يتساءل المرء كيف لإنسان أن يتجرد من آدميته ويفقد إنسانيته ويتحول إلى وحش كاسر، أو إلى مجرد «إنسان آلي» تتحكم فيه وساوس وهواجس مبرمجة، ويرتكب أفظع الأفعال في حق شخص قد لا يعرفه، أو صديق اطمأن إليه أو شريك له في نشاط تجاري ائتمنه على رزقه، أو في حقّ شقيقة أو شقيق له، أو حتى والدة أو والد أو جدّ منحه «الحياة» و«دثره» بالدفء والحنان ورعاه حتى اشتد عوده. جرائم غير عادية اهتزت مدينة وجدة على وقع جريمة بشعة ارتكبها شاب لا يتجاوز عمره 26 سنة، مساء الثلاثاء 27 مارس الماضي، في حقّ شقيقتيه بعد أن وجه إليهما العشرات من الطعنات بسكين إلى أن لفظتا أنفساهما الأخيرة. وأفادت بعض المصادر بأن الجاني يتعاطى المخدرات، وأنه فقد اتزانه وأصبح يفضل الانزواء والانطواء وانتابته شكوك ووساوس، أذكتها المخدرات، حول ربط شقيقتيه علاقات غرامية مع شبان. وفي نفس المدينة وبتاريخ 11 يوليوز 2011، قام شاب في ال25 من عمره بتوجيه طعنات قاتلة إلى جدّه بواسطة سكين حاد بعد أن وجه إلى زوجة جدّه عدة طعنات نتيجة شجار بسيط. وعثرت عناصر الشرطة القضائية ببركان بمنزل تم إضرام النار فيه على جثة رجل في الستينات من العمر، تبدو عليه آثار طعنات في أنحاء مختلفة من جسمه، فيما عثرت على جثة زوجته البالغة من العمر حوالي 40 سنة مذبوحة داخل المرأب. وارتكب الجناة هذه الجريمة المزدوجة البشعة من أجل سرقتهما قبل إضرام النار في المنزل ومحتوياته بما في ذلك جثتي الضحيتين ومحاولة طمس معالمها. وعرفت نفس المدينة، في يوليوز من السنة الماضية جريمة قتل راح ضحيتها مستخدم بالبنك الشعبي بمدينة بركان (42 سنة، متزوج وأب لأربعة أطفال) إثر تلقيه طعنة غائرة بسكين على يد متقاعد بالخارج أب لعشرة أبناء، معروف بسوء معاملته لجيرانه وسلوكه غير السوي واستعماله لألفاظ نابية. وشهدت مدينة الناظور، في فبراير الماضي، جريمة قتل بشعة من أجل سرقة هاتف نقال كان بحوزة الضحية (في ال17 من عمره) بحي عبد الخطابي قرب أحد الفنادق المعروفة. وتمكنت عناصر الشرطة القضائية بالناظور من توقيف الظنينين بعد ساعات من ارتكابهما هذه الجريمة الشنعاء، حيث اعتقلتهما ببناية كائنة بحي لعري الشيخ، واعترفا بالمنسوب إليهما. ولفظ شاب في العشرينات من عمره أنفاسه الأخيرة بالناظور، في يناير الماضي، بعد تلقيه طعنات قاتلة على يد صديقه عقب عودتهما من مدينة بني انصار، إثر نقاش حاد بين الصديقين تحول إلى شجار أسفر عن توجيه الجاني ضربة قاتلة إلى زميله. وذهب بائع متجول قاصر، في فاتح أبريل الماضي، ضحية جريمة قتل بعد أن رفض الجاني منحه مبلغا ماليا لا يتجاوز 70 درهما مقابل مساعدته في بيع الخضر، ما جعل مقترف هذه الجريمة يوجه طعنة قاتلة لمستخدمه على مستوى القلب، محاولا الدفاع عن نفسه، لاسيما أن الضحية هو من قام بإشهار السكين في وجه صاحب العربة. وبمدينة جرادة أقدم أحد الأشخاص، مساء الجمعة 4 ماي الجاري، على طعن شخص بواسطة سكين، مباشرة بعد نهاية صلاة المغرب وسط مسجد بدر بالمدينة. وأفادت بعض