في برنامج حواري »ملف للنقاش« بثته أول أمس قناة »ميدي 1 تيفي«، أجمع مختلف المتدخلين على خطورة المرحلة التي يمر منها الاقتصاد الوطني، والتي تستوجب إرادة سياسية تغلب منطق المصلحة العليا للوطن على الحسابات السياسية والانتخابية الضيقة. دومو: الحكومة تفتقد الشجاعة السياسية قال الاقتصادي عبد العالي دومو، عضو الفريق الاشتراكي، إن اقتصاد البلاد يسير نحو وضعية أكثر خطورة ما لم تتحل الحكومة بالشجاعة والجرأة السياسية لمباشرة الإصلاحات الاستعجالية التي تأخرت كثيرا في تنزيلها، واعتبر دومو أن خطورة المرحلة تقتضي من الطبقة السياسية اليوم أن تتحمل مسؤوليتها في الإصلاحات ولو اقتضى الأمر تأدية الضريبة الانتخابية عليها تماما كما أدى الاتحاد الاشتراكي الضريبة على تحمله المسؤولية لإنقاذ البلاد من السكتة القلبية التي نبه إليها الملك الراحل الحسن الثاني. وقال دومو إن هذه الاصلاحات ضرورية وتنطوي على مخاطر سياسية واجتماعية ولا يمكن للحكومة أن تقودها منفردة بل بإشراك الجميع فيها، معارضة ومجتمعا مدنيا..واعتبر دومو أن الاصلاح الجبائي من أهم الاصلاحات ذات الأولوية التي يجب الاسراع بها إذ ليس من العدل أن يستمر المأجورون وحدهم في تأدية 87 في المائة من الضريبة على الدخل وألا تؤدي 2 في المائة من المقاولات 80 في المائة من الضريبة على الشركات.. كما أن إصلاح القانون التنظيمي للمالية مثلا يعد من أهم الاصلاحات الآنية التي مازالت تتعثر منذ أزيد من سنتين، حيث إن الدولة تنفق سنويا 190 مليارا من الاستثمارات العمومية وهو ما يمثل 35 في المائة من الناتج الداخلي الخام ، بينما هذه النسبة لا تتعدى 20 في المائة في الدول الشبيهة لنا، غير ان وقع هذه الاستثمارات على الحياة اليومية للمواطنين في الصحة والتعليم والامن والتشغيل .. يبقى ضعيفا ولا يرقى إلى تلبية الحاجيات الأساسية للمواطنين الذين يشعرون بنسبة رضا متدنية بالمقارنة مع الدول التي تنفق أقل منا، وهو ما يطرح إشكالية النجاعة في الاستثمارات العمومية وضعف مردودية الأداء الحكومي. ولمعالجتها لابد من إصلاح القانون التنظيمي للمالية الذي من شأنه أن يحسن هذه المردودية عبر فتح الباب أمام المحاسبة والمساءلة في كل ما يتعلق بصرف المال العام. واعتبر دومو أن تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأخير، وإن كان يسلط الضوء على الاختلالات الكبرى التي يعرفها المشهد الاقتصادي والاجتماعي ببلادنا، إلا أنه مع ذلك يبقى ناقصا من حيث إغفاله قراءة هذه المعطيات في مسار متواصل ومقارنتها بالسنوات السابقة لإبراز التراكمات والقطائع حتى يتسنى الخروج بتوجه استراتيجي واضح. فاقتصاد المغرب ، يضيف دومو، عرف منذ 1999 إلى 2000 وتيرة نمو في حدود 3 في المائة وارتفع معدل النمو في العقد الموالي أي من 2000 إلى 2010 إلى متوسط 5 في المائة غير أنه منذ 2011 بدأنا نشهد تراجعا في النمو إلى 3.5 فيالمائة وهو معدل مرشح لمزيد من التراجع خلال ما تبقى من عمر الحكومة إذا ما استمرت هذه الوتيرة مع ما يعنيه ذلك من تقلص فرص الاقتصاد على خلق فرص الشغل . وقد بدأ ت الحكومة في نهج التراجع بعدما تقلصت ميزانية الاستثمار العمومي ، التي تعد محرك النمو في المغرب، من 190 إلى 180 مليار درهم ، بل إنها فاقمت الوضع عندما لجأت إلى حذف 15 مليار درهم من هذه الميزانية. اكرين : الاصلاحات تحتاج الى مجازفة سياسية خطيرة محمد اكرين عن التقدم والاشتراكية اعتبر أن تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي كان صريحا وقدم الأمور من غير تنميق ولا محاباة ،وأنه وضع الأصبع على مكامن الخلل في تنافسية الاقتصاد والمقاولة . واعتبر اكرين أن معضلات التنافسية في المغرب لا تهم الحكومة وحدها بل جميع مكونات المجتمع برمتها، مؤكدا أن معركة الاصلاحات هي معركة جميع المغاربة ، صحيح ، يضيف اكرين أن الحكومة هي التي تتخذ القرارات وهي التي تقرر وتتحمل تبعاتها ، غير أن ذلك لا يعني أن هناك تراكمات واستمرارية في المشاكل والمكاسب تماما كما هو ملف التغطية الصحية الذي يشكل استمرارا لعمل الحكومة