الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الناشط الأمازيغي عبد الله أوباري ل"التجديد": الأمازيغ يرون إسرائيل كيانا إرهابيا مغتصبا لأرض فلسطين
نشر في التجديد يوم 08 - 09 - 2010

ليست هذه هي الدراسة الأولى التي ينشرها معهد موشي دايان عن دور الحركة الأمازيغية المفترض، في التقدم بمسار التطبيع في دول المغرب العربي وخلق فاعل غير عربي لمواجهة الإسلاميين والقوميين، باعتبارهم العائق الأكبر أمام التطبيع، لكن الجديد في هذه الدراسة أنها وضعت لهذا المخطط، الذي يراهن على اختراق الحركة الأمازيغية، المرتكزات والمقولات وحددت له المسارات، ورسمت له المستقبل كما وضعت أمامه الإكراهات والخيارات، ولأن الأمر يتعلق بالحركة الأمازيغية المغربية وبادعاءات صهيونية تعميمية، تعتبر الأمازيع محايدين في الصراع العربي الإسرائيلي، وغير معنيين تماما بنصرة القضية الفلسطينية، ويركزون فقط على مشاكلهم الداخلية، فقد ارتأينا أن نطرح خلاصات هذه الدراسة، والمزاعم والادعاءات التي أطلقتها على فاعلين أمازيغيين لمعرفة موقفهم في الموضوع.
---
تخلص الدراسة الإسرائيلية حول حدود وفرص التطبيع بين إسرائيل ودول المغرب العربي إلى أن الرهان ينبغي أن يكون على الحركة الأمازيغية لضرب خطاب الحركة الإسلامية والحركة القومية، من أجل التسريع في مسار التطبيع مع إسرائيل، فإلى أي حد يمكن للحركة الأمازيغية أن تنخرط في هذا المخطط الإسرائيلي؟
بداية، تجدر الإشارة هنا إلى أنه منذ المحاولات الأولى التي قامت بها ما سمي آنداك ب جمعية سوس العالمة للصداقة اليهودية الأمازيغية (يوليوز 2007)، كنا أول من لاحظ عدم براءة تلك الخطوة، إذ برزت فيها الأصابع الصهيونية، وأن الأمر أبعد من مجرد صداقة بين يهود وأمازيغ، واصطلحنا عليه حينها ما أسميناه ب محاولات صهينة الأمازيغية. تلتها محاولة جمعية أفراتي للصداقة والتعايش (غشت2007)، ومنتدى أفراتي للحوار بين الثقافات والديانات (مارس2009)، والذاكرة المشتركة (نونبر 2009). رغم ادعاء أصحاب هذه المحاولات بأن الهدف لا يعدو أن يكون مساهمة في إشعاع الموروث الثقافي المغربي في أبعاده الأمازيغية واليهودية ونشر ثقافة التعايش واحترام الآخر، ومحاولة ربط العلاقة وفتح جسور التواصل مع اليهود المغاربة في الداخل والمهجر .. إذ سرعان ما افتضحت الأهداف الحقيقية لمثل هذه المشاريع التطبيعية وخضوعها لأجندة صهيونية، بعد السفريات التي قام بها المعنيون في زيارة للكيان الصهيوني والتصريحات التي صرحوا بها حينها للصحافة.. و أخيرا وليس آخرا، الدراسة التي أصدرها مركز موشي دايان الإسرائيلي. إذ أن الجديد في هذه الدراسة، هو تأكيد ما كنا نحذر منه منذ سنوات (وشهد شاهد من أهلها)، وإعطاء الحجة والبرهان على ما كنا نقوله..
