بعد 60 سنة من المنع، في التحضيرات الصيدلية الفرنسية سنة 1953 ، تستعد نبتة القنب الهندي للعودة رسميا إلى الصيدليات من خلال ظهور أول دواء أساسه هذا المخدر (ساتيفكس) المتوفر في حوالي 20 بلدا، والذي قد يعرض للبيع في فرنسا مع نهاية 2014 أو بداية 2015. ومن المقرر أن تصدر الوكالة الوطنية لأمن الدواء والمنتجات الطبية (ANSM) قرارا في غضون الخريف المقبل، بخصوص طلب الترخيص بالبيع الذي توصلت به في يوليوز الماضي. وإذا ما تم الترخيص ، وهو ما يبدو محتملا جدا بالنظر إلى الرغبة السياسية الواضحة بفتح ملف الاستعمالات الطبية للمخدر، ويتعين على المرضى انتظار تحديد سعر الدواء ومستوى التعويض من طرف التأمين الصحي، سانيفيكس وهو دواء في شكل بخّاخ فم يدمج مكونين أساسهما القنب الهندي، قد يوصف كعلاج للمرضى المصابين بتشنجات ناتجة عن تصلب الصفائح. الاستعمال الطبي للقنب الهندي المعترف به في عدد متزايد من الدول ضمنها كندا، وحوالي 20 ولاية أمريكية وبريطانيا واسبانيا بمواصفات مختلفة، ظل لفترة طويلة موضوعا حساسا في فرنسا ومصدر نقاشات حادة بين السياسيين والاطباء ، وقد تم اجتياز خطوة أولى يوم 5 يونيو الماضي من خلال نشر مرسوم يسمح بطرح أدوية تحتوي على القنب الهندي أو مشتقاته للبيع كانت ممنوعة، مثل المنع الذي يطال استهلاك أو حيازة هذه المادة الممنوعة، والاستثناء الوحيد هو سلسلة من التراخيص المؤقتة للاستعمال بالنسبة لدواء مارينول، الذي يباع في عدة دول. وخلال 10 سنوات استفاد حوالي مائة مريض (من أصل 150 طلبا) من هذه المسطرة الصارمة بالنسبة للأطباء على المستوى الاداري، إلا أنه لم يسبق أن منح ترخيص مؤقت بالاستعمال بالنسبة لدواء SATIVEX. وهذا المرسوم سيسهل وصول المرضى لهذا النوع من الأدوية. وأيضاً سيفتح الباب لتجارب كلينيكية. لكن الإطار سيبقى محدوداً. وتؤكد مصادر وزارة الصحة الفرنسية أن «الإنتاج الذاتي للقنب الهندي أو المنتوجات التقليدية غير منصوص عليها في المرسوم». أما عن الترخيص للاستعمال الترفيهي للقنب الهندي، فإن الأمور لن تتغير. وإذا كانت المواصفات العلاجية الموجودة في القنب الهندي (حوالي 75 نوعاً تم تحديدها في النبتة) تلقى إقبالا متزايداً من الباحثين والأطباء، فإن اكتشافها قديم. ويؤكد عالما الإدمان أمين بنيمينة وليزا بليشا من المستشفى الجامعي بول بروس، فيل جويف بباريس في مقال علمي نشر سنة 2012 أن «أولى الإشارات عن القنب الهندي توجد في وثيقة طبية صينية يعود تاريخها إلى 2700 قبل الميلاد، تصف استعماله في معالجة داء النقرس أو داء المفاصل أو مرض الملاريا أو الروماتيزم...». وحسب الباحثين، فإن القنب الهندي بيع بشكل واسع كمضاد للألم من سنة 1845 إلى 1885. وكان مفعوله أفضل من مفعول الأوبيوم لأنه «كانت له آثار جانبية أقل، ومؤشرات أقل على فقدان القدرة البدنية، وكان ثمنه أرخص». وتراجع استعماله الطبي مع وصول مخدرات جديدة، وخاصة ظهور الأسبرين التي يبقى استعمالها أسهل. وبالنسبة لخبراء مرض تصلب الصفائح، وصول دواء SATIVEX إلى الأسواق خبر سار، ويعتبر البروفيسور تيبومورو، رئيس قسم الأعصاب بالمستشفى الجامعي بديجون أنه «لفترة