لم ينصت إسماعيل هنية جيدا للشاعر محمود درويش وهو ينبه في مديح الظل العالي «وعليك أن تحرك الخطوات بالميزان». لم ينصت، و سبق الحفل بليلة كاملة عندما قضى ليلة انتخاب محمد مرسي، رئيسا لمصر ساهرا يعد النفس بالتمني. وسرعان ما باع جلد الدب، قبل أن يموت ويعلن التحالف مع مصر، ونسي أنه أولا حركة مقاومة ولم يصبح بعد دولة، أو قاعدة لدولة الخلافة، التي وعده بها، محمد بديع، مرشد الإخوان المسلمين، وعاصمتها القدس. مع بداية الربيع العربي، اعتقدت قيادة حماس أن المد السني، السابق لقيام دولة الخلافة، قاب قوسين أو أدنى من أن يحكم العالم الإسلامي، مدعوما بالأتراك، خير خلف لخير سلف راشدي. فسارعت القيادة إلى فك الارتباط بإيران، الشيعية، باعتبار أن أهل السنة سيصبحون اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، مع تقزم الدور الإيراني بانشغاله بتدبير الملف النووي، ثم تم فك الارتباط بحزب الله، الحليف الرئيسي في المقاومة ومحور الممانعة، على خلفية الحرب الدائرة في سوريا، والتي تحولت من معركة للديموقراطية يقودها شعب أعزل إزاء نظام دموي، إلى حرب طائفية، يقابل فيها السنة الشيعة ويجددون حرب صفين ومقتل عثمان. في نفس لعبة البوكير الكاذب، خسرت حماس دمشق، عاصمة الممانعة الأخري وغادرت القيادة ربوع الأمويين، لتلتحق بقطر. وكانت تلك الجولة الرابعة في موسم الخسارة، عندما أصبحت قطر، ثان عنصر فاعل بعد «اتحاد دول الخليج» المؤيدة لتدخل الجيش في حماية الثورة المصرية الثانية. قيادة حماس وضعت عربة الخلافة قبل ثور التحرير، واتضحت، مع تزايد التفاعلات ورقة مخطط سيناءوغزة كبديل لدولة فلسطين، ولكن كقاعدة لدولة الخلافة الحالمة، ثم توالي اعتقالات مواطنين فلسطينيين، بتهمة حيازة السلاح والمشاركة في الهجومات على الجيش المصري في سيناء. لا أحد يعرف كيف كان الشيخ ياسين، رحمه الله، سيتصرف، وهل كان سيضع حلم الخلافة، قبل استكمال تحرير الوطن، ويظل فلسطينيا أولا إلى حين تكتمل الدولة الفلسطينية. لكن المؤكد هو أن الذين خلفوه وضعوا فلسطينييغزة، وكل الذين عليهم العبور بمعبر رفح، من مصر وإليها، في كماشة، يبدو من الصعب الخروج منها. ليس الفلسطيني هو دينك الساحر، الذي وضعته أمه في صندوق مغلق وخرج منه، ولا هو فلسطيني سميح القاسم، وضعته الأممالمتحدة في صندوق، ووضعت عليه الحجر، ولكنه استطاع الخروج، الفلسطيني اليوم وضعته حماس خارج الزمن - المكان، وطلبت منه أن يعيش حلم الخلافة قبل تحرير الدولة. وهو يرى معبر رفح، مثل مصباح شرطة الحدود، يلمع بين الفينة والأخرى، عندما يفتح، وعندما يغلق على ضوء ذبذبات الوضع في مصر، لا على ضوء التطورات مع دولة الاحتلال. الخاسر الأكبر هو حماس، وبعدها القضية الفلسطينية. ولهذا نفهم تحذيرات القوى الوطنية، قوى حركة التحرير، وسلالة الشهيد ياسر عرفات، الذي ظل يحافظ على استقلالية القرار الفلسطيني، بالرغم من كل الذرائع، بما فيها الذرائع القومية والثورية والاستراتيجية، لأنه كان يدرك أنها الحضن الدائم لثورة شعب يبحث عن حريته ودولته. لا أحد يمكنه أن يصدق أن السلاح الذي دخل مصر كله يأتيها من النافذة الفلسطينية، لأن الحدود مع ليبيا أوسع من عيون ليلى في قصيدة قيس، ولكن التبني الحماسي لقضية الخلافة في سياسة مصر الداخلية وضعها في قفص الاتهام، أو الالتهام أحسن. هل ستستسلم حماس لقانون:ربحة أو ذبحة، كما نعرف، وتقامر بكل شيء؟ سيكون ذلك من باب الجريمة ضد إنسانية شعب يقاوم من أجل الوجود ومن أجل الحرية، شعب يريد أرضا، يصلي فيها ويعبث فيها وينجب فيها ويفسق فيها حتى إذا شاء، وليس أرضا هي قاعة انتظار لدخول الجنة، خلافة بقيادة الإخوان المسلمين وأردوغان، تبدأ بتقسيم مصر بدون أن توحد فلسطين، وترهن القاهرة للتدخل الأمريكي دون أن تعفي ثغر غزة من سطوة الاحتلال الإسرائيلي.