لكن ما لم ينتبه له المشرفون على هذا المشروع، هو أن الحيلة لا يمكن أن تنطلي على عموم الأمازيغ ولا على منظمات الحركة الأمازيغية الفاعلة، التي بقيت في منأى عن الخوض في هذا الأمر. لقد أصبح من الضروري التفريق بين الحركة الأمازيغية الأصيلة، التي تمثل عمقا هوياتيا للشعب المغربي وتناضل من أجل حقوق مشروعة، وبين متسللين إلى القضية من أجل قضاء مآربهم وتحقيق غاياتهم؛ إذ يمثلون الاتجاه العبثي المغامر والذي فقد بوصلة النضال واختار معاكسة نضالات الحركة الأمازيغية بالمغرب، التي تسعى إلى تمتيع الأمازيغية، كمكون أساسي للهوية المغربية، بكل الحقوق الطبيعية .. لكن رغم الاعتراضات التي تثار حول هامشية المجموعة، فإن ذلك لن يساهم سوى في عزلها إلى أبعد الحدود، لكن لابد من التنبيه أن أثر مثل هذه الخطوات يبقى مع ذلك مشوِشاً، لا ينبغي الاستهانة به.
ü تطرح هذه الدراسة تحديات علمية على الحركة الأمازيغية؛ منها علاقة الأمازيع بالرصيد الحضاري العربي الإسلامي، ومنها أيضا الطابع العلماني للحركة الأمازيغية ونزوعها نحو النموذج الغربي وقيمه الكونية، كيف يمكن لكم كناشط أمازيغي أن تقدموا جوابكم العلمي عن هذا التحدي؟
الأمازيغ مسلمون، وفلسطين بالنسبة لهم أرض الأنبياء ومسرى المصطفى وأولى القبلتين، وثالث المسجدين والأرض التي باركها الله في كتابه..
بالفعل، كثير من فصائل الحركة الأمازيغية يغلب عليها الطابع العلماني، وتنزع نحو النموذج الغربي وقيمه الكونية وهذا ناتج عن ظروف تكونها والأدبيات التي نشأت عليها، وكذا المرجعيات التي يستند عليها.. نحن إذن إزاء تطور جديد في مسار القضية الأمازيغية بالمغرب، ففي السابق كان خطاب بعض رموز التيار الأمازيغي يقتصر على المطالب الثقافية واللغوية. لكن الآن، تحولت إلى مطالب سياسية ودستورية (فرض العلمانية) وجغرافية وإثنية وحقوقية.. إلى درجة أن بعض الناشطين أعلنوا صراحة انخراطهم في مشروع تطبيعي سياسي واقتصادي وثقافي وانحيازهم للأطروحة الصهيونية في الموقف من القضية الفلسطينية!
إن التقدم أكثر في كشف الوجه العلماني والقومي للطرح الأمازيغي سيعمق في المفاصلة بين الحركة وعموم الأمازيغ. فالأمازيغ لهم تطلعات ثقافية ولغوية، ولكن القاسم المشترك بينهم وبين العرب كبير جدا (الدين، التاريخ، الوطن، الآمال..).
الأمور الآن أصبحت جلية. فحسب الدراسة المشار إليها آنفا، فإن أكبر عائق للتطبيع في المنطقة، يتمثل بشكل كبير في الحركات الإسلامية والقومية، التي تضغط على الأنظمة في دول المنطقة لإيقاف مسار التطبيع مع إسرائيل، وأن الاستراتيجية الإسرائيلية لمواجهة هذا التحدي تتمثل فيما أسمته الدراسة المراهنة على فاعل غير عربي لمواجهة خطاب الحركات الإسلامية والقومية بخطاب منافس، يرتكز على أربعة مكونات أساسية: القطع مع الرصيد الحضاري العربي الإسلامي، والارتباط بالنموذج الغربي والدفاع عن قيمه الكونية، والتركيز على ما أسمته وجهة النظر الإسرائيلية المشاكل الداخلية الحقيقية. وهذا يشكل في الحقيقة ضربة قوية لاستقلالية هذه المنظمات والناشطين بمختلف هيئاتها. ولا بد من استنكار ما جاء في هذه الدراسة والتمايز معها، وإلا ستفقد هذه المنظمات كل مصداقية..