المصادر أن الجاني البالغ من العمر حوالي ستين سنة متقاعد من فرنسا وأب لستة أبناء، توجه، مباشرة بعد انقضاء صلاة المغرب، وباغت الضحية، وهو رجل في الخمسينات من عمره، ووجه له طعنات بسكين على مستوى العنق، سقط على إثرها وسط المسجد مضرجا في دمائه أمام اندهاش المصلين، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بمستشفى الفارابي بوجدة. وتعود أسباب هذه الجريمة التي اهتز لها سكان مدينة جرادة، إلى شكوك انتابت الجاني حول ربط الضحية علاقة غير شرعية مع زوجته. وبمدينة تاوريرت، نجحت مصالح الأمن في فك لغز جريمة قتل راحت ضحيتها امرأة في عقدها الثالث، إذ أحالت، صباح يوم السبت 24 دجنبر 2011، شخصا على محكمة الاستئناف بوجدة بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وإخفاء معالم جريمة وإضرام النار عمدا في جثة والعلاقة الجنسية غير الشرعية والسكر العلني. وشهدت مدينة العيونالشرقية، في 25 غشت 2010، جريمة قتل ذهب ضحيتها مواطن من مواليد 1981، إثر تعرضه لطعنات بسكين من طرف أحد شبان الحي (19 سنة يعمل سودور بحي التقدم)، نقل على إثرها إلى مستشفى الفرابي بوجدة، لكنه فارق الحياة في الطريق قبل وصوله إلى المستشفى. وحسب بعض المصادر من عين المكان، فإن الضحية خرج من المسجد بعد أداء صلاة العشاء والتراويح ليكتشف عددا من الشبان في إحدى الزوايا المحاذية لمسجد الحي يلعبون القمار ويتلفظون بكلمات نابية خادشة للحياء، فقرر التوجه إليهم ونصحهم بالابتعاد عن المسجد والكف عن لعب القمار، الشيء الذي جعله يدخل في مشادات كلامية مع الجاني الذي عمد إلى مباغتته بطعنة قاتلة على مستوى البطن بواسطة سكين كان بحوزته . وبمدينة فكيك لقي شخص مصرعه، في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء 3 نونبر2011، بعد أن تلقى طعنة قاتلة من صديق له على مستوى الصدر، بقصر زناكة بمدينة فكيك. وأثبتت التحريات الأولية أن الجريمة وقعت نتيجة مشادة بين الضحية والجاني، خلال جلسة خمرية، حيث تحول الخلاف إلى شجار أفضى إلى ارتكاب هذه الجريمة. واهتزت مدينة بوعرفة، ليلة الاثنين 12 يوليوز 2010 على وقع جريمة قتل بحي الشميط، راح ضحيتها «ب هشام»، البالغ من العمر 28 سنة متزوج وأب لطفلين عامل بالمهجر، على يد «ب الناير»، أعزب من ذوي السوابق، حيث سبق أن قضى عقوبة حبسية إثر ارتكابه جريمة اعتداء على فتاتين بواسطة السلاح الأبيض، كما أنه كان مبحوثا عنه على خلفية عدة جرائم من بينها الاعتداء على سائق طاكسي صغير ليلا بواسطة السلاح الأبيض من أجل سرقة ما بحوزته من نقود. وشهدت نفس المدينة، في سنة 2010، جريمة قتل بشعة خلال شجار بين أحد أبناء حي شميط وجنديين يعملان بالصحراء المغربية، استل على إثره الجاني مدية من الحجم الكبير وطعن أحد الجنديين في القلب وأرداه قتيلا فيما طعن صديقه في العنق والكلية اليسرى.
