ومع ذلك، فقد تواصَلّ تواطؤُها مع عائشة فيما يُسمّى حادث العسل، التي ترويه جلّ الكتب القديمة، والذي مفاده أنّ الرّسول كان يقضي وقتا كثيرا عند زينب بنت جحش، ويشرب عندها عَسَلا. فتواطأتْ عائشة وحفصة على أنه عندما يدخل الرسول عند إحداهما تقول له: «إني لأجد منك ريح مغافير، وبالتالي تسأله:»أأكلتَ مغافير؟ [«مغافير»، مفرده «مغفار»، وهو صمغ حلو يسيل من شجر العرفط (ما يُشبه شجرAcacia اليوم)، يؤكل أو يوضع في ثوب ينضح بالماء فيشرب ورائحته كريهة، انظر «المعجم الوسيط]. تواصلُ عائشة قائلة: «فدخل عن إحدانا، فقالت له: فقال: « بلى شربتُ عسلا عند زينب بنت جحش، ولن أعود له» وحرّمه، وقالت عاشة لحفصة: «ما أرانا إلا قد أتيْنا عظيماً، منعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً كان يشتهيه. فنزلت: « يا أيها النبّي لم تحرم ما أحل الله لك»، (الطبقات الكبرى لابن سعد، و»أسد الغابة في معرفة الصحابة، لابن الأثير). وقال الواقدي: أمر الجارية هو المعروف بالمدينة. «. وبعْد أنْ طفح به الكيْل، وتكرّر أمْر التواطؤ، قرّر الرسول اعتزال نسائه، إلى درجة أنّ الناس أشاعوا خبَر تطليقه لهنّ. وكان ممّن قامَ ردّة فعل والد حفصة، فدخل على عائشة فوبّخها، غيْر أنها ردّت عليه بجرأة: مالي ولك يا ابن الخطاب، عليك بغيري. ثمّ دخلت على حفصة، فقال لها: «يا حفصة أَبَلَغَ من شأنك أنْ تؤذيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله علمتُ أنه لا يحبك، فلوْلا أنا لطلقك. قال: فبكت أشدّ البكاء. فقلت: أين رسول الله؟ قالت: في مشربة. قال: وإذا أنا برباح، غلامُه، قاعدا على سكفة المشربة وقد دلّى رجْليه على نقير من خشب. وهو جذع يرقى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وينحدر. فقلت: يا رَباح، استأذن لي. فنظر إلى الغرفة، ثم نظر إليّ، ولم يقل شيئاً. فرفعت صوتي وقلت: يا رباح، استأذن لي، فإني أظنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى أني جئتُ من أجل حفصة؛ والله لئن أمرني بضرب عنقها، لأضربنّ عنقها. فأومأ إليّ بيده أن أرْقَ. فرقيتُ فقلت: يا رسول الله: أَطَلَّقْتُهُن؟ فقال: لا . وذكر بعد ذلك كلاما»ً. لا تذكر النصوص ما طبيعة هذا الكلام الذي قاله الرسول لعُمر، غير أنه يمكننا أنْ نحْدس بما يمكن أنْ يقول أو يعترفَ به رجل لرجل بشأْن «كيْد» النساء. بلْ إنّ الأخبار تري بأنّ الرسول قدْ طلّق حفصة بالفعل تطليقة، تماما كما فعل مع سوْدة، غيْر أنه لمْ يطلّق حفصة لطعونها في السنّ ، وإنما لشغبها. يفصّل ابن سعد في «الكبقات، الجزء السادس، ص. 106، قائلا: «فدخل عليها (أيْ على حفصة) خالاها: عثمان وقدامة ابنا مظعون، فبكتْ وقالت: والله ما طلقني رسول الله صلى الله عليه وسلم من شنع. ثم دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فتجلببت. فقال صلى الله عليه وسلم: إن جبريل أتاني، فقال لي: راجع حفصة، فإنها صوَامة قوّامة، وهي زوجتك في الجنة. وقال بعضهم: إنّ النبي صلى الله عليه وسلم هم بطلاق حفصة، فأتاه جبريل، فقال: إنها صوّامة قوّامة. وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن أبي معشر، عن ابن أبي الرجال، عن عمرة، عن عائشة: أنه أهديت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها، فأرسل إلى كل امرأة من نسائه منها شيئاَ، وأرسل إلى زينب بنصيبها. فلم ترض به. فزادها، فلم ترض به، وزادها. فقالت عائشة: لقد أقمأت وجهك حين تردُ عليك الهديةَ، فقال صلى الله عليه وسلم: « لأنتنّ أهون على الله من أن تقمئني؛ والله لا أدخل عليكن شهرا « . فلما تمت تسع وعشرون ليلة، دخل عليهن، وقال: « إن الشهر كذا وكذا وكذا، ثم قبض إبهامه في الثالثة « . « اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه للحديث الذي أفشته حفصةُ إلى عائشة تسعاً وعشرين ليلة. قال الزهري، وقالت عائشة: وأنزل الله آية التخيير، فبدأني به، فقلت: إني أريد الله ورسوله. وقال له جميع أزواجه مثل ذلك». «عن مسروق، عن عائشة قالت: خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاخترناه، أفكان طلاقاً؟ حدثنا محمد بن حاتم، ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير قال: كان لأم سلمة نسيب بالطائف أهدى لها عسلا، فقلن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. وروي عن عمر أنه قال لابنته حفصة: لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه ليس لك جمال زينب ولا حظوة عائشة. وتُوفيت حفصة رضي الله تعالى عنها في سنة خمس وأربعين، وصلى عليها مروان بن الحكم في إمرته الأولى على المدينة. ونزل في قبرها عبد الله بن عمر، وعاصم بن عمر، وحمزة بن عبد الله بن عمر، وعبيد الله بن عبد الله بن عمر، ودفنت بالبقيع، وحملت في نعش على سرير. وتبعها مروان إلى البقيع، وجلس حتى فرغ من دفنها، ثم أرسل إلى ابن عمر بعزيمة في الصحف التي كانت عندها، فيها القرآن على ما نسخ في أيام أبي بكر. فأخذها ومحاها».