ü من بين المرتكزات التي يتأسس عليها المخطط الإسرائيلي لاختراق الحركة الأمازيغية؛ الادعاء بأن التقارب الأمازيغي اليهودي له جدور عميقة في التاريخ، كيف تردون على هذه المقولة؟
لجأ اليهود إلى المغرب بعد إجلائهم عن فلسطين على يد نبوخد نصر، في القرن السادس قبل الميلاد، ومن يومها شكلوا كانتونات كعادتهم أينما حلوا، وكان تعاملهم مع السكان الأصليين يقتصر على المستوى الاقتصادي فقط، لأن الديانة اليهودية لا تسمح بالتهويد ولا بالمصاهرة، في حين أن العرب لما دخلوا البلاد اندمجوا مع السكان الأصليين على جميع الأصعدة... فالتقرب إلى اليهود والبقاء على مظلوميتهم، لم يكن أبدا بريئا ولم يكن أيضا حبا في عيونهم، ولكن ذلك كان خطوة يحتاج إليها بناة المشروع الصهيوني لتحقيق مخططاتهم ..
في الحقيقة، ليس لدينا أي مشكل مع اليهود؛ سواء كانوا مواطنين مغاربة أو غيرهم، فقد تعايش معهم أجدادنا قرونا طويلة. وليس هناك أيضا مشكل في تأسيس جمعيات بيننا وبينهم، للدفاع عنهم وعن تراثهم وثقافتهم، ولكن المشكل في استغلال ذلك من أجل الصهينة وتشكيل قاعدة للتطبيع المدني مع المغرب متعدد الأبعاد (سياسية، ثقافية واقتصادية) وإيجاد مواطئ قدم للصهونية العالمية، من أجل إثارة النعرات وزرع الفتن والقلاقل. وفي النهاية، الاستسلام الكامل لخطط المشروع الصهيوني.. وهو ما أثبتته الدراسة، التي أعدها مركز موشي دايان للدراسات الشرق أوسطية والإفريقية بجلاء..
ü تزعم الدراسات الإسرائيلية، أو ذات المنزع الصهيوني، أن الأمازيع غير مرتبطين بالقضية الفلسطينية ولا يحملون أي عداء لإسرائيل، وأن اهتمامهمالأول يعنى بمشاكلهم الداخلية وليس القفز والاغتراب عنها، في قضية الصراع العربي الإسرائيلي؟ ما هو ردكم؟
أذكر أن أحد أعضاء اللجنة التحضيرية لتأسيس جمعية للصداقة الإسرائيلية الأمازيغية صرح لإذاعة هولندا العالمية (غشت 2009) قائلاً أعترف بالصعوبات البالغة التي اعترضت الفكرة، سواء من قبل السلطات أو من مناضلي الحركة الأمازيغية والأحزاب السياسية، بل وحتى من طرف اليهود المغاربة أنفسهم. الذي حصل هو أننا، في الجانب الأمازيغي، لم نجد الدعم الكافي، ومن الجانب اليهودي، لم يكن هناك تجاوباً يذكر. لم يكن هناك ولو يهودي أمازيغي واحد عبر بجرأة وشارك بقوة في دعم المبادرة (...)، وللأسف الشديد فإن الكثير من الأمازيغ وجد أن الفكرة هجينة وصعبة.. في هذا التصريح، خير جواب على أن هؤلاء المطبعين في واد والأمازيغ في واد آخر، بل و حتى اليهود المغاربة في واد غيره.. ولا أظن أن المشاكل الداخلية ستنسي شعبا مسلما قضية فلسطين.. وليس هناك تمايز بين الأمازيغ والعرب وغيرهم من الشعوب المسلمة، فيما يخص التفاعل مع القضية الفلسطينية..
