من شاهد عبد الإله بنكيران في البرلمان، وهو يصرخ «أنا الشعب، لا يمكن ألا يتذكر أغنية كامل الشناوي وألحان محمد عبد الوهاب ، «على باب مصر» وأم كلثوم تصدح بصوتها الحماسي : أنا الشعب .أنا الشعب.. ثورة الغضب الكبرى مرتبطة دائما بدعوة الشعب، من كل المداشر والقرى ، ومن الحارات والمدن، ومن المعامل والمصانع والكليات للاستماع إلى الشكوى. غير أن الاغنية التي رددها بنكيران تلغي ما تفتخر به أم كلثوم: لا أعرف المستحيلا. فهو يعلن بالواضح والمرموز أنه تقمص الشعب لكي يعلن له بأنه يعرف بأن رئيس الحكومة يعرف بأنه غير قادر على شيء. فهو قال (أنا والشعب نعرف من هم التماسيح، وسأتوجه الى الشعب لكي أقول له ما خلاوناش نخدمو - حسب الصحف غير المعارضة )». وبالتالي فهو أول رئيس حكومة ، يحب أن يغني أم كلثوم، ويعلن في الناس أنه لا يستطيع شيئا.. وبإعادة صياغة الاغنية، كما يدندن بها الرئيس: أنا الشعب أنا الشعب.. أعرف المستحيلا. ولا أحب المستقيلا. لأنه بالفعل رد بعنف على مستشار استقلالي، يبدو أنه «زرب» في الدخول الى أجواء المعارضة، ووبخه، كما لا يليق بزعيم أغلبية.. لكنه مع ذلك بدا قلقا (كأي صائم طبعا) لأن الاستقلال استقال من حكومته». وهي حكومة تعنيها عبارة الاغنية: حكومتي «مفتوحة كالسماء». تضم الصديق وتمحو الدخيلا.. أو الحليفا لا فرق، من كان صديقا سيصبح دخيلا إذا قرر السيد رئيس الحكومة أو السيد الشعب! سيقول الجديون من أصدقائي ورفاقي أن الأمر يفوق الهزل الآن. وهم على حق، لكنه هزل كالجد أو جد كالهزل، ما دام رئيس الحكومة هو الشعب، والشعب هو رئيس الحكومة فليذهب السيد مونتيسكيو وصاحبه ماكس فيبر إلى الجحيم بكل النظريات السياسية. المهم أن الرئيس يتحدث. وعلى ذكر الرئيس، تتردد في القنوات التلفزيونية المصرية اليوم، الاغنية التي نحن بصددها.. مرفوعة، على رؤوس .. السيديات ضد السيد محمد مرسي، الذي كان بدوره يحب الشعب كثيرا كلما جاءته الفرصة لكي يخطب في السياسة. ولا أحد يمكنه أن يصدق أن الإخوان، على عكس رئيسنا، لا يحبون أم كلثوم. فمنهم من أطل على شعوب العالم من على الشاشات، وقال بالحرف المليان «كان بوش يتفرج على قنوات العرب - متى وكيف، لا يهم، ولما رآهم يترنحون على إيقاع أم كلثوم، قال لهم اضربوا العراق» نعم السي. أم كلثوم هي التي كانت وراء سقوط صدام حسين وسقوط بغداد ودخول المارينز إلى السليمانية وسوق الكرخ! هي ليست أم كلثوم التي يتغنى بها في المغرب. أبدا.. ولا أخفيكم أنني حرت أمام بنكيران وهو يصرخ أنا الشعب، وهو يصرخ أنا رئيس الحكومة. فقد شعرت بالفعل بأنه، في الأول يريد أن يكون بسيطا مثلنا ، حتى يلغينا جميعا ويحاول أن يكون رجل تسلط في الثانية. وهو قد نجح نسبيا في ذلك. فكيف تكون الشعب ورجل السلطة في الوقت ذاته؟ التفسير الوحيد : هو أن يتم إلغاء الشعب، الذي كان لفائدة رجل السلطة الذي .. صار. وهو أمر ممكن إذا كان الرئيس يغني أحب السلام وأخوض القتال .. مني الحقيقة ومني الخيال.. وهنا «طاح الريال..»، فالرجل يمكنه أن يكون، كالشعب، فيه الحقيقة والخيال. ولست أدري لماذا تذكرت حكاية ذلك الولد الذي تقدم إلى والده : أبي ما الفرق بين الخيال والحقيقة. فقال له أبوه: أترى أخاك الأكبر، اذهب وقل له، إذا وجد الفرصة سانحة لكي يسرق بنكا هل سيفعل أو يخاف الله والقانون والأمير. عاد الابن وهو يقول بأنه سيفعل. ثم قال له اذهب واسأل عمك نفس السؤال، فقال له الولد. يقول عمي إنه سيفعل. فقال الأب لابنه: الفرق بين الحقيقة والخيال يا بني هو أن الخيال أننا نعيش مع عائلة واحدة والحقيقة هي أننا نعيش مع عصابة من اللصوص. طبعا هي نكتة فقط والسيد الرئيس حاشا ولله أن يصدق عليه الأمر، هو فقط يقول لنا إن الخيال هو أنه سيقوم بالإصلاح، أما الحقيقة فهي أنه سيذهب إلى الشعب ويقول لهم «ما قدرت ندير والو». إيوا، من بعد ؟ فماذا ستفعل عندما تدعو الشعب لانتخابات سابقة لأوانها؟ لا أعتقد أن السيد الداودي، وهو قريب هذه الايام من الأوساط المجتمعية، يعتبر «الانتخابات السابقة لأوانها جريمة » ايييه اسيدي بنكيران إنك تدعو المغاربة إلى جريمة . والسؤال هو متى يتحرك الرميد لكي يلقي القبض على رئيسه حسب البلاغ العلني الذي تقدم به وزير التعليم العالي!! إني مع كلثوم في أغنيتها أنا الشعب أنا الشعب.. «تسمع بين الضجيج سؤالا وأي سؤال.. تسمع همهمة كالجواب وتسمع همهمة كالسؤال..