مخدرات وجرائم مجانية وبالرجوع إلى قراءة أولية في هذه الجرائم التي ارتكبت بمدينة وجدة وأحيائها الهامشية خلال السنتين الأخيرتين نجد أن عددها بلغ 18 جريمة، منها 07 خلال سنة 2010 و09 خلال سنة 2011 وجريمتين خلال الأشهر الأخيرة من 2012، وسجلت فيها 3 جرائم قتل في حقّ الأصول. وذهب ضحية جميع الجرائم 19 شخصا من الذكور و4 نساء تتراوح أعمارهم ما بين 17 و70 سنة لكن أغلبهم شباب. أما الجناة فجلُّهم شباب وفي مقتبل العمر ولا تتعدى أعمارهم ال40 سنة. وهناك 13 جريمة قتل بالضرب والجرح العمديين المفضيين إلى الموت و5 جرائم قتل عمد والضرب والجرح بواسطة السلاح الأبيض، تمكنت مختلف مصالح الشرطة القضائية بولاية أمن وجدة من إنجازها في ظروف قياسية وإيقاف الجناة والمتورطين. وعند التمحيص في أسباب الجريمة وظروفها يتبين أن هناك 9 جرائم اقترفت في ظروف كان أصحابها يتعاطون للمخدرات والخمر بنسبة تمثل 50 في المائة، فيما تمثل الخلافات العائلية، بما فيها الشك والخيانة الزوجية 6 حالات بنسبة تزيد عن 33 في المائة و3 حالات تهم الخلافات العارضة أو تصفية الحسابات. «بكل موضوعية وتجرد وبتفحص للأوضاع التي تمت فيها الجرائم خلال السنتين الماضيتين، يمكن أن نجزم بأن هذه الجرائم لا علاقة لها بالوضع الأمني، بحيث تم ارتكابها في ظروف مرتبطة بمسائل شخصية أو عائلية أو في وضعية بعيدة عن الأمن كجرائم الأزواج التي تتم في البيوت، أو تلك المرتبطة بالتعاطي لشتى أنواع المخدرات في المنازل أو البيوت المهجورة خلال ليال حمراء بين أصدقاء» يوضح أحد المسؤولين الأمنيين بوجدة ثم يضيف أنه لم تسجل أبدا حالة اعتداء في الشارع العام أو في الأسواق أدت إلى القتل، واعتبر تلك الجرائم مجانية. لا بدّ من الإشارة إلى أن نسبة الجريمة انخفضت خلال السنتين الأخيرتين مقارنة بالسنوات التي سبقتها بشكل ملحوظ بعد تراجع ترويج الأقراص المهلوسة بفضل الجهود الكبيرة والمتميزة وتدخلات فرق الأبحاث وباقي عناصر الأمن العمومي التابعة لولاية أمن وجدة، لكن يبقى الإدمان على الخمور والمخدرات بشتى أنواعها يقلق جميع شرائح المجتمع الوجدي، خاصة أن الجهة الشرقية توجد في مفترق الطرق لعمليات التهريب وترويج المخدرات. لقد أصبح العديد من الشباب يتعاطى مختلف أنواع الخمور «الصالحة» و«الطالحة» المهربة من إسبانيا عبر مليلية المحتلة، دون الحديث عن قناطير الكيف ومشتقاته الآتية من الشمال المغربي، كما تناسل المدمنون من «الشماكرية» المتعاطين لأنواع مختلفة من السموم من «الديليون» و«الديسولسيون» و«السيراج» و«لانكول» وغير ذلك. وأصبح المشهد الوجدي تؤثثه جلسات خمرية بين «شماكرية» ب«الجنانات» و«السبيكة» وتَعَوَّد المواطن الوجدي أن يتخطى أجسادا هامدة لشباب شبه موتى مترامية في أركان الشوارع والأزقة والبيوت المهجورة... يرى الدكتور الحسن خرواع، اختصاصي في الأمراض النفسية والعصبية والعقلية والأمراض الجسدية النفسية والإدمان على المخدرات أن العلاقة بين المخدرات والجريمة موجودة في جميع الدول، ذلك أن الأشخاص الذين يكونون تحت تأثير المخدرات هم أقرب إلى ارتكاب الجريمة بفعل تأثيرها على الجهاز العصبي، لما تولده من هلوسة واضطراب