رغم مرور حوالي 6 قرون على تأسيسها خلال أوج قوة عطاء الدولة السعدية ، التي ترمز إلى عنفوان مغرب العصر الحديث، فقد ظلت مدينة أبي الجعد إحدى القلاع التاريخية المنسية في إطار المغرب المهمش، وظل التفكير فيها حبيس مقولة ( بلاد الشرفة) ، مدينة وإلى الأمس القريب طالها الإهمال السياسي بثوبه التنموي رغم قرب بعض أبنائها من مركز القرار العالي. باستثناء التجربة البرلمانية والبلدية الاتحادية التي ساهمت بشكل مباشر في رفع الغبن التنموي عن المدينة ومحيطها القروي.. وهاهي الحاضرة الشرقاوية تحتضن موسمها الروحي والديني والذي تطرح معه عدة أسئلة مقلقة ومستفزة حول ظروف وبرنامج تنظيم مثل هذه التظاهرة الوطنية: بالفعل وحسب برنامج التظاهرة، سيتكرر سيناريو السنوات القليلة الماضية: أمواج بشرية هائلة من الزوار..بنية استقبال مهترئة وضعيفة..جبال من الازبال والنفايات وجحافل من الذباب والناموس والبعوض.. مستوصفات ومستشفى بدون اطر طبية ونقص حاد في الخدمات الصحية ، خاصة بعد الكارثة الصحية الأخيرة بالمدينة بعد أن توافد المواطنون والمواطنات على المستشفيات والمستوصفات عقب شربهم للماء الصالح للشرب بعد أن تسربت إليه كميات مهمة من المواد البترولية المجهولة المصدر، وهو ما قد يتكرر خلال هذا الموسم؟.. الطرق الرابطة بين أبي الجعد ووادي زم وقصبة تادلة والفقيه بن صالح في وضعية سيئة وغير قادرة بالمرة على استقبال الكم الهائل من السيارات والحافلات والشاحنات أيام الموسم..غياب فضاءات للترفيه وللأنشطة الثقافية لمساءلة إشكالات التنمية بالمنطقة..الاستهلاك المفرط لمادة الماحيا (ماء الحياة المنتجة محليا وبكميات وافرة) مما يؤدي يوميا إلى موجات من هستيريا العنف بكل أشكاله.إن المتتبع لبرنامج هذه السنة سيلاحظ كذلك اجترارا في الأسماء والعروض التي لن تخرج عن نطاق اجترار لمقولات ماضوية تحاول دوما أن تجعل من تاريخ المنطقة حمولة دينية جامدة وغير قابلة للتحول وللنقاش العلمي، خاصة وأن الزاوية الشرقاوية ومحيطها القروي يمكن قراءته ومساءلته أيضا من زوايا متعددة يتداخل فيها السياسي بالاجتماعي والاقتصادي والتنموي عكس من يريد رهنه بقراءات أحادية جامدة تختزله في فقه النوازل وتاريخ الأعلام فقط.. إن الاقتصار على نفس مجموعات المادحين والقراء أصبح شيئا مألوفا لدى الساكنة ولدى الزوار، ونفس الوجوه تحضر ولائم المشوي والكسكس البلدي داخل أفخم القاعات والبيوت ، مما يطرح معه أسئلة من مستوى اكبر حول مصدر تمويل بعض مظاهر البذخ هذه في ذكرى الاحتفال بأحد أهم رموز التقشف والزهد والنسك في مغرب العصر الحديث العلامة سيدي بوعبيد الشرقي.. وحتى توقيت انعقاده انحرف عن مساره التاريخي، إذ كانت تحضره قبائل زيان وبني عمير والشاوية والسماعلة.. مباشرة عقب انتهاء موسم الحصاد ، عكس الآن، إذ يحتفل به بداية كل موسم دراسي مما يؤثر على سير الدراسة بالمنطقة كلها... إن الارتجالية والفوضى وطبيعة العروض والولائم لاتعكس الوجه الحقيقي ولا الإرث التاريخي والسياسي والصوفي للمنطقة: فأين نحن من الموائد المستديرة التي كانت تنظمها جامعة محمد الخامس بالرباط، والتي كان الإعلامي سعيد كبريت من إذاعة طنجة ينقلها مباشرة عبر الهواء؟ وأين هي ارتسامات المبدع إدريس الخوري وهو بسائل رمزية الفضاء؟ وأين هي كاميرا داوود أولاد السيد وهي تتجول بين صابات ورياضات الزاوية الشرقاوية؟ وأين نحن من إبداعات ناس الغيوان ولمشاهب ومسناوة وتكادة والحسين بنياز والطيب الصديقي وثريا جبران ..ليضع بذلك الاتحاديون حدا لتظاهرات الجدبة والرعونة وثقافة التضبيع التي عادت إلى الواجهة في عهد المسؤولين الجدد من مكونات الفريق الحكومي الحالي بالمجلس البلدي..؟ وكل هذا يستهدف الذات البجعدية داخل وخارج هذا الفضاء الروحي. فأبي الجعد تستحق أكثر من تاريخ مغبون بين السطور يتم اجتراره على إيقاع الموائد الدسمة. كما ان الزاوية الشرقاوية بكل موروثها الحضاري والديني والصوفي الكبير ..هي ملك لكل البجعديين الذين هم بالفطرة شرقاوة بالانتماء للمجال ورمزيته، وهي فوق التجاذبات السياسية والعائلية والجمعوية ، فهي تاج فوق رؤوس كل البجعديين وكل المغاربة..