هذا المؤلف ليس سيرة حقيقية وكفى، إنه كذلك دريعة اتخذناها للحديث ليس على السي بوكماخ فقط ، ولكن عن كل أولئك البوكماخيين الذين تفانوا في تعليم أبناء هذا الوطن، دون انتظار مقابل أو مكافأة؛ كتلك التي منحت للمقاومين؛ ومع ذلك فالمدرسون يعتبرون مقاومين، يطاردون الجهل داخل المدن وفي بقاع نائية من هذا البلد، دون المطالبة بتعويضات النقل ، أو بسيارات الخدمة التي يتبختر داخلها العديد من أطر الجماعات والعمالات والمقاطعات، مع أن أغلبيتهم لم يتجاوز مستواها الثقافي الثانوي، إضافة إلى أن سيارات الخدمة لا تخدم إلا مصالحهم الخاصة. هذا المؤلف ليس سيرة فقط ? كنت أقول ? وإنما مطية للوقوف على مواضيع وقضايا، يظن أصحابها أن التاريخ غفل عنها، فقط لأنها تربوية وليست سياسية. و أؤكد أن هذا المؤلف لا يمثل ربما إلا وجها من الوجوه العديدة لحياة السي أحمد بوكماخ، نظرا لغياب المراجع ولرفض من يتوفرون على البعض منها بمحيطه القريب، لمدنا بها، رغم إصرارنا ومحاولاتنا المتكررة للحصول عليها؛ الشيء الذي قد يكون السبب في سقوطنا في بعض الهفوات. نرجو من القارئ الكريم أن يغفرها لنا إن هي وجدت . الباب الخامس عشر إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : لماذا أبعدت سلسلة إقرأ عن البرمجة بالمدارس الإبتدائية ؟ ما هي الجريمة التربوية التي ارتكبها مؤلفها ؟ وهل البديل كان حقا بديلا، أما كان من الممكن أن نحتفظ بسلسلة إقرأ، بجانب المؤلفات المدرسية التي طفت على السطح مثل الفقاعات، منذ بداية التسعينات على الخصوص، حتى نتأكد، على الأقل ، من أن هذه الأخيرة ذات أكل متميز ،جيد، يحلل حذف ما سبق ؟ ألم يكن من الممكن مثلا، الإحتفاظ بالأستاذ بوكماخ بصفته مرشدا على رأس تلك اللجن للتأليف، كي تستفيد من تجاربه، وهي الجموعات التربوية التي تكونت ما بين صيف وخريف والتي نجهل صفة أعضائها كما نجهل عددهم؟ في حديث مع أحد مفتشي اللغة العربية، والذي أدلى بدلوه هو الآخر ببئر التأليف المدرسي، حاول أن يعطيني إجابتين لهذا السؤال . أولى الإجابتين أن بوكماخ لم يستطع تطوير مؤلفاته حتى يتسنى لها مسايرة الطرق الجديدة التي استدعت إعادة النظر في القديم من المناهج. وهذه إجابة ترد على صاحبها؛ لأن السي بوكماخ، كما هو جلي في مقدماته، وكما أشرنا إليه سابقا، لم يتوقف يوما عن مراجعة مؤلفاته من أجل إضافة نصوص جديدة عليها، تارة، وتارة أخرى، زيادة دروس أو تمارين، انتبه بفعل الممارسة والمتابعة، أن التلاميذ في حاجة إليها أو لتحسين رسوم أو ألوان. أضف إلى هذا وذاك أن الرجل كان دائم التكوين المستمر لنفسه، سواء عن طريق البحث، بصفته مربيا ومؤلفا، يحمل مشروعا أو عن طريق الكتابة الصحفية بإحدى الجرائد المحلية التي حاول مراودتها بعد أن أبعدت كتبه عن البرمجة ( أنظر جريدة الخضراء ،بطنجة بداية التسعينات : الأعداد الأولى) . أما الجواب الثاني الذي واجهني به السيد المفتش /المؤلف، فهو أن الوزارة رغبت في أن تنفتح على كفاءات أخرى؛ أي بمعنى آخر، أن تترك الفرصة لمواهب جديدة، فقررت ألا تكتفي بمؤلف مدرسي واحد. هذا جميل. ولكن لماذا لم تحتفظ الوزارة بسلسلة إقرأ ثم تضيف إليها مؤلفات مدرسية أخرى تغنيها وتثريها ؟ ثانيا إننا نحبذ أن تعطي الوزارة فرصة لمؤلفين جدد، شريطة أن يكون هؤلاء المؤلفون يتمتعون بما يكفي من القدرات الثقافية ، أن يكون لهم ماض في النشاط الثقافي سواء كتابيا أو عمليا. الكل يعلم أن مجموعات من المفتشين تكونت كما يتكون فريق للعب مبارة آنية فقط. استعدت كما يستعد مرشح لاجتياز مباراة، وذلك بعد سماعها برغبة الوزارة بفتح الباب أمام مؤلفين جدد. لم تتكون لرغبة دفينة في التأليف، في العطاء؛ ولكن فقط للفوز بالمنحة المخصصة للكتاب المدرسي الذي سينال رضا المسؤولين بالوزارة؛ ونحن نعلم أن هذا الرضا لم يحصل عليه أصحابه لكفاءتهم، وإنما عن طريق المحسوبية والزبونية التي لا زالت سارية المفعول بالمؤسسة الوصية إلى تاريخ كتابة هذه السطور. ويعلم المغاربة جميعهم أن هذه الطرق مرض تشكو منه جميع القطاعات ببلادنا بما فيها قطاع العدل والصحة والفلاحة؛ وأنه مس وزارة التعليم لما بدأ التعليم الحر يزدهر وسال له لعاب العديد من المسؤولين بالرباط.. والدليل على أن هؤلاء المؤلفين دخلوا التأليف لغرض في نفس يعقوب، هو أنه بمجرد ما تقبل « أعمال» مجموعة منهم، ويتسلمون المقابل المادي الذي جندوا أنفسهم من أجله، يغادرون الساحة ولم تعد تسمع عنهم خبرا ولا ترى لهم أثرا كتابيا كان أو شفويا. خلافا للمربي بوكماخ الذي أعلن ، ومنذ البداية، أنه بصدد تأليف سلسلة ( وأضع سطرا تحت كلمة سلسلة) لأن هذا القرار يعتبر بمثابة عهد قطعه على نفسه أو عقد أبرمه أولا مع التلميذ وثانيا مع الدولة نظرا لغياب دفتر التحملات في بداية الإستقلال. هل حاولت الوزارة ، ولو من باب الفضول ، أن تطلع على نشاط هؤلاء المؤلفين ، مؤلفي آخر ساعة، حاليا ؟ هل يفكرون في تحسين وتحيين ما قدموه لتلامذة مغرب التسعينات ؟ هل هم يا ترى، خلال غيابهم هذا، يفكرون في تعداد مؤلفات أخرى ، مدرسية أو تربوية ؟ أبتر يدي - كما يقول الفرنسيون لو كان أحدهم لا زال يفكر حتى في التعليم أو مشاكله . لا شك أن أغلبيتهم ، بعد التقاعد، حصر تنقلاته بين الدار والمقهى المجاور، حيث يلعب الكلمات المتقاطعة، في انتظار أن تناديه ‹ مولات الدار « للغذاء ؛ إن لم تكن توجد هذه الأغلبية من قدامى مؤلفي الكتب المدرسية، وراء مقود سيارة للأجرة، أو تمارس فلاحة تقليدية بإحدى مناطق دكالة أو الشاوية أو عبدة.