في الذاكرة واضطراب في السلوك والمزاج. فالمخدرات بكل أصنافها من مهيجة ومنومة ومنبهة كالأقراص المتداولة في السوق والمُعبَّر عنها ب«الروش 1» و«الروش 2» هي أدوية تعطى لبعض الأمراض العصبية، وخاصة الصرع، بجرعات محددة تحت الرعاية الطبية والنفسية. فالإنسان الذي يتعاطى هذه المخدرات يصبح مدمنا عليها لأنه يتناولها بكميات كبيرة خاصة أن مفعولها في الجسم لا يتعدى الأربع أو الخمس ساعات. ثم يؤكد الدكتور الحسن خرواع أن استهلاك هذه الأدوية المخدرة مع تناول الخمر يضاعف من الهيجان وفقدان السيطرة على الأعصاب ويدفع بالمدمن إلى ارتكاب الفعل الخطير. فقر وبطالة وتهميش يلاحظ أن جُل الجرائم ارتكبت بأحياء هامشية وفقيرة حيث تعشش البطالة وتستفحل الفاقة، وأغلب الجناة شبان (مابين 18 و40 سنة) ينحدرون من أحياء شعبية هامشية وبيوت القصدير وأسر فقيرة تعيش على عتبة العوز والحاجة وفي ظروف معيشية قاسية وغير كريمة. هؤلاء الشبان يعيشون البطالة ويتعاطون أنشطة بسيطة كبيع الخضر والسجائر بالتقسيط والملابس القديمة، ومنهم من يتعاطى للاتجار في المخدرات وترويج الخمور والبعض الآخر لأشياء أخرى نهارا ويعاقر الخمر والمخدرات ليلا... ولما يحكي أحد الشبان الغارق في المخدرات عن وسائله وطرقه التي تمكنه من الاستجابة لرغباته وإشباع إدمانه، يوضح أنه يتعاطى لبيع الخضر نهارا وترويج الخمر مساء. لقد تغير سلوك هؤلاء الشبان المدمنين على المخدرات، ويلاحظ عليهم سرعة الغضب والعدوانية والتهور، حيث إن جلهم مسلحين باسلحة بيضاء يستلونها كلما رأوا أن الأمر يتطلب ذلك وأصبحوا خطرين حتى على أسرهم ومحيطهم . إن العديد منهم اكتسبوا بفعل توافدهم على السجن حقدا وكراهية على المجتمع وفقدوا بذلك الشفقة والرحمة وبالتالي المواطنة، وأصبح السجن لبعضهم ملجأ ومحمية كلما ضاقت بهم المدينة، الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال حول دور السجن الذي يطلق عليه مصطلح «إصلاحية» في الوقت الذي قد يكون «إفسادية»، حيث يعتبر «مدرسة» لجميع المفاسد لعدة أسباب منها الاكتظاظ والشذوذ الجنسي والمتاجرة في المخدرات وسلطة القوة والقسوة والاختلاط بمختلف المجرمين من ذوي السوابق العدلية المتخصصين في جميع أنواع الجرائم. آراء المختصين إن للجريمة أسبابا أخرى بغض النظر عن الأوضاع الاجتماعية حيث هناك أسباب وراثية وعضوية ولكن فيما يخص الجميع، فهناك المكونات الشخصية الخاصة بالفرد، فليس كل من يتعاطى المخدرات يقترف جريمة، ما عدا أصحاب الشخصية العدوانية التي لها قابلية لارتكاب الجريمة ويكونون معرضين لارتكابها تحت مفعول المخدر. وفي نفس السياق، يرى الأستاذ محمد جوهر، اختصاصي في علم الإجرام بالمغرب أنه يصعب أن نتصور مجتمعا بدون حصته من العنف والجنوح بمختلف أشكاله. لكن يلاحظ، في السنوات الأخيرة، أن الجنوح وأفعال العنف بلغت حدا لا يطاق، وخصوصا في المدن الكبرى. وعلى مستوى آخر، يلاحظ أن الجنوح تطور كما ونوعا. وعن الأسباب يضيف «هناك عدة عوامل من أهمها الهجرة القروية