أظن أنه لا يوجد لشعب من الشعوب الإسلامية من الأوقاف والآثار في القدس ما للمغاربة، بل إن للمغاربة حارة مجاورة للأقصى، تسمى باسمهم، أهديتلهم أرضها من طرف صلاح الدين الأيوبي، جزاء بلائهم من أجل الدفاع عن القدس.. فقد تطوع المغاربة في جيوش نور الدين وأبلوا بلاءاً حسناً، وبقوا على العهد زمن صلاح الدين الأيوبي، إلى أن تحررت المدينة من قبضة الصليبيين.. وبعد الفتح، وعِرفَاناً منه، وَقَفَ الملك الأفضل ابن صلاح الدين الأيوبي هذه البقعة على المغاربة سنة 1193م. كان هذا الحي رمزاً لتعلق المغاربة بالقدس. وباب المغاربة أهم أبواب الحرم السبعة، وقد كان يسمى أيضا باب النبي، إذ اختاره النبي صلى الله عليه وسلم ليعبر منه إلى الحرم المقدسي، في رحلة الإسراء والمعراج..
للإشارة فإن أغلب سكان المغرب آنداك (زمن الموحدين) كانوا أمازيغ. فمنذ السنوات الأولى لاعتناقهم الإسلام، كان جُلُّهم يمر بفلسطين بعد إتمام فريضة الحج، حتى ينعم برؤِية مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتم الصلاة في المساجد الثلاثة (المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى). كان المغاربة يقصدونه كذلك طلبا للعلم. كما أن الكثير من أعلام المغرب أقاموا هناك لبضع سنوات، من أمثال الشيخ سيدي صالح حرازم، المتوفي بفاس أواسط القرن السادس، وتلميذه العالم أبا مدين شعيب، والشيخ المقري التلمساني، صاحب كتاب نفح الطيب، ومحمد العبدري الحيحي، صاحب الرحلة المشهورة، وغيرهم كثير، لا يتسع المقام لذكرهم..
هذا الحي، دكته الجرافات الصهيونية يوم 10 يونيو ,1967 بقيادة مجرم الحرب ايتان بن انيان على رؤوس بعض من سكانها، الذين رفضوا المغادرة، وطرد نحو سبعمائة من سكان حارة المغاربة، إضافة إلى ثلاثة آلاف من حارة الشرف المجاورة، التي دمرت بالكامل وتحولت إلى حارة اليهود، وأصبحت بعض من أهم الآثار المغربية الأمازيغية والأندلسية المميزة ركاما، ومن بينها المدرسة الأفضلية، ومسجد البراق.. وللإشارة، فإن الحارة يعود عمرها إلى أكثر من ألف عام، وهي غنية بالمساجد والزوايا والمقامات والآثارالمغربية.. وفي فلسطين الكثير من العائلات الفلسطينية التي تنحدر من أصول أمازيغية. فقرية تومي مثلا، التي أقيمت عليها مستوطنة ديشون، وهي قرية قبائلية يتقن أبناؤها الأمازيغية، رغم مرور عقود طويلة على استقرار أجدادهم في فلسطين..
لا يمكن فصل الأمازيغ عن فلسطين. فعلى المستوى الفني مثلا، وبعد العدوان الهمجي الإسرائيلي الأخير على غزة، أنتجت المجموعة الغنائية الأمازيغية إمزالن أغنيتها الرائعة أفرا إغزا(الحرية لغزة)، وغنت مجموعة ازنكاض اميتك أغنية أمازيغية لفلسطين ,2010 وأهدت فرقة الأنوار الأمازيغية إلى شهداء غزة ألبوم فلسطين تموكاست (فلسطين الجريحة) .. وفي ماي الماضي قدمت مجموعة إنشادن الأمازيغية من الأطلس المغربي لوحات إنشادية عن المقاومة الفلسطينية، ولقيت إعجابا كبيرا من الجمهور الحاضر في مهرجان نظم بالرباط، إحياء للذكرى 62 لنكبة فلسطين. كما تأسست بالحسيمة الجمعية الأمازيغية لمساندة الشعب الفلسطيني وأعلنت عن تبنيها لحملة وطنية تحت شعار كتاب يكسر الحصار، كمشروع للجمعية تحت شعار أدليس إ غزة (كتاب لغزة). إن القضية الفلسطينية يحكمها بعدان، بعد ديني حضاري يستوعب جميع المسلمين.. وبعد إنساني كوني نتقاسمه مع بقية شعوب العالم وشرفائه المتضامنين مع المظلوم.. فالأمازيغ بحكم كونهم مسلمون يتأثرون بالبعدين، كبقية الشعوب الإسلامية. ولا يرون في إسرائيل إلا كيان إرهاب اغتصب أرض فلسطين، يحاصر ويقتل شعبها ويدمر ممتلكاته ويهود تاريخه كل يوم..
