هذا المؤلف ليس سيرة حقيقية وكفى، إنه كذلك دريعة اتخذناها للحديث ليس على السي بوكماخ فقط ، ولكن عن كل أولئك البوكماخيين الذين تفانوا في تعليم أبناء هذا الوطن، دون انتظار مقابل أو مكافأة؛ كتلك التي منحت للمقاومين؛ ومع ذلك فالمدرسون يعتبرون مقاومين، يطاردون الجهل داخل المدن وفي بقاع نائية من هذا البلد، دون المطالبة بتعويضات النقل ، أو بسيارات الخدمة التي يتبختر داخلها العديد من أطر الجماعات والعمالات والمقاطعات، مع أن أغلبيتهم لم يتجاوز مستواها الثقافي الثانوي، إضافة إلى أن سيارات الخدمة لا تخدم إلا مصالحهم الخاصة. هذا المؤلف ليس سيرة فقط ? كنت أقول ? وإنما مطية للوقوف على مواضيع وقضايا، يظن أصحابها أن التاريخ غفل عنها، فقط لأنها تربوية وليست سياسية. و أؤكد أن هذا المؤلف لا يمثل ربما إلا وجها من الوجوه العديدة لحياة السي أحمد بوكماخ، نظرا لغياب المراجع ولرفض من يتوفرون على البعض منها بمحيطه القريب، لمدنا بها، رغم إصرارنا ومحاولاتنا المتكررة للحصول عليها؛ الشيء الذي قد يكون السبب في سقوطنا في بعض الهفوات. نرجو من القارئ الكريم أن يغفرها لنا إن هي وجدت . الباب الحادي عشر إلا أنه يجب الإنتباه إلا أنه من الممكن أن يكون أستاذنا استوحى عنوان كتابه من سلسلة « إقرأ « التي كانت له بمتابة المعين الذي يغرف منه حين كان في بداية مساره التعليمي، وكانت قلة اليد لا تسعفه في اقتناء ما هو في حاجة إليه من كتب أخرى. فيما يخص عتبة هذا المؤلف، لا يجب التوقف عند العنوان فقط، و لكن للغلاف معنى كذلك. نرى على أغلفة المؤلفات الخمس المعدة للقراءة صورة تلميذين في ثياب عصرية للغاية، سواء تعلق الأمر بالبنت أو بالولد، إما متوجهان نحو المدرسة يدا في يد (كتاب الإبتدائي الثاني) أو جالسان وراء المنضضة، رافعان الأصبع (الجزء الرابع للمتوسط الأول ) مما يعني أنهما منشغلان داخل الفصل، أو ملتفان حول كتاب يتهجيان حروفه أو تمرين يحاولان إنجازه (كتابي التحضيري والإبتدائي الأول ). على العموم، يستخلص من أغلفة كتب « إقرأ « أن صاحبها يريد تبليغ رسالة تحمل فكرتين أساسيتين. أولهما الجد والإجتهاد في تحصيل العلم. وثانيهما يجب نشر العلم بين الناشئة من أطفال وبنات دون تمييز بينهما على مستوى الجنس، أو التركيز على الجزئيات القبلية أو الإثنية أو الدينية التي كان بعض المسؤولين المتحزبين أو المتعصبين يتشبتون بها غداة الإستقلال، لأهداف سياسوية ضيقة. فيما يتعلق بعتبات سلسلة إقرأ دائما، هناك ألوان السلسلة. وهي ألوان عادية لا تميز فيها؛ ولا شك أن المؤلف كان في نفسه غرض عند اختيارها. الملاحظ أنه اختار لسلسلته ألوانا ظل محافظا عليها خلال جميع الطبعات، وعلى جميع المستويات، مع إحلال لون محل لون آخر ليميز بين المستويات. لا أظن أن اختيار هذه الألوان من لدن أستاذنا كان اعتباطيا؛ هو الأستاذ الذي لا يكتب عن الهوى. وهي ألوان حمراء خضراء صفراء. نتساءل لماذا لم يختر أستاذنا أيا من الألوان الأسود مثلا أو الرمادي أو الأبيض؛ مما يعني أنه كان للألوان المختارة دلالتها عند من اختارها. وهي ألوان جميلة تسر الناظر، ترمز إضافة إلى وجودها بالعلم الوطني ( الأحمر والأخضر ) إلى الشباب ( الأخضر ) أو النعومة (الأصفر مثلا و الوردي ). إلا أننا لما نتناول كتاب إقرأ للإطلاع عليه، لا يمكن طبعا ألا نثني على الجهود التي أفردها صاحبه لإخراجه إلى الوجود، دون أن نفكر أن هذا الأخير لم يكن يتوفر على القدرات اللازمة سواء منها المادية أو الفكرية أو الفنية لإنجاز عمل من ذلك القبيل. فالمؤلف يتطلب، لكي يصبح جاهزا للإستهلاك، زيادة على المواد التربوية من نصوص وتمارين، تصميما وتصفيفا وصورا؛ ناهيك عن مترجم، بما أن سيدي أحمد يعترف في إحدى مقدماته، أنه نقل عدة نصوص من لغات أجنبية نالت إعجاب التلاميذ في بلدان أخرى ، نقلها إلى العربية، ليستفيد منها أبناء المغاربة . ولكننا نلاحظ، كما سبق ذكره، أن الصفحة الأولى بعد الغلاف، لا تحمل، مع كل الأسف، أيا من أسماء المتعاونين مع المؤلف، من رسامين و مترجمين ومصففين، كما هو معمول به عندما يتعلق الأمر بكتاب ساهمت فيه مجموعة من الفعاليات. فلا يشار على مدى المؤلفات الخمس إلا لإسم الناشر السي عبد السلام جسوس مع الثناء من طبعة إلى أخرى على المجهودات المادية التي لم يكن ذلك الناشر يتردد في بدلها. لا ندري هل يمكن أن نعيب هذا الإهمال في الإشارة إلى أسماء المتعاونين بظهر الكتاب على السي بوكماخ، أو أن الأمر لم يكن بعد تقليدا في ميدان التأليف بالمغرب يومئذ؛ أم أن المتعاونين أنفسهم كانوا يعتبرون مساهمتهم في التأليف تدخل في باب النضال الذي كان الكثير من المعلمين يقوم به داخل المدارس الحرة، إبان بداية الإستقلال، خدمة للوطن وللغة العربية ولصالح العلم، على العموم. ولكن أستاذنا و كأنه انتبه بالفطرة لهذا الحيف، حاول تداركه بتوجيه كلمة شكر عبر مقدماته للسلسلة في حق الكثير ممن مدوا له يد المساعدة، وعلى رأسهم الناشر السي عبد السلام جسوس . ورغم هذه الإشارة غير المباشرة المغلفة بالشكر والإمتنان التي قام بها المؤلف، ارتأيت أن أخصص لمجموعة المتعاونين مع المؤلف حيزا داخل هذا العمل، للتعريف بهم على الأقل، ولو أن أكثرهم توارى الثرى.