والفقر وحزام بيوت القصدير والأحياء الهامشية الفقيرة التي تحيط بالمدن». ولا يتفق الدكتور أحمد خليفة مع هذه الأسباب، بحيث يرى أن الجريمة لا صلة لها بالتخلف أو التقدم أو مستوى المعيشة أو المستوى التعليمي، بل إن المفارقة هي أن الجريمة قد تكون أقل في المجتمعات شديدة التخلف، فإذا ما حدث ذلك فلا بد من اختلال العلاقات وظهور السلوك الانحرافي والذي قد ينسب عندئذ للتفكك القِيَمي وهو أمر ليس بهذا السوء إذ يكون أحيانا مقدمة للتطور الاقتصادي والاجتماعي. كما يؤكد على أن هناك إجرام الرفاهية وكثرة المال الذي يغري بالانطلاق ويخلق مشاعر الجشع واللامبالاة. ويخلص الدكتور خليفة إلى أن المجرم ليس نسيجا فريدا أو فئة خاصة ولكنه الإنسان حيث يكون عندما تتجمع وتتفاعل العناصر والظروف والفرص وتدفعه إلى طريق الانحراف . يرى بعض الأخصائيين في التربية وعلم النفس أن أحسن علاج لهذه الحالات هو الوقاية الأولية التي تبدأ في المحيط العائلي باختيار التربية الصالحة والرعاية الدائمة خلال ست سنوات الأولى في الوقت الذي يكون الطفل بصدد تكوين شخصيته، ثم التنشئة الأولى بالمدرسة التي تأخذ الطفل في مرحلة ثانية بالإعدادية مع الانتباه إلى مرحلة المراهقة التي تعد المنعطف الخطير في هذه الآفة. هذا كله يتطلب رعاية خاصة أسريا ونفسيا واجتماعيا لهذا يجب توفير مراكز رياضية وثقافية منتجة وداعمة.
عبد المجيد كمي: الظروف المادية والاجتماعية للشباب من أهم أسباب ارتكاب الجرائم - هل لشخصية المجرم خصوصيات؟ شخصية المجرم سواء في العالم أو بالمغرب وبالمنطقة الشرقية، لا تختلف عما هي عليه في باقي المعمور، ذلك أن الإنسان واحد والاضطرابات سواء النفسية العصبية أو السلوكية لا تختلف من بلد إلى آخر لكن التعبير عنها يختلف حسب الظروف التي يعيش فيها الإنسان حسب الديانة أو المجتمع الذي ينتمي إليه وحسب الطقوس أو العادات التي يعيش فيها الإنسان. فيما يخص الإجرام هناك أنواع كثيرة والنتيجة واحدة، لكن الدافع الذي يجعل الشخص يقترف جريمة قتل هو أنه يكون فاقدا لوعيه سواء لمرض يعاني منه الشخص أو يكون تحت تأثير مادة مخدرة أو سكر. ما هي الدوافع لارتكاب الجريمة؟ هناك الجريمة العاطفية التي تأتي عن دافع داخلي تدفع المجرم إلى قتل الشخص الذي يظن أنه أذاه، سواء بالغدر أو الخديعة والسرقة أو الاعتداء على الشرف، وهناك الجريمة النزوية، حيث يكون الدافع داخليا ويبدو للشخص أن القتل هو الحل الوحيد للخلاص مما بداخله ليجد الطمأنينة والراحة، لكن يصاب بالندم مباشرة بعد الجريمة لأنه إنسان غير فاقد لعقله وفعل فعله في حالة غضب أوقعته في الجريمة، وهناك حالة قتل تحت تأثير مخدر أو مسكر، وفي العديد من الحالات فمقترف الفعل لا يذكر ماذا فعل لأنه كان في حالة غيبوبة، وهناك الجريمة في حالة مرضية قصوى مثل المرضى المصابين بانفصام الشخصية. حيث ينتقل الشخص من حالة عادية إلى حالة غير طبيعية فيقتل أو ينتحر بدون سبب وهذا ما يسمى القتل العبثي أو الانتحار العبثي. وهناك أشخاص يتوفرون ضمن مكوناتهم البيولوجية على جينات تحتوي على خاصيات الإجرام وهي حالة توصف بالطبية الشرعية (un cas médico-légal). يعني بعبارة أخرى حالة يكون فيها الشخص عاديا وسويا ويزاول عملا معينا ولا تظهر عليه علامات، لكن قد يصاب بداخله بحالة اكتئاب ليجد في الجريمة خلاصه من القلق والاضطرابات النفسية. وهذه حالة معروفة يعالجها طب النفس. - هل يمكن التنبؤ بوقوع جريمة؟ يصعب على أي كان أن يتنبأ بما إذا كان سيصبح شخص ما مجرما. هناك بعض الحالات كالمريض نفسيا وهو الشخص الذي لا يعرف استقرارا فكريا ولا يستطيع الارتباط بأي مجموعة ولا يخضع لأي قوانين كانت ولو داخل جماعة من المجرمين أو الجانحين، وهو ذو مشاكل منذ الصغر مع المدرسة والإدارة والأسرة، أي له سلوك ضد مجتمعي وخارج دائما عن القانون ولو كان داخل عصابة، أي إنه شخص ضد المجتمع وضد القواعد وضد القانون وهو ليس له قانون وهو مجرم محتمل. وهو لا يرتبط بعمل وغير مستقر ومخالف للقانون وبذلك يعمد إلى التزوير والغش والسرقة... وليس له إحساس بالذنب. وبالمنطقة الشرقية شاهدت حالات منها جرائم الشرف كأن يقتل الزوج زوجته لمجرد الشك فيها. وينمو ذلك الشك ليصبح يقينا فيرى الزوج كل المبررات في سلوك زوجته لقتلها. أما الحالة الثانية فهي لشخص كان مريضا رغم أنه كان يعمل بشكل طبيعي وزاره زائر فقتله لمجرد خلاف تافه. وبعد ذلك تبين بعض فحص طبيب نفساني أنه كان يعاني من انفصام الشخصية. - هل بإمكان العلم أن يحدد ملامح المجرم؟ ليس هناك وجه واحد للمجرم. هناك وجوه كثيرة وعديدة دون الكلام عن المجرمين تحت تأثير المخدرات أو المسكرات، الذين لا يستفيدون من ظروف التخفيف ويعاقبهم القانون وفق بشاعة جريمتهم بحيث يعتبرون مسؤولين عن سلوكاتهم. إن تقطيع جثة القتيل أو التمثيل بها نابع من تلبية نزوة مرضية وحقد وغل لا يهدأ إلا بتلك الأفعال، وهناك الحالة القصوى كأكل اللحوم البشرية، أو كذلك الفاعل الذي يقتل ضحيته بضربة واحدة ثم يستمر في توجيه ضربات عديدة أخرى، رغم أن الجثة هامدة وهذه حالة مرضية. إذا كانت هناك حالات إجرام معزولة وأفتى فيها الأخصائيون بكونها حالة مرضية للفاعلين وحكم بعلاجها. فعلى الكل أن يتولاها لأن الفاعل يعاني أيضا مما اقترفت يداه ويعيش كوابيس وتضطهده صور ضحيته مما يؤدي بالكثيرين منهم إلى الانتحار لأنهم لا يجدون مخرجا. وحين يقضون عقوبتهم فمن واجب المجتمع أن يساعدهم على الاندماج حتى يربحهم بدل أن يخسرهم. - هل هناك أسباب أخرى لارتكاب الجريمة؟ إن الظروف التي يعيشها الشباب، المادية منها والعائلية والاجتماعية وتزيين الجريمة لبعضهم البعض وتعاطي المخدرات تؤدي بهم إلى صراعات وخصومات بالإضافة إلى المشاكل النفسية، وربما بسبب تافه تحدث جريمة، كالأستاذ الذي قتل بالعرائش عند مدخل المدرسة وكانت هناك حالة مماثلة بالقنيطرة. ويتساءل الإنسان إن كان المشكل، وكيف ما كان، يساوي فعلا هذه الروح البشرية. اختصاصي في الأمراض النفسية والعصبية ومجاز في علاج الإدمان على الخمر والمخدرات