تقوم المنظمات الدعوية والشبابية التابعة للحزب الذي يرأس الحكومة بحملة تضليلية حول اجتماع لي بوفد من الطلبة اليهود القادمين من إسرائيل ومن دول أخرى في زيارة للمغرب مؤخرا، وهي حملة على الطريقة المعهودة التي ترمي إلى التشهير والتحريض، مع تقديم الخبر بشكل لا يخلو من خبث إيديولوجي نعرف بواعثه وأسبابه ومراميه. وفي هذا السياق أدلي بالمعطيات التالية رفعا لكل لبس: إن موقفي الثابت من القضية الفلسطينية، والذي عبّرت عنه دائما، هو الموقف المبدئي لكل الديمقراطيين، والذي يعتبر إسرائيل دولة احتلال، ويتمسك بالحق الفلسطيني إلى أن تتأسس دولة فلسطين المستقلة، ويُدين كل أشكال القهر والعدوان والحصار والاعتقال الذي يتعرض له الفلسطينيون فوق أرضهم. أننا لا نتفق مطلقا على معنى "التطبيع" كما حدّدته جهات معينة على مقاسها، مطالبة غيرها بالانضباط له مثل تجريدة عسكرية، فالتطبيع الذي نرفضه هو مع الدولة العبرية ومؤسساتها وسياساتها، ومع شخصياتها الرسمية الممثلة للسلطة أو التي تتولى مواقع المسؤولية أيا ما كانت، والتي لم يكن لنا بها علاقة قط، أما اعتبار مجرّد الحديث إلى يهود من أصل مغربي حول قضايا مغربية، وخاصة من الباحثين أو الطلبة أو المثقفين، سواء كانوا من إسرائيل أو من غيرها من دول العالم، "تطبيعا" سياسيا مع الدولة العبرية وهدرا للدم الفلسطيني، فإن ذلك ينطوي على قدر كبير من الغلو والتطرف، ويعتبر تحاملا مجانيا غير مقبول، وضربا من الهذيان لا يؤخذ على محمل الجد. نقول هذا مع تسليمنا لهؤلاء بحقهم المبدئي الكامل في اتخاذ موقفهم ذاك على علاته وتبنيه والتعريف به بالطرق السلمية والحضارية المتعارف عليها، دون إرهاب فكري أو إكراه أو تهديد. ومن هذا المنطلق نعتبر أن سعيهم إلى تمرير مقترح قانون لما أسموه "تجريم التطبيع" اعتداء على حرية غيرهم في الاختلاف السياسي والإيديولوجي، وسعيا إلى إقامة محاكم تفتيش باسم القضية الفلسطينية. أن التيار الإسلامي المتواجد بالسلطة مسؤول عن حدود البلاد وسيادتها ومطاراتها، ولهذا نتساءل ما الذي يمنعه من توقيف من يعتبرهم "صهاينة" دخلوا بالطرق القانونية، وجالوا البلاد طولا وعرضا، ونزلوا في فنادقها وزاروا مواقعها السياحية. أننا لم نسمع صوتا لهؤلاء عندما قام الرئيس الإخواني محمد مرسي ببعث سفيره إلى إسرائيل بمجرد توليه الرئاسة، مع رسالة "محبة" لبريز لم يسبق لأحد من المطبّعين في عهد مبارك أن بعث بمثلها. بينما يقيمون الدنيا ولا يقعدونها عندما يقوم بنفس الشيء مسؤول من غير التيار الذي يرزحون تحت وصايته. أن التطبيع الحقيقي هو حضور شخصية سياسية إسرائيلية في مؤتمر حزب سياسي هو العدالة والتنمية، وليس الجلوس إلى باحثين وطلبة يهود وفلسطينيين وأمريكيين حول القضية الأمازيغية. أن عدد المغاربة الذين يزورون إسرائيل سنويا حسب إحصائيات إسرائيلية رسمية يبلغ 28 ألفا، لم يكن منهم قط كاتب هذه السطور في يوم من الأيام، ونطالب أتباع حزب المصباح ومن يدور في فلكه أن يتحلوا بالشجاعة المطلوبة وينشروا في منابرهم الإعلامية هوية هؤلاء، عوض ما دأبوا عليه من تضليل يربطون خلاله دائما التطبيع ب "نشطاء أمازيغيين". أن قيام التيار التابع لحزب العدالة والتنمية بالاستمرار في المزايدة باستغلال القضية الفلسطينية أمر غير ذي جدوى في الوقت الراهن، حيث كان هذا التيار يعتبر ذلك آلية للتحريك والاستقطاب عندما كان في المعارضة، أما وهو يتولى تدبير الشأن العام، فإن ما ينتظره منه المغاربة هو تفعيل الدستور ومواجهة الأزمات التي تعرفها البلاد، والتي يتحمل فيها مسؤولية كبيرة، عوض استغلال أحداث ثانوية غير ذات أهمية من أجل التغطية على الفشل الحكومي الذي أصبح حديث الخاص والعام.