طويلة يركز البحث حول وضع علاج في العمق أنيق ومكلف يهدف إلى إبطاء تطور المرض، ولكن البحث عن أدوية تسمح بتخفيف الألم اليومي عن المرضى، كان مهملا... والكثير من المرضى يؤكدون أنهم يحصلون على القنب الهندي من أجل مواجهة التشنجات والألم، وهم ليسوا جميعاً من مدخني اللفافات». ويتميز دواء ساتيفيكس SATIVEX بأنه تم تقييمه كدواء وإخضاعه لدراسات سريرية صارمة، ويؤكد البروفيسور مورو أن «فعاليته بسيطة ولكنها مهمة على مستوى التشنج، ويبدو أن له آثار إيجابية على النوم ربما بسبب تخفيف الآلام. وهذا الدواء له مفعول لدى 30% إلى 50% من المرضى، ولكن بالنسبة لجميع أشكال مرض تصلب الصفائح. أما بالنسبة لمخاطر الآثار الجانبية وسوء الاستعمال، فإنها لا تطرح في نظره أية مشاكل حقيقية، فالآثار العصبية للمنتوج شبه منعدمة... وإلى جانب آلام تصلب الصفائح، يمكن الدواء ساتيفيكس وأدوية أخرى مستخرجة من القنب الهندي، أن تعطينا على المدى البعيد مؤشرات أوسع في طب الأعصاب، ومن الممكن أن تكون لها آثار إيجابية على تشنجات و آلام لها أسباب أخرى ... ومن المحتمل أن تكون لها آثار أخرى على تصلب الصفائح. وحول الإرتعاش، بل وحتى تقدم المرض، وهذا الدور العصبي الوقائي يوجد قيد الدرس، وبدأت تصدر بخصوصه بعض الدراسات. على المستوى الجزيئي أو الذري، تكون للقنب الهندي آثار على مستويات متعددة. فهناك لواقط من نوع 1، تصنف عادة كلواقط مخدرة، متواجدة في عدة مناطق من الدماغ معنية بالمسالك الإحساسية للألم. وهناك لواقط من نوع 2 توجد أساسا في خلايا المناعة ولها أثر في تنظيم الردود المناعية، حسب الدكتور أمين بنيمينه، وهي آلية تغير جزئيا الآثار الإيجابية على شهية الأكل التي لوحظت لدى المرضى بالسيدا. ويضيف هذا الباحث أن «للقنب الهندي ومشتقاته خصائص مهمة ظلت لفترة طويلة مهمشة. حيث يؤاخذ عليها آثارها الإدمانية، وهي آثار توجد في كل المهدئات». ويؤكد الباحث أنه «في مجال الألم، الآثار الأكثر دراسة وتوثيقا هي الآثار المتعلقة بالآلام المزمنة خاصة لدى مرضي السرطان أو السيدا.. ويضيف البروفسور ألان سيري ، مسؤول بمركز الألم بأحد مستشفيات باريس، أن «الدراسات المتوفرة في فرنسا قليلة ولكن يبدو أن الأدوية المشتقة من القنب الهندي تخفف الآلام، العصبية المتمردة على العلاجات الأخرى ، وبالإمكان أن تجد لها مكانا». ومن المقرر أن يعقد خبراء الألم اجتماعا علميا حول هذا الموضوع يوم 20 شتنبر في دوسلدورف بألمانيا. ويتم استكشاف مؤشرات أخرى حيث «تجرى دراسات وصلت مستويات مختلفة في أمراض أخرى.. حيث تجري في الولاياتالمتحدة تجارب سريرية على مرضى مصابين بنوبات عصبية، وهي ابحاث مهمة... حسب الباحث بنيمينه، لكن يجب التعامل معها بدقة وحذر، لأنه لدى الشباب، استهلاك القنب الهندي متهم بتشجيع و تطوير أعراض مرضية منها الشيروفرينيا... إضافة الى أن العديد من الأطباء يبدون تحفظات حول المكونات التي أساسها القنب الهندي في الصناعة الصيدلية، ويؤكد الطبيب الصيدلي فرانسوا شاست أن «هناك بعض الإمكانيات ، ولكن على العموم، هناك دائما بدائل علاجية أخرى في المجالات التي تقترح فيها هذه الادوية، وفي كل الاحوال