السابقة . وأوضح محمد اكرين أن الحكومة لم تتخذ القرارات الضرورية في الوقت المناسب خصوصا بالنسبة للملفات الشائكة كالمقاصة والتقاعد والإصلاح الضريبي .. وعزا كرين بطء الأداء الحكومي إلى تعثر الوضع السياسي ، وهو وضع غير مستقر منذ نونبر من السنة الماضية وهو ما يؤثر على معالجة الملفات الكبرى كملف التقاعد وملف الحوار الاجتماعي.. ومثل دومو، يرى اكرين أن هذا التأخر ناتج عن كون تدبير هذه الملفات مبني على انتظار التوافقات في حين أن الحكومة يجب أن تتحمل مسؤولياتها ، وأعطى اكرين نموذجا بملف التقاعد مثلا ، حيث هناك لجنة وطنية تشتغل عليه منذ 10 سنوات دون أن تكونهناك نتائج ملموسة. وقال اكرين إن الاصلاحات تنطوي على مجازفة كبيرة من الناحية السياسية ، وطبيعي أن كل أغلبية ستحاول أن تقلص هامش المخاطر التي قد تدفع ثمنها وكل من يتحمل المسؤولية يتلكأ حتى تكون الخسارة محدودة. وقال اكرين إن هذا المجلس قادر بمكوناته المتنوعة على تأسيس أرضية وخلق آلية للتشاور بين الأغلبية والمعارضة ومكونات المجتمع المدني.. وأضاف ان الوضعية لا تسمح بالمزايدات والحكومة معطلة منذ نونبر والمواطنون سيحاسبونها ولكن هناك واقع سياسي يجب ألا نتكتم عنه وهو ما اعتبره اكرين المدخل الحقيقي للإصلاح، ألا وهو الوضع السياسي القائم الذي يحتاج إلى أحزاب ذات مصداقية وليس إلى احزاب ضعيفة جدا ، حيث الحزب الحاكم لم يحصل سوى على نسبة ضعيفة من الأصوات ، خصوصا وأن لدينا شبابا باتت له وسائل جديدة للتعبير عن نفسه.. محمد الرهج : قد نتجه نحو التهلكة أما الأستاذ الرهج فقال إنه إذا لم تقم الحكومة بأي مجهود ، فإننا نتجه نحو التهلكة ،خصوصا وأن اختلالات الميزانية العمومية تستوجب إصلاح القانون التنظيمي للمالية حيث لم يعد مقبولا ان نستمر في تمويل النفقات العادية أي الحياة اليومية للدولة بواسطة القروض، ودعا الرهج إلى استخلاص الدروس من تجارب الماضي في 1963 و1978 وهي التجارب التي فرضت تدخل المانحين الدوليين في سياسات المغرب. واعتبر الرهج أن مستوى المديونية في المغرب اقترب من 57 في المائة من الناتج الداخلي الخام وهو ما يمثل خطرا بالنسبة لتوازناته الماكرو اقتصادية. من جهة أخرى دعا المحلل الاقتصادي باستعجال الى إصلاح النظام الضريبي على مستوى نسبة الضغط الجبائي ، حيث الضرائب غير المباشرة تمثل الثلثين وانعدام العدالة الجبائية لأن القطاع غير المهيكل لا يؤدي والقطاع الفلاحي يستفيد من الاعفاءات غير المبررة بالإضافة إلى طغيان واقع التهرب وخص بالذكر ما سماه الحيتان الكبرى، حيث تضيع على الدولة بين 36 إلى 40 مليار درهم. وقال الأستاذ إن الحكومة يجب أن تشتغل على ملف اللاتمركز، حيث لم يعد مقبولا أن تتعطل النفقات بسبب الاعتماد على مساطر تعود إلى الاستعمار .. لحسن والحاج : الاختلالات الماكرواقتصادية تنذر بالخطر أما الاستاذ لحسن والحاج عن المجلس فاعتبر أن تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قدم دراسة للوضعية خلصت إلى أن الاشكال الكبير يتمثل في ضعف تنافسية الاقتصاد الوطني وهو ما حاول التركيز عليه موضوعاتيا، بحيث أنه في السنة الماضية كان التركيز في التقرير السنوي على تشغيل الشباب. واعتبر والحاج أن التقرير بحكم طبيعته السنوية لا يمكن أن يتناول تطور المغرب على المدى البعيد. غير أن والحاج ركز على ما قدمه التقرير من قراءة للظرفية أبرزت الاختلالات الماكرواقتصادية التي باتت تنذر بالخطر ، حيث هناك عجز موازناتي وعجز كبير في ميزان الاداءات لا يمكن أن يستمر . كما وجب الحد من هذه الاختلالات التي تؤثر سلبا على تنافسية الاقتصاد. وخلص إلى أن هناك إصلاحات لا يمكن أن تنتظر: الجبايات - التعليم - القوانين الدستورية القانون التنظيمي حول الجهوية الذي لم يخرج إلى حيز الوجود بعد سنتين من صدور الدستور وآخذ والحاج على الحكومة الحالية، تباطؤ ها في إخراج 19 قانونا تنظيميا و 120 قانونا عاديا حتى يتم تفعيل الدستور ، وأعطى نموذجا بعدم إخراج القانون التنظيمي للجهوية الذي يجعل المغرب اليوم يسير بغرفة موروثة عن الدستور القديم ..