ü تطرح مثل هذه الدراسات تحديات حقيقية بخصوص العلاقة البنية التي تجمع الحركة الإسلامية بالحركة الأمازيغية من جهة، والحركة القومية بالحركة الأمازيغية من جهة ثانية، في نظركم كيف تنظرون لمستقبل هذه العلاقة في ضوء مثل هذه المخططات الاستراتيجية الدولية والإسرائيلية عليوجه التحديد، والتي تريد توظيف الورقة الأمازيغية لخدمة أجندات خاصة؟
من خلال رصدي لمحاولات التغلغل الصهيوني في الملف الأمازيغي، تبين لي أن النخب المغربية بما فيها الأمازيغية، واعية بمدى خطورة الرهان الصهيوني على الأمازيغية والأمازيغ لتنفيذ أجندتها بالمنطقة..
لا بد أن نعترف بأن الوضع الراهن للعلاقة يتسم بنوع من المفاصلة والتمايز والصدام النسبي.. يمكن القول أن تفاعل الحركة الإسلامية والقومية مع التطورات الحالية في المشهد الأمازيغي، هو تفاعل محدود لم يرق إلى درجة التأثير في هذه التطورات، إلا أننا نعتبر أن المستقبل حسب المؤشرات قديعرف تقاربا نسبيا سيدفع نحو تخفيف حدة التدافع بين الطرفين الإسلامي والأمازيغي. حيث ظهرت مؤخرا دعوات للحوار بين الطرفين. وفي المقابل تُظهر مؤشرات أخرى أن الجبهة الأمازيغية القومية (العربية) قد تعرف على ما يبدو بعض التصعيد.. بالإضافة إلى ذلك، فإن التقدم أكثر في كشف الوجه العلماني والقومي للطرح الأمازيغي سيعمق هو الآخر إسفين المفاصلة بين الحركتين .. والمطلوب اليوم من كلا الحركتين؛ هو تطويرالخطاب وإيجاد أرضية للتقارب دون أن يكون ذلك على حساب اللغة والثقافة الأمازيغيين.
الباحث الأمازيغي أحمد عصيد لالتجديد:
استفادة الحركة الأمازيغية من النماذج الديمقراطية ليس مبررا للارتماء في أحضان إسرائيل
ü تواترت الدراسات الإسرائيلية التي تتحدث عن مخطط إسرائيلي يستثمر الورقة الأمازيغية من أجل مواجهة خطاب الحركة الإسلامية والحركة القومية بخصوص دعم المقاومة ومواجهة التطبيع، كيف تنظرون - كفاعل أمازيغي - لهذا المخطط؟ وما موقف الحركة الأمازيغية منه؟
لا يوجد موقف معلن للحركة الأمازيغية من أية مخططات إسرائيلية، ولم توجد قط أية وثيقة صادرة عن هذه الحركة تخص هذا الموضوع، كما أن اللقاءات الوطنية والجهوية للحركة، وكذا مؤتمرات الجمعيات والتنظيمات المحسوبة على الحركة لا تتناول السياسة الخارجية لإسرائيل وإنما تركز تركيزا تاما على الملف المطلبي الأمازيغي وطنيا ومغاربيا ودوليا، وهذا لا يعني أنه لا توجد لإسرائيل مخططات أو سياسات تخص المغرب، لكن الحركة الأمازيغية ليست طرفا أو شريكا فيها، وإلا لكان الأمر موضوع نقاش داخلي مستفيض وموضوع أرضيات أو وثائق وتقارير، وهو أمر غير وارد حتى الآن. وقد فوجئت شخصيا بمقدار التهويل والتضخيم الذي ورد في ما اعتبر دورا للفاعل الأمازيغي في السياسة الإسرائيلية، لأن دورا بهذه الأهمية، إن كان موجودا، فهو لا يمكن أن يتمّ في غفلة من الفاعلين الرئيسيين للحركة الأمازيغية.
