ليكن المنطلق هو توصيف الثقل الروحي للزاوية الشرقاوية ولحفدتها من الأكرمين، والمتمثل في موسم سيدي بوعبيد الشرقي، الذي يتطلب تنظيمه بداية خريف كل سنة توفير الإمكانيات البشرية واللوجيستيكية لاستقبال هذه التظاهرة ذات الجذور الروحية والصوفية الصرفة، والتي يحج إليها المغاربة من كل حدب وصوب، وتحظى بالعطف الملكي من خلال الهبة السلطانية التي ترسل لأبناء وحفدة هذا القطب الصوفي الشهير. فكيف يمكن استثمار هذا الإرث الروحي بحمولته التاريخية في تهيئي شروط التنمية المستدامة ؟ إن موسم أبي الجعد، الذي ستنطلق فعالياته مطلع شهر أكتوبر المقبل أيام 10 11 12، كان موضوع مادة فكرية دسمة ، اختلف تحليلها باختلاف اتجاهات أصحابها، وإذا كان الدكتور احمد البوكاري في كتابه الزاوية الشرقاوية يدافع عن الحمولة الرمزية الفكرية لهذه الزاوية وخاصة القرون 16-17-18 م، فان الانتروبولوجي الأمريكي دايل أيكلمان في كتابه الإسلام في المغرب ظل ولازال يعتبر المنطقة مجالا تتجاذب فيه كل أنماط الإسلام «السلوكات» بينما بقي كل من الافراني والناصري والمعداني.. ينظرون إلى أبي الجعد المدينة والزاوية كملجأ للمريدين والمهمشين والمضطهدين والمظلومين وطالبي النصيحة والوساطة مع المؤسسة المخزنية. وهذه الأدوار تلاشت كما تلاشت أدوار باقي الزوايا. إن أبي الجعد المدينة والزاوية أكثر من أن تكون تاريخ مغبون ومقصي ومنسي، إنها الفضاء التاريخي الروحي، كما أنها المستقبل الذي يتأسس على ماضيه وتاريخه وتقاليده كما عبر عن ذلك الفنان والمخرج حكيم بلعباس في «خيط الروح». ويبقى السؤال المطروح : كيف سيتعامل فقهاء المجلس الحالي مع تمويل مثل هذه التظاهرات، وهم الذين ظلوا في المعارضة السابقة من أكثر المنتقدين لما اعتبروه تظاهرة الفسق والمجون، وهم الذين نظموا السنة الماضية تظاهرة هز البطون بمناسبة انعقاد ذلك الموسم! ولماذا لم يتم عقد دورة استثنائية خاصة بتنظيم الموسم واطلاع كل أعضاء المجلس على ميزانيته؟ ثم ما هو بديلهم ومشروعهم الثقافي في هذا الاتجاه إذا كان الموسم بالنسبة لهم ظاهرة ثقافية مميعة؟ أم أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان؟ وإذا كذلك، فلماذا المعارضة وليس أي شيء أخر غير استعمال لغة الخشب الرنان بالأمس القريب ....؟ ولماذا استسلم مكتب المجلس الحالي لما كان يدعيه وهو في المعارضة، لمظاهر الفسق والفجور وهو يهرول بحثا عن تمويلها بملايين السنتيمات لإقامة ولائم المشوي للضيوف وللأحباب من رفاق الأغلبية المسيرة؟ وهل ستجتهد الرئاسة في تقديم بلاطو ثقافي مميز على غرار ما كان يقمه الاتحاديون كالغيوان ولمشاهب والحسين بنياز والطيب الصديقي وعبد الحق الزروالي وثريا جبران وداوود أولاد السيد....أم أن الكلمة الأولى ستعطى ل«الكمنجة والبندير والطعريجة»؟ عند إدريس الخوري، الضريح لدى المغاربة هو فرويد، لذلك تحولت المواسم إلى أدوات لتفريغ الكبت من زاوية الحلول الجسدي، وهو ما أبعدها عن بعض وظائفها الحقيقية، إذ ظلت في فترات من تاريخ بلادنا تشكل جامعات علمية للدراسة والتحصيل والتكوين، وفي فترات أخرى رباطات تجند المغاربة لمواجهة الخطر الإبيري المهدد لوحدتنا الترابية. وتعد الزاوية الشرقاوية استثناء في هذا السياق، إذ لعبت أدوارا متميزة جدا في نشر ثقافة الإسلام الحقيقية المبنية على التفاعلات المتبادلة، وعلى بساطة المبادئ كما تمكنت من تكوين نخبة جد متأصلة في حقول الشريعة والحياة. بل الأكثر من ذلك، أنها انخرطت في صياغة فهم متقدم لهذه الحقول ... وإن كانت بعض الجهات المعارضة سابقا والمسيرة حاليا، وإلى وقت قريب تعمل من أجل الحد من هذا الإشعاع، بدعوى محاربة التبدير والمجون المصاحب لمثل هذه التظاهرات.. فأي دور يمكن للمواسم الروحية أن تلعبه؟ لقد عشنا، ولانزال على إيقاع المواسم في بعديها الثقافي الصرف «أصيلا»، والديني، والاجتماعي، والثقافي بكل صحوتها المتداولة رسميا وحتى شعبيا « مولاي عبد الله، سيدي محمد بن سليمان...»، ويعد الموسم الديني لمدينة أبي الجعد أحد أهم هذه المواسم وطنيا وجهويا بحكم رمزيته الروحية «موطن حفدة الخليفة الراشيدي عمر بن الخطاب»، أو بحكم رمزيته الروحية أو بحكم ما راكمه عبر التاريخ ، حفدة مؤسس أبي الجعد سيدي بوعبيد الشرقي «القرن 16م»، من كرامات ونفوذ ديني، وأحيانا سياسي بين قبائل الشاوية ورديغة وزيان وبني موسى وبني عمير، لا سيما أن مرجعيته الصوفية التي كانت لها مكانة خاصة لدى الإسلاميين الرسمي والشعبي، أي القناة الشاذلية-الجزولية في وقت تجاذبت فيه الطرقية والمذاهب الدخيلة كلما مرت البلاد بأزمة سياسية وفراغ روحي. هذا التجاذب والاهتمام بأبي الجعد المدينة و الزاوية، لم تفرضه نوستالجيا جاهزة أو مواقف أنية بل تجاذب يصب في اتجاه الاهتمام بالتاريخ الوطني. اهتمام اتخذ عدة مستويات يتقاطع فيها السياسي والتاريخي والإثني والصحفي والسينمائي والفلسفسي ... ويتأسس على تساؤول بنيوي ومشروع، كيف لهذه القلعة التاريخية أن عاشت منسية ومهمشة طيلة أزيد من خمسة قرون؟ ألا يمكن توظيف التاريخ لتأسيس ثقافة تنموية حقيقية؟ وهل نكتفي فقط باستحضار التاريخ للتفرج عليه؟ أسئلة كانت ولا تزال منطلق نقاش علمي بين مكونات الأسرة «البجعدية» ظل الصمت يلازم التفكير الشجاع حولها.