هكذا بقي المغرب، فقد عجز الوطاسيون عن توحيده سياسيا وظلت مراكز كثيرة كما رأينا خارجة عن نفوذهم بالإضافة إلى مراكز ثورية لم نذكرها.. مقابل هذه الوضعية البئيسة التي هذا طابعها. كان الطرف الآخر ومن الضفة الأخرى من البحر يراقب نضج الثمار ليقطف الثغور واحدا واحدا. هكذا وبمباركة الكنيسة الكاتوليكية في أوربا سبدأ الهجوم الإيبيري على السواحل المغربية فتصبح- مليلة وغساسة بيد الإسبان - سبتة، وطنجة، وأصيلا، وبلاد الهبط، والقصر الصغير، وأزمور، ومازيغان (الجديدة وآسفي وأنفا وأكوز على شاطئ المحيط عند وادي تانسيفت)، اكادير وماسة بيد البرتغال إلخ.. وهكذا.. إنه انهيار عام. - أمام هذا الواقع المخزي واقع التشرذم والتمزق الذي تقابله في الطرف الآخر وجود قوة فتية موحدة، تحت قيادة ومباركة الكنيسة... قوة ما فتئت تكثف وتكرر الهجوم في صبر وأناة، سرعان ما ستترجم نتائجه الى سقوط تعقبه احتلالات متتالية.. في هذا الواقع الذي نسي فيه الفقهاء أنفسهم في بلاطات الأمراء وتخلوا عن أدواره، سيتخلى جزء مهم من متصوفة المغرب عن لباس الدروشة وفكرها الذي أريد لهم أن يسكنوه ويخلدوا فيه، ليسترجعوا ركنا من «»أركان الإسلام»« هذه علامات استحضاره ووجوبه. أنه ركن الجهاد.. الجهاد الكبير ضد التمزق ونتائجه من خلافات، وجوع، أمراض وسيبة، فوضى ثم غزو واحتلال ونتائجه من إذلال، ومحو كرامة... وستظهر الدعوة الجزولية كنسخة منقحة ومضافة للطريقة الشاذلية، وبقيادة مؤسس هذه الطريقة الجزولية، والمطبوعة باسمه، ستنطلق المقاومة مباركة في الشمال بقيادته الفعلية، فيكون بذلك البدء بالنفس عنوانا لجهاد هذه الطريقة، وربط القول بالعمل طريقها، أليس المثال والنموذج هو الرسول صلى الله عليه وسلم فماذا فعل في نفس الموقف؟ ولأي شيء دعا غير ذلك؟ فلا مجال بعد »اليوم« الى الركون والدعة والهروب بالمبررات الشرعية والوقتية مادام قد ظهر الخيط الأبيض من الأسود، فإما مع وإما ضد، والموقف الواجب هو النهوض للقتال وحمل السيف كما فعل المؤسسون.. قام المتصوفة الجازوليون وفرضوا الجهاد، ودعوا إليه وعملوا له، وشاركوا فيه،واتخذوا موقفا دينيا صارما في من تقاعس في ذلك ويكفي أن نورد مثالا لتتضح لتلكم الجدية والصرامة وحدة الموقف: جاء في دوحة الناشر حين التعريف بالشيخ المتصوف المجاهد ابو عبد الله محمد بن يحيى البهلولي كان هذا الشيخ ممن لازم باب الجهاد وفتح له منه، وله فيه أشعار وقصائد جليلات وغيرها، وكان معاصرا للسلطان ابي عبد الله محمد بن الشيخ الوطاسي المعروف بالبرتغالي فكان إذا جاءه حثه على الغزو يساعده على ما أراد من ذلك.. وله حكاية ظريفة في شأنه (الغزو): غزا مرة غزوة على الثغور الهبطية، وقدم منها مع أصحابه، فوجد زوجته بنت الشيخ الولي أبي زكرياء يحيى بن بكار قد قضى نحبها، وصلى عليها الناس بجامع القرويين وأمامهم الشيخ غازي بن الشيخ أبي عبد الله محمد بن غازي، فوصل الشيخ أبو عبد الله ووجد جنازتها على شفير القبر والناس يريدون مواراتها، فقال لهم مهلا، فتقدم واعاد الصلاة عليها مع أصحابه، فتقدم الناس إليه بالنكير في تكرير الصلاة على الجنازة بالجماعة مرتين، فقال لهم على البديهة: صلاتكم الاولى عليها فاسدة لكونها بغير إمام، فقالوا كيف ذلك يا سيدي؟ فقال: إن من شروط الإمام الذكورية. وهي مفقودة في صاحبكم. لأن الذي لم يتقلد سيفا قط في سبيل الله ولم يضرب به ولا يعرف الحرب كما كان نبينا عليه السلام و لم يتصف بالسيرة النبوية، فكيف يعد إمامكم ؟ بل أمامكم والله من جملة النساء. لقد كان الشيخ سيدي احماد اوموسى حين استقبله شيخه التباع فتى جدعا، قويا، جلدا، اوتي من القوة العضلية. ما به عرف عند الرماة. وليس من العسير ان نفهم لم ارسل التباع الفتى الى الشيخ الملياني، فبالاضافة الى كل ما رأيناه من اختباره وامتحانه، فإن توجيهه لا يمكن ان نسقط منهالتهيء للجهاد، وبالاضافة الى أن الشيخ التباع وبعده الشيخ الغزواني وامثالهما لعبوا دورا كبيرا في الدعم المادي اللوجستيكي، من جمع للاموال، وتهيىء للمقاتلين، وارسالهم الى الثغور، فالشيخ الملياني كذلك بالاضافة الى اتقانه للامازيغية الى جانب العربية يشكل بنية استقبالية مواتية للفتى وصحبه، فإنه وكما تفيد المصادر كما نقلنا في سيرة حياته، قد انبرى للجهاد والثورة على الزيانيين حكام المغرب الاوسط (الجزائر) لتحالفهم مع المحتلين، وتنظيم حركة المقاومة التي ستفرض عليه موضوعيا التحالف مع الاتراك العثمانيين. مادام الهدف واحدا هو الجهاد، والمنطلق واحد (الإسلام والعقيدة السنية) واكيد ان الفتى لن يضيع الفرصة لما فيها من اثبات للذات، وتوجيه «الرعونة والشغب» السابقين الى مكانهما الحقيقي.. الا يعتبر الشيخ الملياني استاذه وشيخه الثالث كما تقول المراجع والمصادر؟! ذكر المؤرخون والذين تناولوا حياته وليس بناء على الاقوال والعنعنة فقط وانما بناء على ما وجدوه من وثائق بأن الشيخ سيدي احماد اوموسى هو مؤسس المدرسة العسكرية ل»زيما» باحمر وبان قائديها اللذين صاحباه في سياحته الاخوين علي وسعيد بناصر الحمريين قد شيخاه. وانه كان تحت إمرتهما أزيد من ثمانية الف محارب فلم كل ذلك؟ الاكيد انه لن يكون فقط لما يعرف الان ب»التبوريدة» لأن مجالها اضيق من ان يستوعب ويحتمل هذا العدد وهذا الاهتمام.. تحدثنا الأستاذة الراجي عن ذلك قائلة: تحدثنا بعض المخطوطات عن الدور المرموق الذي لعبته مدرسة الشيخ احمد بن موسى في ارتياد ميدان الفنون الحربية وخاصة منها الرماية، فشجرة المشيخة تتفق على اختلافها على جعل الشيخ احمد بن موسى معلم الرماية الاول في كافة سوس ودوره المجدد في هذا الميدان، فعلى بناصر الخمري وسعيد بناصر اخذا الرماية عن الشيخ احمد بن موسى حين كانا معه في سياحته بالمشرق ليصبح الاخوان شيوخا لكل المحاربين في القبائل، وقد تطورت مدرسة الرماية لتشكل فيها بعد طريقة حربية منظمة وتطورت معها العلاقة بين علي بناصر والشيخ احماد اوموسى إلى أن اعتبره البعض ابنا له.