فإنه يدعو الى الحد من مجال القنب الهندي الطبي في المجال الحصري للادوية التي تحصل على ترخيص بدخول السوق، وعدم توسيعه الى تحضيرات تقليدية غير متحكم في مكوناتها. وحتى في الدول المتقدمة في هذا الملف، مثل سويسرا، فإن التحفظات تبقى قوية، وتؤكد الدكتورة باربارا بروور مسؤولة وحدة الادمان بالمستشفيات الجامعية بجنيف، ان هناك جهلا بالموضوع لدى الهيئة الطبية ، وفي التكوينات المستمرة للاطباء، يتركز الحديث بالخصوص على الافراط والادمان على المادة، والمعرفة المرتبطة بالقنب الهندي ومكوناته ولقائطه وأهميتها الطبية معرفة حديثة، ولم يتم على العموم ادماجها في الدراسات الطبية. وعلى العموم ومع تحقيق خطوة حول الموضوع، وهناك تخوف كبير من ان يكون ذلك سبيلا نحو السماح بالاستهلاك. و هو شيء محبط. اما المرضى فلم يتنظروا المرسوم لتخفيف آلامهم عن طريق القنب الهندي. وتؤكد سارة دونيس المصابة بتطلب الصفائح منذ 10 سنوات، انها تدخن لفافات محشوة بالقنب الهندي منذ ثلاث سنوات ولا تستطيع الاستغناء عنها. كما يؤكد مريض آخر مصاب بالتهاب العضلات أنه ربح سنوات من الحياة بفضل القنب الهندي. وتؤكد عدة جمعيات للدفاع عن مستعملي ومستهلكي المخدرات وجمعيات للمرضى الذين يلجأون للقنب الهندي للعلاج، ان المرسوم يصل الى أبعد مدى. ويؤكد رئيس احدى الجمعيات ان العديد من الاشخاص لن يستطيعوا الوصول الى هذه الادوية في الوقت الذي بإمكانها التأثير في الآلام المرتبطة بالسرطان والانهيار العصبي والنشاط المفرط في العمل وتلعب دور المساعد للتحول. وتؤكد احدى جمعيات المستهلكين ان المنتجات المشتقة من النبتة الطبيعية غالبا ما تكون اكثر فعالية من دواء ساتيفيكس او مارينول، و هناك فرق شاسع بين المعلومات المتداولة و المستعملين . وتأمل هذه الجمعيات ان تدرس فرنسا جميع المؤشرات والمعطيات المعترف بها في دول اخرى، وتجرب مختلف الاعراض وتطلق الابحاث في الموضوع. وتدعو هذه الجمعيات ايضا الى السماح والترخيص بالمستحضرات المرتبطة بزهرة القنب الهندي التي تنتجها احدى الشركات الهولندية، هذه الشركة المعتمدة من طرف وزارة الصحة الهولندية تراقب انتاج القنب الهندي المخصص للاغراض الطبية. وهي الوحيدة المرخص لها بالبيع بالصيدليات في هولندا. حيث يشتري الدواء مابين 750 الى 1000 مريض بوصفات من الطبيب وتصدر منتوجها لنفس الاغراض الى دول اخرى كايطاليا وفلندا وألمانيا وبولونيا والتشيك. ومن أجل دفع الامور الى الأمام، تنظم احدى الجمعيات الفرنسية المدافعة عن استعمالات القنب الهندي في المجال الطبي الشهر المقبل، ندوة حول الموضوع في ستراسبورغ بمشاركة خبراء أجانب. حتى الآن يلجأ العديد من المرضى الى الانتاج الذاتي وهم بذلك يخرقون القانون .وتؤكد احدى الجمعيات ان الاعتقالات كثيرة والاحكام قاسية في الغالب، لان المحاكم حتى الان ترفض قبول الحديث عن استعمال القنب الهندي للاغراض الطبية. وتطالب الجمعيات بإصدار مذكرة عدم المتابعة بالنسبة للاستعمال الشخصي والانتاج الذاتي للقنب الهندي اذا ما قدم المعني بالامر شهادة طبية تثبت الاصابة بالاعراض المحددة. مطلب لا يبدو أنه مطروح على جدول الأعمال. »