لندع الأستاذ عبد الصمد العشاب يتكلم من خلال مؤلفه حول رجالات الشمال : «فقد كان هدف بوكماخ من تأليف المسرحيات هدفا وطنيا وقوميا. وكانت مدينة طنجة تعيش نظاما سياسيا خاصا؛ جعلها مزيجا من الجنسيات والثقافات المتعددة والمتنوعة، وكانت رسالة الوطنيين آنذاك أن يعمل الوطنيون على منع تدويب المغاربة في بؤرة تلك الثقافات الأجنبية وتعريفهم بتاريخ وطنهم؛ فساهم بوكماخ في تأليف مسرحيات قصد منها التذكير بأمجاد الوطن وغرس حب الوطن في نفوس الشعب..» أضف إلى ذلك أن الحركات الوطنية، في حراكها ضد المستعمر كانت في حاجة إلى أطر؛ وهذه الأطر لم تكن تستقطبها إلا من بين تلامذة ومدرسي المدارس الحرة كما أشار إلى ذلك مرجعنا السابق ( حركة المدارس الحرة). ولا أظن عين هذه المنظمات السياسية ستغفل شخصية من طينة السي أحمد بوكماخ. إلا أن السؤال الذي تبادر إلى ذهني، هو لماذا كان السي أحمد يتعاطف مع حزب الشورى والإستقلال، ولم يغره حزب الإستقلال الذي كان يتمتع بنفوذ قوي خصوصا داخل المدن، دون أن ننسى أن السي بوكماخ كانت له علاقة وطيدة بالسي عبد السلام كسوس أحد الأطر البارزة في الحزب آنذاك، نظرا لوضعيته الإجتماعية والإقتصادية ، إذ كان صاحب مطبعة و دار للنشر؟ للإجابة على هذا السؤال ،يجب معرفة شخصية بوكماخ. فهو القادم من الأحياء الشعبية، ابن الفقيه الخباز، العصامي التكوين والثقافة، المتحرر، التقدمي. وشخصية بهذه الصفات لا يمكن أن تصطف بجانب حركة تؤطرها البورجوازية الفاسية حسب تخميناتي. شخصية تتمتع بهذه الكفاءات لا يمكن إلا أن تتعاطف مع حركة تجد فيها نفسها. وحزب الشورى كان وقتها حزبا جريئا في أفكاره ، حداثيا بتعبيرنا الحالي، مقارنة مع حزب الإستقلال الذي كان محسوبا على البورجوازية الفاسية المحافظة، رغم تسربه داخل بعض القرى المجاورة للمدن الكبرى . ما سيق حول تسييس الأستاذ أحمد بوكماخ أو عدم تسييسه، هو قراءة شخصية لما اطلعنا عليه من مسار حياته ومن خلال علاقاته بمحيطه المهني والعائلي ( إذ كان صديقا لعبد القادر برادة العضو البارز بحزب الشورى والإستقلال بطنجة، وهو أب أو عم لبرادة، المناضل المرتد ، صاحب برنامج « mais encore» إلا أنه بعد عثورنا على مقالات واستجوابات للأستاذ بوكماخ، مع إحدى الصحف المحلية، تبين لنا أن الرجل لم يكن ذلك المثقف العاكف في بيته المنزوي به، بين كتب الأدب واللغة والتربية؛ ولكنه كان على بينة مما يجري داخل الأحزاب . أكثر من هذا، نستشف من كلامه عنهم أنه يتخذ موقفا سلبيا إن لم نقل عدائيا اتجاههم . فهو يتكلم في إحدى المقالات عن «مغالطات السياسيين المحترفين « ثم : « أما الأحزاب فهي معروفة بمواقفها العدائية لتحديد النسل لأنها تخشى أن تفقد أنصارها من آباء الأرانب» ( مقال منسوخ عن المقال الأصلي وعنوانه:»علينا أن نختار تحديد النسل أو الفقر ويفتقر هذا المقال لمرجعية دقيقة ). هذه الصورة السلبية التي يحملها السي أحمد عن الأحزاب هي التي جعلته يبتعد عن السياسة لأن أسلوبها في العمل يرتكز على الأكاذيب والمراوغات، هذا على الأقل ما نستنتجه من إجابته لذلك الصحفي بجريدة الخضراء الذي سأله لماذا لم يترشح للإنتخابات بإحدى المدن المغربية، وهو المعروف على صعيد الوطن ، كما أوحى له أحد المراكشيين الذي كان جالسا بجانبه بالمقهى . أجاب السي أحمد : « لا . . . أنا لست مستعدا لهذا النشاط . إنني لست رجل سياسة ولست مخلوقا للعمل السياسي. أنا لا أميل إليه إطلاقا. . . ولا أقبله . . . أنا إنسان من نمط آخر. . . إنني أميل إلى القراءة والكتابة .» نعم السي أحمد إنسان من نمط آخر؛ إنسان يعلم ما يدور حوله ، وله موقفه الشخصي حول ما يجري ويدور. لكن تربيته و ثقافته ومساره لا يسمح له بولوج ميدان جمع بين ما هب ودب من تجار المخدرات، وسماسرة العقار ، و أشباه التقدميين والمرتدين، والوصوليين وهلم خيانة وتملقا . . . وهناك نص بالكتاب الثاني من سلسلة إقرأ لقسم الإبتدائي الأول يشي بأن السي أحمد لم يكن يعلم ما يدور حوله فقط ، ولكنه كان منظرا سياسيا . كانت له رؤيته السياسية الخاصة ، فلنستمع إليه في النص المعنون ب: «الشعب والحكومة « : « قال الملك: أنتم شعب نشيط ، فهل تريدون أن تكون لكم حكومة مخلصة؟ قال الشعب: نعم نريد أن تكون لنا حكومة مخلصة. قال الملك : انتخبوا عددا من الأشخاص لينوبوا عنكم في اختيار رئيس الحكومة. ولما انتخب الرئيس، اختار بعض الأفراد من الشعب ليساعدوه على خدمة البلاد، وسمى كل واحد منهم كوزير ثم قدمهم لجلالة الملك ، فوافقه على اختياره .» لاحظوا معي من خلال هذا النص أن الشخص المنتخب من قبل الشعب هو من سيترأس الحكومة، وهو من سيختار وزراءه ليقدمهم للملك بغية الموافقة عليهم . هذه ورب الكعبة فكرة رائدة إذا علمنا أن النص كتب سنة 1956 ،علما أن كتاب التحضيري ظهر سنة 1954 وأن السي بوكماخ كان يؤلف كتابا كل سنة في بداية سلسلته. كان علينا أن ننتظر نصف قرن أو 56 سنة بالتدقيق لتتحقق نظرية السي بوكماخ السياسية مع الحكومة الملتحية. فبوكماخ كان سياسيا بطريقته ومناضلا بطريقته . قيل من كان يدخل عليهن يعني أزواج النبي صلى الله عليه و سلم فقال كل ذي رحم محرم من نسب أو رضاع قيل فسائر الناس قال كن يحجبن منهم حتى إنهن ليكلمنهم من وراء حجاب وإنما كان سترا واحدا. «عن أمّ سلمة أنها كانت عند النبيّ صلى الله عليه وسلم هي وميمونة، قالت: «فبينا نحن عنده [أيْ عند الرسول] أقبل بن أمّ مكتوم فدخل عليه، وذلك بعد أن أمر بالحجاب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «احْتجبا منه»، قلْنَ: «يا رسول الله، أليْس هو أعمى لا يبصر ولا يعرفنا؟» قال: «أفعُمْياوان أنتُما؟ ألستما تبْصرانه؟ هناك رواية تعتبر أنه نساء الرسول كنّ يخرجْن بالليل لحاجتهن، وكان ناس من المنافقين يتعرضون لهن فيؤذين فشكوا ذلك فقيل ذلك للمنافقين فقالوا إنما نفعله بالإماء فنزلت هذه الآية «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين». أخبرنا محمد بن عمر عن سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن في قوله يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين قال إماء كن بالمدينة يتعرض لهن السفهاء فيؤذين فكانت الحرة تخرج فتحسب أنها أمة فتؤذى فأمرهن الله أن يدنين عليهن من جلابيبهن أخبرنا محمد بن عمر عن بن أبي سبرة عن أبي صخر عن بن كعب القرظي قال كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المؤمنين يؤذيهن فإذا قيل له قال كنت أحسبها أمة فأمرهن الله أن يخالفن زي الإماء ويدنين عليهن من جلابيبهن تخمر وجهها إلا إحدى عينيها يقول ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين يقول ذلك أحرى أن يعرفن أخبرنا محمد بن عمر حدثني مسلم بن خالد عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا يقول بغير ما عملوا أخبرنا محمد بن عمر عن عمر بن حبيب عن صالح بن أبي حسان عن عبيد بن حنين في قوله لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم إلى قوله ولن تجد لسنة الله تبديلا قال عرف المنافقون بأعيانهم في هذه الآية والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة قال هم المنافقون جميعا أخبرنا محمد بن عمر عن أسامة بن زيد بن أسلم عن بن كعب في قوله لئن لم ينته المنافقون يعني المنافقين بأعيانهم والذين في قلوبهم مرض شك يعني المنافقين أيضا. ومع ذلك، ورغْم شرط دخول كل ذي رحم محرم من نسب أو رضاع على نساء الرسول، فقد كان يُسمح للمملوكين والمكاتبين برأيتهنّ، حيث لمْ يكنّ يحتجبْن منهم. يتعلّق الأمر، في حقيقة الأمر بحُرمة وحَصانة فضاء النبوّة، الفضاء القدسيّ. فانطلاقا من الآية 53 من سورة الأحزاب، أصبح دخول بيت الرسول خاضعا لطلب الإذْن والترخيص.