وإذا كان الأمر يتعلق ببعض الأفراد الذين زاروا إسرائيل، والذين كانوا أقل من القليل، مقارنة بعدد المغاربة الذين يزورون إسرائيل في كل عام (ما بين 20 و30 ألف مغربي، فيهم برلمانيون ورجال أعمال وفنانون)، فإن في هذا خلط كبير بين مواقف سياسية لأفراد وبين اختيارات الحركة الأمازيغية، لأن هؤلاء لم يذهبوا بتفويض من الحركة ولم يكونوا مبعوثين لها ولا مكلفين بمهمة تنظيمية من لدنها، ولا أحد منهم قال ذلك على الإطلاق، كما أنه لا أحد فيهم أدلى للحركة الأمازيغية بتقرير حول الزيارة المذكورة ليتم تدارسه أو الاهتمام به داخل تنظيمات الحركة، ونحن لا نتدخل في المواقف السياسية للأفراد، لأنها اختيارات حرة؛ علاوة على أنها تختلف كما هو الشأن لدى العرب أنفسهم في موضوع فلسطين.
ü تستند التقارير الإسرائيلية، التي تراهن على ما تسميه ب الفاعل غير العربي إلى مرتكزات في الخطاب الأمازيغي، من قبيل القطع مع الرصيد الحضاري العربي الإسلامي، وارتباط الحركة الأمازيغية بالنموذج الغربي، ودفاعها عن القيم الكونية، وتركيزها على المشاكل الحقيقية للبلاد؛ بل الاهتمام بقضية الصراع العربي الإسرائيلي، ونبذ فكرة العداء لإسرائيل، فإلى أي حد تعتبر هذه مرتكزات حقيقية للحركة الأمازيغية؟
هذا تأويل سياسي مبالغ فيه لبعض مبادئ وتوجهات الحركة الأمازيغية المعروفة والمعلنة، والتي لها سياقها ومنطقها الداخلي في الخطاب الأمازيغي، فما سمي بالقطع مع الرصيد الحضاري العربي الإسلامي ليس في الواقع سوى تحريفا لفكرة رفض الأمازيغ لمركزية المشرق وللتبعية الثقافية والسياسية للإيديولوجيات السياسية المشرقية، وخاصة منها القومية العربية والإسلام السياسي. وموقف الأمازيغ هنا طبيعي، لأن هويتهم الخصوصية لن تقوم لها قائمة في ظل إيديولوجيات أجنبية تتجاوز الإطار الوطني. إن المكونات الحضارية العربية والإسلامية موجودة ضمن النسيج الحضاري المغربي ما في ذلك شك، ولكنها في السياق الحضاري المغربي، اتخذت طابعا مغربيا خصوصيا نابعا من الثقافة الأمازيغية الأصلية أساسا، والحركة الأمازيغية تعتبر هذا جوهر الموضوع، فيما يخص علاقة الأمازيغية بالإسلام وبالعربية، وهي لا تنكر وجود هذين المكونين، لأنها تتبنى مفاهيم التعدد والتنوع والاختلاف الثقافي، والتي هي مفاهيم الفكر الديمقراطي الحديث، وهذا يمنعها من الوقوع في النزعات الفاشستية والمواقف الإقصائية. لكن من المؤكد أن النموذج الحضاري العربي الإسلامي المشرقي السائد حاليا، والذي يكرس الإستبداد السياسي والتخلف الاجتماعي والفكري، والتزمت والنزوع الماضوي، ليس نموذجا يقتدى به بالنسبة للأمازيغ الذين يرون أن من حق المغرب أن يستفيد من كل النماذج الديمقراطية الراقية والناجحة في العالم. وهذا ليس مبررا للارتماء في أحضان إسرائيل أو التنكر للحق الفلسطيني، كما يزعم التقرير الذي أشرتم إليه.
