضحية، إلى أن فارقت الحياة، بينما اعتقل الزوج / الجاني تاركا وراءه يتيمين أحدهما يبلغ من العمر خمس سنوات والآخر لم يكمل سنته الثانية. وقبلها جريمة قتل اقترفها ابن في حق والده بكريان الرحامنة بلوك 15 بحي سيدي مومن بسبب «براد أتاي»، حيث وجه الجاني الذي يبلغ من العمر 36 سنة، وهو الابن البكر للضحية الذي يبلغ من العمر 50 سنة، طعنات بواسطة قنينة زجاجية من الحجم الكبير فارق الحياة على إثرها متأثرا بجروحه الغائرة، بعدما رفض الأب إعداد الشاي لابنه المخمور، الذي كان في نزاع قبل ذلك مع أحد أشقائه؟ ويتذكر الرأي العام ، كذلك، جرائم قتل تافهة ارتكبت بسبب سيجارة، دجاجة، هاتف نقال .... ودوافع أخرى، فارت أعصاب مرتكبيها الواعية منها أو المخدرة، الذين استلوا سكاكينَ ، أو استعانوا بقنينات زجاجية أو أية أدوات حادة وأوغلوها في أجسام ضحاياهم بكل برودة دم، هذا في الوقت الذي لم يكتف بعضهم بطعنة واحدة، بل نكّل بجثة ضحيته وعمل على تشويهها، في لحظة دموية لم تعرف استحضار أية قيمة من القيم الأخلاقية أو الإنسانية! آخر هذه الجرائم التافهة لحد كتابة هذه الأسطر هي تلك التي كان شارع أبو هريرة بمنطقة سيدي عثمان بالدارالبيضاء مسرحا لها، حيث جرت تفاصيلها القاتلة يوما واحدا بعد عيد الأضحى، وذلك حين تقدم أحد الأشخاص لاقتناء سيجارة من لدن بائع للسجائر طاعن في السن، الذي سلمه السيجارة وتسلم مقابلا عنها غير مكتمل تنقصه عشرون سنتيما، فطلب من المشتري إتمام مابذمته، وهو ما أدى إلى تطور الأحداث وتصاعدها، حيث دخل الطرفان في سجال وأخذ ورد، عمل الجاني على إثره، وفقا لشهادات متطابقة، على انتزاع كيس بلاستيكي من ضحيته به علب السجائر، الأمر الذي لم يتقبله المسن الذي قام من مكانه لاسترداد أغراضه ممسكا بالجاني، هذا الأخير لم يتوان في إحكام قبضته على الضحية واضعا عنقه بين ذراعه وإبطه، فعمل على خنقه «قراطاه» ولم يتركه إلا بعد أن لفظ أنفاسه حيث خرّ صريعا على الأرض؟ قتلى فارقوا الحياة، في لحظة انفلات عقل الجناة من عقاله، مجرمون تحت تأثير الخمور، أقراص الهلوسة، أو بدونها حتى، ارتكبوا جرائم، وتسببوا في تحويل زوجات إلى أرامل، وأبناء إلى يتامى، وحرمان آباء وأمهات من فلذات أكبادهم، واللائحة طويلة بأعداد المتضررين على المستويين المادي والمعنوي، من جرائم من هذا القبيل، وهي الجرائم التي ترتفع وتيرتها على الصعيد الوطني، بعيدا كل البعد عن التربية الأخلاقية وعن ما تم توارثه من قيم على مرّ قرون عدة، حتى أصبح قتل الإنسان لدى البعض كمن يدوس ذبابة بقدمه، وهو الأمر الذي لايمكن بأي شكل من الأشكال مواجهته بمقاربة أمنية زجرية لوحدها، لأنها ستظل عاجزة في غياب مقاربات أخرى تكاملية، يقوم فيها البيت والمؤسسة والشارع بأدوار جد مهمة وأساسية. [email protected]