لأن الكتابة نمط عيش.. وبصمة تفضح صاحبها..وتودعه محفز المشاغبين المدانين، تأتي نصوص الشاعر جمال أماش، منذ إصداره الديوان الأول «اشتعال الثلج» سنة 1998، ثم ديوانه الثاني «خطوات تتقدم الموكب»، الصادر سنة 2005، وانتهاء بديوانه الثالث «حارس النبض» سنة 2010، وعبورا بقصائده المنشورة في عديد الملاحق والمجلات الثقافية، لتكشف أن جمال أماش، لا يغادر مطبخ الكتابة إلا وهو ملازم لها «كظلها الهارب». فلا ينتهي النص الأول إلا بالنص الثاني، ثم تأسيسا عليه، يتهيأ النص الثالث (ومفهوم النص هنا مطلق)، لأنه- أي الشاعر- حين يكتب يشيح بوجهه صوب المرآة، متسائلا: هل أنا الذي كتب هذا الشعر؟ أم، أنا الذي انكتبتُ شعرا؟ يقول: لم تعد الكلمات اصطبل الأحلام ولا ماء يتبع سنابلك الهاوية هي شهقة التراب بلا دمع هناك النهاية بداية النص وإذا لم يرني الحبر فإني على قصبي جاثي وحين يعمرني البحر أدجر سفني بأشرعة العشق قالت هكذا أنت أدخل تحت لباسي ودخلت (1) الشعر وشم محفور في التكوين الذاتي للشاعر جمال أماش، وكما عرفته منذ زمن بعيد، لذلك جعل من القول الشعري ناطقه الشرعي، وسكن مع القصيدة في جزيرة يسبح إليها بفلكه الخاص رفقتها، موجها إياه حسب بوصلته التي تخفيها الأعماق، أحيانا يجرفه التيار، لكنه يحفظ صرخته من صرخة قد ترتطم بها في يده، فحين يكتب القصيدة ويضعها بين يدي القارئ، لا يلتفت إليها البتة، كأنما وضعها قرب رأس أبيه، وأوصاه بها خيرا، حين قال له: ... ضعها على صدرك إن بكت لأني كنت أضعها على صدري فتنام وتحلم أنها طائر يملك السماء لأبريل أودعتها لأبي أودعتها سمادا للتراب وريحا لحقول الياسمين لأبريل صمتي ودمعي المكنون بين سنة وضحاها ما أقساها من سماها في رحيلها ومثواها(2) لما سئل جمال أماش عن تعريفه للكتابة، والسؤال هنا مأزق، أجاب بصرامة المبدع / القارئ لأشعاره، أن الكتابة فضح لصاحبها حين يلقى عليه القبض في ليلة باخوسية، لا لشيء سوى أنه ضبط متلبسا بنص مشاغب، أبوابه مشرعة على قلب يعتذر للشجر، وماؤه جمرات تفتح نوافذ وتغلق أخرى، غير مستعجلة أشعة الشمس، إلى أن ينزل بوذا حيث مقام بحيرة العميان، شاربا جرعة العبور، لذا كانت قصائد ديوان «حارس النبض»، - وللإشارة فالفقرة أعلاه توليفة لعناوين قصائد الديوان- منزعا شعريا خاصا بصاحبه، لكنه لا يلبث يتقاطع مع مهيج الكتابة الشعرية المغربية المعاصرة، في احترامه للمبادئ الإيقاعية الموسيقية الداخلية للنص الشعري، وأيضا لمبادئه اللغوية، وهما بالضرورة لا ينفصلان، لأنه في النهاية، نحتاج إلى «كثير من الذكاء، لكي نخفي أحزاننا باللغة»(3)، وهذا حال التجربة الشعرية لدى جمال أماش، فلا غرابة أن ضم القصيدة، فضمته عقيقا في سبحة، قلبُهَا تعب وصدرها حبل من ذهب، وجيدها بعيد مهوى القرط. الهوامش: 1 - مقتبس من ديوان «اشتعال الثلج»، ط 1، 1998 المطبعة والوراقة الوطنية مراكش. 2 - مقتبس من ديوان «خطوات تتقدم الموكب»، ط 1، 20005. 3 - أحلام مستغانمي. هذه المداخلة قدمت في إطار فعاليات الدورة الرابعة للمعرض الجهوي للكتاب الذي نظمته مديرية الثقافة بالجهة ما بين 26 و30 أبريل 2013.