أما فيما يخص المرجعية الدولية لحقوق الإنسان والقيم الكونية المرتبطة بها، فهذه مرجعية راسخة للحركة الأمازيغية منذ نشأتها، وليست شبهة من الشبهات أو مخططا إسرائيليا، كما أن تبنيها لا يعني الارتباط بالغرب، لأن قيم حقوق الإنسان ليست غربية بل إنسانية، هكذا نفهمها نحن الأمازيغ؛ لأنها ليست غريبة عن ثقافتنا، فهي رصيد تطور المجتمعات والتجارب والحضارات البشرية وليست نتاج سيرورة غربية خالصة، وقد أسهم الإسلام بقسط ما في هذا الرصيد، كما أسهمت الأمازيغية، لكن العقل الإسلامي وقع في الجمود بينما تطور الغرب تطورا كبيرا ومدهشا في مجال القيم والتنظيم الاجتماعي والعدالة والحقوق، مما يستوجب اللحاق بالركب.
أما نبذ فكرة العداء لإسرائيل فحقيقتها أن الحركة الأمازيغية في الواقع لا تنظر إلى الصراع العربي الإسرائيلي بمنظور القوميين والإسلاميين، فهي تعتبر من صميم مبادئها؛ التضامن مع الشعوب المقهورة والمحتلة، ومنها الشعب الفلسطيني، وقد أوضحنا ذلك غير ما مرة، وتعتبر أن التضامن مع هذه الشعوب واجب إنساني، لكن القوميين يريدونه تضامنا عربيا ومن منظور عروبي، والإسلاميون يريدونه تضامنا دينيا إسلاميا، يستلهم في بعض الأحيان الأدبيات التراثية في العداء لليهود، بينما القضية الفلسطينية في الواقع، تتجاوز العرق والدين، لأنها قضية شعب يناضل من أجل حريته، وهو شعب مكون من عرب وغير عرب ومن مسلمين وغير مسلمين، فتعريب القضية الفلسطينية قد أضر بها ضررا بالغا، كما أن أسلمتها تؤدي حاليا إلى تفاقم معاناة الشعب الفلسطيني. هذا هو الموقف الصحيح للحركة من حيث هي حركة، وهذا لا يعني عدم وجود بعض الأفراد الذين يساندون إسرائيل، وأما التطبيع فهم فيه؛ مثل غيرهم من المغاربة في الأحزاب السياسية والبرلمان وفي الدوائر العليا للسلطة إلخ .. فالمشكل يتجلى في وجود من يسعى إلى جعل موضوع التطبيع شأنا أمازيغيا صرفا، وهذا من المضحكات، إذا علمنا بمقدار الملايير التي يربحها البعض من التعامل مع إسرائيل في الخفاء، دون أن يتهمه أحد.
ü من بين أهم المقولات التي تعتمد عليها كثير من الدراسات الإسرائيلية، أو التي تخدمها من قبيل دراسات الفيلسوف الأمريكي برنارد لويس، فكرة التقارب الأمازيغي-الإسرائيلي، ومحاولة البحث عن جذور تاريخية له، كيف تنظرون من موقعكم كناشط أمازيغي لهذه المقولة، وهل تتبناها الحركة الأمازيغية في المغرب؟
في الواقع لا يتعلق الأمر هنا بإسرائيل، بل باليهود المغاربة؛ والفرق بين الموضوعين كبير، فالموضوع الذي سبق أن اهتم به الفاعلون الأمازيغيون، إذ يمثل العلاقة الموجودة بين اليهود المغاربة والثقافة الأمازيغية، فمن المعلوم أنه باستثناء الديانة اليهودية ليس لأغلبية اليهود المغاربة ثقافة خارج الأمازيغية، وحتى الذين هاجروا إلى إسرائيل ظلوا مرتبطين بالأرض المغربية وبثقافتهم الأصلية، وهذا شيء لا يمكننا أن نقف حياله لا مبالين، فالأمر لا يتعلق بالتقارب مع إسرائيل كدولة، بل بأواصر الصداقة مع اليهود المغاربة، سواء في داخل المغرب أو خارجه، واليهود المغاربة يعون هذا، فعندما أرادت الجمعيات الأمازيغية إبلاغ مذكرتها إلى الملك الحسن الثاني عام ,1996 بشأن التعديل الدستوري، لم تجد غير المستشار أندري أزولاي لإبلاغها، وهذا ما قام به فعلا، وأعتقد أنه لو تم اقتراح ذلك على مستشار ملكي من النخبة الأندلسية لكان رفض ذلك، لأسباب يعرفها الجميع.
ü تهتم دراسات مركز موشي دايان بالحركة الأمازيغية في المغرب، وتعتبر هذه الدراسات، لاسيما منها دراسة كل من سمير بلعياشي، وويتزمان، أن الحركة الأمازيغية غير معنية بالتضامن مع القضية الفلسطينية، فضلا عن مواجهة التطبيع، وأن أولوياتها تكمن في مواجهة المشاكل الداخلية الحقيقية للوطن، وليس خلق العداء مع إسرائيل، ما موقف الحركة الأمازيغية في المغرب؟
القول بأن الحركة الأمازيغية غير معنية بما يحدث في فلسطين هو قول بعيد عن الواقع ومجانب للصواب، فالحركة عبارة عن فاعلين ديمقراطيين وذوو حس إنساني ويتابعون ما يحدث من حولهم، وليسوا دعاة استبداد أو احتلال، وهذه هي الروح الأمازيغية في التاريخ، إنها روح مقاومة كل أنواع الاحتلال والغزو الأجنبي، ولا يعقل أن يكون الأمازيغ اليوم غير مبالين بمعاناة شعب من الشعوب المقهورة، ولكن بالمقابل، لا تعتبر الحركة الأمازيغية القضية الفلسطينية قضية وطنية، كما يقول القوميون، وذات أولوية على المشاكل الداخلية للشعب المغربي، فهذا أمر لا يقبله عقل، والسبب في ذلك أولا، هو أن القضايا الوطنية هي التي ترتبط بالإطار الجيوسياسي المغربي وليس بأي إطار آخر أجنبي أو بإيديولوجيات عابرة للقارات، والثاني، هو أنه في الوقت الذي كان فيه اليساريون يعتبرون قضية فلسطين قضية وطنية كانوا يعتبرون القضية الأمازيغية، التي ترتبط بالأرض والخصوصية المغربيين مؤامرة أجنبية، وكانت هذه من المفارقات التي أدّت إلى رفض إمازيغن ل شكل التضامن القومي مع فلسطين واختاروا صيغة خاصة بهم، هي التضامن في الإطار الإنساني ووفق الشرعية الدولية. ورغم ذلك، فإنّ صراعهم مع القوميين والإسلاميين لم يؤد بالحركة إلى ارتكاب خطإ التنكر لحقوق الفلسطينيين، لأن هذا يتعارض مع مبادئها الديمقراطية والإنسانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.